خاص بـ«سينماتك»

 

من الرعب سبعة ألوان.. من كل لون سبعة أفلام

[4] الرعب الخوارقي

بقلم: رايفين فرجاني/ خاص بـ«سينماتك»

 
 
 
 
 
 
 

تعد أفلام الرعب من الأكثر إنتاجا في آلة السينما العملاقة,لدرجة تجعل من الصعب حصر الأفضل في قائمة الـ 100 فيلم, أو حتى الـ 200 فيلم. إلا أني حاليا سأكتفي بفتح علبة الألوان الخاصة بسينما الرعب وسحب 7 أفلام من كل لون في سلسلة مقالات أرجو أن تعجب عشاق السينما عامة وعشاق الرعب خاصة,فإن كنت تبحث عن المزيد من أفلام الرعب التي لم تشاهدها بعد فأعتقد أنك حتما لم تشاهد كل الأفلام التي سأقدمها لك.

وقدمت من العلبة حتى الآن أربعة ألوان

1-الرعب الشيطاني

2-الرعب القوطي

3-الرعب النفسي

4-الرعب الخوارقي

وهو المقدم في المقال بين يديك الآن.

 

الرعب الخوارقي هو كل ما يصور الماورائيات أو ما فوق الطبيعة أو الخارق للعادة,وذلك يتجسد غالبا -تحت مسمى النوع السينمائي- في كيانات غير مادية على صورتين؛الأولى هي الأرواح بتصاويرها المختلفة والثانية هي الظواهر الخارقة.

وتحت مسمى النوع السينمائي هو نوع يشكل نطاق واسع من الرعب الذي يحمل عناصر خوارقية لكن دون التطابق مع أنواع أخرى مثل الرعب الوحشي والشيطاني والقوطي وحتى الممتزج بالخيال العلمي. هو رعب يحمل عناصر خوارقية لا تشمل مثلا الشياطين أو الوحوش ولا حتى السحر. إلا أنها قد تتقاطع مع الأنواع التي تشملها وقد تتناولها في أعمالها. ولكن يبقى التركيز على مخلوقات مثل الأشباح والظواهر الغامضة. ومثل الرعب الدموي سوف نعني هنا بالرعب الخوارقي الذي يركز على التلقي النفسي لشخصياته البشرية أثناء تعرضها لهذه الخوارق.

 

[1] البريق

ــــــــــــــــــــــ

كاتب يعاني من سدة الكاتب,أي أنه لا يجد ما يكتبه,يذهب في رحلة مع زوجته وطفلهما للمبيت في فندق معزول وسط الجليد,في محاولة لتنشيط ملكته الإبداعية,ولتخفيف الضغوطات النفسية التي تمر بها العائلة الصغيرة.

تحفة الكاتب ستيفن كينج والمخرج ستانلي كوبريك والتي دار حولها نزاع أيهما قدم العمل أفضل؛الرواية أم الفيلم؟. وبعيدا عن هذا النزاع يبقى البريق عملا فريدا في أدب الرعب وفي سينما الرعب.

ستيفن كينج معروف بنمط من الشخصيات في قصصه التي تتقلد وظيفة الكاتب,مجسدا من خلالها معاناة الكتابة,محولا إياها إلى كوابيس بمخيلة لا تنضب. وكابوس الكاتب هنا هو سدة الكتابة -في قصة بؤس يقع الكاتب ضحية ما كتب,وتمثلت معاناتها في أنه يكتب,على عكس الكاتب هنا الذي يعاني لأنه لا يكتب- ومع جريان الأحداث يعرض الفيلم تحول البطل من كاتب يمر بأزمة نفسية إلى زوج تنتابه نوبة جنونية تطيح بعقله تماما. وتظهر بداية التحول في المشهد الشهير لما تكتشف الزوجة أن كل المكتوب في ورق الكتابة هو "جاك يصبح بليد عندما لا يجد ما يكتبه"

ونهاية التحول تتجلى في المشهد الأيقوني للزوج وهو يطارد زوجته وقد حاصرها وابنها ليشق الباب بالفأس -والفأس يحمل رمزيات هامة في أفلام الرعب- ويدخل رأسه راسما على وجهه أعتى علامات الجنون,في أداء مثالي من الممثل العظيم والمجنون جاك نيكلسون.

الفيلم قائم بأكمله على وتيرة معينة من التوتر والضغط النفسي على المشاهد,لا تتصاعد إلا في نهاية العمل,إلا أنه تظل في جريان ثابت من الضغط الثقيل. وكان الفيلم ليصنف نفسي بامتياز لولا أنه أسرف في عرض المظاهر الخارقة,كما أنه صرح بالحضور الخارق في مشهد فتح الباب لجاك الحبيس بواسطة قوى شبحية.

 

[2] نشاط خارق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

كاميرات منزلية ترصد ما يحدث في البيت ليلا بعد أن ينام سكانه,وآثار ذلك على القاطنين في المنزل لاحقا.

هناك أنواع معينة من أفلام الرعب والتشويق لا يمكن الخوض فيها إلا إذا كان المخرج بارعا ليخرج لنا تجارب سينمائية ممتعة بحق,وإلا كان الفش مصيره ولا وسط بين الإثنين. لا يوجد فيلما ناجحا,بل فيلم ممتاز إذا ما نجح في استثمار الفكرة وأسلوب السرد وتوظيفها جيدة لخدمة عمله. الفكرة جيدة رغم بساطتها وبناءها على تيمة الأشباح أو الظواهر الخارقة المعتادة في سينما الرعب. أما عن التوظيف وأذكر نوعين معينين؛الأول هو أفلام المكان الواحد. والثاني هي الأفلام التي تصور من قبل كاميرا شخصيات العمل نفسه. ويتابع المشاهد أغلب الأحداث أو كلها من عين هذه الكاميرا. وهي الحالة المتمثلة في فيلمنا هذا. المشكلة الكبرى في الأولى (أي المكان الواحد) هي تحدي الملل. والمشكلة الكبرى هنا هي منطقية  نقل الأحداث من خلال الكاميرا التي يحملها عادة إحدى الشخصيات الواقع عليها المصير المشؤوم,أو على الأقل يطالها الضرر بشكل أو بآخر. ما يدعوا المشاهد للتساؤل عن جدوى الاحتفاظ والتمسك بالكاميرا إلى حد الاستماتة لتصوير ما يجري لهم. تجاوز صناع العمل هذه المشكلة من خلال خيار كاميرات المراقبة المنزلية. كاميرات لا يحملها أحد. ويظل المشاهد ينتقل من تنقل الصور والأحداث من كاميرا إلى أخرى. وكل الأحداث تحصل في مكان واحد هو بيت أبطال العمل. أي أن الفيلم يوفي بمتطلبات أفلام المكان الواحد وأفلام تسجيلات الكاميرا. وهو يتخطى في تسجيل الكاميرا أي حج لتوثيق الحدث أو آخر وسلة للتعبير أو غيره كما في الأفلام الأخرى. فما يحدث أمام الكاميرا ليلا لا تدري الشخصيات شيئا عنه. ويظل المشاهد في ترقب وتصاعد مستمر للتوتر الناتج عن تساؤل ماذا سيحدث الآن؟. خاصة وأن هناك زوايا في المنزل لا تطالها الكاميرا ليصبح المشاهد مثل الشخصيات جاهلا بما يجري,في تدمير للأعصاب.

 

[3] الآخرون

ـــــــــــــــــــــــ

عائلة صغيرة تعيش بقصر في منطقة نائية,ومعاناة الأم في حماية طفليها المريضان أثناء انتظار عودة زوجها من الحرب,ولكن في الأمر أكثر من ذلك.

بينما تحمي الأم أطفالها من خطر الشمس التي تضر بصحة طفليها المصابين بمرض يجعلهما يعيشان في الظلمات,في الليل وفي النهار,ومحرومان من رؤية الشروق أو الغروب وغيرها من جماليات الحياة التي تسلط الشمس عليها ضوءها. وفي عذاب انتظار رجوع الزوج من الحرب كأنهم في انتظار جودو الذي لا يأتي,وبالفعل الزوج لا يرجع. ومع كل هذه الضغوط العاصرة,وشبح الحرب المغيمة بسحبها في الأفق,والتي تسترجع إلى ذهني قصص ممتازة ومتشابهة في حبكتها وسوداويتها,مثل متاهة بان,والعمود الفقري للشيطان. في ظل كل هذا "المرار الطافح" يزيد الأمر سوءا بحصار الأشباح للأم وطفليها في قصرهما الكبير,الذي يضيق عليهما أكثر فأكثر. وبطريقة تجعل المشاهد يضيق بهذه الأجواء والظروف حتى أنه قد لا يتحمل مشاهد الفيلم مرتين متتاليين. وصولا إلى نهاية مروعة تعد واحدة من أقوى النهايات الصادمة في تاريخ السينما. وهي نهاية تتجلى في اسم الفيلم الموحي بشدة "الآخرون" في دلالة على الأشباح التي تقبع في العالم الآخر من الموت.

يتشابه الآخرون مع الحاسة السادسة في الفكرة الفريدة والنهاية الصادمة إلى حد يتقارب من التطابق إلا أن زوايا الرؤية مختلفة في التناول ولكن تماثل في العبقرية. وهو فيلم إسباني يقدم لنا من خلاله المخرج الموهوب أليخاندرو آمينابار معالجة مختلفة لرواية دورة اللولب. والفيلم يعد أقوى اقتباس سينمائي للرواية بالتوازي مع فيلم الأبرياء,اللذي احتسبته ضمن أفلام الرعب الشيطاني وكان يجدر ذكره هنا أو هناك. وربما يكون الآخرون تاليا عليه,حيث أعده أنا ثاني أقوى عمل جسد لنا الرواية على الشاشة. والإسمين مخيفين,الآخرون والأبرياء. بسيناريو فريد متناسق مع الإخراج جاعلا من الفيلم تحفة كلاسيكية في الرعب النفسي والخوارقي وعالم الأشباح,خاصة ونهايته التي نكرر أنها تعد من أقوى خواتيم الأفلام في تاريخ السينما.

 

[4] كاري

ــــــــــــــــــــ

مراهقة انطوائية تتعرض للإهانة والمعاملة القاسية من أمها في البيت,ومن زميلاتها في المدرسة,ما يزيد إنغلاقها على نفسها ثم تفجر غضبها في النهاية.

تفريغ غضبها توازى مع تفريغ قواها الخارقة في نتيجة حتمية لمعادلة شكلت الفصول الثلاثة للفيلم الذي كان وفيا في نقله لفصول الرواية. والفصول هي فصل القوى زائد فصل المعاناة ينتج عنهما فصل الدمار في نهاية الفيلم. وهو فصل تتوسطه اففتاحية الدماء -الفيلم يفتتح بدماء الحيض ويختم بدماء الخنزير وبالطبع دماء البشر- التي كانت سببا في الخراب والموت اللذي وقع على مبنى وكل الطلاب المحتفلين فيه. أثناء عرض الدمار والأشياء الخارقة التي تتطاير عليهم معلنة عن حضور قوى فوقة,لم يتم التصريح أمام الضحايا إن كان ما يحدث لهم بفعل فاعل أو بأثر حادث أم بقوى خارقة. الفيلم من إخراج العظيم برايان دي بالما وفي إعادة يقوم ديفيد كارسون بتقديم كاري مرة أخرى في فيلمه بنفس الإسم عام 2002 وهو أهم فيلم في مسيرته,وربما الفيلم الوحيد الجيد. والإعادة ممتازة تتنافس بقوة مع النسخة الأولى,لكن لا تتفوق عليها,وأداء رائع من أنجيلا بيتس والتي خلدت اسمها في سينما الرعب بأدوارها المتعددة بأفلام الرعب وعلى رأسها تجسيدها لشخصية ماي وكاري في نفس العام بأفلام بنفس الإسم وشخصيات نسائية مرعبة. في مقابل التجسيد الكلاسيكي لـ سيسي سبيسك لشخصية كاري في فيلم 1976. ويجعل الضحايا تعرف حقيقة ما وقعوا فيه. وفي إعادة فاشلة لعام 2013 بنفس الإسم لمخرجة فاشة هي كيمبرلي بيرس التي حاولت إعادة إحياء الشخصية في معالجة سيئة أضافت لها تغييرات بلا داعي,أو لم تقدم جيدا,مثل اختيار الفاتنة كلوي موريتز التي برغم براعتها في التمثيل لم تنجح في تلبس الشخصية, وإضافة حيل ساخرة جديدة في كاري وحركات عبثية تقوم بها كاري أثناء تنفيذ انتقامها, ومعرفة الضحايا بحقيقة قواها.

 

[5] الحلقة

ــــــــــــــــــــــــ

فيلم غامض كل من يشاهده يموت.

فكرة عبقرية لفيلم عبقري بنسخه اليابانية ثم الأمريكية. ونفرد له مساحة في مقالات أخرى.

 

[6] الحاسة السادسة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طفل يرى الموتى,وقدرته تلك تؤدي به إلى الغرق في مستنقع من المشاكل النفسية الحادة ومحاولات طبيبه للعثور على مفتاح علاجه.

نقاط القوة في السيناريو

لا يوجد تدخل خوارقي واضح أو ملموس لأشباح الموتى عدا إمكانية تواصلهم مع الفتى.

حالة الإنغلاق الذهنية بكل الأبطال

تحي القصة عن العلاقة بين طفل انطوائي يعاني من رؤيته لأشباح الموتى وطبيبه المعالج له في سيناريو فريد ومحكم,وأداء متميز لبروس ويليس.

رائعة إم.نايت شيامالان الهائلة التي جعلت منه أيقونة في سينما الرعب النفسي.

الفيلم هو أقوي فيلم رعب نفسي ويحتل مرتبة في أفضل عشرة أفلام رعب وفي أعظم الأفلام في التاريخ,وتعد نهايته هي أقوي نهاية صادمة في تاريخ السينما.

 

[7] كابوس في شارع إلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجنون يستهدف الأطفال لتعذيبهم ويقوم الأهالي بحرقه حيا فيرجع كشبح لينتقم من أطفالهم بعد أن كبروا.

هذا الفيلم وعلى خلاف أفلام القتلة المتسلسلين الخارقين التي اشتهرت في العقود الثلاثة من السبعينات إلى التسعينات يقدم تفسيرا لخوارقية القاتل. فهو ببساطة شبح. بالإضافة إلى تحور مختلف ورؤية مغايرة في مسيرة الأشباح بسينما الرعب. وهو أن الشبح مثل الجاثوم مقيد بعالم الأحلام. حيث يكون عالمه هناك ويتاح له سلطة مطلقة في التعذيب. ولأن الوقت له قوانينه الخاصة في عالم الأحلام تمتد الكوابيس إلى ما لا نهاية قبل قتل الضحايا. ومهما كنت محاطا بصحبة وتشعر أنك في مأمن أو لديك حماية,يستفرد بك فريدي كروجر عازلا إياك عن العالم كله. دموية مفرطة كان ينقصها المزج مع السريالية باعتبارها السمة الأولى في الأحلام. الفيلم جسد ببراعاة معاناة أن يصيبك نعاس,فلو نمت لن تستيقظ ثانية. نفس الرعب الذي حاول كليف تونج Clive Tonge تقديمه في فيلم مارا Mara 2018 فلم ينجح.

جميع الأفلام في هذه القائمة عدا كاري تتحدث عن الأشباح؛فندق مسكون بالأشباح في البريق,بيت مسكون بالأشباح في نشاط خارق,وهو أمر متكرر بشكل أكثر سوداوية في الآخرون,وشبح تسكن داخل فيلم في الحلقة,وطفل يرى الأشباح في الحاسة السادسة,وأخيرا شبح قاتل متسلسل يعود لينتقم من أطفال قاتليه عبر كوابيسهم في كابوس في شارع إلم.

واستطيع المواصلة في عرض أفلام الرعب الجيدة في تناولها لعالم الأشباح,مثل عائلة تطاردها الأشباح في أشباح شريرة (أرواح شريرة) أو حتى بلفظة المفرد روح شريرة حسب الترجمة. أو بشكل أكثر غرائبية شبح الموت في نهاية حتمية,وهو شبح يتكرر في فيلم إنه يتبع. إلا أنها أشباح تنتمي إلى مستوى أعلى مع الكيانات الكبرى. أو حتى فيلم الإشارات,وهو أكثر فيلم أردت ذكره للتنويع على تيمة الأشباح التي لا يتخلى عن أجواءها في تناول علمي لظاهرة دوائر الحقول وعلاقتها بالمخلوقات الفضائية. وهناك ظاهرة السحر في الموت الصامت وفي تشاكي. أي أن الرعب الخوارقي لا ينحصر على تناول ظاهرة الأشباح التي تستحق قائمة منفصلة بأفلامها.

سينماتك في ـ  30 ديسمبر 2020

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004