“Ex Machina”..
عن الآلهة والبشر
محمود سمير – التقرير
كانت ليلة باردة ممطرة، تأخر الوقت و كنت مصابًا بالأرق، وجدت الحل
في الانضمام لمواقع غرف المحادثة؛ كانت في منتهى الملل.
قبل أن أغلق الحاسوب وأحاول النوم، جاءتني رسالة من بروفايل مثير
للاهتمام، هذا البروفايل دلني على موقع يسمى “Clever
Bot”.
وجدتني أتحدث مع شخصية سألتني عن اسمي ومكاني وعملي …إلخ. بعد نصف
ساعة من الحوار، اكتشفت أني أتحدث مع “روبوت” أو ذكاء اصطناعي.
الموقع هو أحد مواقع الدردشة، مع الفارق أن الدردشة ليست مع بشر
إنما مع ذكاء اصطناعي. حقيقة، النتائج أذهلتني.
فاز “كيليب” المبرمج الشاب برحلة يقضي فيها أسبوعًا مع أحد عباقرة
البرمجة في العصر الحديث “نيثان بيتمان”.
وصل “كيليب” لمركز الأبحاث الذي يقيم به “نيثان” في أعالي ولاية
ألاسكا الأمريكية، واكتشف بعد مقابلته “نيثان” أنه ليس بصدد قضاء
أسبوع ترفيهي مع العالم الكبير، وإنما المشاركة في تجربة واختبار
للذكاء الاصطناعي.
على مدار أسبوع سيقضي “كيليب” جلسات يومية مع روبوت لاختيار ذكائه
ووعيه الاصطناعي، أخبره “نيثان” أنه سيكون تحت المراقبة الدائمة
للحفاظ على سرية أبحاثه.
“إذا ثبت فعلًا أنك صنعت أول وعي اصطناعي في التاريخ، لن تدخل
تاريخ البشر، ستدخل تاريخ الآلهة!”، كيليب لنيثان.
تعرف كيليب على “آفا”، وهي روبوت أنثوي. “آفا” ليست روبوتًا
عاديًا؛ حركتها بشرية، وجهها بشري، الشكل بريء الملامح، رغم الهيكل
الغريب الموجود عليها؛ إلا أنه شعر أنه يكلم إنسانة وليست روبوتًا.
من النظرة الأولى، أعجب “كيليب” بها، كل مقابلة أثبتت له أن “آفا”
ليست آلة عادية موجهة، بل لها وجهة النظر فى الحياة، قادرة على
الرسم و الخيال، و قادرة على إظهار مشاعر أقرب ما تكون للحقيقية.
انقطعت الكهرباء فى المقابلة الثالثة، مما ترتب عليه إطفاء كاميرات
المراقبة، أخبرت (آفا) (كيليب) أن (نيثان) كاذب، و أن كل ما يقوله
هراء.
استغرب كيليب مما قالته “آفا”، إلا أنه استشعر الصدق فى قولها،
نيثان فعلاً غريب الأطوار، مدمن الكحول، و مصاب بعقدة الإله أو
جنون العظمة.
هل فعلاً “آفا” صادقة؟ أم أن الوعي الاصطناعي يتلاعب به؟
هذا الفيلم الأول لـ”أليكس جارلاند” كاتب السيناريو والروائي
البريطاني المعروف بتعاونه مع المخرج البريطاني “دانى بويل” فى
أفلام الشاطئ (The
Beach
)، بعد 28 يومًا (28
Days Later)،
و شروق (Sunshine).
مشكلة جارلاند أن أفلامه تبدأ بدايات رائعة ومثيرة لتنتهى بنهايات
مخيبة للآمال، أفلام الشاطئ (The
Beach)
من بطولة ليوناردو ديكابريو و شروق (Sunshine)
أبلغ مثال على ذلك، فهل وقع (جارلاند) فى هذا الفخ؟
اعتمد نص (Ex
Machina)
على إثارة التساؤل العقلى بدلًا من إثارة العواطف، يطرح النص تساؤل
عن أحقية الآليات الواعية فى الحصول على نفس الحقوق التي يحصل
عليها البشر كالحق فى الحياة و الحرية و المعاملة الكريمة.
مشكلة هذا الأسلوب أنه لم يجعلنى أهتم بمصائر الشخصيات، كأنك تشاهد
محاضرة بصرية ممتعة عن الذكاء الاصطناعي، مفيدة للعقل، لكن القلب
خاوي.
كنت أتمنى لو أضاف “جارلاند” أبعادًا لشخصياته و جعلنى أهتم بهم
أكثر.
قام بدور كيليب الممثل “دومال جليسون” و بدور “نيثان” الممثل صاحب
الجذور اللاتينية “أوسكار إيزاكس”، و بدور “آفا” الممثلة السويدية
“أليشا فيكاندر”.
“جليسون” هو ابن الممثل الأيرلندي المخضرم “بريندان جليسون”، الذي
كان بطلًا لفيلم مدينة بروج (In
Bruges)
و فيلم تضحية (Calvary).
صعد جليسون السلم من أوله فى أدوار صغيرة مع والده، ثم ظهر فى
أدوار مساعدة حتى نال فرصته الكبرى فى الظهور فى الأجزاء الأخيرة
فى أفلام هارى بوتر. بعدها حصل على أدوار أكبر، ومؤخرًا قام ببطولة
الفيلم الموسيقي فرانك (Frank).
شخصية كيليب انطوائية، مدمنة للعمل، و تعاني من الحرمان العاطفي،
جسد “جليسون” ذلك جيدًا، لذلك عندما نجده يقع فى حب “آفا”، نصدقه.
أفضل شخصية هى شخصية “نيثان” مدمن للكحول، يعيش فى مكان منعزل عن
العالم الخارجي، أداء “إيزاكس” شوقنى لمعرفة المزيد عن “نيثان”، كل
مشاهده كانت قوية بالأخص مشاهده مع “كيليب”.
إيزاكس بدأ رحلة صعوده فى 2009 عندما ظهر فى فيلم أجورا (Agora)
مع الممثلة رايتشل فايز، ومنذ ذلك الوقت عمل مع مخرجين متميزين مثل
ريدلى سكوت مخرج المصارع (Gladiator)
في فيلم روبن هود
Robin Hood،
ومع الأخوين جويل وإيثان كوين في فيلم داخل لوين دافيز (Inside
Llewyn Davis)،
وآخر أدواره كانت مع المخرج جى سى شاندور في فيلم العام الأعنف على
الإطلاق (A
Most Violent Year).
إيزاكس أظهر مدى رائعًا فى الفيلم، في النصف الأول، فهو العالم
الشاب الذكي مدمن الكحول الذى يريد فقط التجريب، فى النصف الثاني
أصبح شخصًا غامض التصرفات و الدوافع.
“أليشا فيكاندر” هى القلب العاطفى للفيلم، أداءها لشخصية بريئة،
جميلة و مرهفة الحس جعلنى أتعاطف معها، و أتفهم دوافع كيليب
لمساعدتها و الوقوع فى حبها.
فيكاندرعملت فى الأفلام السويدية و من أشهرها فيلم نزوة ملكية (A
Royal Affair)،
الذى رشح لجائزة الأوسكار فئة أحسن فيلم أجنبى عام 2012.
الديكور و التصوير و المؤثرات البصرية هى أفضل العناصر فى (Ex
Machina).
ديكور (مارك ديجبى) كان بسيطًا و تقليديًا و لم يحتوي على تفاصيل
كثيرة على عكس أفلام الخيال العلمي العادية.
تصوير (بن هاردى) واعتماده على الإضاءة الباردة بالإضافة للديكور
خلق فى المشاهد شعور خانق بالأسر والحبس، مما نقل للمشاهد ما كانت
تشعر به (آفا) فى الفيلم.
يطرح (Ex
Machina)
أسئلة فلسفية و أخلاقية عن علاقة البشر بالآليين.
هذه الأسئلة لن تكون مجرد افتراضات على الأقل فى المستقبل القريب،
خصوصًا مع توارد الأخبار عن تطوير شركات البرمجيات الأمريكية،
الصينية و اليابانية لمعالجات عصبية كى تكون بذرة لمخ إلكتروني
قادر على التعلم. |