شعار الموقع (Our Logo)

كتبوا في السينما

 

مختارات

جديد الأفلام الروائية القصيرة، والتسجيلية في السينما العربية

السينما المصرية الشابة ووعد التغيير

بعض الحقائق عن السينما العربية تكشفها الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربيّ في روتردام 

إحتفاءٌ بالعلاقة بين مدير التصوير طارق التلمساني والمخرج خيري بشارة

مباشرة العمل في مشروع " صمت وذاكرة "

 

خاص بـ "سينماتك"

 

 

 

 

نتذكر فيلم

"الفتيان لا يبكون"

يوخنا دانيال

بعداد/ خاص لـ"سينماتيك"

 

 

 

 

12 مارس 2005

 

 

 

 

تينا براندون ... فتاة ولدت في نبراسكا عام 1972 وتوفيت فيها ايضا عام 1993، حيث قتلت بطريقة بشعة. وفلم "الفتيان لا يبكون" يتناول أحداث الأشهر الاخيرة في حياة تينا، تلك الأحداث التي أدت الى وفاتها في النهاية؛ اذ قلبت أسمها الى براندون تينا، وأحبت بل عشقت ان تكون ولداً، وكرّست كل حياتها القصيرة لذلك، خصوصا بعد فترة البلوغ. كانت تلف طيّات عديدة من الشريط اللاصق الطبي حول ثدييها، في محاولة لتغييبهما، وتقصّ شعر رأسها كالفتيان تماما ... وأحيانا تعبئ مقدمة بنطالها بمناديل الكلينكس او لفائف ورق التواليت، لتعطي لنفسها مظهرا "ذكرياًً" مصطنعاًً. لكن المدهش حقاً هو طريقة الحياة العابثة التي تحياها تينا عندما تكون ولداً؛ تدخين، مخدرات، كحول، مطاردة الفتيات الجميلات، مغامرات صاخبة ... مما جعل الجميع يطاردونها ويتهمونها بأنها Dyke  ( أي سحاقية مسترجلة). الا انها ترفض هذه التهمة، انها تنظر الى نفسها كولد (او فحل او ذكر) أصيل … انها ليست  امرأة تنجذب الى بنات جنسها، انها رجل، تحب ان تعيش كالرجال تماما في مغامرات وخطورة وتهوّر وعلاقات عاطفية مع فتيات متعددات.  لكنها أيضا واعية للقصور الطبيعي في تكوينها، لذا كثيراً ما تتسلح بجهاز تناسلي ذكري اصطناعي، وبالخداع توهم الطرف الاخر انها رجل حقيقي اثناء ممارسة الحب. ولان غايتها الاساسية او حب حياتها ان تكون رجلا محبوباً، فهي تنجح تماما مع الذين لا يعرفون حقيقتها ... الى حد انهم يُصدمون تماما عندما يكتشفون سرها، لذا يكون رد فعلهم قاسياً جدا: مهيناً ومؤلماً، لا بل قاتلاً في نهاية المطاف.

فلم من هذا النوع، وبالمشاهد الصريحة والعنيفة التي تتخلله احيانا قد يصعب عرضه على شاشاتنا الكبيرة، الا انه وجد طريقه للمشاهدين بواسطة الفيديو وغيره من وسائط الميديا المتعددة. وعندها أدرك المشاهدون، وخصوصا المهتمون بالفن السينمائي، لماذا استحقت ممثلة شابة ومغمورة مثل "هيلاري سوانك" جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة في دور رئيسي - متجاوزة ممثلات كبيرات من وزن "ميريل ستريب" و"آنيت بيننغ" في عام 2000 . لقد تعاملت سوانك مع موضوع (رفض كونها امرأة وعشقها لان تكون رجلاً) بحرفية عالية وشغف لا حد له، كما لو انها تتمتع بهذا الدور، او كأنها – سوانك - هي فعلاً تينا براندون التي عاشت هذه التجربة المؤلمة ودفعت حياتها ثمناً لها. وكل  من شاهد سوانك في حفل الأوسكار وعلى أغلفة المجلات، ربما تصور أن "تينا" عادت مجدداً الى الحياة، وأخذت المجد كله. لقد أسرت سوانك المشاهدين بأدائها الساحر، الخالي من التعقيد، والذي يركّز على المشاكل الواقعية والتقنية والتفصيلية لامرأة  تريد ان تكون رجلا الى ابعد الحدود. وحتى عندما كانت تمارس الحب مع صديقتها الممثلة الرائعة "كلوي سيفيني"، فانها لم تترك مجالاً للمشاهد ليفكر ان تينا امرأة، بل يتمنى المشاهد ان لا يتم اكتشاف حقيقتها. انها لعبة خطرة تلك التي تلعبها هذه الفتاة، وجميع المحيطين بها يصعب عليهم تقبل ذلك، انها حتى اصعب من موضوع المثلية الجنسية. وان كان الناس - في بعض المجتمعات - يتحملون احيانا فكرة امرأة شاذة جنسياً، لكنهم لن يتحملوا مطلقاً امرأة تريد ان تكون، وتعيش، وتتصرف في كل شيء كالرجال تماماً.

لذا يكون رد فعلهم تجاهها عنيف جداً - وخصوصا الرجال؛ انهم يتفحصونها بأيديهم وأعينهم في أجزاء جسدها  الحساسة، ثم يغتصبونها بعنف، لمجرد اثبات كونهم رجال وهي ليست مثلهم. وبالنسبة الى تينا براندون - او العكس – فان الرجولة ليست اجهزة تناسلية ذكرية فقط بالرغم من اهميتها وهي تدرك ذلك، الرجولة : حالة عقلية وسلوكية تتعلق بطريقة الحياة ومواجهة الصعاب والمخاطر، حالة تتعلق بالوقوع في حب النساء الجميلات، حالة من القدرة والسيطرة والإنجاز. تبدع سوانك في إيصال حالة الاذلال الجنسي والإنساني التي يتعرض او تتعرض لها (تينا)  عندما تُغتصب، وعندما يتأكد الجميع - بما فيهم من تحب - انها لا تنتمي الى جنس الرجال … انه قدر بشع ومرعب  ان يعيش الإنسان في هذه الحالة المتطرفة من رفضه لجسمه وذاته وهويته الاجتماعية.

ان تصاعد أحداث الفلم، لا يترك مجالاً للشك بالنهاية الفاجعة التي سيصل او ستصل اليها تينا، الإنسان المتمرد على التقسيم الطبيعي لبني البشر. ويشترك هذا الفلم مع الأفلام المهمة – في ذلك العام - مثل "الجمال الامريكي"، و"ان تكون جون مالكوفيش" وربما غيرها في فكرة :  الهروب من الواقع الراهن بكل أبعاده الذاتية والموضوعية وصولاً الى هوية اخرى، اكثر جمالاً وانسجاماً مع الذات، على الرغم من الثمن الباهظ جدا الذي قد يدفعه  البطل او البطلة في النهاية. واذا كان التمرد في "الجمال الامريكي"  يتصاعد عبر احداث الفلم بصورة طبيعية وهادئة، ويمس مظاهر الحياة الاجتماعية الرتيبة اساساً، الا ان قصة تينا منذ بداية الفلم تقوم على رفضها لدورها الطبيعي كامرأة او أنثى، وفي كل مشاهد الفلم تتعامل تينا بحساسية ووعي مع المحيطين بها كي لا تُكتشف حقيقتها الجسدية، لأنها معرضة للأخطار دائماً ومنذ البداية.

تقول سوانك عن دورها في الفلم : "في البداية كنت أبدو أكثر أنوثة، وبمرور الوقت وتصاعد الجهود، اصبحت أكثر ذكورةً. كنت اعيش الدور لمدة 18 ساعة يومياًُ" . وهذا ما كان يشّوشها فعلاً : " لقد ضعتُ تماماً، اذ لم أعد أبدو كفتى او كفتاة". ولان تصوير الفلم استغرق 30 يوما فقط، واتبع التسلسل الزمني لأحداث القصة، فان مشهد الاغتصاب العنيف والمهين قد تم تصويره في نهاية فترة التصوير. تقول المخرجة "كمبرلي بيرس"، التي ساهمت في كتابة نصّ  الفلم أيضا : "لقد اصبحت سوانك حائرة تماماً بشأن هويتها الجنسية في نهاية الفلم، وهذا كان ملائماً تماماً لما نحتاجه لمشهد الاغتصاب؛ الرعب والإذلال اللذان نجحت تماماً في إيصالهما للمشاهدين عبر مشهد يصدم العقل ويفطر القلب في الوقت ذاته". وبرغم ان سوانك عاشت الدور بدواخله وخوارجه وانغمست فيه كلياًً، الا انها صرحت فيما بعد : " الشيء الوحيد الذي أبقاني بتماس مع انوثتي هو ردفاي الانثويان، اللذان لم انجح في تغييبهما او تحويلهما تماما". لكن تمثيلها الرائع أقنع المشاهدين والنقاد بحقيقة الدور الذي أدته على الشاشة ونالت عنه جوائز التفوّق الكبرى في التمثيل : الكرة الارضية الذهبية، ثم الاوسكار، متفوّقة على أكبر الممثلات في هوليوود.