أمين صالح

 
جديد أمينكتب في السينماجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة
 

جريدة الوطن البحرينية

شـــــــــــــون بـــــــــــــن (2-2)

جسارة الكشف عن الجانب المظلم من الذات

بقلم: ريتشارد كيلي   

ترجمة: أمين صالح

شون بن درس عند بيجي فيوري، أستاذة التمثيل التي كان لها أثر فعال في تنمية قدراته، وهي أيضا من أتباع مدرسة '' كل شيء ممكن توظيفه واستخدامه''. هي بدورها كانت تلميذة ستراسبرغ ثم زميلته حتى قطعت صلتها به في السبعينيات وأسست ستوديو خاصاً بها في لوس أنجلس لتدريب الممثلين، وقد تخصصت في تدريس المشهد، سواء المكتوب أو من خلال الارتجال. ومنها تعلم تلاميذها احترام النصوص الأدبية وكيفية قراءتها بدقة وأمانة. كتّاب المسرح العاملون معها كانوا بانتظام يعقدون حلقات دراسية ويقومون بتشريح وتحليل الأعمال الكلاسيكية. ومن هؤلاء تعلم شون بن أن يحب ويحترم تشيخوف. وهو في ما بعد سوف ينقل هذا الاحترام إلى كتّاب السيناريو.. وهو لن يفعل ما اعتاد مارلون براندو أن يفعله حين ينشر قصاصات من حواراته التي لم يحفظها في أرجاء الموقع ومنها يقرأ حواراته. على العكس، شون بن كان يأتي إلى الموقع حافظا ومستعداً ونصه مليء بالحواشي والتعليقات.

الشيء الذي نمّاه وطوره شون بملء اختياره وإرادته كان الشغف بالانتقال ''من الخارج إلى الداخل''، في تجسيد الشخصية، وصقل الزخارف البدنية للدور. كان شون، منذ بداياته، يجد الشخصية عبر اتباع حس باطني أو شعور حدسي بجسده أولاً، ثم يدع السيكولوجيا تملأ الحيّز، تضيف إلى الصورة مختلف التفاصيل الضرورية، موظفا في ذلك مخيلته الخصبة.

كان شون يتبع منهجاً تراكمياً خاصاً به، وليس ''المنهج'' في ذاته.

التحدي الذي واجهه شون في مستهل مسيرته السينمائية هو في كيفية جلب القواعد التي تدرب عليها ووضعها موضع التطبيق في موقع الفيلم بحيث يؤدي لحظة بلحظة وسط أجواء العمل اليومي ناقلاً الأداء عبر العدسات إلى شريط الفيلم.

في البداية سعى جاهدا للتغلب على مشكلة الصوت لديه، فصوته كان بطبيعته خفيضاً وواهنا، أو متلبداً بالانفعال.

علاقته بالمخرجين كانت مشوبة بالتوترات عادة ولأسباب مختلفة. منذ فيلم Bad Boys (1983) انتبه شون إلى مسألة الامتياز الذي يكتسبه المخرج في إعادة بناء وتشكيل أداء الممثل في غرفة المونتاج. في مرحلة لاحقة، أراد شون أن يكون هناك، في غرفة المونتاج. وأراد أيضاً أن يشاهد النسخ اليومية من التصوير قبل المونتاج.

النقطة الأساسية والحاسمة في مسيرة شون المبكرة كانت في مشاركته في فيلم The Falcon and The Snowman (1985) الذي أدى فيه دور شخص حقيقي كان يعمل في تهريب المخدرات ثم تحول إلى جاسوس يعمل لصالح السلطات السوفيتية. وقد استطاع شون أن يكوّن صداقة متينة مع الشخصية الواقعية (أندرو دولتن لي) الذي كان يقضي فترة عقوبته بالسجن. وقد اهتم شون بتغيير مظهره الجسماني عبر وسيلة بلاستيكية وتركيب طقم أسنان. أما عن عمله مع المخرج، فقد تصادم شون مراراً مع مخرج الفيلم جون شلسنجر. لكن أداءه في هذا الفيلم جاء متوهجاً ومفعماً بالحيوية.. وقد لاحظت الممثلة أنجليكا هيوستون (التي درست أيضاً عند بيجي فيوري) كيف أن شون لا يتردد ولا يحجم عن محو ذاته عند الاقتضاء، وتقول: ''منذ أداء شون في ''الصقر ورجل الثلج''، نجد تلك الخاصية التي صارت من سماته، جسارة الكشف عن الجوهر الشنيع والمروّع، والشجاعة في إبراز ذلك الجزء المظلم والمحزن من الذات.. وقد فعل ذلك مرارا.''

مع ذلك، ولأسباب عديدة، بدا أن شون بن غير قادر على التكيّف أو التعامل مع معطيات ونتائج الشهرة. إن عمله الجريء كجندي في Casualties of War (1989) وكشرطي في Colors (1988) قد تزامن عرضهما مع الحملات الإعلامية الشرسة التي شنتها ضده الصحافة (بناء على تقارير عن حياته الزوجية الفاشلة مع مادونا) متهمة إياه بالتفاهة والعنف. وقد لقي المصير نفسه من الفشل أداؤه الكوميدي في We are no Angels (1989) وأداؤه الحساس على نحو مؤثر في State of Grace (1990) . هكذا شعر بالتعب والضجر من هذا السيرك، وكما عبّر مخرج فيلم ''لسنا ملائكة'' نيل جوردان: ''ما أثر في النفس بشأن شون بن كونه ممثلا مفعما بالحيوية لكنه شعر، بطريقة أو بأخرى، بالإذلال من جراء عمله كممثل. غالباً ما تجد أن أكثر الممثلين براعة يشعرون بهذا: إنهم غير مسيطرين على موهبتهم.. وهذا أمر محبط بالنسبة لهم.''

لمدة خمس سنوات لم يشارك إلاّ بدور صغير في فيلم هزلي قصير ودور المحامي الفاسد في Carlito Way (1993)، مركزاً جهوده في الكتابة والإخراج.

انبعاثه، ولادته الجديدة، كان في دور القاتل-المغتصب المحكوم بالإعدام في Dead Man Walking (1995) من إخراج الممثل تيم روبنز، ودوره هنا يعد من أفضل أدواره.. حتى أن كل نقاط قوته ربما يمكن دراستها داخل وخارج هذا الأداء، من لغة الجسد إلى الوشم الوافر على بشرته، من البحث العميق- بجد وعناية- الذي قام به في السجن الفيدرالي في لويزيانا إلى تسريحة الشعر التي تميزت بها الشخصية الحقيقية.

منذ العام 1996 (أي في سنة زواجه بالممثلة الرائعة روبن رايت) ركز شون بدرجة أكبر على التمثيل لكن بتحويل مدروس بدرجة أقل لكينونته الخارجية في تجسيده للأدوار.

في Mystic River و21 Grams اهتم بالمظهر الجسماني بالتأكيد، لكنه لم يخضع نفسه للتغيّر خارجيا. كلا الفيلمين استفاداً من سيطرة شون المتزايدة على حرية العمل واستعداده لجعل زملائه يبدون على أفضل وجه من خلال عمل متواصل ومديد أمام وخارج الكاميرا.

نقاد المنهج يعتقدون أن هذه المدرسة تنتج ممثلين أنانيين، تستنزفهم أوجاعهم الخاصة في المشهد. لو كان الأمر كذلك، فإن شون بالتأكيد ليس ممثل منهج.

في الفيلمين، دور شون ليس هو الأكثر تطلباً، ولم يكن يحمل عبء الفيلمين، وفي الواقع، ووفق تقديره، هو يظل ممثل شخصية أكثر مما هو نجم سينمائي. وكما قال عنه جاك نيكلسون ذات مرة: ''ليس لشون بن أي حدود كممثل''.

الوطن البحرينية في

31.05.2006

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004