شعار الموقع (Our Logo)

كتبوا في السينما

 

مختارات

جديد الأفلام الروائية القصيرة، والتسجيلية في السينما العربية

السينما المصرية الشابة ووعد التغيير

بعض الحقائق عن السينما العربية تكشفها الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربيّ في روتردام 

إحتفاءٌ بالعلاقة بين مدير التصوير طارق التلمساني والمخرج خيري بشارة

مباشرة العمل في مشروع " صمت وذاكرة "

الدورة الأولى لمهرجان دبيّ السينمائيّ الدوليّ

تشريح تظاهرة سينمائية عربية (1)

بقلم: صلاح سرميني/ دبي (الإمارات العربية المتحدة)

 

خاص بـ "سينماتك"

 

 

 

 

الحلقات
1
2
3
4
5

 

 

 

 

 

 

17 ديسمبر 2004

 

بدايةً, وقبل أيّ جردة حساب, أتوجّه بالتحية, والتقدير إلى الفريق أول سموّ الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم", وليّ عهد دبيّ, وزير دفاع دولة الإمارات العربية المتحدة, وراعي مهرجان دبيّ السينمائيّ الدوليّ, وسموّ الشيخ "أحمد بن سعيد آل مكتوم", رئيس دائرة الطيران المدنيّ بدبيّ, وطيران الإمارات, ورئيس مهرجان دبيّ السينمائيّ الدوليّ, والسيد "عبد الحميد جمعة" المدير التنفيذيّ لمدينة دبيّ للإعلام, والسيد "مسعود أمر الله آل علي", مُبرمج الأفلام الروائية العربية الطويلة, والسيد "محمد مخلوف", مُبرمج الأفلام العربية القصيرة, وإلى كلّ من فكر بتنظيم المهرجان, وساهم بشكل, أو بآخر في إظهاره إلى النور.

ولا أنكر أبداً أهمية إنعقاد مهرجان سينمائيّ جديد في المنطقة العربية, ومساهمته بنشر الثقافة السينمائية, والمعرفية, وتحقيق التواصل بين السينمائيين أنفسهم من طرف, ومع الجمهور من طرف آخر, وإيجاد جسور إضافيّة بين السينما العربية والعالمية, وبين صُناعها من الطرفين.

ومع الإبتهاج المُسبق بكلّ التظاهرات السينمائية العربية الموجودة على الساحة اليوم ـ وهي قليلةٌ بالمُقارنة مع مثيلها في فرنسا, والعالم ـ فإننا نفرح حقاً بولادة مهرجان سينمائيّ جديد تحتضنه مدينة دبيّ التي تُضاهي عمرانياً أهم مدن العالم: باريس, نيويورك, جنيف, لندن,...

وحرصاً مني بأنّ يكون الإحتفاء صادقاً, ينصبّ في مصلحة المهرجان نفسه, والرغبة الحقيقية في إستمراريته, وتعزيز مكانته في المشهد السينمائيّ العربيّ, والعالميّ ـ وأنا الذي قضيتُ حياتي مُتنقلاً من مهرجان إلى آخر ـ فإنني لن أُجامل الهيئة الإدارية التنفيذيّة عند الحديث عن بعض النقاط الهيكلية, والتنظيميّة, والأخلاقية.

وأتمنى من السيد "عبد الحميد جمعة", وكلّ القائمين على تنظيم المهرجان, بأن تتسّع صدورهم, وقلوبهم, وعقولهم لكلّ الملاحظات الإيجابية, والسلبية الواردة لاحقاً, والتي ربما أُصيب في بعضها, وأُخطئ في أخرى.

كما تُحتمّ الأمانة المهنية بأن أعبّر عن قناعاتي الخاصّة بدون قلق إستبعادي من الدورات المُقبلة, والسطور الواردة في هذا التقرير ليست إنتقادات فحسب, ولا إصطياد أخطاء يتعرّض لها أيّ مهرجان في العالم, ولكنها بمثابة تحليل, وتشريح لتظاهرة سينمائية عربية, ودولية جديدة, هي مفيدةٌ بالقدر نفسه لمهرجانات أخرى أكبر سناً, وأكثر خبرةً, وأقدر تجربة.

تُثير الدورة الأولى لمهرجان دبيّ السينمائيّ تساؤلات عديدة, صغيرة وكبيرة, بدءاً من فكرة التأسيس نفسها, وحتى البرمجة, مروراً بالعقليّة الغربية التي تُديره.

هل تحتاج دبيّ ـ والإمارات العربية المتحدة بشكلّ عام ـ إلى مهرجان سينمائيّ محليّ، أو دوليّ, وهي تفتقد الصناعة السينمائية تماماً, ويقتصر المشهد السمعيّ/ البصريّ فيها على أفلام تسجيلية, وروائية, قصيرة, وطويلة, تُصور بالفيديو.

نعم, من المفيد, والمنطقيّ بأن يُقام مهرجان سينمائيّ في أيّ مدينة, وأيّ بلد, أكان الإنتاج السينمائيّ فيه حاضراً, أو غائباً, ولن ننتظر معجزةً ما, وسنوات كثيرة حتى تصبح الفكرة مشروعة, وإذا كانت الصناعة السينمائية مفتقدة في بلد ما, فإنه من الأفضل بأنّ تكون السينما متواجدة في صالاتها من خلال العروض التجارية, والثقافية, وأسابيع الأفلام, ومن ثمّ المهرجانات المحلية, والدولية.

نشر الثقافة السينمائية في أيّ بلد لا يرتبط بالواقع المحليّ للصناعة السينمائية فيه, والإنفتاح على العالم سينمائياً يشجع بدوره على التفكير بإنتاج أفلام سينمائية.

المثال الأقرب إلى ذلك, ما أحدثته "مُسابقة أفلام من الإمارات" التي يُنظمها "المُجمّع الثقافي" في "أبو ظبي", عندما شجعت المخرجين, والمخرجات في دولة الإمارات العربية المتحدة ـ والدول الخليجية بشكل عام ـ على إنجاز أفلام للمُشاركة فيها. ومنذ دورتها الأولى في عام2002, ساهمت بتسليط الأضواء عليها, والتعريف بها محلياً, وعربياً, وعالمياً .

قبل ذلك, كانت الأفلام حبيسة أماكن إنتاجها في كليات التقنية العُليا, والإعلام, بعدها أصبحت "المُسابقة" بمثابة المُتنفس الوحيد للنشاط الفيديويّ, ومن ثمّ, إجتازت بعض الأفلام حدودها المحلية, ووجدت لها مكاناً في المهرجانات العربية: "مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية (دوكيودايز), أيام بيروت السينمائية, المهرجان الدوليّ للأفلام التسجيلية والقصيرة في الإسماعيلية, بينالي السينما العربية في باريس, ملتقى أصيلة لسينمات جنوب ـ جنوب, مهرجان الفيلم العربي في روتردام,..",  ثمّ تخطتها نحو المهرجانات الدولية: "مهرجان باريس للسينمات المُختلفة, مهرجان طهران الدوليّ للأفلام القصيرة,..", وقريباً سوف يُخصّص "سوق الفيلم" للمهرجان الدوليّ للأفلام القصيرة في "كليرمون فيرون"/ فرنسا برنامجاً خاصّاً بالأفلام الإماراتية, وهو واحدٌ من أهمّ مهرجانات الأفلام القصيرة في العالم, ويُعتبر بمثابة "مهرجان كان للفيلم القصير".

من جهة أخرى, يمكن أن يُحفز مهرجان دبيّ السينمائيّ الدوليّ على نهوض صناعة سينمائية, وفيديويّة فعالة, ونشيطة في المنطقة العربية, وكما ساهم رأس المال الخليجيّ في إزدهار الإنتاج التلفزيونيّ العربيّ, نتوقع له دوراً في الإنتاج السينمائيّ.

وبما أنّ الإمارات العربية المتحدة قادرة على إقامة مهرجان دوليّ, فإنها بالمقابل تمتلك إمكانية إنتاج أفلام روائية طويلة, وقصيرة, كي تصبح واجهةً سينمائيةً, وثقافيةً لها في مهرجانها, والمهرجانات العربية, والعالمية, وربما يكون إنشاء مدينة سينمائية مشروعاً يدور في أذهان المسؤولين  في الإمارات بهدف إستقطاب الإنتاجات السينمائية العالمية للتصوير على أراضيها, والإستفادة من خدماتها على غرار ما يحدث في تونس, والمغرب.

وأُذكّر المسؤولين عن الثقافة, والإعلام بإهتمام المهرجانات العالمية كثيراً بالأفلام المُنتجة في بلدان تفتقد الصناعة السينمائية, أو لا توجد فيها صناعة سينمائية متطورة, وهي تحتفي كثيراً بهذه الإنتاجات, وتعتبرها إكتشافات سينمائية نادرة, حتى ولو كانت متواضعة القيمة, فكيف الحال  لو كانت متفوقة.

والوسط السينمائيّ العربيّ يفهم الإهتمام الزائد بالمخرجة السعودية "هيفاء المنصور", ويعرف أسباب تسليط الأضواء عليها بكثافة في المهرجانات السينمائية العربية, والدولية, تعيها المخرجة الشابة جيداً, وتستفيد منها بذكاء, وفطنة.

ومن الطبيعيّ بأن نقف إلى جانبها, ليس فقط لأنها المخرجة السعودية الوحيدة, الأكثر نشاطاً, وحضوراً, ولكن أيضاً, لأنها تمتلك جرأةً, وشجاعةً, وأفكاراً ـ قابلة للنقاش ـ تريد أن توصلها للعالم, وهذا مايجعلنا نتغاضى عن تبسيط معالجاتها السينمائية, ونفرح لمحاولاتها الدؤوبة لصقل أدواتها, وبحثها عن الثقافة السينمائية في كلّ تظاهرة تشارك فيها.

إذاً, تمتلك الأفلام الإماراتية الحالية ـ والمُرتقبة ـ حظوظاً كبيرة للمُشاركة في المهرجانات السينمائية القادمة, ومع التجربة, والخبرة, والمران, سوف تفرض النوعية نفسها, وربما يستفيد السينمائيون في الخليج بما يمكن أن نسميه فضولاً, أو حماساً, أو إكتشافاً لسينما مجهولة تُنتج في بلدان مازال الكثير من سكانها يتوجسون من السينما, والصورة بشكلّ عام.

وبعد أن قامت "مسابقة أفلام من الإمارات" في "أبو ظبي", وبميزانية قليلة جداً بهذا الدور, ونجحت ـ فعلاً ـ بتسليط الأضواء على تلك التجارب, والأفلام, يتحتم على مهرجان دبيّ السينمائي الدوليّّ, بميزانيته الخرافية, أن يستفيد من هذه الفرصة للنهوض بصناعة سينمائية, وفيديوية, وكما هو مناسبة لتقديم العالم سينمائياً إلى الجمهور المحليّ, يمتلك أيضاً إمكانية إظهار الصورة المحلية للعالم من خلال سينما وطنية, بدون أن تُختطف السينما, أو تكون حجةً, أو جانباً هامشيا,ً وشكلياً لتحقيق أغراض تسويقية, إعلانية, دعائية, وسياحية, ..ضمنيةً, أو مُعلنة.

وهذا يقودنا إلى تساؤل آخر: هل يمتلك مهرجان دبيّ السينمائيّ الدوليّ في دورته الأولى أهدافاً سياحيةً, تسويقيةً, أم سينمائيةً, ثقافيةً, أم كلّ هذه الأهداف مُجتمعة؟

ونحن نعرف بأنّ أيّ مهرجان سينمائيّ في العالم يحرص على تحقيق الجانبين, السينمائي، والسياحيّ, ومن خلال تجربتي الخاصّة على مدى عشرين عاماً, منذ أن وطأت قدمايّ أرض فرنسا, لم أستطع التوفيق مابين السينما, والسياحة, الرغبة بمشاهدة الأفلام, واللقاءات تطغى دائماً على الجانب السياحيّ, وفي مرات كثيرة تلغيه تماماً, بالنسبة لي, السياحة هي المهرجان نفسه, ولكنني في نفس الوقت أعيش المدينة من خلال المهرجان بكلّ نشاطاته, وفعالياته.

والمهرجانات الأوروبية, وعلى الرغم من حرصها على تسويق المدينة التي تُقام فيها, لا تقمع رغبة من يريد بأن يعيش المهرجان كما يحلو له, فتقدم له كلّ المعلومات الضرورية, ولكنها تترك كلّ واحد يكتشف المدينة على طريقته, وعلى نفقته الخاصّة.

بينما تقدم بعض المهرجانات العربية للضيوف برنامجاً سياحياً, وترفيهياً حافلاً يشغله عن متابعة الفعاليات السينمائية, وتصبح تلك الزيارات, والحفلات ـ بكلّ مُشهياتها ـ واجباً لايستطيع أكثر الضيوف جديةً التخلص من جاذبيتها, وسحرها, فيتغاضى ـ راضياً, أو مُرغماً ـ عن فعاليات المهرجان السينمائية التي جاء من أجلها.

المهرجانات الأوروبية تمنح الضيف الرغبة بزيارة المدينة مرةً أخرى, بينما بعض المهرجانات العربية تقدم للضيف المدينة, ومعالمها السياحية على طبق من ذهب, وتُفقده بالمقابل رغبة إكتشافها بمفرده, أو بصحبة عائلته, مثل أيّ سائح عاديّ يُنفق من أمواله الخاصّة, كي يساهم في تنشيط الحركة السياحية, والإقتصادية للمدينة, والبلد بشكلّ عام.

تتلخص حجة المسؤولين عن المهرجانات العربية, بأنّ الجانب السياحيّ يشجع الضيف على العودة إلى المدينة في مرات قادمة, ويتجاهلوا بأنّ هذا الضيف, أو غيره, قد إستمتع بكلّ ماقدمه له المهرجان مجاناً, فلماذا يعود إليها في السنة القادمة, أو التي بعدها, أو حتى بعد سنوات, وعندما يحنّ مرةً أخرى إلى هذه المدينة, أو تلك, ماعليه إلاّ أن يزورها بمناسبة مهرجانها.

وعلى الرغم من العقلية الغربية التي تدير مهرجان دبيّ السينمائيّ الدوليّ "وأتمنى بأن لاتطول هذه الوصاية", فإنّ الخطر الحاليّ, والمُستقبليّ, هو الوقوع بدوره في هذه الإشكالية, وتحوله إلى تظاهرة  إحتفالية, تقدم للضيوف "دبيّ" في أجمل صورها: بهرجةُ إعلامية, إقامةٌ مجانية في منتجع خرافيّ, حفلاتٌ يومية, والأكثر خطورةً التقليد, والنسخ عن مهرجانات كُبرى, مثل: كان, فينيسيا, برلين, تورنتو,.. بحيث ينسى الضيف تماماً بأنه يتابع مهرجاناً دولياًً في مدينة عربية, يزيد على ذلك اللغة الإنكليزية المُسيطرة على كلّ تفاصيل المهرجان,  حيث يشعر الضيف العربيّ بالغربة, ويفتقد حميميّة التواصل مع الآخرين.

إذا كان الهدف الضمنيّ للمهرجان إحتفالياً، فليكن مُعلناً منذ البداية, ومدينة دبيّ لا ينقصها المهرجانات السياحية.

ولكن, لو كان سينمائياً, لماذا ردّد الضيوف العرب "على الأقلّ" في مجالسهم الخاصّة أسئلةً, وتساؤلات عن واقعية هذا الهدف.

وحتى العدد القليل من الضيوف الأجانب الذين تيّسر لي اللقاء معهم, عبروا عن شعورهم بالهوّة العميقة بين الهدف السينمائيّ, والإحتفاليّ للمهرجان, أما الآخرين, وعددهم ضعف الحاضرين من العرب, فقد كنت أتساءل: أين كانوا فترة المهرجان, علماً بأنّ الجميع ـ عرباً, وأجانب ـ كانوا يقطنون في فندق واحد, وعادةً, في مهرجانات العالم,  يتعرّف الواحد على الآخر من خلال البطاقات المُتدلية من الأعناق, والمُسترخية على صدور كافة المدعوين.

ولكنني عرفتُ من أحد المصادر, بأنّ الأجانب "تخيلوا" كانوا يقطنون في فندق مجاور, ماهي الحكمة إذاً من فصل الضيوف عن بعضها؟ وكيف يمكن أن تتحقق التيمة الأساسية للمهرجان في "بناء جسور التواصل الثقافيّ، والإنسانيّ, ونشر قيّم التسامح, والمحبة في العالم".

 

 

 

مقال ذات صلة