لا نكتب عن أفلام السبكية عادةّ باعتبارها أعمالاً لها عناصر تستأهل
التحليل والتقييم، ولكننا نكتب بالدرجة الأولى عن ظاهرة ليست مقطوعة الصلة
بتراث السينما المصرية الطويل من زمن الأبيض والأسود الى عصر الألفية
الثالثة.
لا يمكن الحديث عن تلك الأفلام، والتى تدور فى معظمها إما فى الحارة
والأفراح الشعبية أو فى الملاهى الليلية، إلا بوصفها تنويعة جديدة على
أفلام قديمة، ولانستطيع أن نقول أن السبكية اخترعوا أفلام الرقصة والغنوة
والضحكة التى تنتمى إليها عشرات الأفلام المصرية منذ بداية السينما
الناطقة.
لا يمكن أيضا أن نتحدث عن ظهور مفاجئ لأفلام الكباريهات، وإلا كيف
نُصنّف العديد من أفلام الراحل حسن الإمام، ولايمكن كذلك أن نقول أنهم
اخترعوا أفلاماً تنقل عالم الأفراح والمطربين الشعبيين، وإلا كيف نتناسى
أفلام عبد العزيز محمود وشكوكو وبعض أعمال الراحل عباس كامل؟
ولكن ما يستحق التوقف عنده أن أفلام السبكية، ببعض الإستثناءات مثل
فيلمى كباريه والفرح، تعانى من فوضى درامية شاملة، وركاكة فى كل عناصر
الفيلم تقريبا الى درجة أنها لا تصمد للمقارنة مع أضعف أفلام حسن الإمام عن
عالم الغوانى والكباريهات والعوالم.
ظل هذا العالم موجوداً بشكل دائم على الشاشة المصرية لدرجة أن من
يشاهد أفلام الأبيض والسود يعتقد أن المصريين لا يتركون الملاهى الليلية،
وقد صنعتْ هذه الأفلام صوراً نمطية لشخصيات متعددة كالراقصة التى تعمل
بشرفها، وتنتقل من البيت الى الكباريه، ومن الكباريه الى البيت، ومثل
الفتوة الشرس الذى يهدّد الراقصات البائسات ثم يلقى عقابه فى النهاية.
لا تتجاوز أفلام السبكية فى عالم الكباريهات هذه التيمات والشخصيات
كما فى أفلام مثل بونسواريه وكباريه، بل إنها أفلام لاتخلو أيضاً من
المواعظ على طريقة أفلام حسن الإمام ومحمد مصطفى سامى، تستطيع أحياناً أن
تقول أنها تتحدث عن قضية الحلال والحرام ولكن على واحدة ونص.
كلّ ما فى الأمر، هو ان العناصر الفنية فى أعمال السبكية فى حدودها
الدنيا، كما أنهم يلجأون أكثر الى الإضحاك وليس الميلودراما، الفن المفضل
لحسن الإمام، بالإضافة الى أنهم ينقلون أغنيات الأفراح والكباريهات كما هى،
أو "بشوكْها" كما يقول التعبير المصرى، من الشارع أو الكباريه رأسا أو
رقصاً إليك، وليس بعد إعادة صياغة من ملحنين كبار بدأوا فى الصالات مثل
محمد فوزى ومحمود الشريف وفريد الأطرش.
المنتج "عايز كدة"
بسبب هذا الهُزال الفنى والتقنى، ونتيجة نقل المكان والمطربين كما هم
الى الشاشة تبدو أفلام السبكية أقرب الى المولد الصاخب، كل شئ جائز وممكن
وفجّ وغليظ ، مع غياب ألف باء الكتابة والإخراج والمونتاج والتصوير، وبدلا
من الشعار القديم : المخرج عايز كدة، يظهر شعار آخرهو: المنتج عايز كدة، بل
ويظهر المنتج نفسه فى بعض المشاهد سواء كان محمد السبكى أو احمد السبكى.
فى أحدث الأفلام التى خرجت فى عيد الفطر من مصنع السبكى للأفلام
الجاهزة ستجد كل الملامح التى تحدثنا عنها، الفيلم اسمه "شارع الهرم"، وهو
شارع الملاهى فى مصر، كتبه سيد السبكى، وأنتجه أحمد السبكى، وأخرجه مخرج
يقدم نفسه لأول مرة هو محمد شورى.
من الصعب أن تتحدث عن فيلم له بناء وعناصر وشخصيات وفيه صراع ودراما،
هناك فقط إطار عام لحدوتة بذلتُ مجهوداً شاقا لتحديد معالمها إذ أن هناك
فواصل صاخبة من الرقص والغناء والتهريج تقطع تسلسل الأحداث فى أى وقت يريده
المنتج، بدا لى أحيانا أننا امام فقرات فى ملهى ليلى تتخلّلها بعض المشاهد
التمثلية وليس العكس.
ما يُدهشك فعلا، أنك بعد أن تتبين ملامح ما نطلق عيه مجازاً الحدوتة،
ستجد أنك أمام مجموعة قصاقيص من حكايات سينما الأبيض والأسود أُضيفت إليها
"إفيهات" معاصرة، وأغنيات أفراح، بل إن الفيلم (مع التحفظ على استخدام
الكلمة) يتسع أيضا لمناقشة الحلال والحرام ..على واحدة ونصّ.
انجاز حقيقي
سأحاول لملمة شتات الأحداث والمشاهد المتناثرة لكى أحكى لك قصة
الفيلم، وهو إنجاز حقيقى يمكن الخروج به من هذا المولد. يُحكى أن راقصة
فنون شعبية اسمها زيزى (دينا) أرادت أن تتزوج من زميلها فى فرقة رضا، ولكن
والدها هندى (لطفى لبيب) الذى لا نعرف له مهنة ، رفض الفكرة بسبب عدم توافر
شقة مستقلّة للعريس، ورغم أن هندى هذا لديه ابنتين عانستين هما حنان(مها
أحمد) و دلال (بدرية طلبة)، إلا أنه يصمم على الرفض.
لكن زيزى التى ترقص الحجالة على مسرح البالون تتعرض للإغتصاب من رجل
شرير عنيف اسمه ماهر القرش (أحمد سلامة) لا نعرف بالضبط لماذا يمارس العنف
الجنسى، وفجأة يتحول مسار زيزى من الرقص الشعبى الى الأفراح الشعبية وصولاً
الى شارع الهرم.
يظهر الطبّال حمّص (سعد الصغير) وزميله مؤلف الأغانى ملوانى (حسن عبد
الفتاح)، الطبال لديه مشكلة بسيطة هى رفض والده سائق السيارة لماله الحرام،
ولكن حمّص يعشق التيك والدوم كما يقول، ولذلك لن يتردد فى تدريب زيزى
لينتقل بها من أفراح الشوارع الى كباريه المرح لصاحبته عزيزة (مادلين طبر).
فى الكباريه، مباراة مستمرة بين ماهر القرش، ومحامى قضايا الآداب عادل
مندور (أحمد بدير) لاصطياد الراقصات بموافقة عزيزة التى لا تختلف عن صاحبات
الملاهى فى أفلام الأبيض والأسود، لقد أصابها القرف من مهنتها، ولكنها
مضطرة للعمل من أجل الحصول على أموال لعلاج ابنتها التى نسمع عنها دون أن
نراها.
وبينما تنمو قصة حب بين الراقصة والطبال، يبدأ الصراع بين ماهر وعادل
للإستحواذ على جسد زيزى دون ممانعة من الأب الذى لا يختلف كثيرا عن والد
أىّ راقصة فى أفلام الأربعينات، ولكن كيد النسا يكسب اللعبة فى النهاية.
بدون ضمانات
تنجح زيزى وراقصة أخرى اغتصبها القرش، تلعب دورها آيتن عامر، فى
الإيقاع بالرجلين الشريرين ماهر وعادل، الأول سنكتشف فجأة أن لديه ملفاً فى
الأموال العامة بسبب الحصول على قروض بدون ضمانات من البنوك، وبسبب غسيل
الأموال، ولا نعرف بالضبط متى فعل ذلك إذا كان لا يترك الكباريه 360 يوما
فى السنة كما يقول.
أما المحامى العربيد فقد وضعوا له كيس هيروين فى دولاب منزله، وبينما
تتوقع عودة الجميع لممارسة عملهم بشرف فى ملهى المرح بعد الخلاص من
الأشرار، فإن مشاهد الفيلم الأخيرة تعود بنا الى الحلال والحرام والموعظة
الحسنة.
يسقط الأب القوّاد بطلقة رصاص انتقامية من أحد رجال ماهر بعد دخوله
السجن، ويموت الرجل وهو يعلن للجميع بأنه خائف من مقابلة ربنا بكل هذه
الذنوب، ويوصى بتستير بنتيه العانستين وتزويجهما.
لو وقع هذا المشهد فى أيدى حسن الإمام لجعل منه ملحمة ميلودرامية،
ولكنه يتحول فى أفلام السبكية الى مسخرة من الإفيهات المتبادلة والموت ثم
اليقظة.
لكن التحول المفاجئ يكون بأن يتذكر الطبال حُمّص عبارات والده عن
الحلال والحرام، يذهب إليه على الفور ليؤكد اعتزاله المهنة، ويعلن عن تبرعه
بكل ما حصل عليه فى الأفراح والكباريهات لصالح مستشفى سرطان الأطفال، وكان
قد أخبر والده فى مشهد سابق أنه ينتظر من الله التوبة، ويبدو أنها هبطت
عليه أخيراً بعد الخلاص من ماهر وعادل.
مع ذلك ، يطلب الطبال أن يشارك لآخر مرة فى عرض خاص حيث يذهب الى مسرح
البالون ليرقص مع زيزى على أغنية "يا مراكبى" الصعيدية، وهكذا عادت زيزى
الى الرقص الشعبى بعد أن اكتشفت أن عالم الكباريهات لا يليق أبداً بها.
رقصة وغنوة
لن تتخيّل الصعوبة التى واجهتنى لكى أخرج من هذا الركام الدرامى
والصخب السمعى والتشوش البصرى بهذه الخطوط العامة لحدوتة لا تختلف كثيراَ
عن أفلام الإمام أو حسن الصيفى، ولكن السرد فى أفلام السبكية يتوقف ويتفرع
ويسترسل ويُبطئ ويسرع أحياناً لأن الهدف هو تكديس مجموعة من الأغنيات
الشعبية المتتالية والرقصات بين دينا وسعد الصغير، بالإضافة الى أسماء
أخرى لمطربين ومطربات فى الملاهى و الأفراح مثل سلمى أحمد وأحمد الليثى
الذى شبع صفعاً من لطفى لبيب.
هناك أيضا إفيهات جنسية بلا عدد، ورقص مشترك رجالى ونسائى، وبروفات
مستمرة، وناس فى السجون، ونساء ترقصن فوق الموائد، وإفيهات بمناسبة الثورة
حيث تتحدث مها أحمد عن "مليونية" من العرسان، لكنها ترفض كل عريس بعد أن
تكتشف أنه "فلّ من الفلول"، وهناك أغنية عن شارع الهرم يتحدث فيها سعد
الصغير عن السبكى ، وأحمد بدير يهتف بعد ضربه: "زنجة زنجة ..دار دار.. علقة
علقة"، وقزم مشوّه يرقص ويغنى بطريقة مقزّزة.
كل شئ ممكن وجائز الحدوث فى هذه الأفلام، والعبث كل العبث أن تتحدث عن
مخرج وممثل ومونتير ومدير تصوير إذ تبدو كل العناصر أقل من مستوى التقييم
أو الحديث.
هى فى النهاية توليفة موصولة بتوليفات السينما المصرية القديمة: رقصة
وغنوة وضحكة ومشروع حدوتة تقليدية تستطيع بالكاد أن تتبين ملامحها، ولكنها
مصنوعة بركاكة مفزعة، والهدف الحصول على العيدية وتقديم الموعظة فى كلمتين
وفقا لتقاليد الفيلم المصرى القديم.
عين على السينما في
11/09/2011
فيلم "يا أنا يا هوّه"..
عن السذاجة التى أعيتْ من يداويها
محمود عبد الشكور
من الظواهر الغريبة اللافتة فى أفلام السينما المصرية خلال السنوات
العشر الأخيرة ارتفاع مستوى العناصر التقنية من صورة وصوت وخدع وتنفيذ
معارك ومونتاج فى مقابل انهيار مستوى وحرفة كتابة السيناريو بصورة لا نظير
لها حتى فى فجر صناعة الفيلم المصرى الصامت.
تسأل نفسك وأنت تشاهد أحد الأفلام الجديدة: هل قرأ المنتج والبطل هذا
السيناريو؟ ألم يكتشفوا الثغرات الواضحة؟ إذا كانوا لا يستطيعون تقييم
السيناريو فكيف سينجحون فى تنفيذه؟ ألا يدركون أن إتقان كل العناصر هو جهد
ضائع بدون سيناريو جيد؟
خذ مثلاً لهذه السذاجة فى كتابة السيناريو أحد أفلام العيد المصرية
وهو فيلم بعنوان "يا أنا يا هوّه" كتبه فى تجربته الأولى أحمد حجازى،
وأخرجه فى عمله الأول تامر بسيونى، وقام ببطولته الممثل المجتهد نضال
الشافعى فى بطولته الثانية بعد فيلم "الطريق الدائرى" للمخرج تامر عزت.
لفت نضال الأنظار بقوة من خلال أداء أدوار مساعدة متنوعة ومختلفة مما
شجعه على خوض البطولة ولو حتى من خلال محدودة التكلفة الإنتاجية، وبينما
كان جيداً فى دور الصحفى فى فيلم "الطريق الدائرى"، إلا أنه يتراجع خطوات
فى فيلمه الجديد رغم أن بذل هنا جهدا كبيراً بدنياً وحركياً ولكن بلا ثمار
مع شديد الأسف.
مشكلة السيناريو
مشكلة فيلم "يا أنا يا هوّه" الواضحة فى سيناريو لا يدرس تفاصيل
موضوعه، ولا يهتم برسم شخصياته إلا بما يشبه الإسكتش أو خطوط الشخصيات
الكارتونية، ولا يفلح حتى فى تطوير المعالجة وإحكام البناء والصراع، وكلها
من أبجديات الكتابة السينمائية.
حكايتنا هائمة معلّقة فى الفراغ، تزعم أنها تتحدث عن مريض بالفصام
بينما هى أقرب الى الصياغة المجازية للصراع بين الخير والشر داخل النفس
الإنسانية على طريقة الرواية ذائعة الصيت "دكتور جيكل ومستر هايد".
لو بذل كاتب الفيلم جهداً فى معرفة ماهية مرض الفصام العقلى لما ظهر
بطله سعيد الحيوان بهذه الصورة المضحكة: شاب أقرب الى البلاهة و التخلف
العقلى ، يرتدى ما يقترب من ملابس الأطفال ذات الألوان الفاقعة، معه أخت
صغيرة اسمها ديدى( ليلى أحمد زاهر) تشتبك معه باستمرار مثل القط والفأر.
سعيد يتعرض لسخرية جيرانه، يكتبون على سيارته عبارة يا حيوان، يعمل
"صحفياً" فى مجلة حيث يكتب الأبراج، ويكتب رسائل حب بلهاء منذ عشرين عاما
لفتاة اسمها جميلة (ريم البارودى)، شخصية كارتونية تماما لا تجد سنداً إلا
من خاله الطبيب (لطفى لبيب) الذى لا تعرف تخصصه بالضبط.
بعد مشاهد مُغلقة بائسة يمتزج فيها الإستظراف بالإشتباكات الحركية،
نكتشف أن سعيد مزدوج الشخصية حيث يتحوّل الى شخص آخر شرس اسمه حازم (يلعبه
أيضاً نضال الشافعى)،يقيم فى الملاهى، وينفّذ عمليات لصالح العصابات
الكبيرة، ولديه عشيقة اسمها بالمصادفة جميلة، وهى بالمصادفة أيضا، إبنة
خالة جميلة محبوبة سعيد الحيوان!
انفصام الشخصية
يقوم طبيب الفيلم وخال البطل بتشخيص هذه الحالة على أنها انفصام فى
الشخصية، ويقول على مسؤليته أن العلاج سلوكى بأن يقوم سعيد الأبله الذى
يقول عنه الفيلم أنه طيب، بتقوية شخصيته على حساب حازم الشرس.
ولكن حازم لا يسكت إذ يحاول اختطاف حبيبة سعيد (جميلة نمرة واحد)،
ويتصادف أن جميلة نمرة واحد تعمل فى المتحف المصرى الذى سيكلّف حازم بسرق
أحد تماثيله، فى نفس الوقت، تشعر جميلة نمرة اتنين بالصدمة إذ أن الخطابات
المتتالية التى أرسلها سعيد الحيوان لم تكن لها وإنما كانت الى طرف جميلة
نمرة واحد.
يا لسخرية الأقدار، رجلان فى جسد واحد، أحدهما طفل متخلف عقلياً
والثانى فتوة يرفع حاجبه مثل خالد الذكر فريد شوقى، وبينهما طبيب تشك أصلا
فى أنه تومرجى، وطفلة تحب الضرب والركل والصفع، وجميلتان واحدة رومانسية
والثانية غانية.
يصل الصراع بين سعيد وحازم الى درجة مروّعة حيث يقوم بطلنا بضرب نفسه
والإشتباك معها فى مشهد لايصدّق، بل إنه يتحوّل فى لحظة ليتكلم بطريقة سعيد
ثم يرد على نفسه بطريقة حازم.
ولأنه لا مفر من أن يواجه سعيد الشرّ، فإنه يتحدى زعيم العصابة الذى
حرّضه (وهو فى شخصية حازم) على سرقة المتحف، تنطلق رصاصة فيسقط سعيد على
الأرض، تظن أنه مات ومن ثمّ تخلصنا من هذه الفوضى، ولكن يعود فى مشهد أخير
ليتزوج من الإثنيتن معا : جميلة الرومانسية وجميلة العاهرة، ويتعامل معهما
بوجهين: سعيد الأبله، وحازم الشرس.
مشاهد متتالية
حاولت أن أكون أميناً فى تلخيص أحداث الفيلم العجيب الذى لا علاقة له
لا بالطب النفسى ولا بالصحافة ولا بالدراما ولا بالكوميديا، هو فقط مجرد
مشاهد متتالية عن الخير والشر والمتعة والعذاب وعن السذاجة التى أعيتْ
بالتأكيد من يداويها.
هناك ثغرات وملاحظات بالجملة إذ تندهش ألا يعرف كاتب سيناريو أن مرض
الفصام لا يعنى أن يتحوّل الإنسان الى شخصية أخرى مناقضة بمثل هذه الطريقة
المضحكة التى كرّستها بعض الأفلام البلهاء.
تندهش أكثر أن الكاتب لا يعرف أن مرض الفصام ينشأ عن نقص كيماوى بالمخ
لا يعادله إلا تعاطى العقاقير على أن يكون العلاج السلوكى والدعم الأسرى
عُنصراً مساعداً ومكمّلا لاستقرار الحالة ، وإعادة دمجها فى المجتمع من
جديد.
من المستحيل أن تصنع سيناريو بدون دراسة لكل التفاصيل وإلا تحوّل مشهد
ضرب سعيد لنفسه الى مشهد مضحك وليس مأساويا كما يُفترض أن يكون، وإلاّ
ستضحك أيضاً على الطبيب وهو يحلّ مشكلة سعيد بالعلاج السلوكى، وبتقوية
شخصية سعيد على حساب حازم، ثم يطلق عبارة أقرب الى الموعظة تقول: الطيبة
تحتاج الى قوة لكى تحميها.
السذاجة لا تجدها فقط فى عدم فهم طبيعة المرض محور الفيلم بل فى عدم
فهم طبيعة مهنة الصحافة، سعيد مثلا يكتب الأبراج فى المجلة، ولكن رئيس
التحرير ينقله الى قسم "الحوادث" لكى يقوم بتغطية مؤتمر صحفى للسفير
الصينى؟!
ورغم أنه أصلاً مؤتمر صحفى إلا أن الحراس يمنعون "الصحفى" سعيد من
الدخول، ويقومون بطرده بعد ضربه.
خلط غريب
حتى فيما يتعلق ببناء الشخصية، يوجد خلط غريب بين رسم ملامح شخص طيب
أو على نيّاته يمكن أن تتعاطف معه، وبين نموذج مثل سعيد أقرب الى الأطفال
المتأخرين ذهنياً، شخص يخاف من القطط، ويرتدى ملابس لو ارتداها صبى فى
العاشرة لكان جديراً بالفحص النفسى بالإضافة الى مبالغات نضال الحركية
والكلامية المزعجة.
كل شئ تم رسمه بخطوط عامة سريعة مع محاولة افتعال مشاهد حركية متتالية
مثل المعركة بين رجاء الجداوى ، أم إحدى الجميلتين، والشرس حازم، أما طريقة
تنفيذ مشهد سرقة المتحف المصرى فهى نموذج للإستخفاف والفبركة الجديرة
بالرثاء.
الفارق كبير بين البساطة والسذاجة، والفارق أكبر بين الفيلم الذى
يقترب من عالم الكارتون والفيلم الحىّ الذى يشتغل على موضوعه مهما كانت
طريقة معالجته، فالكوميديا كما نؤكد دائماً لا تعنى الإستخفاف، بل هى تعتمد
أكثر على التفاصيل والمفارقات الدقيقة.
لن تعرف أيضاً هل كان من أهداف الفيلم أن يتوجه أساساً الى الأطفال؟
حتى أفلام الأطفال على طريقة ديزنى مثلا لا نجد فيها هذه الفوضى العجيبة،
وبالتأكيد هى لا تعانى من الإستظراف والإفتعال.
ما يحزنك فعلاً أن الفيلم فيه جهد كبير فى التنفيذ، بل إن نضال
الشافعى اعتبر نفسه فى ورشة تمثيل فأخذ يقوم بأداء بدنى وحركى مضاعف،وقدّم
استعراضاً راقصاً مدهشاً، ولكنه لم يستطع أن ينجز الكثير فى إطار أحداث
أقرب الى اللامعقول. نضال عموماً يتجه الى الإفتعال والمبالغة فى أداء
الدوار الكوميديا فى حين بدت ريم البارودى ونرمين ماهر تائهتين فى دورى
جميلة نمرة واحد وجميلة نمرة اتنين.
العناصر التقنية كانت أيضاً مميّزة خاصة صورة أحمد حسين ومونتاج اسلام
لطفى وديكورصلاح الشاذلى وموسيقى محمد يحى وملابس داليا يوسف، المخرج تامر
بسيونى حاول أن يقدم نفسه بفكرة مختلفة، ولكنه مسؤول بالطبع عن الطريقة
التى أدى بها نضال دوريه، ومسؤول عن اختيار سيناريو متواضع وملئ بالثغرات
الى هذا الحد.
قولاً واحداً: أفلام بدون سيناريوهات مُحكمة تتوافر فيها الحدود
الدنيا من الحرفة يعنى ببساطة أن يضيع المجهود والطموح، وأن يحرث صانعو
الأفلام فى البحر مهما كانت المواهب والقدرات.
عين على السينما في
11/09/2011
عين على السينما في
11/09/2011 |