أمين صالح

 
جديد أمينكتب في السينماجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة
 

جريدة الوطن البحرينية

 حوار مع عباس كيا رستمي(1-2)

السينمـا بوصفهــا شعــراً

ترجمة : أمين صالح

( نص الحوار الذي أجراه ديفيد ستيريت، و نشر في المجلة السينمائية الأمريكية Film Comment - عدد يوليو/أغسطس 2000

·     بما أنك في سان فرانسيسكو لتسلم جائزة أكيرا كوروساوا عن مجمل نتاجاتك السينمائية، هل تشعر بقرابة شخصية وخاصة مع أفلام كوروساوا؟

- لا. لكنني أعتقد أن كل مخرج ذي أسلوب خاص بوسعه أن يستمتع بأفلام يحققها مخرجون ذوو أساليب مختلفة تماما. على سبيل المثال، أحد الأفلام التي أحبها وأستمتع بها حقاً هو فيلم ''الأب الروحي''، رغم أن البعض قد يشعر بالصدمة أو الدهشة عندما يسمع ذلك مني.. مع أن هذا هو جمال السينما.

·     هل لا يزال من المناسب الحديث عن سينما وطنية اليوم، أم أن الفيلم أصبح ذا صبغة عالمية، ولم يعد (ينسجم مع) مثل هذا التصنيف؟

- لكل فيلم هوية خاصة أو شهادة ميلاد خاصة به. الفيلم هو عن الكائنات البشرية، عن الإنسانية. كل الشعوب المختلفة في العالم، على الرغم من اختلافاتها في المظهر والدين واللغة وأسلوب الحياة، لا يزال لديها شيء واحد مشترك، وذلك هو ما يوجد بداخل كل فرد منا. لو صورنا بالأشعة السينية دواخل أو أحشاء كائنات بشرية مختلفة، فسوف لن نكون قادرين، انطلاقاً من تلك الأشعة السينية، على تقرير وتأكيد لغة أو خلفية أو جنس كل فرد. دمنا يدور بالطريقة و الدقة ذاتها كما الحال مع أي فرد آخر، جهازنا العصبي و أعيننا تعمل بالطريقة ذاتها، نضحك ونبكي بالطريقة ذاتها، نشعر بالألم بالطريقة ذاتها. الأسنان التي توجد في أفواهنا جميعا، أياً كانت جنسيتنا أو خلفيتنا، تتوجع بالطريقة ذاتها تماما.

ولو أننا أردنا أن نقسم السينما وموضوعات السينما، فإن الوسيلة لفعل ذلك هو أن نتحدث عن الألم وعن السعادة.. هذه هي أمور مشتركة بين كل الأقطار.

·     في أحوال كثيرة، أفلامك لا تزودنا بمعلومات كاملة عن الشخصيات أو القصة. ولقد صرحت ذات مرّة بأن السبب يكمن في أن المتفرج هو طرف في العملية الإبداعية. وأن من واجبنا أن نفهم المادة وندرك المراد منها، وكل فرد منا سوف يفعل ذلك على نحو مختلف. كيف لهذه الفكرة- كل فرد يتوصل إلى فهمه الخاص للفيلم- أن تتناغم مع فكرة أننا جميعاً متشابهون جوهريا، بما أننا نتقاسم خاصيات إنسانية مشتركة؟

-  هذا سؤال صعب. الناس لديهم أفكار مختلفة، لكن أمنيتي هي أن لا يسعى كل المتفرجين إلى إكمال الفيلم في أذهانهم بالطريقة نفسها، مثل أحجية الكلمات المتقاطعة التي تبدو كلها متشابهة، لا يهم من يحلها. وحتى لو كانت محلولة على نحو خاطئ، فإن نوعية أفلامي تظل ''صحيحة'' أو مخلصة لقيمتها الأصلية. أنا لا أترك الفضاءات فارغة لمجرد أن يكون لدى الآخرين شيئاً ناقصاً يكملونه. إني أتركها فارغة من أجل أن يتمكن الآخرون من ملء هذه المساحات وفقا للكيفية التي بها يفكرون وحسب ما يريدون هم.

في رأيي، التعبير التجريدي الذي نقبله ونقرّ به في أشكال فنية أخرى- كالرسم والنحت والموسيقى والشعر- يمكن أيضا قبوله في السينما. إني أشعر بأن السينما هي الفن السابع، و من المفترض أن يكون الفن الأكثر اكتمالاً بما أنها تضم الفنون الأخرى. لكنها أصبحت مجرد مجال لرواية القصص، بدلاً من أن تكون الفن الذي ينبغي أن تكونه حقا.

·     هناك عدد من المخرجين الذين يؤمنون بما تقوله الآن ويواصلون تحقيق أفلام لا تروي قصصا.. والتي هي حقاً تجريدية، ذات شكل ولون وحركة.. لكن بدون صور تنقل قصة ما.. هل مثل هذه الطريقة تثير اهتمامك؟

-  كل فيلم ينبغي أن يحتوي على نوع من القص أو السرد. لكن الأمر الهام هو كيفية سرد القصة.

ينبغي أن يكون السرد شعريا، وينبغي أن يكون قابلاً للرؤية بطرق مختلفة. لقد شاهدت أفلاماً لم تكن تحمل أي معنى، ولم تسحرني، أثناء مشاهدتها، لكنها تحتوي على لحظات تفتح لي نافذة أطل منها على المدهش، وتلهب مخيلتي. كما أن هناك أفلاماً كثيرة لم أستطع احتمالها، وغادرت الصالة في منتصف العرض لأنني كنت أشعر بأنني أعرف مجريات العمل وكيف ستكون النهاية، كنت أشعر بأنني ممتلئ تماماً بالفيلم، ولو مكثت مكاني فترة أطول فسوف يتعرض ذلك الشعور للتخريب، لأن الفيلم سوف يستمر في إخباري بالمزيد، وسوف يرغمني على أن أصدر أحكاماً على الشخصيات وأن أميّز بين الطيب والشرير، وأتابع ما سيحدث لهم. علماً بأني أفضّل أن أنهي الفيلم بطريقتي الخاصة.

·     الكثير مما تقوله يصف كيف يعمل الشعراء أكثر من كيفية عمل الروائيين.. إنه أمر مثير للاهتمام ملاحظة أن آخر أفلامك ''الريح سوف تحملنا'' يستمد عنوانه وبعضاً من نصه من الشعر.. هل تحاول أن تتحرك إلى مدى أبعد في ذلك الاتجاه.. نحو السينما بوصفها شعراً وليس بوصفها رواية؟

- نعم. أشعر بأن السينما التي سوف تدوم لفترة أطول هي السينما الشعرية، لا السينما التي تروي قصصاً فحسب. في مكتبتي بالمنزل، الكتب التي تضم القصص والروايات تبدو جديدة تماما، لأنني لم أقرأها إلاّ مرة واحدة فقط ثم وضعتها جانبا، بينما كتب الشعر تتساقط أوراقها في كل ركن لأنني قرأتها مرارا.

الشعر، على الدوام، يفلت بعيداً عنك.. وصعب جداً الإمساك به. و في كل مرة تقرأ الشعر، سيتكوّن لديك فهم مختلف، بحسب وضعك وحالتك أثناء القراءة. في حين أن الرواية، ما أن تقرأها مرة واحدة، حتى تكون قد فهمتها. بالطبع هذا لا يشمل كل الروايات. ثمة قصص تتضمن جوهراً أو روحاً شعرية، كما أن هناك قصائد تخلو من الروح الشعرية.. أعني الشعر الذي كان يتعين علينا حفظه عن ظهر قلب في المدرسة: حوارات بين يرقانة وعنكبوت.. وشيئاً من هذا القبيل. لم يحاولوا تدريبنا وتنميتنا من خلال الشعر.

·     أحد الاختلافات بين الفيلم والقصيدة هو أن أغلب الناس يعتقدون أن مشاهدة الفيلم مرّة واحدة أو مرتين تكفي لاستيعاب وفهم الفيلم. هل ستكون هناك دوماً معضلات بشأن الوصول إلى الجمهور من خلال الشكل الشعري للسينما، بما أن الجمهور لم يتعود على مشاهدة الأفلام المرّة تلو الأخرى؟ وهل تتوقع من الناس أن يشاهدوا فيلماً معينا من أفلامك عدة مرات، أو على الأقل تأمل ذلك؟

- سأكون أنانياً جداً لو طلبت من كل شخص أن يشاهد أفلامي أكثر من مرّة واحدة. طلب شيء كهذا يعني أنني أريد أن أسوّق نفسي وأروّج لأعمالي. في الواقع، لا أستطيع أن أوضّح السبب الذي يجعلني أحقق أفلاماً بهذه الطريقة، إنها الطريقة التي أعرفها.. هكذا هو الأمر ببساطة.

أثناء عملية تحقيق الفيلم، لا أفكر في النتيجة النهائية، وما إذا يتعيّن على الجمهور أن يشاهده مرّة أو أكثر من مرّة.. كما لا أرهق نفسي في محاولة معرفة ما سيكون رد الفعل تجاه فيلمي. إني أحققه فحسب، و بعد ذلك أتعايش مع النتائج، التي بعضها قد لا تكون سارة أو مرضية بالنسبة لي. شيء واحد أعرفه: العديد من المتفرجين سوف يغادرون الصالة وهم غير راضين، لكنهم لن يقدروا أن ينسوا الفيلم. أعرف أنهم سوف يتحدثون عن الفيلم أثناء تناولهم العشاء.. و أريدهم أن يشعروا بشيء من القلق تجاه الفيلم، و أن يستمروا في محاولة العثور على شيء في الفيلم.

الوطن البحرينية في

12.07.2006

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004