ثورة هشام العسري السينمائية
سليمان الحقيوي
لم يكن صعباً على الجمهور، الذي تعرف إلى هشام العسري مع أفلامه
القصيرة "وشم العذاب" (2002) "على جناح" (2004)، "بخط الزمان"
(2005)، "محطة الملائكة" (2009)، التيقّن من أنه أمام تجربة
سينمائية تدعو إلى الإنصات والتفكير، على غير ما جرت عليه العادة.
تجربة صادمة، تدهش في كل مرة، بوسائل مختلفة أو غير اعتيادية.
تعزّز هذا المنحى، بسلسلة من الأفلام الروائية الطويلة وضعها
المخرج المغربي الشاب (1977) في السنوات الأخيرة: "النهاية"
(2011)، "هم الكلاب" (2013)، وأخيراً، "البحر من ورائكم" (2014)،
المشارك حالياً في "مهرجان برلين السينمائي الدولي" (يستمر حتى الـ
15 من الشهر الجاري)، بعد مشاركته في النسخة الأخيرة من "مهرجان
دبي السينمائي الدولي".
هذا التراكم أثبت أن للمخرج هموماً سينمائية ومشروعاً شخصياً
عازماً على تحقيقه، ولذلك يخوض معركته مع الكاميرا، يروّضها،
ويسائل لغتها، ولا يكتفي أبداً بما تقدمه له. يمكن القول إن تجربة
العسري تحمل بصمة خاصة، تميزها عن كثير من تجارب السينما المغربية.
تجربة ترسم سحابة قاتمة للواقع العربي، تريد أن تسائله عن وجهته.
من أبرز ما يلفت الانتباه في أعمال هذا المخرج الشاب هو حرصه على
كتابة نصوص أفلامه بنفسه.
"على
المخرج أن يخلخل لغة الكاميرا، كما حصل مع الشعر والنثر"
نسأله عن هذا الخيار، وابتعاده عن محاورة الأدب المغربي العالمي
والاقتباس منه، أو إسناد نصوص أفلامه إلى كتّاب سيناريو، فيقول:
"إنجاز الفيلم بالنسبة لي عملية معقدة، لا تعتمد على القصة وحدها.
وعلى اللغة السينمائية أن تنسجم مع هذه القصة. أدّعي أنني قارئ جيد
للأدب العالمي والمغربي، ولكن إعجابي بالنص الروائي أتركه داخل
حدود الأدب. النص الروائي الناجح لا يعني أنه قد يكون ناجحاً في ما
لو حوّلناه إلى الشاشة الكبيرة. الفيلم الناجح يحتاج إلى قصة سيئة،
كما يقول هيتشكوك".
ويصف العسري ولعه بالكتابة قائلاً: "أكتب مجموعة من النصوص وبشكل
متواصل كل سنة. وفي النهاية، أختار منها فقط ما أراه معبّراً بشكل
أكبر عن تصوري للفيلم الذي أريد الاشتغال عليه. وربما، إن صادفت
نصاً روائياً يحقق هذه الغاية فسأشتغل عليه بكل تأكيد"، نافياً أي
حكم مسبق تجاه العلاقة بين السينما والأدب، أو بين المخرج وكتّاب
السيناريو.
معنى النجاح لدى صاحب "هُم الكلاب" يختلف عن التصور العام لنجاح
الفيلم. فهو يفضل العمل "ذا النفس الطويل الذي يجد طريقاً
للذاكرة". لذلك يبحث عن "الجمهور الذي يعطي للفيلم استمراره في
الزمن، ويتناقله عبر ذاكرته وحديثه عنه".
هذا المتلقي بحسب العسري "هو الذي يعطي الحياة للفيلم السينمائي،
الحياة الأفقية وليست الحياة العمودية". يضيف: "يعنيني من يبحث عن
الفهم الصعب الذي يحتاج إلى الاستعداد الفكري". فكلما كانت القصة
صعبة، بالنسبة إلى هذا الجمهور، زاد رضاه عن نفسه أكثر عند فهمه
لها، وهذا يخالف الاتجاه السائد الآن تجاه السطحية والاستسهال.
يقول: "أنا كمتفرج أو كمخرج أفضل دائماً الأفلام التي تعيش بشكل
أفقي، وليس الأفلام التي تثير الضجة والنجاح ولكن تموت بسرعة".
أنجز هشام العسري ثلاثة أفلام في ظرف ثلاث سنوات؛ "النهاية" (2011)
و"هُم الكلاب" (2013)، ثم "البحر من ورائكم" (2014)؛ وهي مدة
قياسية بالنظر إلى الجودة التي تمتعت بها هذه الأعمال: "لا أقيس
أبداً إنجاز الفيلم بمدة زمنية معينة. لديّ مبدأ واحد أحترمه، هو
الاشتغال بشكل يومي ومتواصل". وحتى لو اختفى المخرج مدة طويلة، فإن
هذا، كما يرى العسري، لا يعني اختياره الراحة، بل بحثه الحثيث عن
قصص وأفكار مختلفة، إذ إن على المخرج "أن يحقق ذاته من خلال تراكم
يحمل بصمته الخاصة، يضيف من خلاله شيئاً إلى تجارب السينما في
العالم".
"لا
نريد أن نشاهد استنساخاً لقصص أفلام مغربية ناجحة ونعيد تكرارها"
حتى إن لم ينجح أحد أفلامه، فهذا أمر لا يزعج العسري: "اؤمن
بالاختلاف، والعلاقة بين الناقد والمخرج علاقة استفادة". يضيف:
"على الفيلم أن يترك خلفه الاختلاف، ولا يمكن أن يتكلم الجميع لغة
واحدة حوله". وعن التناقض الذي تعيشه السينما المغربية بين الرهان
على الإنتاج وعدم وجود قاعات للعرض من الأساس، يرى صاحب "البحر من
ورائكم" أن الفيلم يجب أن يُنجز، سواء وجدت القاعة أم لا:
"الفيلم وثيقة للتاريخ، نرصد من خلالها تغيراتنا الاجتماعية،
والسياسية والاقتصادية، ولا يمكن أن ننتظر وجود قاعة لكي ننجز
فيلماً. هناك أفلام خالدة لم تعرض قط في القاعات، والجمهور تعرّف
عليها بعد زمن طويل من إنتاجها". أما بالنسبة إلى مشكلة ندرة
القاعات، فالعسري يفضل البحث عن صيغة مناسبة لدعمها لكي تصبح وجهة
استثمارية مغرية. في المقابل، لا يعني كمّ الأفلام المنجزة
والمعروضة خلال السنة "توافرها على الجودة بالضرورة".
لا يمكن الحديث عن تجربة هشام العسري من دون ذكر التجريب،
فالكاميرا طيّعة بين يديه، خصوصاً في أفلامه الثلاثة الأخيرة. يقول
عن صراعه مع الكاميرا: "للسينما لغتها التي تتمثل في وسائلها
التعبيرية المتاحة، ودور المخرج يأتي في مساءلة هذه اللغة. علينا
أن نثبت أن الكاميرا ليست تسجيلية فقط، وعلى المخرج أن يخلخل لغتها
ويختبر تخوماً بعيدة فيها، كما حصل للغة الشعر والنثر تماماً. وأنا
دائم البحث عن وسائل تلائم تصوري للقصص التي أعمل عليها".
يحضر الواقع المغربي في جميع أفلام العسري بصور قاسية وصادمة، وهو
إذ يتناوله فإنه يقدمه بشكل مخالف لما تم تقديمه في أفلام مغربية
سابقة كمادة للمتاجرة. يشرح هشام العسري تصوره للاشتغال على الواقع
بالقول: "إن السينما المغربية يجب أن تحمل في سماتها الواقع
المغربي، ولكن هذا لا يعني أن يكون المغرب قفصاً. القصص يجب أن
تجعلنا نحلم ونتخيل أشياء لاحدود لها".
ويضيف بلهجة حاسمة: "أنا أحارب اتجاهاً سائداً في السينما المغربية
والعربية والأفريقية عموماً، فقد أصبح نمطياً تقديم قصص متعلقة
بالهجرة أو الفقر، أو معاناة المرأة. هذا توجه يتاجر بقضايا الشرق،
وهو اتجاه يقدم مادة سهلة للآخر تحقق ربما شهرة ولكنها لا تقدم
سينما حقيقة. الفيلم يجب أن يتميز بجانبه الفني".
ويرى أيضاً أن "هناك من يحاول إسقاط قصص أجنبية على المغرب
سينمائياً، من دون أن يكون له احتكاك بهذا البلد ولا معرفة به. على
المخرج أن يبحث عن خصوصيته وقصص تميزه عن غيره. لا نريد أن نشاهد
استنساخاً لقصص أفلام مغربية ناجحة ونعيد تكرارها". "بالنسبة لي"،
يقول هشام العسري، "لدي صراع مع السينما نفسها: أحاول رصد تناقضات
المجتمع: من التخلف، إلى السياسة، مروراً بالخوف، وانتهاء
بانتظارات المواطن المغربي ووجهته الضائعة. هذه الأسئلة المهمة هي
التي تشغلني أكثر من أي شيء".
دمشق إذ تنسى السينما
مالك عمارة
مع مطلع العام الجديد، دفعت "المؤسسة العامة للسينما" في دمشق،
بتظاهرتين في الصالات السورية بهدف "تحريك" الوسط الثقافي،
والسينمائي تحديداً، هما "المهرجان الدولي لأفلام المقاومة"
و"أفلام خارج السرب الهوليودي".
قامت الأولى في "دار الأوبرا" الشهر الماضي، وعُرضت فيها خمسة
أفلام إيرانية لم تتمكن من جذب الجمهور السوري الذي كانت "دار
الأوبرا" شبه خالية منه على مدار أيام العرض. يرجع ذلك إلى الصبغة
"التشبيحية" للتظاهرة ككل.
هنا، لا تُقدم أفلام مجيد مجيدي وجعفر بناهي وغيرهما من المخرجين
الإيرانيين الكبار، بل تقتصر الفعالية على أعمال سينمائية تخدم
فكرة "المقاومة" التي ما فتئ النظام السوري يدّعي تبنيه إياها
ويروّج لها.
مشكلة هذه الأفلام (وهي "أيام الحياة"، "الاستعادة"، "الذهب
والنحاس"، "الطفل والملاك"، "التراب والمرجان") مؤلفة من شقين،
يتساوى السياسي والفني فيهما. فمن ناحية، لا تقوم هذه العناوين على
لغة فنية بصرية عالية تدعو إلى البقاء أمام شاشة عرضها.
"أفلام
أكشن، وأخرى رومانسية، تأتي في آخر أولويات المواطن السوري اليوم"
إذ إن هذه الأفلام، من ناحية أخرى، حامل بصري لأيديولوجيا سياسية
لا أكثر، طالما أن الهدف الأساسي من وراء عرضها سياسي. إنها أفلام
تضرب بالسينما عرض الحائط في مسعاها إلى تقديم صورة ناصعة للسياسة
الإيرانية في العقدين السابقين.
الحركة السينمائية الثانية في المدينة لم تكن أفضل حالاً. فتظاهرة
"أفلام خارج السرب الهوليودي" التي تعرض في صالة "كندي دمشق" (حتى
الرابع عشر من الشهر الحالي) لم تنجح، حتى الآن على الأقل، في
إضافة جديد. ثمة عشوائية عالية في اختيار الأفلام الـ41 التي لا
يجمع شيء بينها سوى أنها "تغرد خارج السرب الهوليودي"، أو أنها
ليست أميركية. هكذا، تقتصر هذه الفعالية على تقديم أفلام ذات مستوى
متواضع فنياً، في الغالب.
الحديث هنا عن أفلام أكشن، وأخرى رومانسية، تأتي في آخر أولويات
المواطن السوري اليوم. وحتى هؤلاء الذين يتكبدون عناء الذهاب إلى
الصالة لتمرير الوقت بعيداً عن القصف، فإن سوء الحظ قد يلاحقهم إما
بانقطاع الكهرباء في منتصف العرض أو في عدم وجود ترجمة لأفلام هي
في الغالب أوروبية.
وعلى أي حال، فإن ما يساهم في عجز هذه التظاهرة عن النجاح أيضاً هو
ضحالة حضورها الإعلامي، إذ تكاد تنتهي من دون أن نجد إعلاناً لها
في الشوارع، أو دون أن تنجح في تشكيل حضور أو حالة سينمائية ما.
هذا الحال ينطبق أيضاً على فيلم عبد اللطيف عبد الحميد، "العاشق"،
الذي عُرض في "سينما ستي" عرضاً خاصاً اقتصر الجمهور فيه على
العاملين في الفيلم وبعض الفنانين والإعلاميين الذين ينتمون إلى
الخط السياسي الذي ينتمي إليه المخرج و"الشركة العامة للسينما"
المنتجة لشريطه.
هذه البداية السينمائية لـ 2015 تنبئ، على أي حال، بسنة ضحلة على
مستوى الفن السابع. ولا يبدو أن "المؤسسة العامة للسينما" ستسعى
إلى اتخاذ خطوة تجاه الفن السابع أوسع من تلك التي تتخذها تجاه
خطاب النظام السياسي القائم.
ثلاث قصص "بتوقيت القاهرة"
القاهرة - عبد السلام الشبلي
عبر ثلاث قصص، يسعى فيلم أمير رمسيس (1979) "بتوقيت القاهرة" إلى
وضع مشاهده في صميم شخصياته التي تحمل كل منها مشكلتها الخاصة مع
محيطها، مع الماضي والحاضر، محاولةً حلّها عبر الهرب مما يريد
المجتمع، إلى ما تسعى إليه من متطلبات ذاتية لا يستطيع غيرها
إدراكها.
حكايات الشريط تبدأ مع يحيى شكري (نور الشريف)، العجوز المصاب
بالزهايمر، المتعلق ببعض ماضيه، عبر ساعة زوجته التي لا يتركها،
وصورة المرأة التي لا يعرفها لكنه يشعر نحوها بعاطفة تدفعه إلى
البحث عنها، متخلصاً من واقعه المتمثل بابن عاق، وابنة لا تملك له
سوى الدموع والصبر. هكذا إلى أن يلتقي بتاجر الممنوعات "حشيش"،
الذي يقلّه إلى القاهرة بحثاً عن ماضيه الضائع.
في نفس التوقيت، تظهر الممثلة ليلى سماح (ميرفت أمين)، الراغبة
بالزواج، والتي تتعارض رغبتها مع الفتوى الشرعية القائلة بأن أيّ
زواج يقع في التمثيل هو حقيقي، ما يدفعها للذهاب إلى زميلها الممثل
سامح كمال (سمير صبري) ليطلقها، الأمر الذي يرفض أن ينصاع إليه
معتبراً إياه تخريفاً.
أما الحكاية الثالثة فتدور في شقة صديق وائل (كريم قاسم)، التي
استعارها منه ليختلي فيها بحبيبته سلمى (أيتن عامر)، اللذين لم
يستطيعا الزواج رغم مرور ثلاثة أعوام على علاقتهما.
"حوارات
تفتقد للتشويق، ونصّ غير ناضج تماماً"
كل هذه الأحداث تدور في توقيت واحد، إلا أنها لا تشكل فيما بينها
أي رابط يثير المتابع، باستثناء ما يمكن أن نعده ربطاً لا يمكن
توظيفه في الجو العام للشريط، حول كون سلمى هي ابنة ليلى سماح، أو
الصدفة التي تجمع يحيى مع ليلى في منزل سامح.
يظهر واضحاً العجز في حوارات الشريط التي افتقدت للتشويق، والقائمة
على نصّ غير ناضج تماماً، ما أفقد كثيراً من أحداث الفيلم
إمكانيتها على جذب المشاهد إلى الحكايات وعوالم شخوصها. ويمكن
القول إن شخصية يحيى شكري (نور الشريف) كانت الوحيدة التي تسنى لها
تقديم نفسها بصورة شبه متكاملة أمام المشاهد، عبر تفاصيل دقيقة
وُظّفت لإظهار ملامحها.
تقنياً، عانى الفيلم من تفكك قصصي أجهد الكاميرا، التي ظهرت تائهة
بين ثلاث قصص لا أرضية مشتركة لها، فكان التنقل المشهدي غير الممهد
بينها، والقطع غير المنطقي في بعض اللقطات، فضلاً عن البداية
والنهاية المفاجئة في أحداث الشريط على نحو غير مريح للمشاهد.
وعلى أي حال، يبدو أن الفيلم احتاج جهداً أكبر من مخرج "يهود مصر"،
خصوصاً في ما يخص الاشتغال على جدل قصصه الثلاث وعلى إدارة
الممثلين، سيما الشباب منهم، الذين ظهر أداؤهم أقرب إلى التلفزيون
منه إلى السينما.
أكثر من حصار
صالح ذباح
لم تقتصر آمال الكثير من الشباب على تغيير الواقع السياسي
والاجتماعي مع بداية الانتفاضات والثورات العربية في المنطقة، بل
راهنت الطليعة المبادرة للحراك الثوري، وسوادها الأعظم من الشباب،
على إنتاج ثقافيّ يعبّر عن الروح الثورية الجديدة، سواء كانت في
مضامين هذا الإنتاج أو تقنياته، ولا سيّما في الأعمال السينمائية.
وما من شكّ أن ما نعرّفه اليوم على أنّه "سينما شبابية" واعدة، هو
خروج عن المألوف والتجاريّ لصالح الجودة الفنية. ومعظم ما ينتجه
شباب السينما المستقلة في الدول العربية المختلفة، ومن أهمها مصر
وتونس وسورية والمغرب، يبقى محصوراً في الأفلام التسجيلية وعروضها
المتاحة في المهرجانات السينمائية، ولا ترحّب بها دور العرض
والقنوات التلفزيونية في العالم العربي.
ذلك على نقيض الأفلام الروائية الطويلة، والتي تحتاج إلى إنتاج
ماديّ ضخم، لا تغامر به أيّ جهة منتجة إن لم يكن العمل مندرجاً تحت
فئة الأفلام الاستهلاكية، والتي تخصّص لها دور عرض عادة ما تكون
تابعة للجهة المنتجة في شبه احتكار للإنتاج والتوزيع.
أمام مطرقة التكاليف المادية العالية وسندان ظروف السوق السينمائي،
يبقى التحدي الأكبر هو تعديل مسار الثورات التي حُيّدت عن طريقها؛
كي لا يكتشف المبدعون، بعد حين، أن مجتمعات العالم العربي الممزّقة
بين حكومات الفاشية العسكرية أو التنظيمات الوحشيّة، ما عادت بيئة
حاضنة لحريّة التعبير والتشكيك في المسلّمات: أهم أسس الإبداع.
"هزّ وسط البلد".. يعيد المحرّمات إلى السينما المصرية
مروة عبد الفضيل
تعرّض فيلم "هز وسط البلد" لهجوم شديد عبر مواقع التواصل
الاجتماعي، ومن قبل العديد من الصحافيين والجمهور بسبب أحد مشاهد
التلميح إلى السحاق. إذ صدرت جملة عن لسان الممثلة
حورية فرغلي في أحد المشاهد، قالت فيها "ستات كتير بيعملو كده".
وفي تعقيب لمنتجة الفيلم وبطلته إلهام شاهين للهجوم على هذا
المشهد، قالت في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد": "لا يوجد مشهد
صريح للسحاق على الإطلاق. فلا أنا ولا الرقابة ولا أي من الفنانين
المشاركين في الفيلم يقبلون بعرض مشهد صريح للسحاقية. ولو افترضنا
وقبل الفنانون، فهل الرقابة تستطيع أن تمرّر المشهد؟ طبعاً، لن
تقبل".
وأضافت إلهام، أنّه يمكن مناقشة أكثر القضايا سخونة وجرأة وغير
المقبولة اجتماعياً، بشكل محترم وراقٍ من دون خدش الحياء. وهي ما
تعتمده إلهام - على حد قولها - في كل أعمالها سواء كممثلة فيه أو
منتجة.
من ناحيته، قال رئيس لجنة المشاهدة في جهاز الرقابة على المصنفات
الفنية عبد الستار فتحي لـ "العربي الجديد": "لو شعرت بأي خدش
للحياء في المشهد، لما وافقت عليه. إذ لا يتضمّن ألفاظا حوارية
جريئة أو مناظر غير لائقة. وأنا مع مناقشة القضايا الشائكة بجدية
ولياقة، من دون الخروج عن الآداب العامة".
وكانت آخر مشاهد السحاق الذي تعرض إلى هجوم شديد، المشهد الذي جمع
الفنانتين سمية الخشاب وغادة عبد الرازق، ضمن أحداث فيلم "حين
ميسرة" للمخرج خالد يوسف، وردّت غادة حينها على هذا الهجوم، موضّحة
أنّها لا تقوم بأيّ شيء.
وفي إحدى الدراسات التي قام بها الناقد الراحل رفيق الصبّان حول
العلاقات الخاصة في السينما المصرية، أوضح أنّ من أولى المحاولات
التي شهدتها السينما في هذا الإطار، كانت في فيلم "الطريق
المسدود" لصلاح أبو سيف، إذ تضمّن مشاهد عن الحب المثلي النسائي
بإيحاء غير مبتذل، قامت بها الفنانة ملك الجمل. إذ جسّدت شخصية
مدرّسة تعيش في قرية محافظة، لا تجد منفذاً لعواطفها الجنسية
المكبوتة سوى زميلاتها المدرّسات اللواتي يخضعن لها.
لكنّ سنوات السبعينيات كانت بمثابة الحقل الذي نمت فيه هذه النوعية
من الأفلام البالغة الجرأة، تماماً مثلما حدث في فيلم "جنون
الشباب" للمخرج خليل شوقي. إذ مُنع لسنوات كثيرة، وعند عرضه
تجارياً لم يلق نجاحاً يذكر. وجسدت شخصية المثلية "سناء يونس" التي
تحب إحدى صديقتها بجنون، وترفض سناء أي علاقة لصديقتها بأحد،
وعندما تخطب هذه الأخيرة، تنتحر سناء.
"على
مدار تاريخ السينما المصرية، لم يعرض مشهد واحد صريح للسحاق. بل
تمت مناقشة القضية، غير إيحاءات وإيماءات فقط"
وعام 1978، قدّم أشرف فهمي فيلم "رحلة داخل امرأة"، وتلجأ فيه
بطلته إلى النساء بعد خيانة زوجها. وفي عام 1977 قدّم المخرج كمال
الشيخ السحاقية بشكل واضح وبارز في فيلم "الصعود إلى
الهاوية"، وكأن السحاقية هنا بمثابة وصمة عار اتّسمت بها الجاسوسة
عبلة كامل، الفتاه المصرية التي تم تجنيدها في باريس من قبل
الموساد، وكان السحاق بمثابة وسيلة لتجنيد فتاة مبهورة بالنموذج
الغربي.
وكان المخرج داوود عبد السيد قد تعرض لهجوم شديد، بعدما قدّم
السحاقية في فيلمه "رسائل بحر" الذي عُرض منذ سنوات، لكنّه برّر
وقتها المشاهد بأنّها تتماشى مع الواقع، خصوصاً مع عدم إحساس
المرأة بالأمان مع الرجل وافتقادها إلى المشاعر، الأمر الذي
يُلجئها إلى امرأة مثلها، مشدداً على أنّ "العري يعبّر عن البراءة
أحيانًا"، وأنّه قصد من مشهد الشذوذ الذي جمع فتاتين على السرير،
لفت الانتباه فقط إلى هذا المرض.
وفي عام 2009، قدّمت الممثلة المصرية علا غانم شخصية السحاقية بشكل
واضح وصريح، حتى إنّها استخدمت نظراتها بشكل فج. وعلى الرغم من أنّ
هذه العلاقة من المفترض أن تكون سرية، إلا أنّها كانت قد أعلنتها
حتى لأصدقائها الرجال. وأقيمت دعاوى قضائية في ذلك الوقت ضدّ علا
بتهمة التحريض على الفسق والرذيلة، إلا أنّها كانت تدافع عن نفسها،
مؤكّدة أنّها تقدم نموذجاً من نماذج الفتيات المصريات، وطالبت بعدم
دفن الرؤوس في الرمال، بل على السينما كشف الواقع بكل ما يحمله من
سلبيات وإيجابيات.
أخيراً، وعن الرأي النقدي حول وجود مشاهد السحاق في السينما
المصرية ورفضها اجتماعياً، قال الناقد لويس جريس لـ "العربي
الجديد": "هناك مشاكل اجتماعية عديدة موجودة في المجتمع المصري، لا
بدّ من التطرق إليها، لكن مع مراعاة العادات والتقاليد
والأعراف الموجودة في مجتمعنا العربي، وتوضيح ما يتضمّنه الفيلم،
وإذا كان لا يجدر أن يراه الصغار، فليرفع شعار "للكبار فقط".
وأضاف الناقد: "على مدار تاريخ السينما المصرية، لم يعرض مشهد واحد
صريح للسحاق. صحيح أنّه تمت مناقشة القضية، لكن بشكل غير فج وكان
عبارة عن إيحاءات وإيماءات فقط"، موضحاً أنّ جهاز الرقابة هو
المنوط بهذا الموضوع، وهو المسؤول عمّا يجب حذفه. |