كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

يكرم توم هانكس وخمسة آخرين

مهرجان «بالم سبرينغز».. نما في 25 سنة ولا يزال فريدا

بالم سبرينغز (كاليفورنيا): محمد رُضا 

 

في أعوام قليلة كبر مهرجان بالم سبرينغز من مناسبة صغيرة تكمن في بلدة صحراوية تظللها أشجار النخيل وتمتد كواحة في منتصف المسافة الفاصلة بين ولاية كاليفورنيا وحدودها مع ولاية أريزونا، إلى مهرجان كبير. الدورة الخامسة والعشرون التي تقام من الثالث وحتى الثالث عشر من هذا الشهر، تشي من يومها الأول، ولمن غاب عنها بضع سنين وعاد مشتاقا، كم كبر هذا المهرجان في محيطه. إذا ما أردت مهرجانا صغيرا، حميما ولا يشهد زحام الإعلام فتش عن سواه.

إنه ليس «عاصمة السينما لعشرة أيام»، كما صرخ عنوان في صحيفة «ذا لوس أنجليس تايمز» لكنه لم يعد عملا صغيرا يأوي إليه المعدمون من المهرجانات الأخرى. في عام 1990 انطلقت دورته الأولى أيام كان المغني صوني بونو حاكم مدينة بالم سبرينغز التي يقام فيها وافتتح بفيلم جوزيبي تورناتوري «سينما باراديزو». عندما بدأ هذا الناقد، بعد عشرة أعوام، كان صوني بونو مات خلالها، بالتردد على هذا المهرجان، كان لا يزال فرصة للراحة بعيدا عن المهرجانات الكبيرة. أفلامه جيّدة. اختياراته مناسبة لكل ذوق. معاملاته سريعة. عروضه متواصلة وجمهوره، غالبا من أبناء المدينة والمدينة التالية لها «دزرت سبرينغز». الطعام جيد ورخيص. الفنادق ذات الأربعة نجوم من 50 دولارا وما فوق وإذا أردت الهوليداي إن على بعد ربع ساعة بالسيارة 35 دولارا وفنجان الشاي بدولار واحد.

اليوم اختلف الأمر ومن حق مهرجان ناجح أن يختلف. أن ينمو وأن يكبر وإذا لم يضع هويته الخاصة بين مئات المهرجانات السينمائية حول الأرض (من دون تلك التي تشبهها وعددها بالألوف) خلال هذا النمو فهو حقق ميزة كبيرة.

ليس من المتوقع أن ينافس المهرجان تورونتو بالنسبة لعرض الأفلام الأميركية المحشوّة نجوما ولا مهرجان صندانس (قبل نهاية هذا الشهر) بالنسبة لعرض الأفلام المستقلة، لكنه وجد خطا بين الاثنين يلائمه ويستطيع الاحتفاظ به: لن يدعو إليه الأفلام الهوليوودية الكبيرة، لكنه يستطيع أن يدعو بعض كبار الفنانين وستراهم متسارعين للحضور كما هو الحال هذه السنة. ستة تكريمات ستشمل ساندرا بولوك وميريل ستريب وبروس ديرن وجوليا روبرتس وتوم هانكس وفريق U2 الغنائي. لأول عشر سنوات من تاريخه لم يكن حضور النجوم وارد. السنة الأولى منه حظيت بالراحل بوب هوب. هاريسون فورد في واحد من تلك السنوات الأولى وجيمس ستيوارت قبل وفاته. الآن هو منضم رسميا لمنظومة الاحتفالات الكبيرة التي تنطلق به وتمر على الغولدن غلوبس وجوائز الجمعيات الأميركية وصولا للبافتا البريطاني والسيزار الفرنسي ومهرجان برلين القابع في مطلع فبراير (شباط) المقبل. النهاية الرسمية لهذا الفصل من أعياد السينما هي مع إعلان جوائز الأوسكار في الثاني من مارس (آذار) المقبل.

والأوسكار ومهرجان بالم سبرينغز متشاركان. ليس بخاطر الأول لكن بإقدام الثاني على دعوة كل الأفلام الأجنبية التي يجري إرسالها للاشتراك في الأوسكار. نتحدث عن المرحلة الأولى التي تقوم فيه هيئات وطنية في الدول المختلفة بترشيح فيلم من انتاجاتها وعروضها في عام وتقديمه للجنة الاختيار في أكاديمية العلوم والفنون السينمائية لكي تختار منها الخمسة التي سترشّح رسميا. مهرجان بالم سبرينغز في سنواته العشر الأخيرة على الأقل اعتاد دعوة كل هذه الأفلام. صحيح أنها لا تتجاوب جميعا، إلا أن هذا التقليد نجح متيحا لمن يرغب مشاهدة الغالبية من الأفلام التي لم تنتخب وتلك القليلة التي دخلت الأنبوب المؤدي لفوز واحد منها على حد سواء.

هذا العام عدد الأفلام التي تم دعوتها من هذا الفصيل من الأفلام بلغ 45 فيلما وهناك 24 فيلما من تلك التي نالت جوائز الجمهور من مطلع العام الأول للمهرجان وحتى العام الماضي، وهذه تشمل «سينما باراديزو» والفيلم الياباني «انطلاقات» والإيطالي «الحياة حلوة» والألماني «حياة الآخرين» والبوسني «أرض لا أحد» وكلها إما فازت بأوسكار أفضل فيلم أجنبي أو انتهت إلى الترشيحات الرسمية.

الأفلام الجديدة المنتقاة للعرض هذا العام تشمل، فيما تشمل الفيلم البلجيكي «انهيار الدائرة المكسورة» والفيلم التركي «حلم فراشة» والسلوفاني «صف العدو» والصربي «دوائر» والكندي «غابريال». وهناك فورة في السينما الكندية نتج عنها قرار «بالم سبرينغز» الاحتفال بها في تظاهرة خاصة.

ولا يكترث المهرجان أكثر من اللازم إذا ما سبق للفيلم الذي يستقبله عُرض في مهرجانات أخرى أو لم يعرض. لا يحصي عدد الأفلام المعروضة كـ«وورلد برميير». على ذلك فعدد الأفلام التي لم تستقبلها مهرجانات أولى حول العالم كبير، وبعضها ما تم ذكره أعلاه. أما تلك التي سبق لها وأن شهدت حياتها على شاشات مهرجانات أخرى فمن بينها «خيول الله» (الذي يعرض على أساس أنه كان الترشيح المغربي للأوسكار) و«الصيد» الدنماركي و«عمر» و«رنوار» والفيلم الروسي الذي أعاد السينما العالمية إلى الحرب العالمية الثانية «ستالنغراد». كذلك سيجد الحاضر فيلم «وجدة» لهيفاء المنصور معروضا وهو أكثر الأفلام المشتركة عرضا إذ اشترك فيما لا يقل عن اثني عشر مهرجانا بدءا من عرضه العالمي الأول في مهرجان «فينيسيا» الصيف الماضي.

ربما كبر المهرجان عما كان عليه، كما ذكرت، لكنه ما زال المكان الذي تنتقل فيه من صالة إلى أخرى من دون أن يشغلك شاغل آخر سوى الفيلم الذي تركته والآخر الذي ستشاهده.

الشرق الأوسط في

05.01.2014

 
 

من بطولة النجم القدير جيفري روش

«أفضل عروض» السينما بمواصفات جوسبي تورنتوري

عبدالستار ناجي 

المخرج الايطالي جوسبي تورنتوري، من مواليد 27 مايو 1956 في صقلية - ايطاليا، انطلقت شهرته عالميا من خلال فيلمه التحفة «سينما براديسو» (سينما الجنة)، الذي فاز عنه بجائزة مهرجان كان السينمائي الدولي الكبرى عام 1988. بعدها قدم مجموعة اعمال ومنها «مولينا» 2000 و«أسطورة 1900» 1998 وأخيرا يأتي فيلمه الجديد «أفضل عرض».

مسيرة حافلة بالانجازات، ومن قبلها المواصفات السينمائية العالية الجودة التي جعلت من اسمه يذهب بعيدا، الى فضاءات السينما العالمية، عبر حرفية عالية المستوى، واختيارات ذكية، وفريق عمل يمثل أهم نجوم وحرفة وصناعة السينما حيث يصيغ أعماله ببصمته المتفردة.

وهو هنا في هذا العمل «أفضل عرض» يقوم ايضا بكتابة السيناريو شأنه شأن تجاربه السابقة.

فيلم «أفضل عرض» في حقيقة الأمر، فيلم أنيق ذو مسحة هيتشكوكية، قدم عرضه الاول في اغسطس الماضي، في مهرجان البندقية السينمائي الدولي.

سيناريو محكم ومحبك، ودراسة تحليلية للشخصيات والاحداث، وفيض من الاحاسيس المقرونة بالعاطفة وشيء من الرومانسية وايضا الثقافة العالية.. والخداع.

نتابع في الفيلم حكاية فيرجل اولدمان (جيفري روش) رجل مثقف، بائع تحف، غريب الاطوار يعيش في حالة من العزلة، ويمارس مهنته بالتزام، بعيدا عن العواطف والاحاسيس، ويتعامل مع كبريات بيوت المزاد العالمية، ولكنه يتردد في التعامل مع النساء.

ذات يوم يتلقى فيرجل مكالمة من احدى الوريثات الشابات الغامضات تدعى (كلير - الممثلة الهولندية سيلفيا هوكيس) والتي تدعوه الى فيلتها ومشاهدة مقتنيات الاسرة من اللوحات النادرة بشرط الاّ تلتقي به، أو يلتقي بها، إلا من خلال حاجز.

ومع تكرار اللقاءات تتصاعد عنده الرغبة لقائها، ولكنها تظل ترفض ان يراها.. بحجة رغبتها في أن تبقى بعيدة عن الجميع بسبب مرضها.

إلا أن تلك العزلة، تجعل (فيرجل) يفتن بها حتى دون أن يراها، ويبذل المستحيل من أجل أن يراها ولهذا يبدأ فيرجل بتجنيد أحد أصدقائه روبرت (جيم ستارجس) الذي يمتلك عبقرية ميكانيكية لتجميع واصلاح بعض الاجهزة في منزلها.

وتمضي الايام، وكان (فيرجل) يذهب الى متاهة.. تدفعه أحاسيسه.. وعواطفه التي ظلت معطلة.. خصوصا، بعد التعرف على تلك الصبية الباهرة الجمال.. التي اعتقلت قلبه.. وأحاسيسه ووجدانه.

عندها يكتشف ذلك الرجل، تجربة اعادة الاتصال بالناس.. والاحاسيس، التي ظلت مغيبة ومعطلة، وهو يعيش عزلته.. وصرامته.. وسلوكه المعادي للمجتمع.. وتجاهله عامة الناس.

عندها يتحول الى شخصية مختلفة.. انسانية الملامح.. والتصرفات.

علاقة تعيد بناء انسان.. وتشكل أحاسيسه.. وتجعله يكتشف أن للحياة طعما حقيقيا بالآخرين.. وليس بالعزلة.

علاقة تبدأ بالهاتف.. وعبر حاجز.. فإذا تلك المكالمات.. واللقاءات تغير انسانا تحول الى آلة.. مجمدة الأحاسيس.. مشغول بعمله.. وفهم أسرار حرفته.. دون أن يفهم أحاسيسه.. واحتياجاته الانسانية.

وحينما تأتي بعض المشهديات، التي صورها تورنتري بعناية، بالذات في وجود فيرجل، وسط غرفة مليئة باللوحات وكأنه قزم وسط تلك الحيطان واللوحات.. بلا عاطفة.. وغير قادر على فهم الناس الذين يحيطون به.

ونلاحظ تلك العلاقة بين فيرجل وصديقه روبرت الذي يعيد تشكيل «الانسان الآلي» القديم.. والخالي من الاحاسيس.. تشكيل يتطور.. ومعه يكتشف فيرجل انه ليس مجرد انسان آلي.. بل انسان حقيقي.

ونصل الى مقولة الفيلم التي يحرص تورنتري على تقديمها الا وهي «ان هناك دائما شيئا حقيقيا مخبأ في كل التزوير الانساني».

وحينما ينتهي الفيلم ينتهي الى أن يكتشف فيرجل أنه اصبح انسانا آخرا.. يحب ويعشق.. ويتفاعل.. بعد أن كان مجرد دلال خال من المشاعر

لا نطيل حينما نقول..

فيلم «أفضل عرض» هو واحد من افضل اعمال العام السينمائية.. وهي دعوة للمشاهدة.. حينما تتاح الفرصة.

anaji_kuwait@hotmail.com

النهار الكويتية في

05.01.2014

 
 

هوليوود تعاني من المنافسة

محمد موسى  

"لعبة الجوع" صُور في ولاية شمال كارولينا، "ذي لون ريجير" انجز في ولاية كولورادو، الفيلم الضخم بميزانيته "اينتر ستيلا"، والذي ستنطلق عروضه في العام القادم، صُور في كندا. هذه عينة قليلة فقط من أفلام هوليوودية ضخمة الإنتاج من عام 2013، فضلت الإبتعاد عن ولاية كاليفورنيا، حيث إستديوهات السينما الأمريكية التقليدية العملاقة في مدينة هوليوود وإختارت التصوير في دول مجاورة وولايات أمريكية غير معروفة بعلاقتها التاريخية بالسينما، والأسباب هي الخصوم الضريبية والتسهيلات اللوجستية التي تحصل عليه إستديوهات السينما هناك. سلطات مدن أمريكية، وفي ظل أزمة إقتصادية خانقة تخيم على البلد منذ أعوام طويلة ولا تبدو إنها في طريقها للإنتهاء قريباً، تحاول عبر أموال وشهرة السينما، المساعدة بدفع عجلة الإقتصاد البطيئة فيها. ولاية كاليفورنيا تَخسَّر في كل عام من مكانتها، كولاية السينما في الولايات المتحدة الأمريكية. إسطورة هوليوود تتعرض لهَّزات جديدة.

لم يَّعد الخطر على هوليوود وولاية كاليفورنيا هو التنافس الخارجي فقط، والذي بدا قبل سنوات، إنه قادم من  مناطق مثل الشرق الأوسط، كبديل غير متوقع عن الأراضي الأمريكية، فالثورات العربية عرقلت كثيراً نمو الصناعة السينمائية في دول عربية عدة، كانت قد إستثمرت ملايين الدولارات في بناء إستديوهات سينمائية وتعديل قوانينها لجذب الشركات السينمائية الأمريكية وغيرها للتصوير في بلدانها. حتى المغرب والأردن، والتي بقيت بعيدة عن نار الربيع العربي، تأثرت بشكل او بآخر بما يَّحدث في المنطقة. في الفيلم التسجيلي " مغوي ومَتروك "، والذي عرض في نهاية العام الماضي، يزور النجم أليك بالدوين وزميله المخرج الأمريكي جيمس توباك، وكجزء من سعيهم للحصول على تمويل لمشروع فيلم، ممثلون  دول عربية في مهرجان كان السينمائي. الموظفون الرسميون العرب أكدوا عن إمكانية  أن تقوم دولهم بالإشتراك في إنتاج الفيلم، من أجل  جذب الشركة المنتجة للتصوير في تلك البلدان. وحتى مع الشعبية التي نالتها بعض الدول العربية قبل أعوام كمواقع تصوير رخيصة بخبرات محلية جيدة، بقيت معظم الأفلام المصورة في تلك الدول في حدود الأعمال التي يكون فيها الشرق الأوسط كخلفية للقصص المُقدمه، مع إستثناءات قليلة للغاية.

ليست شركات السينما وحدها التي إختارت التصوير في ولايات أمريكية اخرى بعيداً عن هوليوود. التلفزيون الأمريكي بدوره إكتشف المزايا الإقتصادية للتصوير في ولايات أمريكية اخرى، بعضها غير معروف عنه أبداً أي تاريخ في توفير المحيط الجغرافي لتصوير أعمال تلفزيونية او سينمائية. مسلسل "بريكينغ باد"، والذي يُعد واحد من أنجح المسلسلات التلفزيونية في العقد الأخير، صُور في ولاية نيو مكسيكو. الفائدة التي يجنيها إقتصاد ولاية ما بسبب تصوير مسلسل فيه، تفوق بكثير تلك الخاصة بالأفلام. فالمسلسلات مثل المسلسل المذكور، عُرف عنه بَذخه الإنتاجي، إذ إقترب المبلغ المصروف على كل حلقة من حلقاته ذلك الذي يُنفق على أفلام من فئة الأفلام المتوسطة الإنتاج. كما توفر المسلسلات بحلقاتها وأجزائها العديدة، مصادر للدخل تطول لبضعة سنوات.

تُحذر شركة FilmL.A، وهي شركة غير ربحيّة تقوم بتنظيم عمليات التصوير في ولاية كاليفورنيا، إن الولاية وإستديوهات السينما والتلفزيون في هوليوود، ستخسر كثيراً مع تصاعد شعبية أمكنة إخرى في الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا لم تقم إدارة الولاية بخطوات سريعة، أهمها خفض الضرائب المفروضة على التصوير فيها، وهو بالضبط ما تفعله ولايات أمريكية عديدة لجذب شركات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني اليها. موقع شركة " FilmL.A" على شبكة الإنترنيت، يُقدم إحصائيات عديدة عن الصناعة السينمائية والتلفزيونية، منها عن أعداد الأعمال المصورة في كاليفورنيا، والتي انخفضت بنسبه 10% في العام الماضي وحده. هذا الإنخفاض يقابله تصاعد الأعمال المصورة في ولايات مثل جورجيا، التي تقدم تخفيضات ضريبية على الأعمال المصورة فيها بنسبة ثلاثين في المائة. هذه الولاية بالتحديد تجذب منذ أعوام منتجيين أمريكيين للتصوير فيها، حيث صورت في العام الماضي فقط الأفلام التالية: الجزء الجديد من "الغبي والأغبي"، الجزء الجديد من سلسلة "السرعة والغضب"، فيلم "بالكاد قاتل"، والذي يلعب بطولته الممثل صامويل جاكسون.

ليس الخطر الذي تواجه هوليوود هو أعمال متفرقة تختار أن تترك عاصمة السينما في مناسبات قليلة، بل  يأخذ شكلاً جدياً، عندما تقوم ولايات امريكية بتشييد بنية تحتية لصناعة سينمائية وتلفزيونية قادمة. فالأفلام والمسلسلات شجعت على تطوير قدرات المهنيين المحليين، كما ساعدت على نمو دورة إقتصادية مرتبطة بالنشاط السينمائي، يأخذ صوراً عديدة، منها إنتقال مشتغلين في السينما نهائياً الى الولايات التي تشهد نمواً في عدد الافلام المنتجة فيها، ليكونوا قريبين من أمكنة العمل الجديدة، إنتقال هؤلاء يعني غالباً إصحاب عوائلهم معهم. كما إن هذا الإنتقال لا يقتصر على المهنيين، نجوم التمثيل، بدوا يعوا إن العمل لم يَّعد متركزاً في هوليوود، الأمر الذي يجعل السكن في المدينة الصغيرة بغلوه وإفتقاده للحريات، ليس بالأهمية التي كان يَّحملها في الماضي.

هناك الى جانب الفوائد الآنية للإنتاج السينمائي في مدن معينة على إقتصاديات الأخيرة، إخرى بعيدة المدى، تتمثل في تحويل تلك المدن وبالخصوص الأمكنة العامة التي صورت بها مشاهد من تلك الافلام، الى مزارات دائمة لعشاق السينما، وما يعنيه هذا للسياحة في تلك المدن. هناك مواقع خاصة على شبكة الأنترنيت مثلاً، تُقدم معلومات مُفَصَّلة عن مواقع تصوير أفلام أمريكية عديدة من فترات تصل الى قرن كامل، أحيانا مع صور حديثة لتلك الأماكن. كما تُنظم في مدينة نيويورك وغيرها رحلات سياحية خاصة تقتفي أثر أفلام شهيرة، مارة على معظم المواقع التي صُورت فيها تلك الافلام.

الجزيرة الوثائقية في

05.01.2014

 
 

دليل السينما العربية والعالمية 2013 لمحمد رضا (1)

عدنان حسين أحمد

صدر عن مؤسسة "كِتاب السينما للنشر والتوزيع" بدبي "دليل السينما العربية والعالمية لعام 2013" للناقد السينمائي اللبناني الدؤوب محمد رضا. يضم الكتاب أربعة فصول تتصدّرها كلمتا الناشر والمؤلِف، إضافة إلى الإهداء الموجّه للعالِم الحسن بن الهيثم، أول عربي اشتغل على علم البصَريات، والمخرج الفرنسي المولد لويس لو برينس، صانع أول فيلم سينمائي بكاميرا واحدة وعلى شريط واحد عام 1888.

قبل الولوج إلى تفاصيل هذا الكتاب لا بد من الإشارة إلى الجهد الموسوعي الكبير الذي بذله الناقد المثابر محمد رضا، فقد نذر هذا الإنسان نفسه منذ طفولته وصباه إلى الفن السابع الذي وجد فيه ضالته فلا غرابة أن يتابع كل صغيرة وكبيرة فيه بدءاً بالفضاء السينمائي اللبناني، مروراً بالفضاء العربي، وانتهاءً بالفضاء العالمي الأشمل. ولعل هذا الشغف الكبير يتجسّد حتى في متابعته الدقيقة في الفصل الرابع من هذا الكتاب لكل الفنانين العرب والأجانب الذين ارتحلوا إلى جوار ربهم، لكن أرواحهم لا تزال ترفرف في سمائنا وتحيلنا، بين أوانٍ وآخر، إلى نتاجاتهم الفنية التي انقطعوا إليها، تماماً كما انقطع مؤلف هذا الكتاب لملهِمته الوحيدة السينما التي تستطيع أن تُعيد للحياة بهجتها المفقودة.

وعلى الرغم من كل المعوّقات التي تقف حائلاً أمام بيع الكتاب السينمائي وانتشاره في عالمنا العربي إلاّ أنّ إصرار الناشر عبدالله الشاعر والمؤلف محمد رضا على إصدار هذا الكتاب يكشف عن ثقتهما المُطلقة بالرهان على النقد السينمائي من جهة، وولائهما للفن السابع من جهة أخرى، وليس أمامهما من طريق ثالثة سوى طبع هذا الكتاب النقدي الذي يخرج في بعض الأحيان من دائرة النقد السينمائي إلى "الأرخنة السينمائية" التي تحتاج إلى جهود وأوقات مضاعفة.

السينما العربية

يشتمل الفصل الأول من هذا الكتاب على خمسة محاور رئيسة اندرجت في باب "اتجاهات وتقارير" حيث توقف الناقد محمد رضا عند محور "عام في السينما العربية" وخلص إلى القول بأن"السينما ليست الأفلام، والأفلام ليست السينما" وعلى المتلقي أن يفهم ما بين السطور وما وراءها. كما استنتج أيضاً بأن "السينما العربية هي أبعد ما تكون عن الوضع الجيد" وهو يرى أن عناصر نجاح السينما تتمثل بست نقاط رئيسة وهي:"البنية الاقتصادية القادرة على التمويل، والبنية التسويقة، وآلية عمل إعلامي صحيح، وخبرات وطواقم شاملة في كل الحقول، وصالات سينمائية كافية، ووضع ثقافي واقتصادي مستتب ناتج عن وضع سياسي ثابت" وما إلى ذلك. غير أن رؤيته النقدية الفاحصة للعالم العربي الآن تكشف بما لا يقبل الشك بأن ليبيا ليس فيها صناعة سينمائية، وأن سوريا لا تفكر الآن بغير الاقتتال الداخلي المندلع إلى أجلٍ غير مسمّى، وأن مصر يزداد فيها شكل التطرف الديني، وأن تونس لا تنتج سوى حفنة أفلام روائية ووثائقية. وعلى الرغم من هذه الأجواء الكابية الدكناء إلاّ أن هناك بصيص أمل مرتقب فثمة تطور سينمائي ملحوظ يمكن تلمّسه في دولة الإمارات العربية المتحدة التي أدركت أهمية السينما كوسيط ثقافي وفني وحضاري لذلك قدّمت كل ما تستطيع تقديمه من دعم سواء للصناعة السينمائية المحلية على قلّتها أم لتشجيع المهرجانات السينمائية وترسيخها في هذا الجزء الحيوي من منطقة الخليج العربي. وقد أشرّ الناقد محمد رضا على أهمية الإقبال الجماهيري على مشاهدة الأفلام السينمائية في دولة الإمارات تحديدا وسواها من دول الخليج العربي.

إذا كان هذا هو وضع السينما العربية خلال عام فما هو وضع السينما العالمية؟ يجيب محمد رضا بأن صالات السينما الأميركية خلال عام 2011 قد سجلت نحو 500 مليون دولار أقل مما سجلته خلال عام 2010 وهذا التراجع مقلق لمحبي السينما وعشاقها في كل مكان من العالم. كما تراجعت أفلام الأبعاد الثلاثة من 43 فيلماً عام 2011 إلى 38 فيلماً عام 2012، لكن هذا الانحسار البسيط لا يشكل هزيمة لهذه التقنية السينمائية ذلك لأن الإيرادات تدلل على أن الإقبال على هذا النظام الثلاثي الأبعاد لا يزال قائماً ومتواصلا فلا خشية حقيقية تراود ذهن الناقد محمد رضا، ولا قلق يتسرّب إليه في هذا الصدد.

المهرجانات السينمائية العربية

يرصد محمد رضا في "كِتاب السينما" كل عام المهرجانات السينمائية العربية مقيّماً إياها بموضوعية كبيرة، ذاكراً ما لها وما عليها من دون أن يخشى في الحق لومة لائم. لا شك في أن القائمين على هذه المهرجانات هم رفاق وأصدقاء لكن ذلك لا يمنع من الدخول في منافسات محمومة حتى وإن أخذ بعضها طابع المنافسة الصامتة لكنها تتأجج بين حين وآخر تماماً كما يتأجج الجمر تحت الرماد حينما يحرّكه منخس ما بقصد أو من غير قصد، ولعل الدخان الذي يتصاعد من موقد هذا المهرجان أو ذاك يشي بتلك المنافسة المحمومة التي يسلْفِنها غطاء الصمت الذي قد يتشقّق أمام بعض الأحداث والمناسبات.

لقد ودّع مهرجان أبو ظبي عام 2012 مديره الأميركي السيد بيتر سكارليت، كما صُرفت الأسترالية أماندا بالمر من منصبها كمديرة عامة لمهرجان الدوحة الذي انطلق عام 2009. وفي السياق ذاته ودّع مهرجان دبي في عامه الأول 2007 مديره الكندي نيل سيفنسون إلا أن التنافس بين المهرجانات الخليجية في الأقل لا يزال قائما

دبي يؤم المهرجانات الخليجية

يشير محمد رضا في هذا الفصل إلى أن الوطن العربي يضجّ بالمهرجانات السينمائية الممتدة من عُمان إلى مراكش وهي تحاول الوقوف على أقدامها إذا ما توفرت عناصر النجاح الستة التي أشرنا إليها قبل قليل. فالدعم متذبذب في غالبية البلدان العربية باستثناء مهرجانات الخليج العربي، ومهرجان مراكش المدعوم مباشرة من قبِل القصر الملكي.

يعتقد محمد رضا أن مهرجان دبي لا يزال يؤمّ المهرجانات الخليجية لأن الحكم على مهرجان أبو ظبي قد تتوضح معالمه في السنوات القليلة القادمة، فهذا الأخير، كما يرى الناقد رضا، لا يزال أقلّ فعالية وأكثر تشتتاً. فعلى الرغم من أن التنظيم كان حسناً على أكثر من صعيد، والأفلام كانت جيدة عموماً، لكن المهرجان لا يزال محدوداً في استقطاب وعرض جديد السينما العربية. كنت أتمنى على الزميل رضا أن يقدّم مقارنة بين الأفلام العربية الجديدة التي يستقطبها كل مهرجان على حدة كي نتأكد من صحة هذا الرأي النقدي ببعض الأدلة الدامغة، والبراهين العددية الملموسة التي لا يختلف عليها اثنان. لقد اكتفى الناقد بالإشارة إلى تكاتف جهود العاملين في مهرجان دبي وخبرتهم المشهودة على مدى سنوات المهرجان العشر التي ظل فيها محافظاً على تقليده ومكانته الفنية من دون أن يغفل السنة الصعبة الأخيرة التي تمكّن من تجاوزها.

أما مهرجان الدوحة السينمائي الدولي الذي أدارته أماندا بالمر فقد حاول القائمون عليه توسيع رقعة الحضور العربي فيه، لكن العديد من السينمائيين العرب ينظرون إلى مهرجاني دبي وأبو ظبي كاختيار أول لعرض أفلامهم. يرى رضا أن برنامج "صُنع في قطر" قد حظي باهتمام خاص لأنه حشّد "19" فيلماً محلياً بينها ثلاثة أفلام روائية، وهذه إشادة ضمنية بالرئيس التنفيذي للمهرجان عبدالله النجار ونائبه عيسى بن محمد المهندي.

وفيما يتعلق بمهرجان مراكش السينمائي فيعتقد رضا أن "وجهته ما تزال منصبّة على دولية الحدث أكثر من عروبيته". أما بقية المهرجانات العربية فلا تزال تراوح في مساحة ضيقة مثل مهرجان بيروت المحدود نسبياً بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية. ومهرجان تطوان لسينما البحر المتوسط الذي اقتصرت عروضه هذا العام على أفلام وثائقية تتمحور حول الربيع العربي، فيما أُجِل مهرجانا دمشق والقاهرة نتيجة الغليان الذي تشهده مصر وسوريا على حدٍ سواء.

أما المهرجانات العربية التي تُقام حول العالم فهي ليست أفضل حالاً من شقيقاتها في البلدان العربية، إذ تمتد المشكلات التنظيمية من مهرجان روتردام للفيلم العربي إلى مالمو، مروراً بأسبانيا، وانتهاء بسان فرانسيسكو ولوس أنجيليس فمهرجان "آمال" الذي يُقام في مدينة سانتياغو دكو موبستيلا لا يزال محدود التأثير إعلاميا. فيما تعرّض مهرجان روتردام إلى ضربات موجعة في السنوات الأخيرة بسبب خلافات إدارية أدت إلى استقالة بعض العاملين المؤثرين فيه، فيما تتحدث التقارير الصحفية عن سوء تنظيم رهيب لمهرجان مالمو. وربما يكون مهرجان سان فرانسيسكو هو أنجح المهرجانات العربية في الغرب، كما يرى رضا، والفضل في ذلك يعود إلى جدية فريق العمل، وإخلاصه، وتفانيه اللامحدود.

يعتقد رضا أن مهرجانات من قبيل برلين، كان، فينيسيا، كارلوفي فاري، لوكارنو، تورنتو، سنداص تذهب إليها الأفلام كي تفوز بالجوائز أو بعقود التوزيع، أما مهرجانا لوكارنو وكارلوفي فاري فهما يجمعان بين الفن والتجارة في آنٍ معا.

ترنس مالك وبحثه الفلسفي

توقف الناقد محمد رضا في المحور الثالث من هذا الفصل عند مخرج العام ترنس مالك، وهو مخرج وكاتب سيناريو ومنتج، أنجز أربعة أفلام خلال 42 سنة، كما أنجز خلال عامين  ثلاثة أفلام وهي على التوالي "بادلاندرز" 1973، "أيام الفردوس"1978، ثم انقطع مدة عشرين عاماً قبل أن ينجز فيلمه الثالث "الخيط الأحمر الرفيع" 1998. ثم أنجز "العالم الجديد" و "شجرة الحياة" و"إلى العجب". كتب ترنس سيناريو فيلمه الجديد "فارس الفناجين". يعتقد رضا أن الرابط الأكثر أهمية في أفلام ترنس هو البحث المزمن لضياع ما، مثل بحث تاركوفسكي الفلسفي وليس الميداني. كما يصرّ رضا على أن ترنس لا يقلّد أحداً، ولا يستطيع أحد تقليده. لقد سبق له أن طرح بعض أفكار هذا الفيلم "إلى العجب" مثل الغربة، والوحدة، والتوق لمعرفة الحياة، ودور الدين في حياة الإنسان، إلا أنه لا يرضى أن ينجز الفيلم الواحد مرتين. أما "شجرة الحياة" فهو فيلم فلسفي، شعري وجمالي عن دراما عائلية تقع في خمسينات القرن الماضي. يلتقي مالك مع تاركوفسكي، كما يرى رضا، في حبهما للموسيقى والماء وتصوير الطبيعة

فانتازيا السحر الأسود

يدور المحور الرابع من هذا الفصل على مسلسل العام "هاري بوتر" الذي هو استعادة لثمانية أفلام من فانتازيا السحر الأسود. وهذه الأفلام هي في الأصل "7" كتب للروائية البريطانية ر.ك. راولينغ تدور في رحى عالم متخيل. وقد بيع منها "400" مليون نسخة، وتقدّر ثروة الكاتبة بنحو بليون دولار. يتوفر إنتاج هذا المسلسل على غالبية عناصر النجاح من أمانه الاقتباس إلى عناصر الفيلم الغرائبية وأجوائه الدكناء ثم إبقائه في مدار الأجواء البريطانية، فالمنتج ديفيد هايمان، والممثلون كلهم بريطانيون ما عدا البعض منهم مثل البلغاري ستانليسلاف إيفانسكي، والممثل البريطاني ذو الأصل الإيراني أصفهان آزاد، والممثل الهندي شيفلالي شودوري. أما المخرجون فكلهم بريطانيون وهم على التوالي كريس كولومبوس للأول والثاني، وألفونسو كواردن للثالث، ومايك نوويل للرابع وديفيد ييتس للخامس والسادس والسابع والثامن. يرى الناقد رضا أن الحكاية في الجزء السابع من هذا المسلسل ما عادت مغامرة حفنة من الأولاد يمارسون السحر، بل أضحوا شباباً يتحدثون عن الحياة والحب والغيرة والشك واليقين وما إلى ذلك. كما بلغت إيرادات هذا المسلسل بليوني دولار. أما الأفلام الثمانية حسب تسلسلها فهي "هاري بوتر وجوهر الفيلسوف"، "ه.ب وغرفة الأسرار"، "ه. ب وسجين أزبكان"، "ه. ب وشعلة النار"، "ه. ب ونظام الفينيكس"، "ه.ب والأمير نصف الشقيق"، "ه.ب والمقدسات المميتة1" و "ه.ب والمقدسات المميتة2".

أما المحور الخامس والأخير في هذا الفصل فهو "خمسون سنة على جيمس بوند" حيث توقف الناقد محمد رضا عند أبرز أفلامه وهي "دكتور نو"، "من روسيا مع الحب"، " أنت فقط تعيش مرتين"، "الرجل ذو البندقية الذهبية"، "الجاسوس الذي أحبني"، "لعينيك فقط" و "إجازة للقتل". كما قدّم رضا ثبتاً بأسماء الممثلين الذين جسّدوا دور بوند، والنساء اللواتي لعبن أمامه أدواراً إيجابية "غير شريرة"، وأشرار بوند الذين كانوا أكثر وقعاً منه، إضافة إلى المخرجين الذين تناوبوا على تحقيق أفلامه.

الجزيرة الوثائقية في

05.01.2014

 
 

نظرة سريعة علي أفلام 2013 وسؤال يفرض نفسه!!

بقلم: خيرية البشلاوي 

في يناير 2014 تمر الذكري الثالثة لثورة 25 يناير 2011.. ثلاث سنوات محملة بأحداث تكفي لملء حقبة كاملة ولكن يتبقي منها ثورتان شعبيتان تاريخيتان لم يقيما بعد. ومن المؤكد انهما سوف تحظيان أكثر من جميع الأحداث الفرعية ومن كل توابعهما بالاهتمام الأكبر في كتب التاريخ!
وهذا الطوفان الهادر من الأحداث المصحوب بزلزال من الانتفاضات المعنوية التي سيطرت علي حركة الحشود علي اختلاف توجهاتها لم ينعكس بنفس القوة ولا الاندفاع الهائل في الفن الأكثر شعبية والأكثر استهلاكاً من قبل الجمهور وبالذات الشباب.. وأعني فن السينما!

عموما الأحداث الكبري في حياة الشعوب تنعكس أصداؤها علي مختلف الفنون ولكن بعد ان تهدأ الحركة وتستقر الأمور وتمضي فترة كافية من التأمل. وبعد ان تحدث تأثيرها العميق في عقلية وأسلوب التفكير ومشاعر الشعب الذي عاشها والأجيال اللاحقة التي سوف يجدها في مناهج الدراسة والأهم في وجدان الفنانين المبدعين الذين تأثروا بها.

لم تتأثر السينما المصرية حتي الآن علي النحو اللافت والجدير بحجم هذه الثورات وثقلها الجماهيري هناك نسبة محدودة جداً من الأعمال السينمائية التي أظهرت تأثر صناعها بما جري. وقليل من هذه النسبة المحدودة يبدو التأثير فيها مصطنعاً.

والمفارقة ان معظم الأعمال لم تحقق النجاح الجماهيري الكبير وعجزت عن التواصل الحقيقي مع جمهور السينما. في حين استمر النجاح الكبير للفيلم التجاري الاستهلاكي قليل القيمة معدوم الجمال فنياً. كثير الصخب والضجيج والذي يعكس -ربما- أجواء العنف العضلي وانتشار الجريمة ونزعات الانتقام الفردية. وتمكين المفهوم القائم علي لغة السكاكين والشوم وليس التفكير العقلاني.

شهدت 2013 حالات من التراجع الكبير للغة السينما برغم القفزة التكنولوجية الهائلة التي طورت امكانيات الفيلم التعبيرية حتي صار قادراً علي سبر أغوار جميع الموضوعات بما فيها ما يندرج تحت الخيال العلمي. ولم يعد هناك ما يمكن أن نصفه بأنه مادة معقدة أو غير صالحة للتناول بلغة الصورة. الخيال العلمي عندنا معدوم.. والخيال عموماً فقير.

ازدادت الفجوة بين الانتاج العالمي والانتاج المحلي الوطني وصارت أكبر بكثير جداً من القدرة علي تجاوزها.. وتراجعت صناعة الترفيه عندنا الي أن أصبح اعتمادها الرئيسي علي الرقص البلدي والفتوة وحتي فن الرقص البلدي الذي كان وسيظل فيما يبدو العماد الأكثر ظهوراً في هذه الصناعة "الترفيه" هذا الفن نفسه تراجع من سامية جمال وتحية كاريوكا ونجوي فؤاد و.... الي مجموعة الراقصات اللاتي يظهرن في معظم أفلام 2013.. ومنهن ساقطات شكلاً وأداء.. ساقطات في الهيئة واللفظ. وجميعهن من "بيئة" عاكسة لمستوي تفكير وسلوك ومفهوم المحترفين هابط جداً.. وبهذا القياس نفسه يمكن مقارنة المطربين الشعبيين أبطال هذه الأفلام مع نظرائهم في الماضي القريب نسبياً. قارن أيضاً نوع الطرب ومستوي التأليف وأسلوب الأداء وحالة الفقر البين في مستويات الجمال شكلاً وموضوعاً.

هذه السنة 2013 أنتجت السينما المصرية 24 فيلماً النسبة الأكبر منها يعتمد فيها المنتج والمؤلف وطاقم الممثلين علي عناصر الرقص البلدي والطرب الشعبي والبلطجة والنصيب الأكبر من الانتاج يعود الفضل فيه لأسرة السبكي.. أراك مندهشاً أمام كلمة "فضل" نعم لأنه بدون هذه الأسرة الذكية لفقدت الصناعة عموداً من خيمتها ذلك لأنها استثمرت أموالها ورصيدها البشري من الكبار "محمد وأحمد" ومن الذرية الصغار هؤلاء الذين تظهر اسماؤهم في العناوين وأحياناً بين طاقم الفنيين وحتي المؤلفين. أقول استثمرت أموالها في سلعة الفيلم باعتبارها مصدراً للربح. واستطاعت بحس قارئ وفهم عميق للذوق الدارج وللمزاج المسيطر ان تكيف هذه السلعة لكي ترضي الزبون المستهلك للسينما. فقدمت له نوعية طازة من اللحم البشري اللذيذ. المتلون والمثير للشهية.. وقدمت منه وجبات ادهشت الجمهور المحلي والعربي ولك في نموذج صافي أو "صافيناز" مثل واضح وصورها علي كل أشكال التواصل دليل لم يترك أبناء السبكي المجال لغير أصحاب الكار. وانتجوا أفلامهم باستخدام "أفضل" العناصر واخراج ولائم بصرية من العنف الشعبي "البدائي" والرقص المثير جداً والحوارات من أنقي ما أفرزته العشوائيات والمقاهي والكباريهات وأختصت أفلامها بأحدث الاكتشافات من الراقصات ومن المطربين والمطربات راجع أفلام "عش البلبل" و"كلبي دليلي" و"تتح" و"سمير أبو الليل" وأفلام "محمد رمضان" و"عبده موته" و"قلب الأسد" الخ الخ.

فارق كبير جداً بين مستوي المنتجين زمان ومستواهم اليوم. ورغم ذلك يظل الفارق الحقيقي والموضوعي هو الفارق بين مرحلتين اجتماعيتين والمستويات المتباينة من التعليم والتأليف والسينما ذلك لأن السينما تظل في سنوات تطورها وفي حالات هبوطها وصعودها تعبيراً عن "حالة" المجتمع فكرياً وفنياً واجتماعياً وعن مستويات المعيشة. عن نسبة العشوائيات. عن التدهور الرهيب في المؤسسات العلمية والفنية.

نحن نعيش مرحلة حرق المجمع العلمي علي أيدي "ثوار"!!

ومرحلة نهب المتاحف وسرقة ما فيها. تفجير القصور والكنائس الأثرية.. طمس معالم حضارة قديمة وحديثة عمداً ومع سبق الاصرار والترصد نحن نعيش عصر المسخ الذي أفرز الجماعة الإرهابية!!
لقد علت أصوات ودعوات لمقاطعة أفلام السبكي لأن بعض السادة لم تعجبهم هذه الأفلام لأنها لا تعبر عن قيم المجتمع "!" واشاروا أن أي دعوة للمقاطعة قادرة علي أن تحقق استجابة طالما ظل المجتمع يعاني من أمية علي كل المستويات وأن النسبة الأكبر منه تقاتل من أجل توفير أبسط احتياجات البني آدم. وأن منظومة القيم أصابها ما أصابه.

المجتمع المريض لا ينتج سوي أعمال تعبر عن فقره الروحي والفكري وهذه الأعمال تحقق الترفيه الهروبي والتسلية للجماهير التي تتدافع لمشاهدتها ولن تفلح أي دعوة للمنع. ولا يصح أن نطالب بمنعها والمنتج أيا كان مستواه يخضع في النهاية لرغبة الجمهور لأنه "تاجر" وليس مصلحاً اجتماعياً وجمهود السبكي حفظت لهذه الصناعة قدرتها علي الاستمرار. ولو تغير المجتمع وتعافي سنجد المنتج الذي يقدم للناس أعمالاً أفضل تعبر عن هذا التعافي.

في عام 2013 وبرغم العدد المحدود من الأفلام الاستهلاكية نجد نسبة من الأفلام الجيدة التي تخالف التيار السائد. نوعية اعتاد النقاد أن يطلقوا عليها السينما "المستقلة" وهو مصطلح منقول عن السينما العالمية التي تمتلك صناعة كبيرة وتعتمد علي شركات مسيطرة ومتسلطة علي مقدرات الانتاج السينمائي. وحتي هذه الشركات نفسها كثيراً ما تتجه لما يسمي بالتيار المستقل لانتقاء أفضل ما فيه من مواهب وعناصر فنية مبدعة.

المنتجون في مصر "مستقلون" بما فيهم السبكي نفسه. بمعني أنه لا يخضع لكيانات كبيرة مهيمنة وهو نفسه لا يشكل كياناً ضخماً بالمعيار العالمي. هو في النهاية منتج أعمال صغيرة بميزانيات محددوة.

الأفلام الجيدة التي أشرت إليها. أجود ما فيها أنها تجارب جديدة تتلامس مع أشواق وطموحات عشاق السينما كفن وثقافة. واحلي ما فيها أنها تقدم للشاشة دفعة جديدة من مبدعات السينما مثل "نادين حان "عشم" وماجي مورجان "هرج ومرج" وآيتن عامر "فيلا 69" وهذه الأخيرة يعتبر فيلمها أفضل ما أنتجته السينما المصرية هذا العام.. فيلم يعتمد علي حساسية مرهفة. وأحساس راقي بالجمال وإنساني في رسم الشخصيات وفلسفي في موضوعه.. أضم إلي هذه الدفعة من الأفلام "المستقلة" فيلم "فرش وغطاء" للمخرج أحمد عبدالله السيد. الذي يمثل جيل جديد لنج من مبدعي السينما.

إلي جانب "فيلا 69" هناك فيلم وحيد يتلامس مع "ثورة 25 يناير" أو بالأحري مع أحد الأسباب التي أدت إلي قيامها هذا القمع البوليسي والاستبداد الأمني أن صح التعبير "الشتا اللي فات" لإبراهيم بطوط.

من أفلام التيار التجاري فيلم أجده من أفضل الأفلام في قائمة 2013 وأعني فيلم "هاتولي راجل" لمحمد شاكر خضير.. فيلم لم يفكر صناعه في اللحم الطازج ولا في النصف الأسفل فقط من جسد المرأة. وحاول أن يستخدم رأسه وأن يقدم كوميديا بعيدة عن السوقية والابتذال اللفظي.

رنـات

ممـدوح الليـثي

خيرية البشلاوى

بعد مقال كتبته في رثاء زوجي المرحوم سامي خشبة فوجئت في صباح نفس اليوم الذي ينشر فيه بمكالمة تليفونية من ممدوح الليثي يقول بمرح مشوباً بالتأثر "تمنيت حين أموت أن تكتب زوجتي عني ما كتبتيه أنت عن سامي" أبكاني تعليقه فلم تكن رخات الحزن التي أغرقتني برحيل سامي قد توقفت

الآن أكتب عن ممدوح الليثي وكنت أظن أن مثله قادر علي تحدي الموت نفسه!! فقاوم الرجل رحمة الله عليه في آخريات أيامه من أجل أن يظل واقفاً وحاضراً في تحدي جهاز منظم الضربات الذي يضبط إيقاع قلب بدأ يئن وينذر بالتوقف. قاوم المرض ولم ينل من صموده وعشقه للحياة. حتي فوجئت شخصياً برحيله.. فبكيت وسرحت هذا هو العمود الثالث في صرح السينما يفارقنا خلال فترة لم تتجاوز الشهرين. توفيق صالح ورفيق الصبان ماتا في يوم واحد وكأنهما علي موعد مع الفراق. وبعدهما بأسابيع يلحق بهما ممدوح الليثي.. ثلاثة من جيل واحد.. خسارة كبيرة
حين اختارني الليثي رئيساً لمهرجان الإسكندرية حين كان رئيساً لجمعية كتاب ونقاد السينما. ولم أكن عضوة فيها. اقتربت منه وأدركت سر قوة هذا الإنسان الذي قاتل علي جبهات كثيرة ولم ينهزم زرع وحصد في حقل السينما علي تنوع محاصيلها ومازال الحصاد بخيره موجود في مخازنها ومسجل في دفاترها وشاهد علي اسهاماته في تطورها كصناعة وطنية

كتب الليثي سيناريوهات لأفلام اختار النقاد معظمها ضمن أفضل مائة فيلم أنتجتها السينما المصرية. كثير من روايات نجيب محفوظ كساها لحماً ودماً وأنطقها وأقام جسوراً بينها وبين عشاق هذا الفن الجماهيري فعرفها عامة الناس واسكنوها في وجدانهم ضمن ميراثهم الثقافي والفني الأصيل "ميرامار. الحب تحت المطر. السكرية. الكرنك. المذنبون الخ الخ". 

تقلد مناصب عديدة في التليفزيون وقبل أن يترك مكتبه لمكتب آخر كان يترك وراءه أعمالاً لتشهد علي انجازاته واختياراته الجسورة لموضوعات تؤرخ لمسيرة الشعب المصري وتحفظ له قدره مثل "الطريق إلي إيلات. ناصر 56. أنا لا أكذب ولكني أتجمل الخ". 

ترك جهاز السينما مخلفاً من بعده ما يشهد للمرة العاشرة أو ربما المائة بأنه شخصية قادرة علي الانجاز والاختلاف وصناعة ما هو ضد السائد وضد الهابط. وضد التافه من المشاريع السينمائية
جمع الليثي في شخصه حاسة ضابط المباحث وحدسه الغريزي. وفضول الصحفي وقدرته علي الاقتحام. وشغف المبدع بالتفرد. مع شراسة الإداري المعادي للترهل والبطء وقلة الحيلة. إنه شخص لا يعترف بالعجز. ولا المستحيل ولا الحواجز "!" ولديه عيون ثاقبة تميز بين الصالح والطالح. النقي والملوث

في جملة واحدة ساخرة ونافذة يدهشك حين يصف بها "فلان" أو عندما يحدد أماكن الضعف ونقاط القوة عند فلان آخر. والمدهش أكثر أنه يتعامل مع الجميع

رجل داهية لا يلين لو ناصب شخصاً العداء. فلديه خبرة رجل القانون. ولديه أدوات جاهزة للتعامل. لا يضيع وقته في قضية خاسرة. ويكره الخاسرين

قليلة تلك النماذج التي تثير قدراً هائلاً من الجدل والاختلاف حولها. معها أو عليها. ومع ذلك لا تتوقف مسيرته! فمثله لا يعرف الكلل حتي آخر يوم في حياته.. عرف الحزن واكتوي به حين فقد ابنه "شريف" لا يترك عزاء دون أن يكون ضمن أوائل الحاضرين

برغم آلام الظهر المبرحة لم أستطع أن أتخلف عن المشاركة في عزائه.. يا الله ليس هناك موقع لقدم داخل صالة المسجد ولا في الشارع المطل عليه. وكأن المدينة بأسرها انتفضت! كبراء القوم. نجوم التليفزيون والسينما. أجيال من المذيعات. والمذيعين. طوابير من كبار المسئولين.. سيارات تسد الشارع. حراس تلمحهم يملأون المكان.. فها هي الدنيا بوجهيها: غرورة مالهاش كبير لا عز دايم ولا مال كثير.. الموت حق والرحيل يقين مطلق. تري من يتعظ وسط هذا الجمع الكبير

انتهي فنجان القهوة.. وحملت كتاب الله الذي وزعوه علي المعزين مع الكتيب الصغير "حصن المسلم في أذكار الكتاب والسنة" وعلي الاثنين اسم وتاريخ وفاة الراحل العزيز ممدوح الليثي

دعوت من حديث عائشة رضي الله عنها

"اللهم إني أسألك خيرها وأعوذ بك من شرها".

المساء المصرية في

05.01.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)