خاص بـ«سينماتك»

 

أفلام سينمائية تتنبأ واخرى تحذر

نهاية العالم في ظل الجائحة

بقلم: أحمد ثامر جهاد/ خاص بـ«سينماتك»

 
 
 
 
 
 
 
 

تولد : 1972 -  العراق – مدينة الناصرية

- بكالوريوس ادب عربي

- عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق

- عضو اتحاد المسرحيين العراقيين

- عمل لاكثر من 20 سنة بمجال الصحافة في عدد من الوكالات الاعلامية الدولية والصحف العراقية والعربية.

صدر له:

- (مديات الصورة والاتصال-الاثر الفني المتبادل بين الرواية والفيلم) دار الاتحاف. تونس 1998.

-(عالمنا في صورة) بغداد 2006 وزارة الثقافة – دار الشؤون الثقافية العامة.

 -(حيوات وصور- كتابات في السينما) 2011 دار مقهى- كاليفورنيا. الولايات المتحدة الامريكية

-(سحر الشاشة-افلام وتجارب سينمائية) دار شهريار 2020 بيروت.

 

 

أحد ثامر جهاد

أديب وناقد سينمائي

     
 
 

لا شك ان افلام الكوارث والاوبئة والحروب النووية والازمات الاقتصادية وكذا افلام الخيال العلمي والرعب والفنتازيا ليست جديدة على متابعي الفن السينمائي، بل يمكن القول انها البضاعة التجارية الرائجة والمفضلة لشركات الانتاج الامريكي على نحو خاص منذ بدايات السينما وحتى يومنا هذا، كونها تمثل نقطة جذب لجمهور واسع ينشد التشويق والمتعة العابرة، الا ان تزايد الطلب على هذه الافلام في ظل الظروف الاستثنائية الحالية التي فرضها الوباء يؤشر بشكل من الاشكال رغبة ما في فهم ما تتعرض له حياة البشر من تحديات خطيرة مع انحياز عاطفي وعقائدي ضمني لإعادة قراءة وصفات "نهاية العالم" التي تنتعش مع كل ازمة كبيرة يمر بها الانسان، لتتركه تلك الافكار المتشائمة رهينة كل ما هو غير معقول، لسبب قد يراه البعض ماثلا للعيان، هو ان العالم بحد ذاته لم يعد معقولا في مجرياته واحداثه المفزعة، وان الجائحة كمعطى واقعي باتت بدرجة او بأخرى موجها لاختيارات المشاهدين وهوسهم المتنامي.

****

بعد ان أوصدت قاعات السينما أبوابها بوجه الجمهور وألغيت او أجلت معظم الفعاليات والعروض السينمائية تحت وطأة وباء كورونا الذي اجتاح العالم على حين غرة، فرضت الجائحة وضعا استثنائيا على قطاع الفن السينمائي، بشكل أربك وعطّل الكثير من التقاليد التي كانت سائدة آنذاك وغيّرت في الغضون ليس نمط المشاهدة حسب، بل اختيارات المشاهدين . إذ أسهم الحجر المنزلي المطبق منذ عدة اشهر في خلق مزاج سينمائي لم يكن مسبوقا من قبل، اذ يعكس بدرجة او بأخرى مشاعر القلق والضغط النفسي الذي يعانيه عموم البشر في غير مكان من هذا العالم المأزوم.

في المقابل وكنتيجة لسياسة الحظر المفروض في العديد من البلدان انتعشت طقوس المشاهدة السينمائية المنزلية او كما يطيب للبعض وصفها بـ"المشاهدة الفردية" عبر الاقراص المدمجة او بطريقة مباشرة على شبكة الانترنت. كما اسهمت وسائل "السوشيال ميديا" التي تسيدت واقع العزلة الراهنة في إحياء نظريات وافكار عدة ذات طابع تنبؤي حول مستقبل الجنس البشري وفنائه المحتمل عبر التعرض لأوبئة فتاكة او حروب نووية او مؤامرات عدوانية ما، وكلها تصورات نمطية روجتها سينما هوليود في افلام شهيرة عدة على مدى السنوات الماضية. لكن ما يلاحظ هنا هو ان الجمهور في حجره الالزامي الراهن اصبح مرغما على البحث عن اجابات لأسئلة مقلقة ومحيرة، حتى بات البعض اكثر انحيازا لتقبل الكثير من الافكار المروعة والخرافات التي دشنتها افلام الكوارث والخيال والديستوبيا التي لم تكن تؤخذ بجدية كافية سابقا باعتبارها مادة للترفيه والاثارة ليس إلا.

 

السينما تستشرف مستقبلنا

تؤشر بعض منصات البث الالكتروني ومواقع بيع ومشاهدة الافلام الاكثر رواجا في العالم ومن بينها موقع "امازون" تزايد الطلب على أفلام بعينها تصنف ضمن فئة الكوارث والخيال والعلمي والفنتازيا وما شابه ذلك، والكثير منها افلام متواضعة المستوى، ان لم تكن تجارية في منحاها وبنائها.

من هنا أعيد الاعتبار لأفلام سينمائية قاربت حكايتها وضع الوباء الذي يجتاح عالمنا اليوم، ربما من ابرزها فيلمcontagion 2011)) للمخرج "ستيفن سودربيرغ" سيناريو "سكوت ز. بيرنز" بطولة (مات ديمون وكيت وينسلوت وغوينت بالترو) والذي في سنوات عرضه الاولى لم ينل الشهرة التي واتته اليوم بعد اقبال ملايين المشاهدين على اعادة مشاهدته والتعرف على حقيقة ما يواجهونه في زمن كورونا المخيف. يعرض الفيلم المتقن في تتابع احداثه وتشابهه الكبير مع ما يحدث اليوم الكيفية التي انتقل بها فايروس خطير ومعدي من الصين الى مختلف انحاء العالم وتسببه بفزع كبير وفوضى عارمة، لا سيما مع عجز الاطباء عن مواجهة الفايروس وتسارع وتيرة الوفيات حول العالم. ربما اكثر الامور اثارة في هذا الفيلم هو تشابه الاعراض السريرية للمصابين وقضية اخفاء الحكومات للأرقام الحقيقية لضحايا الوباء، فضلا عن عدم الاستعداد لاستيعاب الاعداد الكبيرة من المصابين وتضارب الاولويات بين الدوائر الحكومية ذات القرار، لكن الفيلم رغم طابعه السوداوي يضع في نهاية الامر بارقة أمل عبر توصل العلماء الى لقاح مضاد للفايروس من شأنه انقاذ البشرية.

في السياق ذاته نالت افلام سينمائية اقل شانا وشهرة اهتماما جماهيريا مقاربا كفيلم (1995 Outbreak) اخراج الالماني "ولفانغ بيترسن" والمستند الى كتاب "ريتشارد بريستون" ويؤدي ادوار البطولة فيه كل من النجمين (داستن هوفمان ورينيه روسو). يتحدث الفيلم عن وباء يظهر في افريقيا ثم ينتقل الى الولايات المتحدة عن طريق احد قردة التجارب المختبرية. رغم انشغال الفيلم بتصوير ازدياد اعداد المصابين بالوباء والمعاناة الاليمة التي يتعرضون لها، الا انه افرد مساحة اخرى في خطابه الدرامي لاظهار الشجاعة التي يتحلى بها بعض الاشخاص في مواجهة الوباء عبر تضافر جهود قوات الجيش وفرق الاطباء الذي شكلوا خلية ازمة لمكافحة الوباء والحد من انتشاره وتأثيراته المعدية.

ليس بعيدا عن ذلك تناول فيلم (2007 I Am Legend ) للمخرج "فرانسيس لورانس" بطولة النجم "ويل سميث" والذي يصنف ضمن ما يعرف بأفلام الزومبي قضية مشابهة تتمثل في وقوع خطأ غير مقصود في احدى المختبرات السرية يتسبب في انتشار فايروس معدي يحول جموع البشر المصابين الى مسوخ خطيرة. وسبق للرواية التي استند اليها الفيلم ان عولجت في فيلمين سينمائيين هما:( آخر رجل على الارض 1964) و( رجل اوميغا 1971).

ومن وحي وباء كورونا قدم المخرج الامريكي "تشارلز باند" فيلمه السينمائي (Corona Zombie 2020) وهو من نمط افلام الرعب الممزوج بالفكاهة، حيث تمتزج حكاية الفيلم البسيطة مع روح السخرية من هيمنة موضوع الوباء على وسائل الاعلام وتصدره اهتمامات الناس بشكل مبالغ فيه. لذا يحاول المخرج تمرير دعابة قد يجدها البعض طريفة في زمن غابت عنه روح الفكاهة وسط اخبار الموت المتكرر. يعرض الفيلم حكاية درامية نمطية عن امرأة تواجه مجموعة من المصابين بفايروس COVID-19 وقد تحولوا بفعل الاصابة الى زومبي خطير. انه فاصل ترويحي عن صدمة الوباء الذي اجتاح العالم وتسبب بتعطيل حياة الناس في العالم اجمع.

وطوال السنوات الماضية لم تتوقف عجلة السينما عن انتاج افلام متفاوتة المستوى-وجلها تجاري- حول موضوع نهاية العالم بفعل الكوارث والاوبئة ومواجهة المصاعب والاخطار سواء كانت مجهولة او معلومة كما في احداث فيلم التشويق( bird box 2018 )الذي تحاول فيه امرأة ذات عزيمة "الممثلة ساندرا بولولك" انقاذ طفليها من حالات انتحار جماعي غير مفهومة تجتاح المدن الامريكية بسبب رؤية مخلوقات غريبة وشرسة، الامر الذي يضطر الام لعصب عينيها في محاولة للنجاة بطفيلها وسط مغامرة مجنونة.

يمكننا القول هنا ان الجمهور المتحمس لمشاهدة هذا النوع من الافلام - وقد باتت ارثا سينمائيا كبيرا- ينشد فيما ينشد فك الغموض المحايث لهذه الصورة السينمائية القاتمة عما ينتظر البشرية واستشراف ما يخبؤوه لنا المستقبل، وكأن الانسان اليوم غادر واقعه الفعلي نحو آخر افتراضي يسعى من خلاله الى تلمس اجابات شافية حول ما ينتظرنا في قادم الايام.

 

كلاسيكيات سينمائية أشد تحذيرا

على ذات الوتيرة التي عرفناها في افلام سابقة، يتعرض لص هارب الى عدوى فايروسية جراء الاحتكاك بمواد كيمائية في مختبر سري لتطوير الفايروسات يشرف عليه البنتاغون على ارض سويسرية محايدة حيث مقر منظمة الصحة العالمية!

ليس امام اللص الهارب سوى الاختباء في قطار يعبر عددا من عواصم القارة الاوربية من جنيف الى ستوكهولم قبل ان يغيّر مساره الى بولندا بأوامر من الجنرال ماكينزي  المشرف على عملية حصر الوباء(الممثل برت لانكستر) ليسير القطار بمعية ركابه الالف نحو مصيره المأساوي الذي ينتهي عند معبر كاسندرا في مدينة يانوف.

بعيدا عن الجوانب الدراماتيكية المتعلقة بأسباب تفشي الفايروسات وانتشارها، تبدو بعض التصورات التي طرحتها كلاسيكيات افلام الكوارث الوبائية (من بينها فيلم تقاطع كاسندار) متناغمة الى حد كبير مع ما يحصل في عالم اليوم، على الاقل من ناحية اعراض المرض الذي يسببه الفايروس، وهي اجمالا الاعراض ذاتها التي يعانيها المصاب، وكأن جميع الفايروسات صممت لاستهداف الجهاز التنفسي والمناعي للإنسان، فالأخير هو بوابة حياة البشر وسر بقائهم. يضم فيلم "تقاطع كاسندرا" للمخرج جورج كوزماتوس حشدا من النجوم: صوفيا لورين، ريتشارد هاريس، برت لانكستر، مارتن شين، آفا غاردنر. وهو انتاج مشترك(امريكي بريطاني ايطالي الماني).

لكن في المقابل فان المحنة الوبائية الحالية بما اثارته من مخاوف جدية حول مستقبل الوجود البشري دفعتنا الى اعادة تأمل مضامين بعض الافلام السينمائية الجادة التي قدمت قبل عقود تصورات تنبؤية مختلفة عن المستقبل البشري وتحدياته المحتملة.

في العام 1973 أثار فلم (soylent green) للمخرج ريتشارد فلايشر المأخوذ عن رواية «افسح افسح» لهاري هاريسون ردود أفعال متباينة إزاء الرؤية التشاؤمية التي قدمها عن مستقبل ينتظر البشر عام (2022) وهي السنة التي اختارها الفلم إطارًا زمنيًا لأحداثه. في الفلم ثمة عالم كئيب يخلو من مظاهر الحياة، الناس فيه تعمل بكد من أجل تأمين الحد الأدنى من المعيشة تحت وطأة مجاعة مقننة تشرف على إدارتها شركات احتكارية تقتر على الأهالي وجبة الغذاء الوحيدة المسماة «سويلنت غرين» التي نكتشف لاحقًا أنها ليست أكثر من إعادة تدوير لجثث البشر الذين يلقون حتفهم. قبل إطلاق فلم فلايشر بثلاثة أعوام قدّم المخرج روبرت وايز فلمه الموسوم «سلالة أندروميدا» عن رواية للكاتب الشهير «مايكل كريتون» صدرت عام 1969 وناقشت إمكانية الحياة خارج الأرض ومخاطر التمدد التكنولوجي للآلات على حياة البشر الذين يتمادون في تقدير نتائج تجاربهم العلمية. حقق الفلم في حينها نجاحًا تجاريًّا كبيرًا واعتبر أحد الأفلام الأميركية الرائدة في مجال استخدام الحاسوب لتصميم المؤثرات البصرية وإنتاجها.

 
 
 
 
 
 
 

افلام الديستوبيا: عناصر درامية شبه ثابتة

الملاحظ هنا ان الافلام ذات الطابع التجاري في هذا النوع السينمائي الخيالي تشتغل على عناصر درامية وفنية مكررة مع قدر من التشويق والاثارة المبالغ فيهما احيانا. ومن ابرز تلك العناصر التي تحفل بها هذه الافلام:  

·    مختبرات علمية شديدة السرية لتطوير فايروسات او امراض معدية تديرها اجهزة عسكرية او مخابراتية (امريكية في الغالب). وقد تجرى في هذه المختبرات تجارب هندسة وراثية بهدف صنع مخلوق هجين وغريب، فضلا عن العمل على بحوث سرية حول كائنات فضائية يتم فحصها في (Area 51 ) التي يتكرر ذكرها في العديد من الافلام.

·    حدث ما طارئ يلحق ضرارا مقصودا او غير مقصود بالمختبر السري، تفر على اثره بعض الحيوانات او الكائنات الغريبة المتوحشة وتتسبب تاليا بإصابة اشخاص معينين بعدوى امراض فايروسية او وبائية خطيرة.

·    لكي يصل الصراع الى ذروته ستخرج الامور عن السيطرة تدريجيا. تتفاقم الازمة، ولن يعود ممكنا بعد التستر على حقيقة ما حصل. يتدخل الاعلام لصالح اظهار الحقيقة احيانا وكشف ما تم التستر عليه من قبل جهات حكومية او اشخاص ذوي نفوذ.

·    يقتل بعض العاملين في المختبر السري خلال محاولتهم الافصاح عن حقيقة التجارب غير المشروعة التي كانوا يجرونها، وهنا يمكن ان تتدخل اطراف مستقلة، علماء او محامين او اعضاء في منظمات انسانية معينة في محاولة لتصحيح المسار وكشف الحقائق الخطيرة امام الناس.

·    في النسخ الامريكية غالبا ما توجد شخصية خيّرة وسط عالم من الاشرار، تقف بوجه المتسببين بهذه الكارثة وتنقذ ما يمكن انقاذه ( في الغالب لا تموت هذه الشخصية الهوليودية لكسب تعاطف الجمهور وتمجيد صورة البطل الامريكي الخيّر)

·    في هذا النمط من الافلام ستكون النهايات متفاوتة بحسب المسار الدرامي للفيلم ورؤية كل مخرج: ثمة نهاية كارثية تصيب ملايين البشر وتغير شكل العالم مثل فيلم ( 2009- The Road)عن رواية كورماك مكارثي . ديستوبيا عدمية تصور دمار الحياة البشرية مع جرعة امل طفيف عن نشوء حياة مستقبلية اخرى تمثل وعد الانسان الجديد مثل فيلم (THX- 1138) 1971 للمخرج جورج لوكاس، انتاج فرانسيس فورد كوبولا. وهذا الفيلم الذي كتبه لوكاس مع زميله والتر مارش يعد تحفة بصرية يمكن إعادة قراءتها مرارا وفي زمن لاحق ايضا بوصفها ميثولوجيا معاصرة ذات دلالة تمزج كل عناصر الإدهاش والتشويق والترميز، لتصبح ديستوبيا (Dystopia) سينمائية عن زمن قادم، فاسد ومخيف.

·    قد يكتفي الفيلم احيانا بوقوع اصابات جزئية في اماكن محدودة يموت من جرائها آلاف الناس فتتعظ المجموعة الناجية من قسوة تجربتها المريرة مع الوباء او الكارثة بما يشير الى مغزى اخلاقي او ديني او اسطوري مثل (فيلم 2012) انتاج 2009 للمخرج رولاند ايمريش.

·    رسائل انسانية ضمنية تفيد ان ثمة أمل ما بنجاة الجنس البشري اذا ما غير الانسان من سلوكه العدواني واخلاقياته النفعية في ادارة هذا الكوكب الصغير واتباع حكم انساني رشيد يحتفي بالحياة ويبغض الشر.

 

كان الادب عبر عقود طويلة ملهما اساسيا لهذا النمط من الافلام الخيالية وسببا مباشرا في توسيع آفاقها ورؤاها، ورغم انحيازها لإثارة حواس المشاهد فان هذه الافلام درجت على ان تمزج بين عناصر متنافرة ومتباينة جدا في الزمان والمكان لتعيد صياغتها في اشكال وصور غير مألوفة، الا ان جوهر قصصها يظل متجذرا في الكثير من عقائد البشر وثقافاتهم. انها كناية سينمائية عن مصائر محتملة للإنسان في شرطه الوجودي والروحي.

لكن يبقى السؤال الاهم هاهنا الى اي حد يشبه مسار حياتنا كبشر واقعيين المسارات الدرامية المحذرة التي اقترحتها تلك الافلام الخيالية؟

سينماتك في ـ  14 يناير 2021

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004