كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

ساموراي الشرق ضد كاوبوي الغرب

موجة أطلقها كوروساوا وما زالت حاضرة

هوليوود: محمد رُضا

 

عندما يضرب المحارب زاتوإيشي بسيفه عدوه فيرديه لا يكترث لأن يراه يهوى على الأرض، ولو اكترث لما استطاع أن يراه، فزاتوإيشي محارب ساموراي أعمى.. يضرب من دون أن يرى، مستخدما حواسه الأخرى بمهارة فائقة.. يسمع وينصت ويحدد. يشم ويحفظ ويعرف، وحين يتقدم منه عدو أو أكثر (وعادة أكثر) يتحرك وسطهم مدركا تماما حركة كل منهم.. من أي صوب هو قادم وما إذا كان يهجم بسيف مصوب إلى الصدر أو مرفوعا ليهوى على الرأس.. زاتوإيشي لديه عيون لا نراها موزعة حول رأسه، أو هكذا يخال المشاهد.

إذ يصل «47 رونين» إلى الصالة المجاورة في كل البلاد العربية وسواها، يطلق مناسبة الحديث عن واحد من علامات اللقاء بين أساطير الساموراي اليابانية والعالم المترامي بفعل قيام هوليوود في أكثر من مناسبة، بينها هذه الأخيرة، باستلهام شخصيات وحكايات الساموراي في أفلامها.

«رونين» هو الساموراي بعد أن يخسر سيده ولا يجد من يعمل لأجله، و«47 رونين» قبل أن يكون فيلما من بطولة كيانو ريفز (انظر النقد أدناه). بالنسبة للمحارب الأعمى زاتوإيشي، فإن الأمر يختلف قليلا.. هو ساموراي المهارة، لكنه ليس «رونين تقليدي» لأنه لم يعمل لحساب سيد أو مع مجموعة.. هو ذئب وحيد ينتقل من قرية إلى أخرى، في أحداث تقع في القرن الثامن عشر كمعظم أفلام الساموراي، يتعيش من وراء تدليك الأبدان ولديه مهارة، ويصرف على لعب القمار حيث يستخدم حاسة سمعه القصوى، فهو لا يرى الزهر لكنه يعلم إذا ما كان مغشوشا أو أن راميه قصد رميه على نحو معين لكي يربح. من يستهين بالمحارب الأعمى قد يندم لو عاش.. معظمهم لا يندم!

* سبعة آخرون مع أن حكايات الرونين (فريق من 47 مقاتل ساموراي وجدوا أنفسهم مهانين حين تحولوا إلى البطالة ليلجوا بعد ذلك إلى آخر قتال يحفظ لهم كرامتهم)، والزاتوإيشي موجودة في عمق الثقافة اليابانية منذ مطلع القرن العشرين، وفي السينما منذ 1928، إلا أن «الساموراي السبعة» للمخرج أكيرا كوروساوا (1954) هو من عرف غير اليابانيين بهذا الرعيل من المحاربين المهرة. في ذلك الفيلم الذي كتبه ثلاثة بينهم كوروساوا نفسه وخرج من مهرجان فينيسيا بالجائزة الفضية في عام إنتاجه، سبعة محاربين يعيشون تلك البطالة وشعورهم المر بالإهانة والعدمية عندما يتقدم إليهم قرويون يسألونهم مساعدتهم في درء عصابة من اللصوص اعتادت سرقة محصولاتهم في هذا الوقت من كل عام. ليس لدى المزارعين أي مال، لكنهم سيوفرون لهم الطعام والمأوى. عرض يقبل به الساموراي، فبطونهم خاوية ويفتقدون إلى سقف فوق رؤوسهم. كوروساوا بعد ذلك يلج الفصل الثاني، وهو تدريب القرويين على القتال، وبعده الفصل الذروة حيث تغير العصابة على القرية لتكتشف قوة دفاعاتها ولتدور بعد ذلك معارك كر وفر يبلي بها الساموراي وأهالي القرية بلاءا رائعا.

هوليوود التقطت الفكرة وأطلقت سنة 1960 نسختها من ذلك الفيلم الياباني. السبعة المعنيون باتوا أميركيين متشرذمين يعيشون جنوبي الحدود المكسيكية.. يلم شملهم اثنان (يول براينر وستيف ماكوين) لتأليف عصبة تدافع عن أولئك القرويين المساكين الذين جاءوا طالبين الحماية من عصابة شرسة (يقودها إيلاي والاك). الفيلم حمل عنوان «السبعة الرائعون» وأخرجه جون سترجز، خبير من خبراء سينما الـ«وسترن»، وجرى نزع عنصر الساموراي تماما منه، فالمحاربون، من الطرفين، يقاتلون بالأسلحة النارية وحدها. وفي حين أن «الساموراي السبعة» خص العصابة بالسلاح الناري للإيعاز بنهاية فترة من البطولة كان فيها المتحاربون يكتفون باستخدام السيوف، فإنه لا شيء من الجديد – ضد – القديم، ولا طروحات حول الكرامة والعزة النفسية، يحوم فوق القصة الأميركية وشخصياتها.

بسبب نجاحه، جرى تحقيق ثلاثة أفلام أخرى مشتقة هي «عودة السبعة» (إخراج بيرت كندي - 1966) و«مسدسات الرائعون السبعة» (بول وندكوس - 1969) و«الرائعون السبعة يغزون» (جورج ماكغووَن - 1972).

* ساموراي فرنسا لكن المقارنة بين سيف الساموراي ووحدة صاحبه، وبين البطل التقليدي في الغرب الأميركي جرت منذ الفيلم الأول.. كليهما وحيد وجدانيا إن لم يكن فعليا.. كليهما يحارب في سبيل مبدأ، وكليهما مسلح بما هو ماهر في استخدامه.. لكن السيف بقي لامعا، وهوليوود توسمت فيه خيرا أكثر من مرة.

ففي عام 1971 استقدمت شركة أميركية (اسمها «لس فيلمز كورونا») الممثل الياباني توشيرو مفيوني ليكون واحدا من أربع شخصيات تقود بطولة فيلم بعنوان «شمس حمراء»، قام بإخراجه ترنس يونغ الخارج من سلسلة «جيمس بوند»، الأولى: وسترن حول عصبة متنافرة تضم الأميركي تشارلز برونسون، والسويسرية أرسولا آندرس، والفرنسي ألان ديلون، والياباني مفيوني، وتقود معارك ضد بيض أشرار حينا وضد الهنود الحمر حينا، وعندما لا تواجه أعداءها تواجه بعضها بعضا. الرجلان الغربيان (برونسون وديلون) يتقاتلان على ثروة، لكن همّ مفيوني هو استعادة سيف ساموراي مقدس ضاع من سيده عندما حط في الغرب الأميركي.

اختيار مفيوني لم يكن اعتباطيا بالطبع، لأن الممثل كان تميز في «الساموراي السبعة» لاعبا شخصية الساموراي الأكثر تهورا من بين والأكثر فتكا، ولعب بعد ذلك أدوارا في أفلام ساموراي عديدة، مكونا في الغرب الرغبة في الاستعانة به لتأدية ما يجيده في الشرق.

طبعا ألان ديلون كان العنوان المجسد في ترجمة المخرج الفرنسي جان - بيير ملفيل لمفهوم المحارب الياباني في «الساموراي» (1967): كل شيء فرنسي هنا باستثناء ذلك التجسيد للعنوان والاقتباس المشهدي من سينما «الفيلم نوار» الأميركي. هنا لا يلتقي ديلون مع شخصية مفيوني لأنه لن يمارس الساموراي، لكنه سيستلهم وجوده من شخصية ألان لاد في فيلم «هذا المسدس للإيجار» الذي قام فرانك تاتل بإخراجه سنة 1942.

لكن هوليوود لم تتوقف عن الاستعارة من الساموراي وشخصياتها: المحارب الأعمى زاتوإيتشي انقلب إلى محارب ساموراي أميركي اسمه نك باركر (أداه روتغر هاور) في فيلم فيليب نويس «فورة عمياء». اسم «رونين» ومفاده استخدم في فيلم الأكشن «رونين» بطولة روبرت دينيرو وجان رينو وستيلان سكارسغارد وإخراج جون فرانكنهايمر سنة 1989. وهناك ساموراي أسود (فورست ويتيكر) في فيلم جيم يارموش «كلب شبح: طريقة الساموراي» (1999)، ولا ننسى تأثر المخرج كونتين تارانتينو بثقافة الساموراي واستخدامها بفعالية في فيلمه «أقتل بل» و«أقتل بل 2».

* أميركي في اليابان

* «إذا لم يأت إليك فاذهب أنت إليه».. وهوليوود ذهبت إلى اليابان أكثر من مرة لتصوير أفلام ساموراي مختلفة. ثلاثة منها هي الأكثر حضورا لليوم: «ياكوزا» لسيدني بولاك حيث يهب روبرت ميتشوم لإنقاذ صديقه الياباني من غضبة العصابة، و«آخر الساموراي» لإدوارد زويك (2003) عندما يترك توم كروز الغرب الأميركي ويلتحق بمقاتلي الساموراي، وبينهما «مطر أسود» مع رجل البوليس مايكل دوغلاس الذي يعيش مغامرة حياته في طوكيو تحت إدارة ريدلي سكوت.

شاشة الناقد

حتى الموت

الفيلم: «47Ronin»

إخراج: كارل رينش تقييم الناقد:(3*)(من خمسة).

بعد 10 سنوات على قيام توم كروز بتمثيل «آخر الساموراي»، انتقل كيانو ريفز إلى اليابان لفيلم جديد هو «47 رونين». فيلم كروز نص على شخصية من القرن الثامن عشر تعيد اكتشاف معنى الحياة والمبادئ عندما تترك الغرب الأميركي صوب إمبراطورية الشمس. لكن ريفز يؤدي شخصية هجينية: والده، كما يقول الفيلم سريعا، بريطاني وأمه يابانية التقيا وأنجبا هذا الولد الذي يبدو بلا أصل. الولد شب منبوذا وكاد يموت كذلك لولا أن الرونين بقيادة أويشي (هيرويوكي سانادا) عدّوه واحدا منهم بعدما أبلى بلاءا حسنا في أكثر من واقعة.

كيانو ريفز، الخارج من شخصية نصف صينية في «رجل تاي تشي» قبل عام، ممثل من مستوى تعبيري واحد، لكنه المستوى المطلوب هنا، وهو لا يستطيع أن يحيد عنه حتى عندما يكون من المفترض به التعبير عن الحب الهائل الذي يشعر به حيال بطلة الفيلم كو شيباساكي. بما أن الفيلم لا يطلب بالضرورة قدرات أنطوني هوبكنز أو آل باتشينو التعبيرية، فإن مراقبة صولات وجولات ريفز تنسجم مع عمل مليء بالمواقع الخالطة بين التراث الياباني والفانتازيا الغرائبية ومعارك السيوف والذود عن المبادئ ضد الأشرار والأرواح الداكنة في نفوس الأعداء.

التراث الياباني مليء بمفاهيم الحياة والموت، والحياة بعد الموت. وفيلم كارل رينش يتعامل معها باحترام كما مع ثقافة الأساطير الشعبية. لا يحاول أن يقتنص منها أو يسخر؛ بل يعززها بحكاية مكتوبة لإبراز المبادئ التي يكتنزها المحاربون اليابانيون. وعلى القدر ذاته من الأهمية، هناك حقيقة أن ريفز لا يؤدي دور الأميركي الذي لولاه لما استطاع الخيرون في الفيلم تحقيق النصر، بل هو واحد من المحاربين يكاد عدد لقطاته يتساوى مع عدد لقطات سواه من الممثلين. في هذا الصدد من المنعش والمختلف أن ريفز ليس النجم الرئيس بالنسبة للجمهور الغربي (كما هي الحال كلما جرى اختيار ممثل أميركي في حكاية تقع خارج البلاد) بل واحد من عوامل الجذب العامة. والمثير هنا هو أن هذا العامل لم يحقق المرجو منه جماهيريا لا في أميركا ولا في سواها. إيرادات الأسبوع الأول لم تزد على خمسين مليون دولار بعدما ارتفعت التكلفة، حسب مصادر لا تنفيها «يونيفرسال»، إلى 200 مليون دولار.

لكن الأكثر إثارة للاستغراب موقف النقاد الأميركيين من الفيلم: واحد فقط أبدى إعجابه وتحبيذه مقابل 20 ناقد تحفظ عليه أو هاجمه. «47 رونين» بعيد عن أن يكون تحفة، لكنه ليس الفيلم الذي تستطيع أن تجد فيه الكثير من العيوب.. ليس عملا رديئا في مطلق الأحوال. كارل رينش لديه عين رائعة حين يأتي الأمر لاستخدام عناصر صورة طبيعية أو مفبركة بواسطة الدجيتال. دائما ما يصنع صورة مثيرة.

ما يخفق به الفيلم عاملان: المشهد المفصلي الذي يدور حول ما أدى لانتحار اللورد أسانو (مين تاناكا) ليس مقنعا، وزكذلك إلقاء بعض الممثلين اليابانيين جملهم المنطوقة إنجليزيا مما يجعلهم غير قادرين على منح الحوار بعض الروح غير المفتعلة وغير الباردة حينا آخر. النهاية، التي لا ضرورة للكشف عنها هنا، تدخل أيضا في نطاق التجاذب: من ناحية تعكس الالتزام بواقع ما حدث، ومن ناحية أخرى تطرح تساؤلات. تنفيذ المعارك من صنف أول. ينتقل المخرج ما بين إدارة ممثليه جيدا إلى دمجهم بالمؤثرات الخاصة بالإجادة ذاتها خالقا ساعتين مثيرتين دراميا وترفيهيا. المثير هنا هو أنه رغم الاعتماد كليا على مؤثرات الدجيتال والـ«كومبيوتر غرافيكس»، فإن هناك حبا واضحا لسينما قديمة تتعاطى مفاهيم البطولة والحب والتضحية.

بين الأفلام

أفلام قد لا تجد طريقها للعرض

The Secret Life of Walter Mitty «الحياة السرية لوولتر ميتي»(2*)

* مجلة «لايف» تمتعت بحياة رغدة لمعظم سنوات حياتها بين 1883 و1972 عندما توقفت عن الصدور أسبوعيا قبل أن تتحول إلى شهرية ثم تتوقف عن الصدور سنة 2007. فيلم بن ستيلر الجديد «الحياة السرية لوولتر ميتي» مستوحى من قصة قصيرة كتبها جيمس ثوبر ونشرها على صفحتين من صفحات مجلة «ذا نيويوركر» القيمة في الثلاثينات. ومنذ 20 سنة وهوليوود تحاول تقديمها للمرة الثانية (هناك فيلم عنها تحت العنوان ذاته أخرجه نورمان مكلاود سنة 1947). أخيرا بن ستيلر يحقق الفيلم الذي يحتوي على شخصية ذلك الموظف العامل في قسم الإنتاج في المجلة التي تحضر لتقديم آخر عدد لها. التواريخ تتضارب هنا، ففي السبعينات لم تكن هناك هواتف جولة، لكن الفيلم يعمل على أساس أن الأحداث تقع اليوم. لكن المشكلة الفعلية هي أن ستيلر ليس مخرجا جيدا. برهن على ذلك في «رعد استوائي» (2008)، ويؤكده هنا.. ضعفه هو السياق السردي وإدارة الممثلين.

Grudge Match «ثور هائج»(2*)

* وراء روبرت دينيرو دور رائع في «ثور هائج» (1988) ووراء سيلفستر ستالون دور ناجح في «روكي» (1976).. لم لا نشوه الإنجازين السابقين بجمعهما معا؟ وهكذا كان: «مباراة ضغينة» قائم على حبكة حول ملاكمين لعب كلاهما ضد الآخر قبل 30 سنة والآن - وبعد أن ترهلت عضلاتهما - يجري جمعهما من جديد في مباراة حاسمة! هل استنفدت الفكرة أكثر من ربع ساعة لتكوين حكاية منها؟ مثل «روكي 2» (أخرجه ستالون نفسه سنة 1979)، يلعب التلفزيون هنا دورا في إعادة الحياة إلى جهازين عاطلين عن العمل.. في دفع المنافسة إلى حدتها الإعلامية، وما على الفيلم سوى الانتقال من موقف سخيف إلى موقف سخيف آخر.

Tokyo Story «قصة طوكيو»(4*)

* ليست هناك سينما مثل سينما ياسوجيرو أوزو، وليس هناك فيلم مثل «قصة طوكيو» التي أخرجها سنة 1953 والذي ينطلق على أسطوانات هذا الأسبوع. حكاية زوجين متقدمين سنا يقرران أن الوقت قد حان لزيارة أولادهما في مدينة طوكيو. يفعلان ذلك ويفاجآن بالمواقف حيالهما. لا شيء لا يستطيع مخرج آخر تقديمه، لكن ما يوفره أوزو هنا خاص به: معايشة ملهمة لواقع هو خاص وعام في الوقت ذاته.. أبعاد إنسانية مؤثرة مع بعد تام لأي عنصر ميلودرامي. تنقيب اجتماعي - ثقافي ياباني خالص في حكاية قد تقع في أي مكان آخر على سطح الأرض.

سنوات السينما: 1939

وقفة ثانية مع الأوسكار

المنافسة على أوسكار أفضل تمثيل كانت حادة بين جيمس كاغني عن «ملائكة بوجوه متسخة»، وتشارلز بوير عن «الجزائر»، وروبرت دونات عن «الحصن»، ولسلي هوارد عن «بيغماليون»، وسبنسر ترايسي عن «فتيان البلدة»، ونالها الأخير فيما يشبه اقتناصا.

بالنسبة للممثلات بيتي ديفيز فازت بأوسكار أفضل ممثلة عن «جيزابل» في مقابل مجموعة من الممثلات بعضهن أقل شهرة: مرغريت سولافان عن «ثلاثة رفاق»، ونورما شيرر عن «ماريا أنطوانيت»، ووندي هيلر عن «بيغماليون»، ثم فاي باينتر عن «رايات بيضاء»، لكن الأخيرة فازت بوصفها ممثلة مساندة عن دورها في «جيزابل».

المخرج المتوج كان فرانك كابرا عن «لا تستطيع أخذها معك» ضد مايكل كورتيز الذي تبارى بفيلمين هما «ملائكة بوجوه متسخة» و«أربع بنات»، وضد نورمان توروغ عن «فتيان البلدة»، ثم كينغ فيدور عن «الحصن».

المشهد

أزمة بلا سينما

ما بين 1973 و2013 أربعون سنة تغيرت فيها أحوال كثيرة في عالمنا كله. من العبث التوقف عند ذكر التغيرات فهي تشمل كل شيء.. ما من شيء يتنفس بقي كما هو.. لا الإنسان ولا البيئة، ولا الحياة البحرية أو النباتات أو مصادر المياه أو أقل من ذلك وأكثر. كل شيء تغير باستثناء شيء واحد يسمونه «واقع السينما العربية». هذه، نظريا، لا تزال مطروحة بوصفها مشكلة تراوح في مكانها. نعم، في عام 1973 عقدت ندوة على هامش مهرجان دمشق السينمائي تنادى خلالها المجتمعون ببحث واقع السينما العربية وما مستقبلها محتمل الحدوث. بعض الذين حضروا ندوة 1973 كانوا موجودين في ندوة 2013 التي دعا إليها مركز دراسات الوحدة العربية، وهو مركز جاد ومرموق وضم عددا من النقاد والمتحدثين بلغة النقد، وانتهت أعمالها في الوقت المناسب قبل حلول الأعياد الأخيرة. كل واحد من الحاضرين خاض متسائلا وشارحا ومحللا، ثم عاد من حيث أتى. البعض دعا إلى إجراء مثل هذه الندوات البناءة مرة كل سنة.

وهي بالفعل لم تتوقف تماما منذ سنة 1973 إلى اليوم.. ربما لم تقع في كل عام، لكن الحديث ذاته (وعندي نصوص الندوة المشار إليها) والعناوين نفسها والمتحدثين، أحيانا هم أيضا «على حطة إيدك» لا يتغيرون. كيف سيتغيرون إذا كان الموضوع الكبير لا يتغير: وضع السينما العربية اليوم وملامحها المستقبلية. دائما ما يدور الموضوع حول «أزمة» السينما العربية والحلول المقترحة لها. أحيانا ما تتخذ الندوات والمؤتمرات والكتابات عنوانا بات كاريكاتوريا هو: «السينما العربية إلى أين؟».

لا بد أننا الدول الوحيدة في العالم الأكثر انشغالا بهذا الموضوع من أي مجموعة دول أخرى متجانسة. هناك بالطبع مكتب أوروبي يتبع الاتحاد الأوروبي يرصد سينمات دوله ويعاين أوضاعها، لكن السينمات الأوروبية موجودة فعليا بصفتها صناعات داخل كل بلد على حدة. وهناك اتحاد سياسي واقتصادي وثقافي وأمني أدى طبيعيا إلى تفعيل هيئات رسمية فاعلة لحل أي قضية أو تفعيل أي قرار من شأنه تنشيط هذه السينمات. لا أحد يتحدث عن «أزمات» قدر حديثنا نحن. وفوق كل هذا لا نصل إلى قرارات وحلول.. كيف نفعل ذلك وليس هناك، حسب المنشور من نصوص الندوة الأخيرة، اتفاق على ماهية هذه الأزمة؟

يدخل المرء ندوات كهذه ليجد أن عدد الأزمات هي بعدد المتحدثين.. كل يرى أزمة ما أو يفسر الأزمة الواحدة حسب رؤيته.. والأفكار غزيرة.. هذا يقترح مجلة سينمائية فصلية، وذاك يريدها شهرية، لكن الثالث يرفضها تماما.. آخر يقول إن الأزمة تستدعي إعادة خلق مجتمع سينمائي، لكن آخر يجد أن الفنون تتصارع فيما بينها ويقترح إجراء مصالحة، وهناك من أكد أن «السينما صور متحركة» (مبروك)، وحاول أحدهم بيع مشروعاته من الكتب السينمائية الجاهزة.. في النهاية هذا طالب وهذا أوصى، والجميع عاد.

هل هناك أزمة؟ لا. لقد جرى حل «الأزمة» منذ حين فلم تعد هناك أزمة لأنه لم تعد هناك صناعة فعلية كاملة المواصفات ومستوفية الشروط. ما هو متوفر بكثرة عدد المتحدثين باسمها.

الشرق الأوسط في

03.01.2014

 
 

العشرة الأفضل في عام قدّم نوعية مميزة وحضوراً جماهيرياً نزيهاً

إبراهيم العريس 

ليس من الســـهل القول إن العام المنصرم حمل مفاجآت سينمائيـــة كبيــرة، حتى وإن لم يكن عاماً مقلقاً للفن الســابع. فحتى إن لم يكن العام قد عـــرف واحداً من تلك الأفلام التي تأتي بين الحين والآخر لتحـــقق قفزة في اجتذاب الجمهور العريض، أو تجديداً ما في عالم هذا الفن، فإن أفلاماً عــدة أتت من بلدان متنوعة عُرضت لتحافظ للسينما على مكانتها كمقصد ترفيهي ممــيز للــناس. ومن هنــا ما يمكن ملاحظته من ارتفاع في معدلات ارتياد صالات السينما في عدد من البلدان من بينها فرنسا ولبنان ودبي.

ومع هذا، تبقى المهرجانات، وفي مقدمها «كان» و«برلين» و«البندقية» في أوروبا، و«تورنتو» في كندا، المكان الأكثر تعبيراً عما هو جديد في عالم السينما، أي تحديداً عن أبرز تجليات الفن السينمائي. وفي هذا الإطار يمكن أن نلاحظ بكل بساطة أن الأفلام التي يمكن اعتبارها العشرة الأفضل لهذا العام، إنما عرض القسم الأكبر منها أول الأمر في المهرجانات، مع استثناءات بسيطة. ونعرف طبعاً أن الحديث عن العشرة الأفضل في كل عام بات لعبة طريفة، وقد لا تخلو من فائدة، تلعبها الصحافة العامة أو المتخصصة مرة في العام... بالتالي لن نفلت منها هنا في «الحياة» كما عادتنا كل عام منذ سنوات. أما الأفلام التي نعتبرها أفضل ما شاهدنا في هذا العام، ولكن ضمن إطار تقييم آني أي بُنيَ في لحظته إثر مشاهدة الأفلام في المهرجانات أو خارجها، ومن دون سلّم أفضلية، فكانت التالية:

> «داخل لوين دايفيز» للأخوين الأميركيين جويل وايثان كون. وهو فـــيلم يســـجل عودة لجنون هذين المبدعين وخوضهما أسلوباً سينمائياً لا يخلو من ديناميكية تجمع الطرافة والمأساة من خلال حكاية حقيقية مبنية على حياة وآلام مغن أميركي من سنوات الخمسين وصراعه لإيجاد مكانة له في هذا العالم. في هذا الفيلم أثبت الأخوان كون من جديد مكانتهما كوجهين من أبرز وجوه الكلاسيــكية الجديدة في الســـينما الأميركية، وكمـــبدعين ربما تقوم السمة الأساس في عملهما على ذلك التنوع المدهش لديهما في المواضيع والأجواء. ونذكر أن «داخل لوين دايفيز» قد حقق لمخرجيه واحدة من الجوائز الرئيـــسة في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان».

> في المقابل تجاهل محكّمو هذا المهرجان نفسه واحداً من أبرز الأفلام التي عرضت في دورته الأخيرة، «الجمال العظيم» للإيطالي باولو سورنتينو مع أن التوقعات جميعها كانت تسير منذ بداية المهرجان نحو نيله ما لا يقل عن جائزة الإخراج إن لم ينل السعفة الذهبية. وفيلم سورنتينو الجديد هذا، والمشغول بأسلوب سينمائي مدهش، إنما أتى أشبه بتحية للراحل الكبير فدريكو فلليني من خلال استناده في شكل أو آخر إلى عدد من أفلام صاحب «فلليني روما» و «ساتيريكون»، بل حتى إلى تصوّره لما سوف تكون عليه حال مارتشيلو، الشخصية الرئيسة في تحفة فلليني «لا دولتشي فيتا» بعد أربعين سنة. غير أن الفيلم عرف في الوقت نفسه كيف يتجاوز هذه التحية إلى السلف الكبير ليقدم عملاً استثنائياً يبدو في نهاية الأمر أشبه بجردة حساب لحياة المجتمع في روما خلال الفترة الفاصلة بين «لا دولتشي فيتا» و «الجمال العظيم»، ومع هذا كله لم يتنبه محكمو «كان» إلى روعة هذا الفيلم فطلع يومها من مولد المهرجان من دون حبة حمّص.

كلاسيكيان في المقدمة

> كذلك كانت حال رومان بولانسكي، في المهرجان نفسه، إذ عاد خالي الوفاض هو الذي، منذ العرض الأول لفيلمه الجديد «فينوس ذات الفراء»، كان قد أثار إعجاباً عاماً بالفيلم المأخوذ بتصرف عن قصة للكاتب الغريب الأطوار ساكر مازوخ، تتحدث عن مخرج يجري اختبارات لاختيار ممثلة تقوم بالدور الرئيس في مسرحيته الجديدة. وتتقدم إليه من حيث لم يكن يتوقع امرأة سرعان ما تفتنه، لتدور من خلال ذلك الافتنان حكاية تتراوح بين الرقة والقسوة وعلاقة تقف على حافة الجنون. في هذا الفيلم، عرف بولانسكي الذي يعتبر اليوم من كبار كلاسيكيي السينما العالمية والذي لا يتوقف، مرة كل عامين أو ثلاثة من مدّ السينما بتحف شديدة التنوع والتجديد، عرف كيف يقدم فيلماً يضج بالحيوية والروح الشابة.

> وودي آلن يماثل بولانسكي عمراً، لكنه أيضاً يماثله شباباً وحيوية. ويعتبر مثله كذلك واحداً من المخرجين الأكثر بداوة في سينما اليوم. وعلى هذه الشاكلة، مثلاً، من دون أن يعرض فيلمه الجديد «بلو جاسمين» في أي مهرجان، عرف كيف يدهش عالم الفن السابع بهذا الفيلم البديع الذي ينخرط في نشاط إبداعي له يبدو منتظماً منذ سنوات طويلة بمعدل فيلم واحد في العام، ما يشكل ظاهرة نادرة في عالم هذا الفن. إضافة إلى هذا يعود وودي هذه المرة ليحقق فيلماً «أميركياً نيويوركياً» وفيلماً عن امرأة هي هذه المرة الرائعة كيت بلانشيت في الدور الرئيس، بعدما تجول في العديد من أفلامه السابقة بين لندن وباريس وروما وبرشلونة الإسبانية مع إطلالة نيويوركية وصلت ما بينه وبين تاريخه «السينمائي النيويوركي» الطويل. مع «بلو جاسمين» عاد وودي آلن ليحتل مكانة متقدمة في لوائح الأفلام العشرة الأفضل بعدما كان في أفلام سابقة عدة له يتجول من حول اللوائح من دون أن يدخلها، وعلى الأقل منذ «ضربة المباراة» قبل نحو من عشر سنوات.

فيلمان من بلاد بعيدة

> بعيداً جداً من نيويورك وودي آلان أو باريس رومان بولانسكي، تذهب اللائحة الآن إلى الصين لتختار من بين إنتاجاتها المتعددة واللافتة لهذا العام، فيلماً نال إجماعاً ليس جديداً على مخرجه وإن كان الإجماع من حوله في السابق كان يطاول أعماله الضخمة الوثائقية فأتى اليوم ليطاول عملاً روائياً يمكن اعتباره في كل المقاييس من أفضل ما حققته السينمات الآسيوية لهذا العام. نتحدث هنا عن «لمسة الخطيئة» لجيا جيانكي، الفيلم الذي يقدم من خلال أربع حكايات تتعلق بأربع حوادث حقيقية عرفتها مناطق متنوعة من الصين خلال السنوات القليلة الفائتة، صورة مريعة للصين المعولمة، صين الانفتـــاح الاقتــــصادي واقتصاديات السوق والتطلعات الفردية وما إلى ذلك. قد لا يكون دقيقاً القول بأن الفيلم يحاول أن يرسم إدانة إضافية لما آلت إليه أحوال هذا البلد/القارة تحت وطأة انفتاحه وحداثته، ولكن من المؤكد أنه فيلم قاس وصادق اشتغل عليه مخرجه كما يشتغل عادة على تحفه الوثائقيــة فخرج من بين يديه فيلماً كبيراً استحق ما ناله من جوائز في المهرجانات ومن إقبال جماهيري في الصالات المحلية والعالمية.

> الكلام نفسه يمكن أن يقال عن فيلم آخر أتى من الشرق البعيد أيضاً، ولكن من اليابان هذه المرة وهو بدوره أتى فيلم مهرجانات ليحقق نجاحاً جماهيرياً في عروضه في الصالات والتي بدأت في الخريف الفائت. الفيلم هو «من شابه أباه» من إخراج كوري ايدا... وهو في أسلوب سينمائي متقشف إنما مع تقنية أدائية عالية، يطرح واحداً من المواضيع الشائكة التي تجابه بعض الأهالي في عالم اليوم، وذلك من خلال حكاية أب ناجح في حياته كمقاول ومهندس وفي حياته العائلية كزوج وأب، يكتشف بالوثائق ذات يوم أن ابنه الطفل الذي يمضي وقته في تربيته على أحسن وجه ويتعلق به بشكل استثنائي، ليس ابنه في الحقيقة بل جرى إبداله في المستشفى عند ولادته بابن قوم فقراء. وها هو اليوم يجابه معضلة تتمثل في اضطراره إلى التخلي عن الابن الذي ربى لصالح ابنه الحقيقي الذي لا يعني له شيئاً في حقيقة الأمر.

غرباء آخرون

> من منطقة أكثر بعداً، من الفضاء الخارجي بالأحرى يأتي الفيلم الآخر الذي يمكن أن يضم إلى اللائحة نفسها بوصفه واحداً من أفضل عشرة أفلام حققت هذا العام، ونعني به فيلم «جاذبية» الأميركي الذي حققه المكسيكي ألفونسو كوارون. والحقيقة أن هذا الفيلم الذي تدور حبكته الرئيسة من خلال حكاية مركبة فضائية تفلت هناك في البعيد من المركبة الأم وهي تسعى إلى إصلاح خلل فيها، هذا الفيلم أتى أشبه بمفاجأة العام في وقت بات يتضاءل فيه الاهتمام بأفلام الخيال العلمي، لا سيما أنه يأتي وكأنه ينوع على واحدة من تيمات فيلم «2001 أوديسا الفضاء» التحفة الاستثنائية التي حققها الراحل ستانلي كوبريك قبل نحو أربعين سنة... وقد يكون مفيداً أن نذكر هنا أن كثراً من النقاد الفرنسيين والأميركيين قد وضعوا فيلم كوارون هذا في رأس قوائمهم لأفضل أفلام العام.

> في رأس تلك القوائم وضعوا أيضاً الفيلم الفرنسي «حياة آديل» للتونسي الأصل عبد اللطيف كشيش، وإن كنا لا نميل هنا إلى مجاراتهم في هذا حيث سبق لنا أن تحدثنا عن الفـــيلم مطولاً، مـــبدين من الأسباب ما يحول بيننا حقاً وبين اعتباره فيلماً كبيراً. وهنا نميل إلى أن نفضل عليه الفيلم الفرنسي الآخر الذي حققه في باريــس، الإيراني أصغر فرهادي (صاحب «انفصال» و «في صدد ايللي») وعنوانه «الماضي». ففي هذا الفيلم الذي أتاح لممثلته الرئيســـية بيرينيس بيجو جائزة أفضل ممثلة في مهرجان «كان»، قدم فرهادي بأسلوبه السينمائي المتمكن ولغته المتقشفة عملاً استثنائياً يتميز بإدارة مدهشة للممثلين ويدور من حول شاب إيراني يتوجه إلى فرنــسا لكي يوقّع أوراق الطلاق مع زوجته الفرنســية السابقة إذ باتت راغبة في تقنين الانفصال عنه كي تتزوج حبيبها العربي. من حول هذا الموضوع البسيط قدم فرهادي عملاً كبيراً مليئاً بالعواطف الإنسانية والمواقف المدهشة.

من بين دزينة أخرى

> والحقيقة انه إن كان من السهل بمكان هنا أن نختار الأفلام الثمانية الأولى في هذه اللائحة فإن الوصول إلى الفيلمين الأخيرين يمثل بالنسبة إلينا أيضاً صعوبة في الاختيار وذلك بالتحديد لأن هناك ما لا يقل عن دزينة من أفلام أخرى تستحق أن ترد في اللائحة في عام لا بأس من القول إن المستوى العام للإنتاج السينمائي فيه كان جيداً بعد أن اقترب من المتميز في الأفلام الثمانية السابقة... والمرء هنا يجد نفسه في حيرة أمام أفلام متبقية قد ينتمي بعضها إلى العام السابق لكن عروضها الجماهيرية أتت في هذا العام ناهيك بأن حصول بعضها على بعض جوائز الأوسكار يضعها في خانة عام 2013، ومن هذه الأفلام «جانغو» لكونتن تارانتينو» و «قبل منتصف الليل» لريتشارد لينكليتر و «الصورة» الضائعة للكامبودي ريتي بانه، بخاصة «ما وراء التلال» للروماني كريستيان مونجيو... لهذا سنكتفي بالإشارة إلى فيلمين أخيرين ونحن نعرف أننا نظلم عدداً من أفلام أخرى: «عبد طوال 12 عاماً» الذي يؤكد فيه ستيف ماكوين من جديد، وبعد تحفتين هما «الجوع» و «العيب»، مكانته الكبيرة في سينما اليوم. ثم بخاصة وأخيراً «العملاق الأناني» للإنكليزية كليو بارنارد التي احتفل الجمهور والنقد هذا العام بفيلمها هذا معتبرينه واحداً من الأفلام التي تؤسس من جديد لواقعية اجتماعية تنهل، لغة وفكراً من سينما كين لوتش، المعتبر آخر اليساريين المحترمين في سينما اليوم والذي لفت الأنظار بغيابه هذا العام بعدما كان قدّم في العام الفائت واحداً من أكثر أفلامه طرافة وقوة حتى وإن كان النقاد قد رجموه يومها على عكس المتفرجين الذين تابعوه بقوة في انتظار جديده الذي يتوقع أن يكون من بين عروض واحد من المهرجانات الأوروبية الكبرى في العام الجديد.

الحياة اللندنية في

03.01.2014

 
 

ساندرا بولوك:

النجومية ليست هاجسي والسينما آخر همومي

باريس - نبيل مسعد 

تعود شــهرة ساندرا بولوك إلى مطلع تسعينات القرن الماضي، عندما اكتشفها الجمهور في فيلم «السرعة» إلى جوار النجم كيانو ريفز، ولم تكن قد تجاوزت الخامسة والعشرين. وهي ظهرت منذ ذلك الحين في أفلام تنتمي عموماً سواء إلى اللون الفكاهي، حيث تؤدي شخصية امرأة ساذجة طيبة القلب تتصرف بطريقة غريبة مجردة من الجاذبية، قبل أن تكتشف قوتها الداخلية وتتحول رائدة في ما بعد، أو إلى المغامرات، حيث تظهر في ملامح امرأة قوية تحب المجازفة ولا تتردد في مواجهة أخطر المواقف في خدمة العدالة.

جاءت بولوك إلى أوروبا أخيراً، لتحضر العروض الافتتاحية لفيلمي «الحرارة» الفكاهي المبني على المغامرات البوليسية النسائية والذي أخرجه بول فايغ، ثم «عدم اتزان» لألفونسو كوارون الذي تدور حبكته الكاتمة للأنفاس في الفضاء، وحيث تتقاسم بولوك البطولة مع جورج كلوني. والفيلمان بالتالي خير دليل على التنويع الذي تعتمده النجمة في خياراتها السينمائية.

في باريس التقت «الحياة» ساندرا بولوك وحاورتها.

·        تقومين بجولة أوروبية من أجل حضور العروض الافتتاحية لفيلميك الجديدين «الحرارة» و«عدم اتزان»، مع العلم أن الفيلم الأخير من النوع القوي والمؤثر بفضل الديكور المحيط بالأحداث التي يعيشها كل من بطليه المفقودين في الفضاء، فما الذي أثار اهتمامك في هذا السيناريو حتى توافقين على المشاركة فيه؟

- قوة القصة وجانبها الكاتم للأنفاس بالتحديد، وكونها قابلة جداً للحدوث في الحقيقة وفي ظروف محددة طبعاً، بما أن الحبكة تدور في الفضاء، ثم قوة شخصية البطلة، وهي طبيبة تصطحب رائد فضاء في مهمة رسمية سهلة أساساً وتتعقد إلى درجة خطيرة جداً في ما بعد. ثم هناك إصرار هذه المرأة على حل الأزمة وإلى العودة سالمة إلى الأرض. أنا أميل إلى أداء الشخصيات النسائية الذكية والقوية، خصوصاً إذا كانت كما هي الحال هنا، ممزوجة بشيء ولو بسيط جداً من الرومانسية.

·        ماذا عن فيلمك الثاني «الحرارة» المبني على الحركة والمغامرات البوليسية، فهل أنت مولعة بمثل هذا اللون السينمائي؟

- نعم، أنا مولعة منذ صغري بسينما المغامرات وبالأبطال الذين يواجهون الأشرار ويسحقونهم في نهاية الفيلم. وأقصد هنا كمتفرجة، لكنني أيضاً، كممثلة، أهوى المشاركة في أعمال مبنية سينمائياً حول المؤثرات المرئية والصوتية، وفي هذه الحال أحدق في الديكور المحيط بي مثل الصبية ولا أصدق ما أراه، مع العلم أنني في بعض الحالات لا أرى أكثر من جدار أخضر يرمز إلى ديكور وهمي يتم غرسه في الصورة أثناء تركيب الفيلم بواسطة الكومبيوتر.

أحب السينما التي تدهشني وليس تلك التي تحكي لي ما أشاهده في حياتي اليومية، بالتالي أعتقد أن لوني المفضل هو لون المغامرات الخيالية، شرط أن تتضمن نبرة رومانسية في حبكتها مثلما هي الحال في «عدم اتزان». وعن فيلم «الحرارة» فقد عشت تصويره وكأنني صبية في عالم رجال الشرطة والأشرار، وشعرت بأنني أنتمي إلى الكائنات التي نراها عادة في كتب المغامرات المرسومة، وهذا شيء يحدث مرة واحدة في العمر.

·        في هذا الفيلم تؤدين شخصية مفتشة شرطة متزمتة تجد نفسها مرغمة على التعاون مع شرطية بدينة وثقيلة الظل من أجل حل مشكلة إجرامية، الأمر الذي يضيف نبرة فكاهية إلى الحبكة البوليسية الأصلية، فكيف كانت العلاقة بينك وبين الممثلة ميليسا مكارثي التي تمثل الشرطية بالتحديد؟

- كان الوضع غريباً إلى حد ما، على الأقل خلال الأيام الأولى من العمل في الفيلم، ذلك أننا كنا أنا وميليسا مكارثي من المفروض أن يكره بعضنا بعضاً أمام الكاميرا ونتشاجر في شكل شبه مستمر، بينما كنا في الحقيقة متفقتين إلى أبعد حد وسعيدتين بالعمل معاً، غير أننا كنا نضحك كثيراً، خصوصاً أن مكارثي من النوع المحب لسرد النكات والحكايات الطريفة. وقد خاف المخرج بول فايغ في لحظة ما من أن تؤثر علاقتنا الحقيقية الجيدة في أسلوب كل واحدة منا في تمثيل العداوة تجاه الثانية، فراح يطلب منا رسمياً أن نتفادى البقاء معاً خارج فترات التصوير، وذلك إلى حين الانتهاء من العمل في شأن المشاهد الصعبة بيننا، وإلى أن بدأنا في تمثيل اللقطات التي رمزت إلى تحول الأوضاع في علاقتنا وإلى نشوب ثقة حقيقية بيننا. وهنا فقط استطعنا التمتع من جديد بصداقتنا الفعلية في الحياة اليومية. إنه أغرب تصوير عشته في حياتي.

·        وماذا تقولين عن جورج كلوني شريكك في فيلم «عدم اتزان»؟

- أعرف كلوني منذ سنوات طويلة، وهو من أعز أصدقائي، ولا أعرف ماذا أقول لك عنه غير كل الأشياء التي قيلت وكتبت عشرات المرات، بمعنى أنه يعير الروح المهنية أهمية قصوى أثناء تصوير الأفلام، ويتميز بروح فكاهة عالية ويحسن معاملة محيطه، وهو جنتلمان بكل معنى الكلمة، ورجل يتميز بصفات إنسانية وفنية كبيرة. أعرف أنه لا يحب ذكر بعض الخصوصيات، مثل تدخله في جمعيات خيرية لمصلحة الأطفال الفقراء والمحرومين والمعوقين، لكنها حقيقية، فهو يسخّر شهرته وثروته لهذا النوع من النشاطات، وهذا أمر أقدّره فيه ويجعلني أعتز أكثر وأكثر بصداقتي معه.

حلاوة الشخصيات

·        أنت تتأرجحين بين الأدوار الكوميدية والجادة، وربما أحدث دليل على هذا الشيء هو وجودك في أوروبا حالياً من أجل الترويج لعملين سينمائيين متناقضين كلياً، فهل تعثرين على المتعة نفــسها في كل أنواع الأدوار التي تؤدينها؟

- نعم، وأعترف بأن متعة العمل هي ذاتها في كل الحالات، لكن بشرط واحد لا غنى عنه إطلاقاً يخص نوعية السيناريو. إنني أحب أن أدافع من خلال شخصيتي السينمائية عن عمل إجمالي ممتاز وقوي معبر عن أفكار صلبة متماسكة، من دون التفرقة بين الفكاهة والمغامرات والعاطفة والدراما والإثارة البوليسية. وعنصر الجودة لا يتسنى تصنيفه طبقاً للون الفيلم، بل لنص السيناريو أولاً، ثم بعد ذلك حلاوة الشخصيات وقدرة المخرج على تحويل الشيء المكتوب إلى آخر مرئي جيد بدوره.

وبين الأمور التي تهمني إلى درجة كبيرة، عند اكتشافي أي سيناريو جديد يصلني، ضرورة تمتع الشخصية النسائية فيه والمطروحة علي، بقوة لا جدال فيها وفي كل ظروف حياتها، ولا يعني الأمر أن الضحك على تصرفات هذه المرأة ممنوع، فالجمهور سيضحك كثيراً أمام تصرفاتي المتزمتة في فيلم «الحرارة».

·        هل تحتل النجومية الفنية المكانة الأولى في حياتك الآن؟

- النجومية لا تحتل المكانة الأولى في حياتي، فأنا لست من النوع الذي يبدي استعداده لفعل أي شيء وكل شيء من أجل الشهرة والعمل أمام الكاميرات. إنني أعتبر نفسي محظوظة بكل ما حدث لي حتى الآن، وفي الوقت نفسه أعرف جيداً أن حياتي قابلة للتغيير فجأة بين يوم وليلة، إذا عجزت عن تحقيق النجاح ذاته عبر أفلامي المستقبلية. ولن أكافح من أجل السينما فأنا قادرة على العمل غداً كمعلمة في مدرسة أو مخرجة تلفزيونية أو أي شيء آخر وفق الظروف، ولن يزعجني الاستغناء عن الفن بالمرة.

·        هل تتخيلين نفسك أنت ساندرا بولوك غداً معلمة في مدرسة؟

- نعم وكلياً، لكنني لست متأكدة من رد فعل أهل التلاميذ بهذا الخصوص.

·        ما هي هواياتك؟

- القراءة هوايتي الأولى والأساسية وأحب دوماً اكتشاف أعمال كبار الأدباء، فكلما وقعت في غرام عمل ما رحت أعاود قراءته مرات ومرات وذلك مهما كان حجم الكتاب.

الحياة اللندنية في

03.01.2014

 
 

لم تعد سينما وليدة ... ولا تحتاج رفقاً بل دعماً

دبي - بشار إبراهيم 

كان من الطبيعي أن ندخل العام 2013 على وقع أصداء النجاح الكبير الذي حقّقه فيلم «وجدة»، للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، التي تمكّنت بشكل غير عادي من الفوز بجائزة أفضل فيلم عربي في «مهرجان دبي السينمائي الدولي» (ديسمبر 2012)، متجاوزةً أسماءً سينمائية عربية كبيرة. وسيكون من الطبيعي أيضاً أن نغادر العام 2013 على إيقاع ترشيح فيلم «وجدة» نفسه، لخوض المنافسة للحصول على جائزة «أوسكار» أفضل فيلم أجنبي، في سابقتين ما كان لأكثر أصحاب المخيلة خصوبة أن يتوقّعها.

فيلم «وجدة» من إنتاج العام 2012، وكان عرضه الأول في مهرجان فينيسيا السينمائي (صيف 2012)، ولكنه لم يُعرض في العالم العربي إلا في «دبي السينمائي»، قبيل بوابة العام 2013، ليتحوّل مذّاك إلى فيلم العام بلا منازع، منتقلاً من مهرجان إلى آخر، تتنازعه الآراء بين متحمّس يشيد بالفيلم بقوة، ومتشكّك يحيل سطوع نجم الفيلم والاحتفاء به إلى عوامل غير فيلمية. وبين هذا الرأي وذاك، سيبدو فيلم «وجدة» نموذجياً في مسألة التعاطي مع السينما الخليجية. ثمة من ينظر إليها باعتبارها سينما وليدة، تحتاج الرفق والعناية وغضّ النظر عن هناتها، وأخذها بالتشجيع والدعم المعنوي، وهناك من يرى أن التعامل مع المُنجَز السينمائي لا يعرف إلا المقاييس والمعايير الفنية، بعيداً من كونها سينما حديثة الولادة، ودون النظر إلى أي اعتبارات أخرى.

التجرّؤ على الروائية الطويلة

في كل حال، ستشهد السينما الخليجية خلال عام 2013، موسماً سينمائياً غنياً، ليس بإنتاجاته فقط، بل أيضاً بإشكالياته وجدالاته، التي يمكن أن تبدأ مع «وجدة» ولكنها بالتأكيد لن تتوقّف عنده، لعل أبرزها حالة التجرّؤ على إنجاز أفلام روائية طويلة في مُغامرات غير محسوبة العواقب، عبّر عنها فيلم «بني آدم» إخراج مجيد عبدالرزاق، في متابعة لمسيرة خاصة كان بدأها قبل سنوات بإنتاج وإخراج وبطولة أفلام تحاكي الخلطة الهندية، بشكل يثير الدهشة!.. فيما جاء فيلم الإماراتي جمال سالم «حبّ ملكي»، والسعودي سمير عارف «صدى»، والكويتي طارق الزامل «سيناريو»، و «مزرعة يدّو» لأحمد زين، في المسافة الحرجة ما بين الهواية والاحتراف، وما بين الارتجال والتخطيط، وما بين التلفزيوني والسينمائي، كما اضطرت المشاكل التقنية فيلم «أصيل» للمخرج العُماني خالد الزدجالي، لعدم العرض في «مهرجان مسقط السينمائي» (مارس 2012)، وترحيله بالتالي إلى «دبي السينمائي» (ديسمبر 2012)، ومن ثمّ «الخليج السينمائي» (أبريل 2013).

نصف «دزينة» الأفلام الروائية الطويلة الخليجية هذه، لا يمكن وضعها في سلّة واحدة، ولا تنضيدها على سطر واحد، إذ بينها تفاوتات كبيرة، بين أفلام أمكن لها الوصول إلى مهرجانات عربية وعالمية، وتحقيق حضور متميز، وجوائز هامة، وأخرى عادت إلى نقطة البدايات الأولى بما فيها من سذاجة البناء الفني والتقني، وبساطة القصة، وتواضع السيناريو، وبناء الشخصيات، والأداء العام، وهو ما يفترض بالسينما الخليجية أن تكون تجاوزته منذ سنوات.

مهارات السرد السينمائي

أتت الدورة السادسة من «مهرجان الخليج السينمائي» (أبريل 2013)، كاشفةً لعمق المأزق الذي تعيشه السينما الخليجية وتناقضاتها العميقة.. ففي الوقت الذي أمكنت مشاهدة العشرات من الأفلام الخليجية الجديدة، كان من البارز أن بعض التهافت في الأفلام الروائية الطويلة، تخلو منه الأفلام القصيرة، التي ذهب عدد منها بجرأة إلى تناولات مضمونية وأشكال سردية تبشّر بالخير، بدءاً من فيلم «حرمة» للمخرجة السعودية عهد كامل، والإماراتيين عبدالله الجنيبي وحميد العوضي في فيلمهما المشترك «الطريق»، والسعودي بدر الحمود في «سكراب»، من دون أن ننسى الحضور الكويتي متمثلاً بأفلام مقداد الكوت، ومساعد خالد، ومساعد المطيري، وجاسم النوفلي، وداود شعيل، ويوسف المجيد، ومشعل الحليل، ومن السعودية، يعود المخرج فيصل العتيبي مع فيلمه «الزواج الكبير»، الذي نال شهادة تقدير من «مهرجان مالمو للفيلم العربي».

وفيما تحتفظ المخرجة الإماراتية نجوم الغانم بحضور مُتجدد، خاصة مع فيلمها الجديد «أحمر أزرق أصفر»، فإن المخرجة اليمنية خديجة السلامي تمضي في مسيرتها السينمائية، فتحقق هذا العام فيلمها «قتلها تذكرة إلى الجنة»، وكذا مواطنها سمير النمري الذي حقق فيلمه «-18».

من ناحية أخرى، شهد العام 2013 عرض مجموعة من الأفلام القصيرة في إطار مشروع «صُنع في قطر»، الذي تجلّى في أفلام من طراز «كلمات الثورة» بإخراج جماعي، و «8 مليار» لرياض مقدسي، و «اسمه» لهند فخرو، و «المقنع» لطارق أبو إسبر، و «غزل – قصة راشد وجواهر» لسارة الدرهم، وهي أفلام تراوحت بين الهواية والاحتراف، والسذاجة والمهارة.

وفي قطر أيضاً، لا بد من الانتباه إلى قرار إلغاء «مهرجان الدوحة ترايبيكا»، واستبداله بمهرجانين جديدين هما «مهرجان قمرة» و «مهرجان أجيال»، مع التأكيد على أن أحدهما سوف يكون مُختصاً بأفلام الأطفال، فيما يتخصّص الثاني بالأفلام الأولى لمخرجيها، في وقت تمّ التعاقد مع المخرج إيليا سليمان مستشاراً، يُستفاد من خبراته في صناعة الأفلام.

الإمارات... المقدمة والريادة

إماراتياً، سوف تعمل «هيئة دبي للثقافة والفنون» (دبي للثقافة)، هذه السنة، على دعم مجموعة أفلام قصيرة من خلال حملة «روح دبي»، فيما تمّ الإعلان عن برنامج «فيلمي» ضمن مُبادرة «وطني»، التي قررت دعم أربعة أفلام إماراتية طويلة بمليون درهم إماراتي، تتوزّع سنوياً بالتساوي عليها، في الوقت الذي تمنح جائزة «آي دبليو سي شافهاوزن» المُخصّصة لدعم المخرجين الخليجيين، الطامحين لإنجاز أفلام روائية طويلة، قيمتها البالغة 100 دولار أميركي للمخرج الإماراتي وليد الشحي، عن مشروع فيلم «دلافين»، الذي كتب السيناريو له أحمد سالمين، كما أُعلن عن جائزة جديدة بالقيمة ذاتها لأفضل «فيلم مجتمعي» تقدمة «وزارة الداخلية».

وستعلن مسابقة «المهر الإماراتي» عن تقديمها 15 فيلماً إماراتياً، في عرض عالمي أول، تشمل عودة لأسماء سينمائية إمارتية حققت حضورها، أمثال المخرجات نجوم الغانم ونايلة الخاجة وأمل العقروبي ومنى العلي، والمخرجين علي مصطفى وخالد المحمود ومصطفى عباس وناصر اليعقوبي وحمد الحمادي وعبدالله الجنيبي وحمدي العوضي. كما انتهى عدد من كتّاب السيناريو الإماراتيين من سيناريوهات طويلة مُنتظرة، مثل الكاتب يوسف إبراهيم بالتعاون مع المخرج عبدالله حسن أحمد، والكاتب أحمد سالمين بالتعاون مع المخرج وليد الشحي، والكاتب والمخرج سعيد سالمين.

وفي وقت كان من المُنتظر أن يبدأ تصوير الفيلم الروائي الطويل «شجرة الحياة» لمحمد راشد بوعلي، وفريد رمضان، يتراجع الحضور السينمائي من البحرين، في العام 2013، حتى يكاد يقتصر على فيلم «حادث» لياسر القرمزي، مع الانتباه إلى أن البحرين شهدت حضوراً سينمائياً خلال السنوات الأخيرة، عبر مجموعة من الأفلام القصيرة الجيدة، لمخرجين صاعدين في مقدمهم محمد راشد بوعلي، وحسين الرفاعي، وعلي العلي.

سؤال السينما الخليجية

يبقى من الضروري التنويه إلى الندوة التي أقامتها مجلة «العربي» الكويتية، مطلع العام، وكان أحد موضوعاتها البحث في «واقع السينما الخليجية وآفاقها»، بما يشي باستمرار السؤال الطامح إلى انتقال السينما الخليجية من مرحلة الهواية إلى الاحتراف، ومن البدايات إلى النضج، على الرغم من المُنجز السينمائي الذي تحقّق خلال اثنتي عشرة سنة، منذ «مسابقة أفلام من الإمارات» (2001)، وصولاً إلى «وجدة»، الذي يراهن البعض على صعوده منصة «أوسكار» أفضل فيلم أجنبي!

الحياة اللندنية في

03.01.2014

 
 

تمرد نسوي وقمع ذكوري وثورات

باريس - ندى الأزهري 

كان عرضه حدثاً بكل معنى الكلمة، تغطية إعلامية كثيفة ربما لم يحظ بها فيلم عربي من قبل في فرنسا.

منذ الأسبوع الأول، توالى المديح «لأول فيلم في تاريخ العربية السعودية». اعتبر على الفور «تحفة». نجاح نقدي وجماهيري للفيلم الروائي الأول لهيفاء المنصور، ولقاءات مطولة معها في الصحف الفرنسية، وتقارير عن «وجدة» الذي صور بالكامل في السعودية حيث لا دور للعرض السينمائي كما تكرر في كل مرة جرى فيها الحديث عن الفيلم.

في أسبوعه الأول عرض «وجدة» في اثنتين وثمانين صالة، وحل في المركز الثامن على لائحة الأفلام العشرة الأكثر جذباً للجمهور والتي جاء فيها فيلم تارانتينو» ديانجو الطليق» في المركز الأول و «آرغو» لبن أفليك في الخامس... ونظراً للإقبال الشديد عليه والذي وصل إلى ثمانين ألف متفرج، وهو رقم كبير بالنسبة لفيلم أجنبي غير أميركي، تزايد الطلب عليه من قبل دور عرض أخرى ووصل عدد مشاهديه النهائي إلى 462 ألف مشاهد.

ميراث مألوف

في الفترة ذاتها عرضت أفلام عربية أخرى في فرنسا لم تستقطب نفس الأعداد. وهذا ليس عائداً بالضرورة لقيمتها الفنية، بل لاندراج بعضها ضمن أفلام اعتاد الجمهور الفرنسي على وجودها بين حين وآخر، وبالتالي لم يشكل ظهورها «صدمة» حضارية! فصحيح أن الشروط القاسية التي تخضع لها المرأة العربية، وهو ما طرحه فيلم «وجدة»، موضوع مألوف، إلا أنه حمل هنا بعض الجدة في تناوله (هنا فتاة صغيرة ترفض الخضوع) وفي مكان تصويره (الرياض) وفي جنسية صاحبته (السعودية). إنه فيلم يثير فضول جمهور غربي وهو ما لم يتوافر تماماً لفيلم هيام عباس الممثلة الفلسطينية، المعروفة هنا على الأقل لمتابعي السينما العربية والإسرائيلية، والذي حصد قبولاً متوسطاً. فعلى رغم أن «ميراث» هو أيضاً فيلمها الأول على صعيد الإخراج، وكان أيضاً، وأيضاً عن التمرد النسائي أمام القمع الذكوري، وعن ثقل إرث التقاليد، إلا أنه لم يقدم جديداً حقاً لا في انتمائه ولا في أسلوب طرحه، وكان التفاعل مع شخصياته خامداً ولم يضف إلى مسيرة هذه الفنانة المتميزة.

وإذا تابعنا مع قضايا المرأة العربية على الشاشات الفرنسية، لن تفوتنا الإشارة إلى «روك القصبة» للمخرجة المغربية ليلى مراكشي. شريط لا يعدو كونه تركيبة جمعت جميلات السينما العربية المعروفات في فرنسا من هيام عباس إلى نادين لبكي فلبنى الزبال وأخريات... لتدور حولهن مواقف مسلية أو دراماتيكية حول التقاليد والعادات ضمن عائلة ثرية في طنجة يموت راعيها. فيلم استقطب ضعف أعداد مشاهدي «ميراث» (61 ألفاً).

بعيداً عن المرأة

وبعيداً عن المرأة - بعض الشيء - إلى السياسة، حيث حفلت دور العرض الفرنسية هذا العام بعدة أفلام عربية لأسماء مبتدئة وأخرى مكرسة. فعرض للمخرج التونسي نوري بوزيد فيلمه الأخير» ما بنموتش» الذي يحاول فيه ملامسة قضية الحجاب على نحو جديد في السينما العربية من خلال الولوج في العالم الداخلي للنساء لمتابعة ثورتهن الفردية في ظل تنامي التيار الإسلامي. إنه فيلم عن الجانب الآخر للثورة، الجانب المخفي خلف جدران البيوت.

كما عرض «يا خيل الله» للمخرج الفرنسي المغربي نبيل عيوش والذي طرح من خلاله السؤال: «كيف يصبح المرء «مؤهلاً» لأن يكون قنبلة بشرية؟ كيف يغدو الوقوع في فخ الإرهاب سهلاً؟ ومن أين يأتي هذا الشعور بالتخلي والظلم؟. الفيلم لاقى نفس الإقبال النقدي والجماهيري للفيلم السابق. فيما لقي فيلم «يمَا» للجزائرية جميلة صحراوي إقبالاً نقدياً وجماهيرياً مشابهاً. ويرصد العمل مأساة أم ومعها وطن خلال الحرب الجزائرية الأهلية في التسعينات، الأم الأرض التي يتقاتل أبناؤها، والعائلة المحطمة على وقع الخلاف والقتال.

وحقق فيلم «الصدمة» أو «الاعتداء» وفق الترجمة الفرنسية لزياد دويري، إقبالاً معقولاً منذ أسبوع عرضه الأول (45584 مشاهداً) ووصل الرقم إلى حوالى 147 ألفاً في أسبوعه الأخير. قصة الفيلم مأخوذة عن رواية صدرت عام 2005 للكاتب الجزائري «ياسمينة خضرا»، وهي ترصد مشاعر الشك واختلال التوازن والبحث عن الذات والآخر بعد وقوع صدمة في حياة الإنسان. وهذا الإنسان هنا هو طبيب جراح فلســــطيني يقيم في تل أبيب تقـــوم زوجته المسيحية باعتداء إرهابي في قلب إسرائيل. منع الفيلم من العرض في لبنان ومعظم الدول العربية بسبب «تطبيعه» مع المحتل الإسرائيلي و «إشراك ممثلين إسرائيليين وطاقم فني إسرائيلي ودخول المخرج إلى الكيان الصهيوني وتصويره مقاطع من فيلمه هناك على امتداد 11 شهراً» وفق ما أوردته «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان».

وقد أثار المخرج في لقاءاته مع الصحافة الفرنسية هذا القرار معتبراً أن الناس «ليسوا مستعدين لفهم وجهة النظر الأخرى» وأننا نتبين في فيلمه أنه «لا يوجد شرير ولا طيب». المشكلة أن الفيلم لا يوحي بهذا على الإطلاق!

ويبدو أن فيلم «عمر» للفلسطيني هاني أبو أسعد سيختتم الأفلام العربية لهذا العام على الشاشات الفرنسية محققاً استقبالاً نقدياً لافتاً.

قصدنا بـ «السينما العربية في فرنسا» بخاصة تلك التي صُوّرت في المنطقة العربية من قبل سينمائيين منتمين لهذه المنطقة، فإذا أضفنا إلى هذا بضعة أعمال حققها غربيون عن مهاجرين عرب أو عن الأوضاع العربية (الفيلم الكندي «مسيو لزهر»، و «إن شاء الله»...)، وتلك التي حققها فرنسيون من أصول عربية (عبد اللطيف قشيش...) أو الوثائقية («خمس كاميرات محطمة» لعماد برناط وغي دافيدي)، وعشرات الأفلام التي تعرض فقط (لأنها لا تجد موزعاً فرنسيا لعرضها في الصالات) في المهرجانات والتظاهرات الثقافية والتي يخصص بعضها لهذه السينما... فيمكن القول إنها سنة «غنية» نسبياً للسينما العربية في فرنسا.

الحياة اللندنية في

03.01.2014

 
 

وداعاً ... ناغيزا أوشيما

القاهرة – أيمن يوسف 

كان من أبرز السينمائيين الذين رحلوا عن عالمنا هذا العام المخرج الياباني ناغيزا أوشيما عن عمر يناهز 92 سنة. ويعتبر أوشيما من أهم مؤسسي الموجة الجديدة في سينما اليابان، بل كان أهم من بدأها بفيلم «مدينة الحب والأمل» 1959 هو الذي ظل يلقب لسنوات طويلة «غودار اليابان» حيث تماثل أسلوبه السينمائي والفكري مع أسلوب رائد الموجة الجديدة الفرنسية جان لوك غودار. ومع ذلك كان أكثر ثورية في أعماله التي حفلت بنقد السينما اليابانية، لعدم تعبيرها عن هموم الشعب وشبابه.

وكان أوشيما ثورياً في اتجاهاته الحياتية أيضاً. وهو عانى الكثير في فترات شبابه بســـبب مواقفه اليـــسارية. فعنــدما كان طالباً في كلية الحقوق في جامعة كيوتو أصبح زعيم الحركة الطالبية اليسارية بها ودخل في مواجهات ضارية مع قوات الشرطة بعدما قاد تظاهرة حاشدة تندد بتجديد معاهدة الأمن الأميركية – اليابانية وكان أوشيما يهاجم حتى مواطنه الكبير السينمائي أكيرا كوروساوا من ناحية التعبير عن عصره بالرجوع إلى أحــقاب تاريخية سابقة، وكان يعلق بأن زمن الضغط الأميركي قد ولى فلماذا يصور كوروساوا أفكاره الحديثة في قوالب تاريخية؟

اتسمت أفلام أوشيما بصفة عامة بالثورية والجرأة والتعرية للحـــقائق الدفـــينة أو المتـــجاهلة، أما معظم شخصياته الخارجة عن القانون فقد قدمها كإدانة للمـــجتمع التي خرجت عنه. والجريمة والانحراف من التيمات المتكررة والمشـــتركة في أعماله، وإن كانتا تعكـــسان شيـــئاً فهو افتــتان المخــرج ورغبته في الانتفاض على الوضع السائد وأسلوب الحياة اللذين كان يرفضهما على رغم إدراكه صعوبة التغيير المنشود لأن المجتمع الياباني مجتمع الجماعة وليس الفرد ولذلك لا تتغير الأشياء فيه كثيراً.

كان أوشيما بالفعل شخصية مثيرة للجدال وتبين هذا في فيلمه «ماكس حبيبي» 1985 الذي يدور حول علاقة بين امرأة وقرد، وأيضاً فيلم شبه إباحي هو «مملكة الحواس» 1976 الذي وصل إلى ساحات القضاء.

أصيب أوشيما بجلطة في المخ عام 1995 لكنها لم تمنعه من ممارسة السينما خصوصاً بعد شفائه تدريجاً حتى أخرج آخر أفلامه «جوهاتو» أي «محظور» عام 1999، الذي لم يعد بعده للوقوف خلف الكاميرا إذ غرق في مرضه الذي وضع حداً لحياته هذا العام.

وداعاً ... توفيق صالح، بيتر أوتول والآخرين 

كان العام المنقضي قاسياً مع السينمائيين حيث رحل عن عالمنا خلاله عدد كبير منهم. ومن المؤكد أن أبرز الذين رحلوا كان المخرج الياباني ناغيزا أوشيما، والمخرج المصري الكبير توفيق صالح الذي يعتبر واحداً من المؤسسين الكبار للسينما العربية «البديلة»، كما كانت تعرّف أيام كان صالح في عزّ إنتاجه قبل أن يتوقف نهائياً عن الإخراج قبل نحو ثلاثة عقود رافضاً كل ما عرض عليه من مشاريع. في مصر أيضاً رحل الباحث والمخرج مدكور تابت. أما في السينما العالمية فكان من أبرز الراحلين الممثل الإنكليزي بيتر أوتول الذي، على رغم الأدوار الرائعة التي أداها في عدد كبير من الأفلام والمسرحيات، سيظل يُذكر إلى الأبد بدور لورانس الذي لعبه في فيلم دافيد لين المميز «لورانس العرب» حيث قام أوتول بالدور الرئيس مع أنه في واقع الحياة يزيد طولاً عن لورانس الأصلي بما لا يقلّ عن 30 سنتمتراً.

من الذين أحزن السينما رحيلهم هذا العام عدد كبير من الممثلات اللواتي كنّ يعتبرن «أساطير» في عالم السينما الشعبية قبل أن تختفي أسماؤهن أو تغيب جزئياً لتمضي كلّ واحدة منهن شيخوختها أو كهولتها في انتظار النهاية التي حلت هذا العام: من جوان فونتين إلى روزانا بودستا، ومن اليانور باركر إلى الفرنسية مادو روبين مروراً بجولي هاريس وكارين بلاك وبرناديت لافون وسارا مونتاي. وبالنسبة إلى الممثلين الذكور كان الأشهر بين الراحلين جيمس غوندولفيني وبول والكر الذي رحل وهو بعد في عز شبابه.

كما كان هناك باتريس شيرو الفرنسي الذي عرفته السينما العربية من خلال قيامه بدور نابوليون في فيلم يوسف شاهين «وداعا بونابرت»، لكن الرجل كان معروفاً أكثر في بلده فرنسا كمخرج وممثل مسرحي كبير.

وفي فرنسا أيضاً رحل الممثل المغربي الأصل والذي عرفته السينما الفرنسية وبعض الأفلام المغربية باسم آميدو. أما السينما الإيطالية ففقدت واحداً من أشهر نجوم «السباغيتي ويسترن» في السبعينات، جوليانو جيما.

إلى هذا، فقدت السينما الإيطالية أيضاً اثنين من مخرجيها الأكثر شعبية، كارلو ليتزاني الذي كان رفيق طريق لمؤسسي الواقعية الجديدة في سنوات الخمسين، وداميانو دامياني الذي حقق في الثمانينات واحداً من الأفلام السياسية الأكثر شعبية، «باسم الشعب الإيطالي».

أما السينما الفرنسية ففقدت ثلاثة من مخرجي السينما الشعبية الأكثر رواجاً في السبعينات والثمانينات، إدوار مولينارو وجورج لوتنر، الذي صور واحداً من أفلامه («الجرادة») من تمثيل نجمته المفضلة مورييل دارك في لبنان في الستينات، إضافة إلى دني دي لا باتيليار. وإلى هؤلاء فقدت فرنسا أيضاً واحداً من أشهر نقاد ومؤرخي سينماها، جاك سيكلييه، فيما فقدت السينما الأنغلوساكسونية كلاً من ريتشارد صرافيان ومايكل وينر والكاتب توم غلانسي إضافة إلى راي دولبي مخترع نظام الصوت المجسم الذي حمل اسمه. أما السينما الإسبانية ففقدت بوغاس لونا، فيما فقدت زميلتها الروسية المخرج أليكسي غيرمان.

الحياة اللندنية في

01.01.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)