عام 1995، احتفالاً بمئوية السينما، أجرى الصحافي جان بيار
لافوانيا حواراً مشوقاً مع جان لوك غودار وستيفن سبيلبرغ ــ كل
واحد على حدا ــ عن ماضي السينما وحاضرها ومستقبلها.
هنا مقابلة غودار يروي فيها من جملة ما يرويه علاقته بالسينمائيين
الشباب. "احاول احياناً (انشاء حوار معهم) لكن غالباً يكونون
الاولاد الضائعين الذين يبحثون عن أب فأقول لهم: "تعتقد انك عثرت
على أب لكنه صبي ابله مما تظن هذا الواقف امامك... انت من يستطيع
ان يكون أباً لي".
·
حين فكّرنا في عدد "استوديو" هذا الخاص بمئوية السينما...
- بئس مئوية السينما!
·
... تملكّتنا للتو رغبة في تحريك سينمائيين: ستيفن سبيلبرغ وانت.
لدينا شعور في الواقع بأنكما تمثلان نقطتين اسياسيتين في السينما.
- امر طبيعي. انا، الماضي، وسبيلبرغ الحاضر.
·
في ذهننا، لم تكن مسألة عمر.
- انها لي مسألة عمر. في الوقت عينه يقول فولكنر: "لم يمت الماضي
قط. حتى انه لم ينقضِ"، اذن يمكنني موضعة نفسي في الراهن. سوف
يتذكرونني لأنهم لم يشاهدوا افلامي. سبيلبرغ، لن يتذكروه بل سوف
يتذكرون افلامه لأنهم شاهدوها.
·
انها صورة وليست حقيقة. "مخطوف النفس"، "الاحتقار"، و"بيارو
المجنون" افلام شوهدت...
- بلى، اذا اردنا... ظنوا انهم شاهدوها.
·
لو كان عليك ان تفسّر لحيّ من خارج العالم ما هي السينما، ماذا
تقول له؟
ـــ (السؤال الذي طرح بحرفيته على سبيلبرغ). لا استطيع الاجابة عن
هذا لأن السينما "هي" في العالم. في أي حال، العالم يعيش في
السينما، بالمعنى الذي عبّر عنه ديغول، الذي لم يكن يحب
البرلمانيين، قائلاً لمالرو: "الفارق بينهم وبيننا هو انهم يعيشون
في فرنسا، نحن فرنسا تعيش فينا". يحيا العالم في السينما كما يحيا
في الرسم او اي شكل آخر للفن. لزمن ما، في الخمسينات، كانت كلمة
"كاميرا" معروفة في حجم يوازي كلمة "خبز". اليوم، لم يبق هو
الواقع. اسيء فهمه.
·
لِمَ في تقديرك؟
- لأنهم رفعوا حقوق السينما لا واجباتها. لم يستطيعوا، او لم
يعرفوا، او لم يرغبوا في منح السينما الدور الذي ترك للرسم او
للأدب. لم تحسن السينما اداء واجباتها. انها اداة اسيء فهمها. في
البداية، ظنوا ان السينما تفرض نفسها اداة جديدة للمعرفة، مجهراً،
تلسكوباً، لكن سرعان ما منعت من اداء وظيفتها وجعلوا منها ترفيهاً.
لم تلعب السينما دورها اداة للفكر. لأنها كانت مع ذلك طريقة فريدة
لرؤية العالم، رؤية خاصة كان ممكناً من ثم عرضها مكبرة أمام اشخاص
عديدين وفي اماكن عدة في آن واحد. انما لكون السينما عرفت لتوّها
النجاح الشعبي الضخم، فضّلوا جانبها الاستعراضي. في الواقع، تلك
الناحية الاستعراضية لا تمثل سوى 10 او 15 في المئة من وظيفة
السينما: كان ينبغي الا يشكل ذلك سوى فائدة الرأسمال، بينما، لم
تستخدم السينما الا لفوائدها ولم يدعوها تلعب دورها الاساسي. تاهوا
عنها.
·
في اي زمن حدث التصدع في رأيك؟
- تقريباً منذ الانطلاقة، مع وصول تالبرغ على رأس مترو غولدوين
ماير. كان هنالك افراد، خاصة في اوروبا، نشأوا ضد ذلك ولم يكونوا
على قدر المهمة. وفي نهاية الأمر، لم تستطع السينما انجاز مهمتها.
كما لو لم يكن في الادب سوى الروايات: افضلها لديكنز، اسوأها
لسوليتزر، سوليتزر لم يلغ ديكنز. في السينما، بلى: انتهوا الى
مساواة سوليتزر بديكنز... لا تخدم السينما اليوم للرؤية، انها
تقدّم العرض.
·
هل حاولت، بافلامك، قلب الاتجاه؟
- اعتقد في سذاجة ان "الموجة الجديدة" ستكون بداية، ثورة. ولكن،
كان الامر متأخراً جداً. كل شيء كان انتهى. النهاية وقعت لحظة لم
تصوّر معسكرات الاعتقال. في تلك اللحظة، فوّتت السينما كلياً
واجبها. كان هنالك ستة ملايين انسان قتلاً او خنقاً بالغاز، من
اليهود في شكل خاص، ولم تكن السينما حاضرة. ومع ذلك، من
"الديكتاتور" الى "قانون اللعبة" كانت تنبأت بكل المآسي. بعدم
تصويرها معسكرات الاعتقال، استقالت السينما تماماً، انها كمثل
الخادم الصالح الذي مات من عدم استخدامه. السينما وسيلة تعبير
اختفى منها التعبير. بقيت منها الوسيلة. السينما، اليوم، اضحت
امراً آخر يسعى أقل الى رؤية العالم مما الى السيطرة عليه. منذ
غوتنبرغ، اسعفت الطباعة في طبع ديكنز كما نظريات اينشتاين. السينما
لم تخدم في ذلك. لواقع انها تحولت على الفور شعبية جداً، وجدت
نفسها ممسوكة بأيدي التجار. غاليمار ينشر في آن واحد لبيكيت
ولابرو، لا يقول: "بيكيت سيئ لأنه يبيع اقل" و"لابرو جيد لأنه يبيع
اكثر". في السينما منذ تالبرغ في رأيي، قالوا: "ما يشاهد اقل هو
اقل جودة".
·
مجرد انك تستطيع دائماً تحقيق الافلام، وان الناس يشاهدونها، يثبت
العكس.
- أوه، اني اصنع الافلام لأبقى، في صعوبة على اي حال. عملي لا يأبه
له سوى بعض الجامعيين، اذ في شكل عام، لم اجعلهم قط يخسرون مالاً.
·
لدينا انطباع ان هذا التحليل المتشائم الذي تقدمه اليوم ما كان
ممكناً ان يكون تحليلك يوم انجزت "مخطوف النفس"...
- هذا لأننا كنا مؤمنين بالسينما اكثر في تلك الحقبة. ثم، شيئاً
فشيئاً، رأينا أن الامر لم يكن بتلك السهولة. لست متشائماً: اقول
فقط ثمة اشياء لم يكن تحقيقها ممكناً الا بالسينما - وليس
بالرواية، او بالرسم، او بالموسيقى - ولم تتحقق.
·
هل تذكر اول فيلم شاهدته؟
- كلا. لا بد اني ذهبت لمشاهدة افلام والت ديزني مثل كل الصغار.
غير اني لست مثل لولوش الذي يقول: "في الثالثة شاهدت ذاك الفيلم في
يوم كذا، عرفت اني سأكون سينمائياً..." (ضحك).
·
ثمة مع ذلك لحظة شعرت فيها بالرغبة في تعاطي السينما.
- بلى، في السينماتيك. هناك، اكتشفت عالماً لم يحدثني احد عنه، لا
المدرسة، لا الاهل. لماذا اخفوا عنا وجوده؟ حدثوني عن غوته لكن ليس
عن دراير... اكتفينا بالمشاهدة. كنا نشاهد افلاماً صامتة في حقبة
السينما الناطقة، كنا نحلم بافلام، وكنا نسمع عن افلام لم نشاهدها
ابداً. "الموجة الجديدة" كانت هذا: كنا مثل مسيحيين اهتدوا دون ان
يروا ابداً المسيح او مار بولس. السينما الجيدة، الحقيقية، كانت
التي لم نكن نشاهدها لأنها لم تكن تعرض. السينما الاخرى، كنا
نستطيع مشاهدتها كل سبت. لكن السينما الحقيقية، غريفيث،
ايزنشتاين... كنا نشقى كثيراً لمشاهدتها، فاما كانت ممنوعة، او غير
معروضة، واما موزعة في شكل سيئ... اذاً، لنا، تلك كانت السينما
الحقيقية. ادينا لها فعلاً مخلصاً اذا اردتما.
·
ما الذي كان يجذبكم في تلك الافلام اذا لم تكونوا تشاهدونها؟
- تماماً، كانت لغزاً. ثمة نوع من الارض المجهولة تقع في اطار
التكهن. كتموا عنا اسلوباً في رؤية العالم كان موجوداً منذ اربعين
سنة. لم يكلمنا احد عنه. كما لم يحدثني احد، على الاقل في عائلتي،
عن السياسة. عبر السينما اكتشفت لينين.
·
اذاً، لم تكن السينما استقالت بعد من دورها في اظهار العالم لك كما
كنت تقول للتو!
- اعتقد بلى، انما لم نكن نعرف ذلك بعد. هذا يعني، كانت ولا تزال
افلام فيها رؤية للعالم، الا انها اقلية. انها استثناءات لا تمنع
الحركة العامة للصناعة السينمائية من ان تكون اليوم شديدة الارتباط
بالسلطة. مثل الصحافة او التلفزيون. اليوم، ما ندعوه "الصور" مرتبط
جداً بالسلطة. في حقبة ما، لم يكن الامر كذلك. غوتنبرغ لم يشأ ان
يحكم العالم. سبيلبرغ، بلى.
·
بِمَ يريد ذلك؟
- بواقع الرغبة في الامتاع التي تتقدم البحث عن حقيقة او معرفة.
سبيلبرغ، مثل آخرين كثر، يبغي الاقناع قبل النقاش. ثمة شيء
توتاليتاري جداً. في النهاية، لنقل ان السينما هي لي اداة فكر
فريدة تقع في النقطة الوسط بين الفلسفة والعلم والادب، بما يعني
اننا نستعين بانظارنا وليس بخطاب جاهز. مع افلامي، حاولت التمسك
بهذا الدور حتى وان كان ذلك غالباً في طريقة ملتبسة. لكن حتماً، لم
يكن ممكناً ان نعكس التيار. الاشياء هي ما هي.
·
هل من سينمائيين لا يزالون يدهشونك؟
- احببت كثيراً عباس كيارستمي. شاهدت "وتستمر الحياة". ثمة دوماً
افلام جيدة لكن قليلة. انما سيتحققون كوني احب غريفيث بقدر ما
كيارستمي.
·
كان تروفو يقول انكم جعلتم كل شيء ممكناً...
- تلك كانت "الموجة الجديدة"، بدأنا السينما الفرنسية، كل شيء كان
ممنوعاً، متحجراً، حرفياً في اسوأ معاني الكلمة. وقلنا: "كلا، لا
ممنوعات"، ممكن العمل مع صديقة وكتابة ما نرغب في كتابته. وانجزنا
افلاماً ضد القواعد السائدة. الموجة الجديدة ولدت ايضاً من روحية
التعارض. صورنا افلامنا في الشارع، اذ في الحقبة كل الافلام كانت
تصور في ديكورات داخلية. لو صوروا في الشارع، لكنا صورنا ربما في
الداخل افلامنا. اليوم، على العكس، يسعنا القول انه لم تبق ثمة
قاعدة كبيرة، الا قاعدة "انا، مؤلف" وهذا لا معنى له. ثلاثة ارباع
الناس يخالون انفسهم مؤلفين.
·
ليس انت؟
- آه! أنا، كلا. في النهاية، بلى، اني مؤلف العمل لكن العمل هو
المهم. حين شرعت في صنع الافلام، كنا نناقش المنتج، كنت احمل
ملخصاً للسيناريو. اليوم، لم اعد املك حتى ذلك. عرفت الامر مع
بوروغار ولم احظ به بعد ذلك. افتقده كثيراً، وانا واثق انه مفتقد
كثيراً لدى الشباب الذين ينجزون افلاماً اليوم والذين يعتقدون
انفسهم مؤلفين بحق الهي. لم يبق النقاش موجوداً، حتى نقاش التخاصم
الذي كان ممكناً حدوثه بين فيلليني وبونتي الذي انتج له "لا
سترادا". في الولايات المتحدة، النقاش غير موجود اليوم بيد ان قوة
الاميركيين هي في كونهم يعملون كثيراً. يكفي ذلك لصنع الفرق. هناك
لا يحلقون عالياً بل جيداً، هنا، يحلقون عالياً جداً انما لا
تحليق.
·
هل كنت استطعت العمل في بنية صارمة كما في الولايات المتحدة؟
- بلى، لو وقعت على شخص مهتم بالعمل واستطيع نقاشاً معه. وهو الامر
الموجود احياناً في عالم الكتب. حين تلقى ليندن المخطوطة الاولى من
آلان روب - غرييه طلب اليه معاودة الكتابة...
·
بلى، انما لا يفعل ذلك اليوم...
- تماماً، وهذا ليس افضل.
·
ربما لن يجرؤوا على قول ذلك لك ايضاً، نظراً الى مكانتك...
- أوه، انا، لم يعودوا يقولون لي شيئاً، او يقولون لي احياناً:
"احببت فيلمك" او "فيلمك اثر بي". انما بقول ذلك يعظّم المرء بنفسه
ولا يتحدث عن الفيلم.
·
هل لديك شعور بأن التلفزيون افسد وظيفة السينما؟
- بلى، لأن التلفزيون قائم على قاعدة البث. السينما ألفت نفسها
مرتبطة باقتصاد حيث البث تقدم الانتاج. اليوم، لا يبثّون ما
ينتجون، بل ينتجون ليتمكنوا من البث. انا، اقول ان السينما كانت
فائقة القوة، كانت عصية على الرقابة. لذا فضّلوا تقزيمها الى بعدها
المشهدي الواحد. اسألوا الناس هل يتذكرون صورة واحدة من افلام
سبيلبرغ، لا يستطعيون.
·
الجميع يعرف صورة "اي. تي." عابراً امام القمر!
- انه الأقل سوءاً، "اي. تي."، بيد انه مشحون بعالم كامل من العلمي
- الخيالي... كالعديد من اولئك الاميركيين، يملك سبيلبرغ معرفة
حرفية ما، هذا لا يقبل الجدل، انما لا يمنع ان بين افضل سبيلبرغ
وافضل هيتشكوك عالماً واسع.
·
قلت غالباً ان السينما كانت فناً شعبياً في امتياز.
- بلى، بمعنى ان السينما عرفت سريعاً جداً نجاحاً كبيراً. منذ
بداية السينما، ولا يزال الامر كذلك، لا ينزعج الناس من القول عن
فيلم: "انه سيئ"، بينما لا يجرؤون على قول ذلك عن لوحة او قصيدة.
في هذه الحال، يقولون: "لا احبها" او "لا افهمها". حيال فيلم،
يشعرون بالتساوي. في اللوحة، نستشعر التقنية خلف غياب الشمس. في
السينما، لدى رؤيتنا المغيب نقول فقط: "هذا رائع"، لا نفكر في
التقنية. ثمة شيء مباشر، اذن شعبي. كانت السينما مفتوحة لانظار
الجميع، كان يسع ولداً في الثامنة ان يكتشف العالم فيها...
·
الا تعتقد ان النجاح، اكثر مما في الادب مثلاً، يشكل جزءاً من
طبيعة السينما؟
- في الواقع كلا، لا اعتقد ذلك، كان هذا اسطورة. نجح الأمر مرة مع
هيتشكوك، وهو غير صحيح لكل الآخرين.
·
لدى غياب هيتشكوك، تحديداً، قلت انه كان لك احد اكبر
السينمائيين...
- بلى، لي، هيتشكوك واحدا من فناني العصر الكبار. انجز افلاماً لم
تكن تطبيقاً لنجاحات، افلاماً صعبة، مرهفة، غامضة، وناجحة، هذا
نادر جداً، قلة من الفنانين عرفت ذلك في التاريخ. كان هنالك روبنس:
كان ذا نفوذ، صديقاً للملوك، سعيداً في عائلته، وثرياً مع كل ذلك،
ورساماً كبيراً. هيتشكوك لم يكن سعيداً... لا يسعنا تحصيل كل
شيء...
·
عندما تحقق "موجة جديدة" مع ألان دولون، هل ثمة حقاً رغبة في العمل
مع دولون؟
- بلى، كانت ايضاً الرغبة، نظراً الى العمر والقامة التي يملكها،
في استعادة شيء افصح عنه في "مسيو كلاين" و"روكو واخوته"
و"الكسوف". انها ثلاثة افلام جيدة... لو انجزت رومي شنايدر واحداً
منها، لساعدها الامر...
·
ومع ذلك، لبثت صورتها قوية جداً.
- انها منسية اليوم.
·
كلا على الاطلاق!
- بلى!
·
كلا!
ــ بلى!
·
كلا! كلا!
- بلى، بلى! في اي حال، الفيلم الوحيد الجيد تقريباً الذي انجزته
هو "سيسي".
·
يذكرون انك تطلب غالباً المال دون اقامة اعتبار لاستهلاك الافلام.
- ابداً! آخذ المال الذي يريدون منحي اياه. لم يحدث لي ابداً ما
حدث لكاراكس او تشيمينو، ابداً. لا استطيع ذلك. لا اريده. لا معنى
له. الافلام تصنع في المجتمع. وفي الرسم، في الادب، نحن وحدنا. بيد
اننا لا نستطيع انجاز فيلم في عزلة: ثمة واحد في الأمام، ثان في
الخلف، واداة بينهما، انه الثالوث الخالد واساس كل علم هندسي، كل
عدالة، كل شيء. والفيلم هو صورته.
·
كيف تعرّف متعة تعاطيك السينما؟
- المتعة هي ان العالم مهدي لك. ليس عليك سوى العثور على الموقع
الصحيح. هذه النافذة الموجودة امامنا موجودة من قبل. لتصويرها،
يكفي ان تعرف اين تضع نفسك.
·
متعة انجاز الافلام هذه هل هي مختلفة جداً عن متعة مشاهدتها؟
- متساوية. في النهاية كلا، ليس تماماً: متعة انجازها اقل، لأن
متعة الكلام على ما صنعناه اختفت كثيراً. في حقبة الموجة الجديدة،
كنا نتحدث كثيراً، كنا نتبادل النقد. كل هذا اختفى اليوم...
·
مع ريفيت او رومير، ألم تبق تمارسه؟
- لم نعد نستطيع. انا بلى، هم كلا، المرات النادرة التي حاولت فيها
معاودة الاتصال، لم تأت بنتيجة.
·
هذا الحوار، كان في وسعك الحصول عليه مع سينمائيين اكثر شباباً،
ذات حين، كان ليو كاراكس قريباً جداً منك...
- بلى، احاول احياناً لكن غالباً يكونون الاولاد الضائعين الذين
يبحثون عن أب اقول لهم: "تعتقد انك عثرت على أب لكنه صبي ابله مما
تظن هذا الواقف امامك... انت من يستطيع ان يكون أباً لي".
·
هل ترى منطقاً في مسارك، بين بداياتك واليوم؟
- اني اكثر تعقلاً اليوم. احب دائماً فترة المونتاج، الا اني اواجه
المزيد من الصعوبة فترة التصوير. في الحقيقة، لم استعد ابداً روحية
الفريق التي كانت متوافرة في بداياتي، ولا ادري كيف استعيدها. رائع
اني عرفت ذلك ماضياً. اذاً، ارى عملي اليوم اكثر فردية، صحيح ايضاً
اني احب البدء في اظهار شيء ثم رؤية ما يمكن ان نصنع منه، متابعته،
التخلي عنه، تناوله من جديد. لفريق، أمر متعب جداً اللحاق بي.
احاول ارغام نفسي على الكتابة افضل غير اني اكتب في بطء شديد
واحتاج الى سنة.
·
هل انطباعك انك تطورت كسينمائي؟
- بلى، انما انطباعي انني ادنى قدرة على الافادة من ذاك التطور.
لعله العمر لكن ليس وحده. ثمة تضاؤل في الكفايات، مثل لاعب تنس غير
قادر على اللعب جيداً جداً طيلة حياته. اواجه المزيد من المشقة في
جمع قطاع البازل، كما اعرف اني لست ماهراً في الكاستينغ، بل اني
سيئ جيداً. وهذا متعذر اصلاحه. يسيء الى الممثلين، للفيلم ولي.
·
فيم ترى انك ماهر؟
- في صنع شيء من لا شيء تقريباً (ضحك).
·
لو كان عليك الاحتفاظ بصورة واحدة من افلامك، اي واحدة؟
- انا، ولا واحدة شخصياً. انما اعتقد، آمل في الاقل، ان الناس سوف
يتذكرون ان ثمة اشياء كانت معقولة. |