بعد خمسة أيام فقط يحتفل الممثل جاك نيكلسون والمعجبون به بعيد
ميلاده الثامن والسبعين، فهو وُلد في الثاني والعشرين من أبريل
(نيسان) سنة 1937. في ستين سنة حافلة، شارك خلالها في نحو 75 عملا
سينمائيا ونحو 20 عملا تلفزيونيا، أسس نيكلسون لنفسه كيانا مستقلا
بين الممثلين سواء حين بدأ شابًا أو لاحقًا عندما اختلفت الأدوار
بالنسبة إليه تبعًا لتقدّمه في السن.
*
الاكتشاف
وُلد في نبتون في ولاية نيوجيرسي. وهو عاش خضم مفاجأة كبرى سنة
1975 عندما اكتشف، في مقالة كُتبت عنه في مجلة «تايم» الشهيرة، أن
من اعتقدها شقيقته الكبرى (واسمها جين) لم تكن سوى والدته، وأن من
اعتقدها أمه هي جدته (إيثل). مرد ذلك إلى أنه كان ابنًا لعلاقة غير
شرعية، وجين لم تكن واثقة من هوية الأب فقررت أمها وأبوها تبنيه.
ظاهريًا، على الأقل، لم يبد نيكلسون اكتراثًا لما نُشر على الرغم
مما أحدثه ذلك الاكتشاف من إعادة ترتيب حقائق كانت متوارية. لكن
المؤكد أيضًا أن الرجل لم يسقط تحت انهيار نفسي أو عاطفي، وأنه عرف
كيف يستوعب الأمر بحيث لا يستثمر الإعلام الاستهلاكي (تلك الصحف
والمجلات التي تعيش على الفضائح) الموضوع لأكثر من بضعة مقالات
بُنيت على تحقيق المجلة الأميركية الأسبوعية.
حين تم نشر هذا الموضوع في مجلة «تايم»، كان نيكلسون نجمًا
عالميًا. كان بلغ هذا الوضع من مطلع السبعينات عندما قام بالتمثيل
في ثلاثة أفلام جعلته موضع تقدير فني وجماهيري واسع، وهي «خمس
مقطوعات سهلة» لبوب رافلسون (1970) و«ملك حدائق مارفن» (رافلسون
أيضًا، 1972) و«التفصيلة الأخيرة» لهال آشبي (1973).
قبل ذلك، انخرط، حال وصوله إلى هوليوود، في منتصف الخمسينات، في
العمل التلفزيوني، وظهر في أكثر من حلقة لأكثر من مسلسل في أدوار
تمر عابرًا. لكنه وجد طريقه إلى الأفلام في عام 1958 عندما قام
بالتمثيل في فيلم بعنوان
«Cry Baby Killer»
لاعبًا دور مراهق متهم بجريمة قتل لم يرتكبها.
تبعًا لهذا الفيلم، وضع نيكلسون قدمه في خط سير عدد من المخرجين
الذين كانوا ينجزون أفلامًا جماهيرية مستقلة في الوقت ذاته أمثال
ريتشارد راش وروجر كورمان. الأول منحه دورًا في «باكرًا على الحب»
عام 1960، والثاني تبنّاه في عدد من الأفلام بدءًا من «دكان الرعب
الصغير»
(The Little Shop of Horrors)
في العام ذاته. بعده قام نيكلسون وكورمان بالعمل معًا في «الغراب»،
عن رواية إدغار آلان بو الشهيرة (1963) و«الرعب» (1963). لفت
انتباه المخرج المستقل مونتي هلمان فقدّمه في أربعة أفلام متوالية
هي «طيران صوب الغضب» (1964) و«الباب الخلفي للجحيم» (1964)
و«إطلاق نار» (1966) و«ركوب الدوّارة» (1966). ريتشارد راش عاد
إليه ووضعه فوق دراجة نارية كواحد من «ملائكة الجحيم على دراجات»
ثم عاد إلى كورمان في فيلمين آخرين (أفضلهما «مجزرة يوم سانت
فالانتاين» سنة 1967)، ومثل فيلمًا شبابيًا آخر لحساب ريتشارد راش
يمكن ترجمة عنوانه إلى «جنون نفسي»
(Psych-Out)
سنة 1968.
*
جيل الوردة
كل ذلك تحوّل فجأة إلى صور من الماضي عندما دخل مجرّة هوليوود
مبرهنًا على أنه أحد الممثلين الذين لديهم من الشعبية ما يكفي
لاعتماده في أفلام أولى. صحيح أن المخرج الموسيقي فنسنت مينيللي
وضعه في دور ثانوي في فيلم باربرا سترايسند وإيف مونتان «في يوم
صاف تستطيع أن ترى إلى الأبد»، لكن نيكلسون لم يكترث لهذا النوع من
الأفلام على أي حال. «إيزي رايدر»، لجانب بيتر فوندا ودينيس هوبر،
كان أكثر تلبية للصورة المرسومة له في تلك الفترة، كذلك أفلامه مع
بوب رافلسون ثم سواه.
الصورة هي لشخص لا يبالي. في ذلك الحين كانت أميركا تشهد كل تلك
المتغيّرات التي يقودها شباب يرغب في المساواة العنصرية ويعارض
الحرب الفيتنامية ويؤيد السلام والوئام. في الخمسينات بدأها
روائيون مشهود لهم بالتقدير (منهم ويليام إس بورو وجاك كيرواك
وهنتر إس تومسون) وقبل أن تذبل نتاجاتهم انتشر مفهوم رفض المؤسسة
القائمة ليشكل انقسامًا كبيرًا بين المحافظين وبين جيل الستينات من
المثقفين والمنتمين إلى ما عرف بـ«جيل الوردة». السينما كانت حليفة
من باب عدم رغبتها في تفويت الفرصة. وأفضل ممثل كان قادرًا على
تجسيد الشخصية التي تماثل هوى المشاهدين في هذا الصدد هو جاك
نيكلسون.
«خمس
مقطوعات سهلة»
(Five Easy Pieces)
هو من بين أفضلها مثالاً: جاك نيكلسون لعب دور شاب آت من عائلة
ثرية لكنه يُدير ظهره لكل الرغد الذي كان يستطيع العيش فيه وينطلق
بحثًا عن مستقبله في أعمال يدوية.
هذه اللفتة المتمرّدة معبّر عنها أيضًا في «التفصيلة الأخيرة» حيث
هو أحد رجلي بوليس البحرية مطلوب منه (ومن شريكه أوتيس يونغ) القبض
على مجنّد (راندي كوايد) خالف التعليمات بالعودة إلى معسكره.
سيتفهم نيكلسون في الفيلم دوافع المجنّد الشاب، وسيدافع عن حقوقه
مرتكبًا بدوره خروجًا عن الأعراف.
*
أوسكاراته
هذان الفيلمان كانا من بين إنتاجات هوليوود الرئيسية كذلك «معرفة
جسدية» (مايك نيكولز، 1971) و«تشايناتاون» (رومان بولانسكي، 1974)
وسواهما قبل وبعد قيامه بتمثيل دور الكاتب الذي يستبدل هويته بقاتل
في فيلم مايكل أنغلو أنطونيوني «المسافر» (1975).
هذا هو العام نفسه الذي قام فيه نيكلسون بأهم أدواره: هو مرّة أخرى
رافض للمؤسسة الأميركية التقليدية في «واحد طار فوق عش المجانين».
بعد خمسة أعوام غيّر نيكلسون اتجاهه تمامًا عندما قام ببطولة
«اللامع»
(The Shining)
لستانلي كوبريك. هنا هو كاتب دكّته الأحلام والإخفاقات فانطلق
يعايش وهمًا من الأمس وينصاع لأوامر في البال لقتل زوجته وابنه.
نيكلسون استمر ممثلاً مطلوبًا وغزيرًا في عمله منذ ذلك الحين وحتى
عام 2010 عندما ظهر في آخر فيلم له حتى الآن وهو «أنا ما زلت هنا»
في فيلم شبه تجريبي من تحقيق كايسي أفلك. لكن إسهاماته الأهم لم
تتأثر بمرور الزمن، وليس علينا العودة لأكثر من خمس عشرة سنة
لنلتقط بعض أداءاته الرائعة في أفلام متعددة الأهداف: الدراما
التشويقية في «دم وخمر» (عودة حميدة لبوب رافلسون مع مشاركة مايكل
كاين في البطولة) والكوميديا في «أفضل الممكن» و«العهد» (لشون بن)
ودوره الذي لا يُنسى في «المغادر» لمارتن سكورسيزي.
نيكلسون نوع مختلف من الممثلين. لم ينخرط في سلك المدارس بل تعامل
مع الشخصيات براحة نفسية تعبّر دومًا عن مواقفه حيال الحياة وعن
موهبة آسرة في الكيفية التي يصهر فيها ما قد تمر به شخصيته من ظروف
وحالات. لا عجب أنه رشّح للأوسكار 12 مرة، أولاها عن «إيزي رايدر»
وآخرها عن «حول شميت» (2002)، ونال الجائزة ذاتها ثلاث مرات،
الأولى عن «طيران فوق عش المجانين» (1975)، والثانية «شروط
المودّة» (1984)، أما الثالثة فعن «أفضل ما يمكن» (1997).
شاشة الناقد
Tangerines
(4*)
إخراج:
زازا أوروشادزه ـ تمثيل: لمبت أولفساك، وإلمو نوجانن، وجيورجي
ناكاشدزه ـ (إستونيا، وجورجيا).
الفيلم الذي كان من بين الأفلام المتقدمة للأوسكار هذا العام يجد
الآن طريقه للعروض التجارية: دراما ذات نكهة خفيفة الوقع حول ذلك
العجوز الإستوني (أولفساك، شديد الشبه بالمخرج المعروف مايكل
هنيكه) يستقبل جريحين، أحدهما شيشاني والآخر جورجي، تواجها خلال
الحرب الأبخازية - الجورجية سنة 1992.
بيته يتحول لا إلى تضميد الجراح البدنية لكل منهما، بل تضميد
الجراح العاطفية والآيديولوجية أيضًا. المنحى إنساني والنهاية
شفافة.
كان يمكن صنع فيلم أفضل وقعًا لو كان أكثر جدّية، لكن ما أنجزه
المخرج الجورجي هو ما يريده لفيلمه وبنجاح.
(3*)K
إخراج: امير ريتشارد، إردنبولاغ دارهاد ـ تمثيل: بايلن، وجولا،
ويرغل ـ (هونغ كونغ).
يكتفي الفيلم بإيراد الأسماء الأولى لممثليه لكنهم جميعا جيّدون
جدًا في هذا الفيلم الذي تقع أحداثه في مانغوليا والمقتبس عن رواية
لفرانز كافكا. «ك» (بايلن) هو موظف حكومي يصل إلى بلدة ليجد نفسه
منبوذًا من ناحية وعلى علاقة عاطفية مع امرأة تطلب منه الهرب معًا
ويرفض. المخرجان يوفران معالجة محلية كاملة للنص الأصلي ومعايشة
فنية لا بأس بقيمتها رغم أن الفيلم يعاني من نحافة الخط الروائي
إلى درجة ملحوظة.
The
Longest Ride
(1*)
إخراج: جورج تيلمان ـ تمثيل سكوت ايستوود، وبريتاني روبرتسون
(الولايات المتحدة).
منوال عاطفي لا يمضي بعيدًا ولا عميقًا بل مسطّحًا على الدوام.
سكوت ايستوود (ابن كلينت)
هو كاوبوي يريد العودة إلى حلبة ركوب الثيران وبريتاني هي الفتاة
التي تحبّه لكن، وهناك دائما «لكن» كبيرة في هذه الحكايات قد تلهيه
عما يريد تحقيقه من نجاح. في هذا الفيلم الثيران فقط تبدو حقيقية!
DVD
Do
The Right Thing
(4*)
إخراج: سبايك لي - تمثيل: داني أييلو، وأوسي ديفيز، وسبايك لي، وبل
نان (الولايات المتحدة، 1989).
منذ أن ترك سبايك لي سينما اكتشاف البيئة الاجتماعية الحاضنة
لمشاكل تعدد القوميات، خسر أهم مقوّماته ودوافعه. «افعل الشيء
الصحيح» هو أفضل ما حققه من أعمال: دراما اجتماعية عن موكي (لي)
الذي يعمل في تسليم البيتزا للزبائن في حي في هارلم. صاحب المطعم
(أييلو) يدخل في شجار مع المسلم رحيم (بل نان) عندما تساءل هذا
لماذا تنتشر على جدران المطعم صور البيض من المشاهير فقط. لكن الجو
الممهد للواقعة ساخن مثل شمس أغسطس (آب). سبايك لي يضع إصبعه على
الجرح الكامن في خاصرة العلاقات التي ترفض أن تهدأ وتستتب بأسلوب
معايش وغير خطابي ويعرف تمامًا ما يقول وكيف يقوله.
(1*)
لا يستحق -
(2*)
وسط -
(3*)
جيد -
(4*)
ممتاز -
(5*)
تحفة
مفكرة
* قبل
التصوير:
*
المخرج الألماني فرنر هرتزوغ لديه مشروعان يدخل تصويرهما هذا
العام. الأول من بطولة فيرونيكا فيريس عنوانه «ملح ونار» حول باحثة
تريد التحقيق حول كوارث بيئية في جنوب أفريقيا فتتعرض للخطف.
الثاني من بطولة الياباني كن واتانابي حول الجندي الياباني هيرو
أونودا الذي عاش فوق جزيرة معزولة 35 سنة بعد الحرب العالمية
الثانية معتقدًا أنها ما زالت مستمرة.
* في
التصوير:
*
باشر المخرج أوليفر ستون تصوير فيلمه «سنودن»، كاشف المعلومات
الأمنية السرية إدوارد سنودن. يقوم بالدور جوزيف غوردون - ليفيت
ويشترك في التمثيل نيكولاس كايج، وسكوت إيستوود، وشايلين وودلي.
* بعد
التصوير:
*الممثل
البريطاني جوني سترونغ انتهى من تمثيل «نهاية النهار» من إخراج
ويليام كوفمن، حول ناجين من كارثة كونية يواجهون عصابات من القتلة
في عالم بلا قانون.
المشهد:
العرب وصناعة السينما
*
هناك العديد من الفرص لتوظيف رأس المال العربي في مشاريع سينمائية
وتلفزيونية عالمية.. لكن هذا الرأسمال يخشى أن يُخدع.
*
في عالم اليوم لا يمكن الاستمرار في تبني افتراضيات من نوع أن
العالم يتربّص بنا وسوف ينقض علينا ويتسبب في ضياع ثرواتنا. صحيح
أن «المال السايب يعلّم الناس الحرام»، لكن لا أحد يقول إنه على
هذا المال أن يكون «سائبًا» أو أن يفتح العرب ودائعهم ويقولوا
للغربيين: «تفضلوا خذوا ما تشاءون». بالتالي، المشكلة تكمن في أن
الثقافة السينمائية مهجورة في بلادنا وبين الحالمين بصنع الأفلام،
إنتاجًا وإخراجًا، بحيث تبدو كل المهام، حتى بالنسبة لأصغرها، صعبة
ومعقدة.
* «أبني
برجًا وأبيع طوابقه نصفها أو جميعها قبل أن يُنجز. هذا أفهمه. أراه
بعيني وأستطيع أن أشرف عليه بنفسي. أسلّم مالي للغريب لقاء مشروع
على الورق، كيف لي أن أعرف مقدار استفادتي منه؟».. هذا قول أحد
كبار أصحاب العقارات قبل حين في جلسة مفتوحة ردًا على سؤال أحد
الجالسين حول لماذا لا يستثمر بعضًا من ماله في هوليوود «ما دمت
تقول إنك تحب السينما ولا يفوتك فيلم منها»؟!
*
بقليل من المعرفة وبكثير من الاعتماد على مستشارين يتم تعيينهم
برواتب شهرية ويمكن الوثوق بهم أو بجلب منتج عربي يعمل في هوليوود
(مالك عقاد، جورج شمشوم، نك رسلان، إلخ..) يمكن للمستثمر أن يضمن
دخوله شريكًا في الأفلام المنتجة. لكن قبل ذلك، عليه أن يؤمن بما
يقدم عليه. صحيح أن العمارة تنتصب أمامه وتكتمل في سنة بينما
الفيلم هو مشروع ورقي يتحوّل إلى مادة مصوّرة في سوق كبير، إلا أن
المموّل المأمول عليه ألا يرقب نتائج عمله من خلال الفيلم الأول.
*
بكلمات أخرى، معظم الأفلام المنتجة في هوليوود أو خارجها تحقق
إيرادات تعلو عن التكلفة مع تعدد وسائل العروض، لماذا سيحط سوء
الطالع على الفيلم الذي يشارك العربي في تمويله فقط؟ إذا ما تم
فهناك سواه. الأمر الأساسي هنا هو الاستمرارية وطرح الإسهام ضمن
خطّة ترفض أن تنهزم، وإثبات جدارة المموّل في السوق.
*
طبعًا لما ذكرناه آنفًا أسباب أخرى: لم تتكوّن عند معظم بلادنا
صناعة سينمائية حقيقية. بالتالي لم يكن هناك داعٍ لثقافة تختص
بالصناعة السينمائية وحدها. كل من هونغ كونغ وأميركا وفرنسا
وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا والهند لديه مجلة عن تجارة وتوزيع
وصناعة الأفلام (مثل «فاراياتي» و«ذا هوليوود ريبورتر» و«فيلم
فرنسيز») بخلاف العرب. حتى عندما بلغت صناعة السينما المصرية
أوجها، لم يهتم أحد من المعنيين بهذا الجانب. قبل سنوات قليلة قام
محام باكستاني بشراء رخصة مجلة «فاراياتي» الأميركية ونشرها
بالعربية والإنجليزية. لم يكن التوفيق حليفه لأن المعلنين فضّلوا
فجأة الإعلان في «فاراياتي» الأم على «فاراياتي» الفتاة.
*
إذن هي «خلطة فوزية» حين يأتي الأمر إلى هذا الموضوع، لكنها خلطة
وليست دهاليز غامضة لا يمكن تجاوزها، لو أردنا. |