سلاحف النينجا .. مجاري نيويورك تحمي الخير
!
أسامة صفار
تظهر الحيوانات جنبا إلى جنب مع الإنسان على شاشة السينما منذ عقود
طويلة, بل إن بعضها نال شهرة فاقت النجوم من البشر مثل القردة
الشهيرة " شيتا " التي قامت برعاية " طرزان " في طفولته طبقا
لرواية الكاتب الأمريكي إدجار آلان بو، ثم الأفلام المأخوذة عنها
بعد ذلك, كما اشتهر حصان "سكورسيزي" في فيلم
war horse""
رغم كونه آليا وليس حيوانا حقيقيا.
وتدعو
الضرورة الدرامية أحيانا لوجود الحيوان كما قد يصبح وجوده في
الفيلم من طبائع الأمور وخاصة في البلاد التي يُعتبر فيها جزءا من
الحياة الاجتماعية, ففي الريف المصري - مثلا - تتواجد حيوانات مثل
البقر والجاموس والحمار باعتبارها جزءا من حياة الريف وكذلك في
أفلام الغرب الأمريكي (الويسترن) من المستحيل الاستغناء عن الحصان
باعتباره في هذه الحالة من مفردات المجتمع الأساسية.
وقد تطور استخدام السينما للحيوانات بشكل فردي أو جماعي مع
الاحتفاظ بتصوير طبيعتها الحيوانية إلى تصويرها باعتبارها كائنات
عاقلة كما في الأجزاء الثلاثة لفيلم "كوكب القرود" بعيدا عن
الفانتازيا وبجدية تامة وبالغ السينمائيون إذ قسّموا القردة - كما
الإنسان - إلى أخيار وأشرار.
وتغيرت هذه الطبيعة تماما في سلسلة سلاحف النينجا سواء تلك
الكرتونية أو السينمائية وظهر فيلم "سلاحف النينجا المراهقين" أو"Teenage
Mutant Ninja Turtles"
في ديسمبر 2014, والذي قرّر صناعه ألا يقدموا السلاحف أو الفأر كما
يعرفهم العالم وإنما بأشكال جديدة وقدرات مختلفة, وبالقصة نفسها
التي طُرحت كمسلسل رسوم متحركة من قبل مع تعديلات بسيطة تتسّق
وكونه عملا سينمائيا.
وتدور أحداث الفيلم في قالب من المغامرات والكوميديا حيث تحتاج
مدينة نيويورك إلى الأبطال، بسبب سيطرة قوى الظلام عليها بقيادة
(شريدر) وعصابته، ويتحكمون في كل شيء بدءًا من الشرطة ونهاية
بالسياسيين الفاسدين, ويبدو المستقبل مظلمًا حتى ينهض الأبطال
الأربعة (رفاييل، ومايكل أنجلو، وليوناردو، ودوناتيلو) من شبكة
المجاري للتصدّي للخطر المحدق وتقف السلاحف ومعها المعلم (سبلينتر)
ومذيعة الأخبار (أبريل) في وجه الأشرار من أجل إنقاذ المدينة,
وبلغت تكلفة إنتاج الفيلم حوالي 125 مليون دولار، فيما بلغت
إيراداته حول العالم أكثر من 477 مليون دولار.
ويعود الأصل في العمل سواء كان مسلسلا أو فيلما إلى قصص مصورة من
إنتاج
Mirage Studios
في عام 1984, وتدورأحداثه في مدينة نيويورك بشكل رئيسي وكان أول
بثّ رئيسي له في تاريخ 28 ديسيمبر 1987, أما الثاني فقُدِّم في 8
فبراير 2003.
وفيلم "سلاحف النينجا المراهقين" ليس إلا عمل فني بسيط ومسلي يبدو
وكأنه لا يحمل عُمقا وهو أيضا يحمل كل ملامح الأعمال التجارية
والتي تحاول أن تكون كوميدية - وإن فشل في ذلك بشكل مزري - ويشمل
أيضا مشروع قصة حب خضوعا لشروط السينما.
لكن السلسلة كلها تحتاج في بنيتها وملامحها إلى قراءة لا تتعلق
بالترفيه بقدر ما تتعلّق بالرسالة الكامنة خلف الصورة التي تقدمها
وهي قراءة قد تقترب من رؤية صناع العمل كما تقترب من تأثيره على
مشاهده الذي بدأ معه طفلا ثم كبر بينما بقيت السلاحف علي حالها,
ولا يوجد في سلسلة "سلاحف النينجا" اختيار لا حكمة له, فكل ملامح
القصة تحوي رسائل شتى لكنها تصب في النهاية في رسالة كبري ولعل
استعراضها بالتفصيل يوضِّح الأمر.
تدور الأحداث في مدينة ذات طابع حداثي بما يعنيه ذلك من استبعاد
النموذج المعماري الإنساني واللجوء إلى معمار لا هوية له ولا
يُعبِّر عن شخصية حضارية بعينها فهو ليس إلا كتل أسمنتية تصل إلى
عنان السماء التي لا تظهر في العمل إلا نادرا وتمنح الفرد شعورا
بالضآلة .. هذه المدينة تشهد صراعا أبديا بين الخير والشر, أما
الخير فتُمثِّله كائنات سوبر تجمع بين ذكاء الإنسان وقوة الحيوان،
وتبدو مقولات الفيلسوف الألماني نيتشه حول "الإنسان السوبر" واضحة
خاصة بعد اختيار السلاحف والتي تُعدّ (حلقة وصل) تطورت عبر طفرة
من المائيات إلى البرمائيات، ويتضّح هنا التوازي بين فكرة
(الإنسان) على اعتبار أن الإنسان العادي والذي عاش قديما (قبل
الظهور الأمريكي) وبين السوبر إنسان الذي يعيش في نيويورك وكما
تُظهر السلسلة (طفرة ما) حدثت للسلاحف أدّت إلى النتيجة التي تظهر
على الشاشة، فإن ثمة إنسان سوبر يعيش في نيويورك نتيجة طفرة
أمريكية.
ويتعاون مع السلاحف (في الخير) مراسلة تليفزيونية هي أبريل أو
نيسان (قدمت شخصيتها في الفيلم الأخير الممثلة ميجان فوكس) والتي
يعني اسمها بالضرورة بداية الربيع أو تفتُّح الزهور والوصول إلى
مناخ أكثر حيوية و"أبريل" هو الاسم الذي أطلقه الامبراطور أوغسطين
على الشهر الرابع من العام ولكنه يعني هنا بالضرورة دلالة على بدء
حقبة زمنية جديدة تتسم بالحيوية والجمال و"تفتُّح الزهور".
وقد ظهر "رمز الشر" في السلسلة الكارتونية باسم "شريدر" وهو ذلك
الشخص ذي الأصول الأمريكية لكنه تربّى وعاش في البيئة اليابانية
وعاد ليحاول السيطرة على نيويورك، وفي كل مرة يُهزم من السلاحف
لكنه لا يتوقّف ويحمل عداءا خاصا لزعيمهم ووالدهم الروحي الفأر
"سبلنتر" وتعني ترجمة الاسم "المنشق" وتربطه بسلاحفه وحدة المصير
كما تربطهم فكرة الدفاع عن المدينة والوقوف ضد الشر الذي تمثّل في
"شريدر" وعصابته.
ويطلق على "سلاحف النينجا" أسماء أربعة من أعظم وأشهر فناني عصر
النهضة وهي، "مايكل أنجلو" و "دوناتلو" و "رافائيلو" و "ليوناردو"،
ومرة أخرى ترث نيويورك تراث الفن العالمي في مجالات النحت والرسم
والشعر (مايكل أنجلو كان شاعرا أيضا بالإضافة لمواهبه في النحت
والرسم), لكن المدهش أن العصر نفسه فيما بين القرنين الثالث عشر
والخامس عشر شهد أشرس وأقوى صراع في تاريخ أوروبا بين الدين
والسياسة، وشهد تطورا علميا أدى إلى تطوير الفنانين لأدواتهم
الإبداعية على الأرض الإيطالية وهم أيضا يتناولون البيتزا كطعام
مفضل وهي ثقافة إيطالية.
وبقدر ما تبدو نيويورك هي تاج المدن ووريث الحضارة العالمية
بنقاطها المضيئة، فإن التناقض يبقى جليا بين كل الميراث وبين
القبول بحماية (حيوانات) للإنسان فيها (!) لكن الدهشة تقلّ إذا
علمنا أن الهدف النهائي يكمن في تصور حداثي للعالم يرى أن استبعاد
كل القيم القديمة هو الطريق للمستقبل، ويسلك سبل رفع القداسة عن كل
ما هو إنساني وإعادة اختبار الحياة طبقا لمتطلبات الواقع، وقد نشأت
بذور الحداثة وبلورتها غضبا من الدمار الذي أحدثته الحرب العالمية
الأولى والثانية لتبشِّر بخلخلة كل ما هو ثابت وإعادة غربلته بما
فيه الإيمان بوجود خالق للكون, ومن الواضح هنا أن النموذج الفكري
المطروح ينفي وجود إله نظرا لأبدية الصراع وعدم وجود نهاية له.
نيويورك .. مدينة العالم
تدور الأحداث المتعلقة بالسلاحف في مدينة "نيويورك" الأمريكية وهي
عبارة عن كتل أسمنتية عملاقة مزروعة، يشعر السائر بينها أنه نملة
أو أقل، ولا يستطيع أن يرى السماء إلا فيما ندر. وفي الفيلم
والمسلسل ينتهي أفق الكاميرا بحائط في أغلب الأحيان، فلا أفق مفتوح
ولا سماء و حتى الأماكن المفتوحة "مخزن الكيماويات الذي تعرّض
للسرقة أو غيره" تتم السرقة ليلا وبالتالي فإن آخر نقطة في الأفق
هي الظلام.
ولنيويورك بريق خاص، بريق تبتدعه وقائعها الثقافية ذات الأحداث
الحافلة بالتفرُّد والاستثنائية، المكتنزة دوماً بالإبداع
والحداثة, وهي مدينة ذات أهمية تاريخية سواء في نوعية تخطيطها أم
في أسلوب مبانيها وطبيعة أحداثها وطريقة تأسيسها.
وقد ظهرت العمارة الحداثية في نيويورك منذ بداية القرن العشرين
مُتمثِّلة في عدة مدارس للفكر حيث لم تكن راضية عن الأوضاع
السائدة، على ضوء الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الأولى،
وانتشار القلق والخوف، وغياب اليقين، وسقوط مقولات الحقائق
الثابتة، وتداعي منظومة الأفكار والأخلاق التقليدية المحافظة،
وتراجع القيم الفنية الكلاسيكية، وبروز روح التمرد الفردي،
والانشغال في البحث عن حلول لأزمات الإنسان والتعبير عنها في
الثورة لا في وعود الميتافيزيقيا، وأخذت تدعو إلى نشر أفكار جديدة
في الفن والأدب والفلسفة والعمارة وغيرها، فكانت هذه الاتجاهات
الفكرية بمثابة نذر الدعوة إلى عمارة جديدة تُعبِّر عن روح
الحداثة، ليس في أوروبا وحدها، ولكن في العالم أجمع.
وسعى الرواد من المعماريين الحداثيين إلى إيجاد طراز جديد يُعبِّر
عن النظام الاجتماعي والاقتصادي لمرحلة ما بعد الحرب العالمية
الأولى، وذلك بالتركيز على احتياجات الطبقتين العاملة والوسطى. وقد
رفضوا فكرة تطوير الطرز التاريخية والتي خدمت النظام الأرستقراطي
المتداعي.
كان المنهج الذي سار عليه الحداثيون يقوم على اعتبار المباني
أشكالا أو كتلاً مجردّة وإزالة كل الإشارات التاريخية والزخرفية
لصالح التفاصيل الوظيفية. وصارت المباني تظهر هيكلها الإنشائي
وجسور الحديد والأسطح الخرسانية بدلاً من أن تخفيها خلف أشكال
تقليدية.
وقد صارت هذه العناصر ذاتها محل اعتبار جمالي, وهو ما يبرر خروج
السلاحف من "المجاري" لحماية نيويورك دون حساسيات، وهو ما يُعدّ
أيضا صدى لمقولات تردّدت في الأدب والإبداع بشكل عام حول استخراج
الجمال من القبح, ومع حلول عشرينيات القرن العشرين، كانت هناك
أربعة أسماء معمارية قد حققت شهرة واسعة هي "لو كوربوزيه" في
فرنسا، و"لودفيغ ميس فان دي روهي" و"وولتر غروبيس" في ألمانيا،
و"فرانك لويد رايت" في أمريكا، وترك رايت الذي نادى بأن تكون
العمارة جزءا عضويا من البيئة تأثيراً كبيراً على "دي روهي"
و"غروبيوس".
وفي العام 1932 أقيم معرض مهم هو المعرض الدولي للعمارة الحديثة.
وظهر فيه وجود اتجاهات معمارية متشابهة من حيث الطراز ولها هدف عام
مشترك, وقام المعماريان هنري هيتشكوك وفيليب جونسون بجمعها تحت
طراز واحد أطلقا عليه اسم "الطراز الدولي" في كتاب مشترك حدّدا فيه
خصائص وسمات الحداثة على مستوى العالم، والتي كان الطراز الدولي
أحد أبرز صفاتها.
بدأ المعماريون يتجهون إلى الخطوط الهندسية المستقيمة وينزعون إلى
بساطة الشكل، وأصبحت المخططات وظيفية ومنطقية وسهلة، وهكذا انتشرت
عمارة الحداثة التي صارت تعبر عنها ناطحات السحاب، ومن أشهر
الأمثلة على ذلك مبنى الأمم المتحدة في نيويورك الذي صمّمه
"لوكوربوزيه".
وعكست فلسفة "لوكوربوزيه" بعض أهم ملامح التوجهّات الفكرية للحداثة
المعمارية، يُعدّ لو كوربوزيه أشهر معماري في القرن العشرين على
الإطلاق، وقد امتدّ تأثيره الطاغي إلى فلسفة تخطيط المدن أيضا،
بلغت شهرته حدا جعلت بلده الأصلي سويسرا تضع صورته على عملتها.
وتأثرت عمارة الحداثة بالثورة الصناعية التي أدت إلى اتخّاذ المدن
لطابعها، مما أدى إلى ثورة الرجوع للطبيعة ومحاولة إيجاد الحلول
المناسبة, ومرت العمارة الحديثة بعصر قوتها في العشرينات وهو العصر
الذي صاحب ازدهارها، ثم زاد انتشارها في الخمسينات، ومع نهاية
الستينات، وفقدت هذه الحركة كثيراً من قوتها الأيديولوجية بوفاة لو
كوربوزييه عام 1965م، كما فقدت في نفس الوقت الكثير من قيمتها
الروحية والعاطفيه كمحاولة للتأثير على المجتمع، وإن كان البعض
مهتمين بها.
وانفصلت الحداثة المعمارية نهائيا عن لغة العمارة، هذه اللغة
التاريخية التي عبرّت عن الإنسان الذي أنشأ العمارة من أجله, وبقيت
عمارة الحداثة بدون لغة وبدون هوية "لأن اللغة هي المُعبِّر عن
الهوية" كما يقول هيدغر الفيلسوف الألماني، وليس بإمكاننا اعتماد
عمارة لا هوية لها ولا تساعد الإنسان على العيش في بيئته التاريخية
والاجتماعية. لقد كانت العمارة تُعبِّر عن مفهوم قومي، ثم أصبحت
اعتباطية فاقدة الشخصية، فالعمارة كما يقول هيدغر هي"بيت الوجود",
ومع أن العمارة أصبحت في عالم الحداثة بعيدة عن شروط "اللقاء
والتوافق والسكينة".
وتجاهلت عمارة الحداثة هوية التشخيص إذ أصبحت الأشكال - كما يقول
"مس فان دي رو" - نتيجة عملية التصميم والابتكار، وأقرّ العالم أن
إهمال لغة الذاكرة التاريخية في الحداثة المعمارية، دفع المعمار
إلى التعويض عن التاريخ بالحوافز الصناعية، فأصبحت الحداثة مجرد
هواية ومغامرة اعتباطية.
هي إذن عمارة يتحول معها الإنسان إلى مجرد نملة تسير بين كتل
أسمنتية عملاقة, وتعكس شعورا بالضآلة للفرد مع الكثير من الاغتراب
والفراغ.
ومدينة تحمل طابعا معماريا بهذا الشكل ينبغي أن تظهر فيها قوى
بديلة وغامضة ولا حدود لقدرتها لحماية البشر الضعفاء، وبدلا من
اللجوء للإله لجأ صانعو العمل للسلاحف لتكون كائنات الحماية حيث
استُبعدت الميتافيزيقا طبقا للرؤية الحداثية للعالم.
السلاحف
اختار صناع العمل أن تكون "السلحفاة" من بين كل الحيوانات هي
النموذج الذي يتم اختياره لدور البطولة في العمل، وهو حيوان برمائي
أي يستطيع العيش في البيئة المائية وعلي اليابسة و طبقا لمنطق
التطور فقد حدثت له طفرة مكنّته من العيش على اليابسة بعد أن كان
مائيا فقط.
والسلحفاة زاحف من ذوات الدم البارد، جسمها محمي بدرقة صلبة، وهناك
نوعان من السلاحف الأول بري وبعضها مائي، وتشترك السلاحف في نفس
الخصائص التي تتميز بها كل الزواحف ومن بينها أنها تتنفس برئتين
(السلاحف البرية والمائية أيضا)، ولها قلب مؤلّف من أذينين اثنين
وبطين واحد، تتكيف حرارة جسمها مع الوسط الخارجي.
ليس للسلحفاة أسنان لكن شبه منقار قوي قد تصل قوة ضغطه إلى 80 كيلو
جرام تطحن به الطعام, وتتنقل السلحفاة علي الأرض ببطء بسبب قصر
أطرافها وثقل درقتها ولذلك ضُرب بها المثل في البطء، وكما يضرب
المثل بالأرنب في العدو السريع ولذلك تواترت الحكايات العالمية
التي تروى عن سباق بينهما تفوز به السلحفاة رغم بطئها بسبب إصرارها.
ويعتبر الصينيون السلحفاة البرية فألاً حسناً ويستبشرون بها، ولذلك
توجد تماثيل للسلاحف في الحدائق الصينية، ويقولون بأن وجود تمثال
للسلحفاة السوداء يجلب المال والحظ السعيد غالباً ما يصورونها تحمل
في فمها عملة ذهبية, ويُضرب بها المثل في طول العمر والبطء، حيث
تعيش بعض السلاحف أكثر من مائة عام وكما يُقدِّس الصينيون السلحفاة
فإن اليابانيون يقدسون الفأر كذلك، لكن الهندوس بالغوا في الأمر
فأنشأوا له أكثر المعابد غموضا على وجه الأرض يُقدَّس هو معبد
كارني ماتا في ولاية راجيستان الهندية, وأصبحت مكانا مقدسا للعبادة
منذ 500 سنة، أما سبب تقديس الفئران فلأن الهندوس يعتقدون بأن هذه
الفئران هي أرواح الأطفال الموتى حيث تخبرنا الأسطورة الهندية بأن
الإلهة كارني ماتا حاولت استرجاع روح أحد الأطفال الموتى ولكنها
فشلت في ذلك لأن ياما (إله الموت لدى الهندوس) كان قد استلم جسم
الطفل ونسخه إلى إنسان ثانٍ (تناسخ وتقمُّص الأرواح لدى الهندوس)
ولذلك غضبت كارني ماتا لأنها لم تستطع إرجاع روح الطفل وأمرت بأن
تتقمص أرواح الأطفال الموتى شكل الفئران، قبل أن تتحول إلى بشر مرة
ثانية ولهذا السبب فإن هذه الفئران في المعبد والتي يسميها الهندوس
"الكامبا" أو الأطفال الصغار، ينظر إليها الهندوس على أنها تختلف
عن بقية الفئران التي تعيش خارج المعبد.
وفأر السلاحف هو الأب الروحي الذي يكبر سلاحفه قليلا ويملك وعيا
سابقا عليهم، وقد هداه هذا الوعي إلى رعايتهم كأبناء له ثم علمهم
(الفيلم) فنون القتال، وقام بحمايتهم من التطلُّع لحياة البشر
العاديين في عمر المراهقة وهو صاحب الحكمة في السلسلة والقائد الذي
يحظى باحترام كبير.
النينجا
ورثت السلاحف تراث النينجا بما يحمله من قدرات قتالية من بينها
الاختفاء و قدرات إنسانية تلخص تراث وحضارة وحكمة شعوب شرق آسيا
وخاصة اليابان والصين، والنينجا كجماعة بدأت الكتابة عنهم في القرن
الخامس عشر كمنظمات قتالية هيمنت على مناطق في وسط اليابان،
والنينجا أيضا شعب روحاني جداً وقد عاش اليابانيون الأوائل يعتقدون
أن عالمهم المكون من الأنهار والجبال والبحيرات والأشجار يحمل
طاقتهم وروحهم الخاصة.
أما طرق القتال فقد بدأت بالصين, وبالتحديداً بعد سقوط سلالة
(تانغ) حيث هرب العديد من المحاربين المطرودين والفلاسفة وقيادات
الجيش إلى اليابان لتجنُّب عقاب حكام الصين الجدد, ويُعتقد أن
عائلات النينجا قد تعرّضت للعديد من استراتيجيات وفلسفة هؤلاء
المحاربين المنفيين على مرّ القرون, وهو ما ساعد على تشكيل ما أصبح
يُعرف بالنينجوتسو, تأثرت النينجا أيضا بمجموعة من الأشخاص يُطلق
عليهم (شوجينجا) الذين تجولوا في نفس المناطق الجبلية التابعة
للنينجا وكانت طريقة الشوجيندو الروحية لاكتشاف الذات تتكون من
إخضاع النفس لظروف الطقس والأرض القاسية في تلك المنطقة لأخذ القوة
من الأرض نفسها, فهم يمشون على النار ويقفون خلف الشلالات المجمدة
ويتعلقون على حافة المنحدرات في محاولة للتغلب على الخوف واكتساب
قوى الطبيعة.
لم يكن لشعب النينجا طبيعة المحاربين بالذات ولكنهم كانوا يتعرّضون
باستمرار لمضايقات المجتمع الحاكم في اليابان, فقد كانوا يخضعون
بشكل روتيني لنظام الضرائب الغير عادل والاضطهاد الديني, ثم تعلموا
في النهاية كيف يدافعون عن أنفسهم بشكل فعّال أكثر فأكثر واستخدموا
معرفتهم الرئيسية بأعمال الطبيعة بالإضافة لتقنيات عسكرية توارثوها
عبر السنين مثل الأسلحة ضد جيوش الحكومة المتفوقة عددياً,
واستخدموا أي حيلة أو خرافة أو استراتيجية لحماية أنفسهم.
وفي حالات الضرورة كانوا يلجأون للخدع السياسية لضمان السلام، وكان
هناك مايقارب سبعون أو ثمانون عشيرة نينجا تعمل في مناطق (كوجا
وايجا) في اليابان أثناء قمة نشاط النينجا, ومعظم هؤلاء النينجا
كانوا ينحدرون من الساموراي المطرودين.
عصر النهضة
إطلاق الأسماء الأربعة على السلاحف ليس فقط رمزا لميراث عصر النهضة
من الفن والإبداع، ولكنه يجاوز ذلك إلى ميراث المعركة التي حُسمت
لصالح (العلمانية) انتصارا على قيم السيطرة الكنسية، لكنها تُترجم
في العمل إلى استبعاد الدين والإله طبقا للقيم الحداثية، وفن عصر
النهضة مصطلح يرمز للفن في الفترة ما بين القرنين الثالث عشر
والرابع عشر، وهى فترة ميلاد نهضة رائعة, إذ حدد الفنانون معالم
التطور في الفن الإيطالى, وأصبحت في المدن الإيطالية مراكز للثقافة
الفنية, ومع بزوغ فجر حضارة عصر النهضة تحولت مادة الحياة الطبيعية
موضوعاً لملاحظة الفنانين الذين ساهموا في تقوية الاتجاهات
الواقعية وفى اتباع الذوق في الفن المرتبط بالوجود الحقيقى. بدلاً
من رسم الموضوعات (الميتافيزيقية) وبذلك استغنى فنان عصر النهضة عن
الأساليب التى يغلب عليها (الصياغات الرمزية) و(التخطيطات الزخرفية).
وقد تطورت (العلوم التجريبية) في ذلك الوقت فكان على الفنان أن
يبحث عن طرق جديدة، تُحقِّق الوحدة الزمانية والمكانية للموضوعات
التى تصور البشر بعواطفهم الدافئة، في البيئة الطبيعية، وبروح
درامية عميقة.
وساد في عصر النهضة اتجاه لإحياء الجمال المتجسد في نماذج الفن
الرومانى القديم, ذلك الجمال الحسِّى الذى تكتسب من خلاله الأشكال
قواماً مادياً، وتشيع مع هذا الجمال عناصر الحيوية والحركة بدلاً
من الطابع (الإستاتيكى) الذى كان يميز جمالية فن العصور الوسطى,
ومن فنانى عصر النهضة "ليوناردو دافنشى" 1452-1519 الذى استخدم
أسلوباً متميزا في التكوين يوحى بالعمق والشفافية, ومعه انتقل فن
التصوير من المتفرد الحسى إلى المتنوع وإلى الزمانى, وابتدع الفنان
طريقة في التعبير عن الزمان بتحديد مسلك الأجسام المصورة، وبتحديد
القوى المؤثرة عليها.
أما دوناتيلو 1386 – 1466فهو نحّات إيطالي من فلورنسا، يُعدّ من
أشهر النحاتين إلى جانب مايكل أنجلو، ومن فناني إيطاليا المعروفين
في القرن الخامس عشر وفي عصر النهضة الأوروبية، عُرف بنحته
للشخصيات البشرية وقصصه الدرامية بعد أن درس النحت الروماني القديم
ثم دمج أفكاره مع مراقبته الحادة والعاطفية للحياة اليومية، وابتكر
دوناتلو أسلوب النهضة الإيطالية التي عرضها على حوائط كنائس روما
وسيينا وبادوفا في مختلف المراحل من حياته.
ومايكل أنجلو رسام ونحات ومهندس وشاعر إيطالي، كان لإنجازاته
الفنية الأثر الأكبر على محور الفنون ضمن عصره وخلال المراحل
الفنية الأوروبية اللاحقة، وقد اتخذ من جسد الإنسان موضوعا أساسيا
بالفن، وكان يؤمن أن الفن مصدره أحاسيس داخلية متأثرة بالبيئة التي
يعيش فيها الفنان، ويُعدّ واحدا من ألمع رجال عصر النهضة الأوروبية
وواحدا من أعظم الفنانين في جميع العصور.
ويُعدّ رافاييل واحداً من أعظم رسامي عصر النهضة الإيطالية وأكثرهم
تأثيراً, رسم المناظر التاريخية والأسطورية والصور الشخصية, وكان
لتكويناته الفنية المتوازنة وأشكاله المثالية التأثير الهائل على
جميع فناني عصر النهضة, كان له طابعه الخاص القائم على التدرُّج
اللوني الدافئ وعلى المواضيع الهادئة والمناظر الواسعة.
وسلاحف النينجا ليست مجرد قصص مصورة أو حلقات مسلسل كارتوني لا
نهائي أو سلسلة أفلام فقط ولكنها تصور حداثي كامل عن العالم
وماهيته ومصيره استطاعت العقلية الأمريكية إنتاجه في صورة قصصية
وتلقفته هوليوود لتعيد إنتاجه علي صورة أفلام تتابع من خلالها ما
بدأته الرسوم المتحركة مع الأطفال قبل عدة سنوات. وقد صاروا رجالا
تغذي تلك العقيدة التي أرسلت علي هيئة صور وحكايات لا تخاطب العقل
بقدر ما تخترق الوجدان, لذا كانت سلسلة سلاحف النينجا من أخطر ما
قُدِّم في الميديا عبر التاريخ. |