أمين صالح

 
جديدكتب في السينماالأيامالوطنسوليوودالقديم.. الجديدملفات خاصة
 

موقع سوليوود

الكاميرا بوصفها عينًا بشرية

أمين صالح

 
 

الكاميرا آلة جامدة ومحايدة تذعن لمن يحرّكها. وهي إما تكون راصدة، أو أداة تسجيل لما يحدث، أو مشاركة في الفعل. وفي كل الأحوال، هي أداة للتعبير عن رؤية المخرج الخاصة والذاتية للعالم.

في الفن التشكيلي، كل فنان يستخدم الفرشاة ذاتها والألوان ذاتها، لكن لا أحد يرسم اللوحة ذاتها. وبالمثل، هناك الكاميرا والعدسات والمواد الخام ذاتها. لكن لكل مخرج أسلوبه وفهمه المختلف عن الآخر في تحريك الكاميرا وتكوين اللقطات من أجل إحداث التأثير الدرامي الذي يريده، وهذا الأسلوب نابع بالضرورة من رؤية فنية وموقف فكري وإحساس جمالي. ليس ثمة نظام أو قانون خاص ومحدد يتبنّاه أو يتبعه المخرج في تصويره للقطات، أو في تحريكه للكاميرا، أو في التنسيق والتركيب أثناء عملية المونتاج.

بنية المشهد وخاصيته وجوّه وإيقاعه وعلاقته بالمشاهد الأخرى، هي التي توجّه حركة الكاميرا وتحدد وظيفتها وغايتها. المخرج لا يبدأ فيلمه بوضع الكاميرا على نحو اعتباطي، بل يتعيّن عليه أن يفكر في كل لقطة، في ما يتعلق بكليّة أو شمولية الفيلم، وكيف أن مشهدًا سوف يتقاطع مع آخر. إخراج فيلم لا يعني وضع لقطةٍ بعد أخرى اعتمادًا على ما يبدو جيدًا في تلك اللحظة.

لقد أدرك المخرجون الإمكانيات الرائعة للكاميرا، وسحرها الكامن في القدرة على إعادة اختراع العالم من حولنا. يقول إنغمار بيرغمان: «إني أتعامل مع آلة حساسة للغاية، هي الكاميرا، إلى حد أن بالإمكان استخدامها لإضاءة النفس البشرية بضوء أكثر اختراقًا، وكشف جوانبها بحدّة وعنف. وبها يمكن أن نضيف إلى حقل معرفتنا ميادين جديدة، ولربما استطعنا أن نكتشف شقًا يتيح لنا أن ننفذ إلى نطاق الغسق الكامن فوق الواقع».

البعض يصف الكاميرا بأنها عين بشرية.. بالتالي هي شهوانية. إنها لا تعكس جغرافية المكان فحسب، لا تصف الأشياء وتؤكدها فحسب، لا تتحرك مع الشخصيات وتنتقل من موقع إلى آخر فحسب، بل إنها أيضًا – عندما يديرها فنان مبدع – تصبح أداة تعبيرية تنفذ إلى ديناميكية حواس المتفرج، وتحقّق التماهي مع العالم الداخلي المتحرك للشخصيات، وهي بذلك تخلق حالة من التفاعل والمشاركة التي تفضي إلى تأثير معيّن، وتستثير عاطفةً أو شعورًا. كما أنها، كما يقول بيرغمان «تسجل الفعل الباطني للخلق».

قد تعبّر الكاميرا عن وجهة نظر الشخصية، أو المتفرج، أو الكاميرا نفسها. التغييرات أو التعديلات في المنظور يمكن إنجازها، أو إحرازها عن طريق تحريك الكاميرا.. مع هذه الحركة تتغير وجهة نظر المتفرج، في ما يتعلق بالشيء المرصود، ولا تعود ثابتة.

موقع "سوليوود" في

13.09.2023

سينماتك في ـ  20 سبتمبر 2023

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004