لو أن هذه هي رواية الصحفية "زينة عبدالحميد" التي حملت اسم "أسوار
القمر". إذن فأنا أمام رواية تافهة وينقصها الخبرة. نفس الوصف الذي
حددت به قيمة المقالات التي تكتبها وذلك حسب ما جاء علي لسانها في
أحد مشاهد الفيلم.. مني زكي لعبت شخصية "زينة" بأقصي قدر من
التفاني وتكريس خبرتها في الأداء التمثيلي حتي تمنحها ثقلاً
وأبعاداً إنسانية. ولكن قوة الأداء تصبح بلا قيمة إذا لم يدعمها
معني وثقل فكري وإنساني وقدرة علي التأمل والبحث عن قيمة أدبية ما.
خصوصاً انها تقدم شخصية صحفية. وليس هذا فقط. انها ترسم في ذات
الدور صورة لامرأة استثنائية "لم تتمن طيلة عمرها أن تكون زي أي
بنت في الدنيا".
الشيء الوحيد الصحيح الذي قالته "زينة" انها تشعر بكونها امرأة "متلخبطة
جدا مش عارفة ليه". الاجابة في بطن الفيلم الذي تلعبين بطولته ـ
وانها ـ والكلام أيضا علي لسانها ـ "شربت أول سيجارة حشيش في
حياتها مع واحد ما تعرفوش". إذن هي ليست امرأة استثنائية وإنما
مثلها مثل مئات من ذات الطبقة الاجتماعية التي تنتمي لها "زينة".
ممن يملكون الفيلا واليخت وثمن الحشيش ورفاهية الفراغ. والصحبة
الحلوة المتحررة في أماكن اللهو الغالية والسيارة ذات الدفع
الرباعي. و.. الخ..
أنا هنا أقرأ معطيات الصورة ولا أقدم شيئاً خارج إطارها!.
طارق العريان مخرج "أسوار القمر" يمتلك نزوعاً قوياً يكاد يصل إلي
حد الهوس بلغة الحركة والمؤثرات الصوتية والإيقاع اللاهث واحتواء
المتفرج داخل حالة بصرية سمعية مثيرة خاطفة للحواس ولكن من دون أن
تحرك العقل ولا ملكة التفكير فيغرق المتفرج علي العمل وسط صخب عنيف
ودموي ثم يخرج منه دون أثر يدوم بعد النهاية..
امتلاك أدوات المدرسة الأمريكية الخاصة بنوعية أفلام "الأكشن" يمكن
أن يوفر الطاقة والقدرة لعمل ترفيهي لحظي. و"أسوار القمر" من هذه
النوعية التي تجاوزتها حتي الأفلام الأمريكية التي تنتمي لهذه
النوعية.. الترفيه الخالي من المعني. ولا أريد أن أقول الهدف
والرسالة حتي لا أفتح الباب أمام تعليقات ضحلة.. ترفيه لا يشبع علي
مستوي الابداع الفني.
في منتصف الفيلم وأنا أتأمل عضلات المخرج الحرفية راودني عنوان آخر
غير رومانسي كأسوار القمر. أستعيره من إحدي مسرحيات شكسبير وأعني
"جعجعة بلا طحن". فهذه الوليمة البصرية السمعية ينقصها بروتين
الفكرة. ينقصها المعني. فهذه الضجة الكبري علي ماذا؟؟.. لم أتبين
المحتوي ولا الخلاصة في نهاية هذا الصراع!
رجلان وامرأة.. رجلان "أحمد. ورشيد" وامرأة "زينة".. صراع بين
ذكرين يحاولان امتلاك قلب امرأة. أحدهما نقيض الثاني. الأول "أحمد"
"آسر ياسين" طموح وعملي وناجح وميسور مادياً. والثاني "عمرو سعد"
عصبي وعنيف وحسي ومدمن.. والمرأة "زينة" تصاب بالعمي لأسباب يدريها
المؤلف وحده.. ورغم العمي الذي لا يضيف شيئاً إلي الحبكة. تظل
قادرة ومسيطرة علي مقدرات الاثنين. بل وقادرة علي الاشتراك في
المطاردات التي يشاركا فيها. وإن ظلت عاجزة عن الحسم لأيهما
تنحاز.. والمؤلف في سياق الأحداث و"لخبطة" البطلة يوهمنا ان
الرجلين شخصان في واحد. في بعض المشاهد يبادل بين الاثنين. فيصبح
أحدهما "أحمد" والثاني "رشيد" ويظهران بنفس "الوشم" المرسوم علي
الظهر. تتشابه ملامحهما وكأن العمي الذي أصاب البطلة زينة مرادفاً
لعمي البصيرة والعجز عن التمييز. أو لعله السبب الرئيسي لحالة
"اللخبطة" التي تعاني منها دون ادراك مصادرها.
نلاحظ في المباراة المعقودة بين ثلاثة من الممثلين الشباب
الموهوبين فعلاً. في إطار حبكة شكلانية مهمومة جداً بإنتاج تأثير
مباشر وسريع لشكل الصورة. واختيار جماليات المكان بعناية وإبراز
طبيعته الساحلية الجبلية. واستخدام البحر والمشهد الطبيعي الممدود
أمام بصر المتفرج. حبكة مهمومة أكثر بحشد المؤثرات التي تشغل
الحواس ومنها الموسيقي التعبيرية "هشام نزيه" الجيدة التي أضافت
للغة الفيلم.
نلاحظ ان المباراة بين آسر ياسين وعمرو سعد ومني زكي حامية الوطيس
فعلا. وأحيانا تصل إلي ذروة الأداء الميلودرامي في حالة "رشيد"
"عمرو سعد" في تعبيره عن اللوعة والاحتياج والضياع أو عن العنف
الدموي تجسيداً للغيرة أو الجنون. أو تعبير عن مسحة العقلانية في
حالة أحمد "آسر ياسين" الذي رغم غرامه بـ "زينة" وحرصه علي تحقيق
كل مطالبها إلا انه يبحث عن عذر يبرر انفصاله عنها..
ثلاثة أبطال نجوم في مقدمة الصورة يشدون الانتباه ولا يثيرون أي
قدر من الانفعال الحقيقي. في بعض المشاهد كان الجمهور يضحك أمام
"جنون" عمرو سعد في تعبيره عن عشقه لزينة علماً بأن الموقف لا
يفترض أبداً انه يثير الضحك ولكنها المبالغة أحياناً. أو لعله عنصر
التشخيص الذي لا يخلو بدوره من اضطراب وعدم اتساق.
وفي خلفية "الصورة" ممثلون مجيدون قادرون علي التشخيص المنطقي
للحالات التي يمثلونها لولا فراغ الدور نفسه من مضمون يغذيه ويمنح
الشخصية لحما ودما ويجعلها قابلة للتصديق وأعني تحديداً سلوي محمد
علي في دور الأم ومحمد شاهين في دور صديق "رشيد" وشريكه في اليخت
و"البزنس" ونشاط خارج القانون..
بعض مشاهد المطاردات خالية من المنطق ويصعب تصديقها. أشير إلي مشهد
"رشيد" الذي أصيب في المطاردة اصابات بالغة بعد انقلاب سيارته ومع
ذلك نراه ينهض ويشتبك عضلياً مع غريمه أحمد في صراع لا يقوي عليه
غير إنسان سليم معافي.
حوار تامر حبيب صبغ الفيلم بغلالة رومانسية بدت في غير مكانها مع
صوت البطلة التي لعبت دور الراوي لأسطورة أسوار القمر التي
استهوتها. وللبطلة "زينة" نفسها التي انشطرت نفسياً وعاطفياً بين
اثنين من الرجال لكل منهما حلاوته وطلاوته حسياً وعاطفياً ومادياً.
وسيناريو محمد حفظي الذي يكشف تأثره بمصادر عديدة لم تتشكل في كتلة
واحدة متكاملة. قدر من خيال رومانسي. علي حواديت عصابات. علي مشاهد
رعب تتراءي للبطلة في شكل كوابيس. علي "أركان" هنا وهناك لا تشبع
وإن وفرت التسلية وقضاء الوقت.
"أسوار
القمر" فيلم قوي راعي صناعة الأناقة الشكلية والصخب البصري السمعي
والمؤثرات الخارجية التي تدعم التأثير المباشر بالصوت والصورة من
دون التسلل إلي التأثير الأعمق الذي يتجاوز السطح. لقد غاب التوازن
بين الرأس والقلب وما تتابعه العين وتلتقطه الأذن لخلق انسجام
متكامل وتأثير يوفر للعمل فرصة بقاء أطول في ذاكرة المتفرج.
انه بالتأكيد عمل مسل وتجربة سينمائية كاشفة عن امتلاك السينما
المصرية لكل ما يضمن تطورها. خصوصاً لو طال التطور"الدراما"
ذاتها... أعني الإبداع الدرامي إلي جانب الترفيه الضروري لوسيط
الفيلم.
سينما 2015 تقدمها: خيرية البشلاوى
فيلم هندي.. للطفل
نيودلهي تشارك بأعمال مميزة في مهرجان صندوق التنمية الثقافية
مازال بعض الاعلاميين يكشفون عن ضحالة فكرية معيبة عندما يستخدمون
تعبير فيلم هندي للإشارة إلي قصص مفبركة أو ساذجة أو أي شيء عبيط
من وجهة نظرهم. وجه الضحالة يظهر في غياب الادراك بواقع الهند
الثقافي والفني وحجم الثراء الكبير الذي يجسده هذا الواقع إذا ما
دعت الضرورة او الحاجة إلي الاستعانة بقدر من انتاج هذا الواقع
نفسه.
في هذه الايام تستعد وزارة الثقافة ممثلة في صندوق التنمية
الثقافية ومركز ثقافة الطفل لإقامة مهرجان لأفلام وفنون الطفل..
والشيء اللافت وفرة الاعمال السينمائية التي تقدمت للمشاركة في هذا
المهرجان ومنها افلام روائية طويلة وقصيرة وافلام كرتون.. والنسبة
الاكبر منها تمتلك مقومات فنية تؤهلها للمشاركة وجميعها من انتاج
الجمعية الهندية لافلام الطفل وهي المؤسسة الوطنية المنوط بها
انتاج هذه النوعية.
بعض التجارب التي توفرت لنا فرصة مشاهدتها بهدف اختيار نماذج منها
لتمثيل بلادها في المهرجان الذي ينعقد في شهر مارس في القاهرة ان
المؤسسات الثقافية المنتجة لهذه الاعمال تحرص بوعي علي تنمية مدارك
الطفل بتعليمه كيف يفكر علي المستوي القيمي والإنساني وليس تلقينه
الافكار الجاهزة المستهلكة أو التقليدية.
*
الأمر الثاني الاهتمام اللافت بالانتاج السينمائي الموجه للطفل
إدراكا منهم أن الفيلم معلم قوي ومؤثر ويمكن الاتكاء عليه في إثارة
الافكار وتحريك الشهية للإبداع في فترة مبكرة من نمو الطفل.
والواضح من تنوع الانتاج وغزارته الامكانيات المتاحه أمام الجهات
المنتجة والتأكيد علي الاحتياج المستمر لدور الفيلم وإقامة
المهرجانات المتخصصة في هذا المجال ورغم هذه الوفرة التي ظهرت
أمامنا ونحن نستقبل الاعمال التي جاءت للمشاركة أن الاهتمام
بالمستوي الفني واضح في كثير من التجارب والجماليات المبهجة التي
تتوافر للفيلم الهندي وتميز شخصية موجودة بنفس الجاذبية في افلام
الطفل وانا اعني تحديدا الاستعانة بالطبيعة والرحابة والالوان
الجميلة التي تتميز بها الهند. واستغلالها خلفية لأغان وموسقي
ورقصات يؤديها الاطفال إنها السمات الاصيلة والجاذبة للفيلم الهندي
عموما مما يميز سينما الهند التي استولت علي إعجاب جماهير العالم
بعناصر الغناء والموسيقي وتقدم مستوي الصورة ونقاءها والتشكيل
الرباني الرائع للمشهد الذي يعاد انتاجه وتصويره في سياق رائع.
فالهند هذا البلد الشاسع الممتد المتعدد اللغات والاجناس والديانات
والعبادات والمتقدم جدا في البرمجيات والمتمسك جدا جدا بتقاليده
وطقوسه وثقافاته وحضارته القديمة لا يتوقف عن السعي من اجل تطوير
مستوي الانتاج السينمائي الخاص بالطفل.. تشجيع وابتكار مبادرات
خاصة بفنون الطفل يشارك فيها الطفل بنفسه من خلال امتلاكه آلة
التصوير وتحقيق افلام يعبر فيها عن أفكاره ويصور بنفسه ما يتوق
إليه بخياله.
وقد لاحظنا ان المحتوي الموضوعي والقيمي يحظي باهتمام عند اختيار
القصص. كثير من الاعمال تناقش بقدر من البساطة وبلغة فنية جذابة
فكرة الطبقية بين الشرائح المختلفة بانتماءاتها سواء علي المستوي
الاجتماعي أو المادي وكيفية ذوبانها بالتعايش والاجتهاد في الدراسة
والتفوق في المهارات العملية مثل الرياضة والموسيقي إلخ.. ونبذ قيم
الفهلوة أو الابتكار علي "الساحر" او "الجني" لتحقيق الأمنيات.
من الافلام التي سوف يتضمنها المهرجان هنا في القاهرة أفلام ترسم
صورا نموذجية للأسرة الهندية التي يعتبر الترابط والتواصل بين
اجيالها وضرورة تحقيق بيئة من الحنان والدفء والتفاعل الإنساني.
إن فكرة المضمون وأضيف الهادف تعليميا وقيميا وتربويا وعلميا تعتبر
اساسية مهما بدأت الطبيعة الترفيهية الموجهة لشريحة صغار السن.
وهؤلاء بدورهم يحظون بنوعيات خاصة بكل مرحلة سنية فنحن أمام هنود
يتقدمون ويحققون مستويات للتنمية ويبرعون في مجالات علمية معقدة
ومتقدمة وليسوا هنودا كما يصورهم خيال السادة أصحاب الياقات
البيضاء وأربطة العنق المهمورة بأسماء مصممي الأزياء الغربيين
الذين يطلون برءوسهم أمامنا ويكشفون عن محتوي داخل الجمجمة عندما
يبتسمون ويسخرون بالقول له دا ولا"فيلم هندي" في إشارة إلي سذاجة
ما يصل إلي أذنه أو أنها.
نحن يا سادة منذ سنوات ليست قليلة أبدا في عمر التنمية الثقافية لا
نجد لمهرجان الطفل فيلما مصريا يليق بمهرجان سينمائي دولي.. ما
نشاهده الآن من اعمال تكشف عن المدي التعيس الذي وصلت اليه فنون
الطفل رغم اسماء المؤسسات الثقافية والحقوقية التي تحمل ما يشير
إلي الطفل وحقوقه وفنونه بعض ما وصل إلينا حتي الآن من انتاجنا
يثير الاكتئاب وأفضلها من انتاج مؤسسة غربية علي أرض مصر.. وهو
فيلم لا يتجاوز الثماني دقائق ولكنه يحمل شهادة علي قدرة الطفل
المصري علي الابتكار وعلي عمل الشربات من الفسيخ وان كنت لا أشجع
هذا المثل لأن الفسيخ لذيذ أيضا لكن هؤلاء الاطفال بمساعدة مؤسسة
تختار وتوجه ولديها رسالة استطاعت أن تقدم إبداعا من قلب البيئة
وان تقهر الفقر المادي بالخيال الثري.
ليتنا مثل "الهنود" فالفيلم الهندي يحتل المرتبة الثانية بعد
هوليوود ومن المؤكد انه اكثر إنسانية وقربا من روح ثقافتنا الشرقية.
رنات
كوماندوز سيناء
بقلم: خيرية البشلاوى
في عام 1968 بعد هزيمة الخامس من يونيه 1967 بسنة واحدة أنتجت
إسرائيل فيلماً بعنوان "كوماندوز سيناء" يصور إحدي المعارك من خلال
مجموعة من الكوماندوز تتكون من ثمانية أفراد وترافقهم امرأة برتبة
كابتن تقود القارب الذي يحملهم إلي مدينة شرم الشيخ بهدف تدمير
محطة الرادار التي يملكها المصريون. هذا العمل يعتبر الأول الذي
يتناول حرب الأيام الستة ويقدم من وجهة النظر الإسرائيلية الانتصار
الكاسح الذي حققته الدولة العبرية التي لم يكن قد مر علي تأسيسها
أكثر من عشرين عاماً فقط..
ولم يكد والفيلم سلاح قوي أن يمر عام دون أن تثبت إسرائيل وهوليوود
للعالم الطبعة السينمائية لما جري في هذا الصراع الذي مازال قائماً
وإن تعقدت الصورة وتعددت أشكال "الكوماندوز" ودخل علي الصراع
جماعات عربية إرهابية ومنهم "حماس" التي يفترض انها جماعة مقاومة
ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين..
47
سنة مرت علي انتاج هذا الفيلم جري اثناؤها حرب السادس من أكتوبر
التي مر عليها الآن حوالي 42 سنة دون طبعة سينمائية تضاهي ما جري
التواريخ في هذا المقال ليست صماء وانما تثير خواطر لا تخلو من ألم
ومن خيبة أمل واحباط..
هوليود أنتجت عشرات الأفلام عن هزيمة 67 التي تجرعها المصريون وعن
بطولات المؤسسة الصهيونية العسكرية. وكذلك أنتجت أفلاماً تقلل من
الانتصار العظيم الذي حققه الجيش المصري.. فالصراع ليس فقط علي
الأرض وانما شهدته "الشاشة" أيضاً.
والخريطة السينمائية التي رسمها المنتجون الصهاينة عن الصراع
العربي ـ الإسرائيلي تقدم صورة شائهة ومحرفة لما آل اليه الصراع.
ولكن الواقع المروع الآني الذي تشهده سيناء بعد أن اختلفت جنسيات "الكوماندوز"
فلم يعودوا صهاينة. انهم "عرب صهاينة وإرهابيون ومن جنس آدمي يثير
اشمئزاز العالم حالياً ويوصمهم بأفظع الصفات.
السينما المصرية في المقابل لم تقدم طبعتها "المحترمة" والمُنصفة
للصراع الذي لم يعد عربياً ـ إسرائيلياً. وانما عربياً ـ عربيا.
بينما إسرائيل تقبع في مركز التوجيه بالريموت كنترول وعبر العملاء
والجواسيس ومصانع السلاح. والحلفاء الغربيين وعلي رأسهم الإدارة
الأمريكية..
أحاول ان أتأمل المشهد باقتفاء أثر الدور الذي لعبته السينما
وأدواتها المؤثرة فأجد ان "الخريطة" باتت معقدة للغاية. ومخزية
لأقصي حد.. حتي السينما الفلسطينية تبعثرت رموزها في التيه واستقر
معظمهم في بلاد الغرب وأصبحوا أسري المؤسسات الثقافية الغربية. ولا
يملكون مقدرات امكانياتهم ومواهبهم.
و"الثورات" العاصفة في السنوات الأخيرة أفرزت للشاشة من يمثلون
الجانب الأضعف في الصناعة السينمائية الوطنية والأقل انتماءً
واستعدادا لخوض الصراع بالسينما هم يستعدون أكثر للارتماء في أحضان
المال "الغربي" الضامن لبقائهم كفنانين و"نجوم" ومنهم من يصل
انتماؤهم للغرب إلي حدود الخيانة أو علي الأقل الاستعداد لارتكابها
إذا كان الثمن المدفوع الشهرة والمال.
شغلت "سيناء" صناع السينما الصهاينة وظهرت من خلال الأفلام
المعتمدة علي قصص العهد القديم والجديد التي يعاد انتاجها كلما كان
الصراع محتدماً والأيديولوجية الصهيونية تحقق انتصاراً وانتشاراً!
لقد لاحظت مؤخراً من خلال متابعة البرامج الحوارية ذات الطابع
السياسي ان هناك من يلتفت حالياً إلي دور السينما وإلي الأفلام
الأمريكية وتحديداً التي ظهرت مؤخراً ومنها أفلام تتناول الحرب
العراقية. والصراع الحضاري الضمني بين ما صار يمثله الشرق العربي
والغرب الأوروبي.. وكيف يتم اختيار موضوعاتها وأبطالها بعناية
فائقة ومن أجل أن تحقق أقصي تأثير ممكن عاطفياً وفكرياً وحضارياً..
عندما نتذكر تاريخ أول فيلم إسرائيلي عن "كوماندوز سيناء" ندرك أن
التفوق لا يشمل مستوي واحداً وان "الأفلام" عن الدولة الصهيونية
بدأت في الظهور قبل قيام إسرائيل والمصورون الصهاينة بشروا في
الربع الأول من القرن العشرين بواسطة الأفلام التسجيلية والروائية.
بشروا بأرض الميعاد.. وجسدوا بالصوت والصورة المقولة الصهيونية
الشهيرة: "أرض بلا شعب وشعب بلا أرض".
إذن تبدأ أفلام "النكسة" في الظهور بعد سنة واحدة فقط. وتغزو دور
العرض. |