أمين صالح

 
جديد أمينكتب في السينماجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة
 

جريدة الوطن البحرينية

شـــــــــــــون بـــــــــــــن (1-2)

أداء بطعم الكوكا كولا

بقلم: ريتشارد كيلي   

ترجمة: أمين صالح

بعد أسابيع قليلة من فوز شون بن بأوسكار أفضل ممثل للعام 2003 عن دوره في فيلم كلينت إيستوود «mystic river» قال كيفن سبيسي في حوار له: ''أنا سعيد لتزايد النجاح الذي حققه شون بن في السنتين الأخيرتين. لكن شون لم يتغير أبدا، إنه الرجل ذاته منذ زمن، لكن الناس اكتشفوا أخيراً أنه واحد من أعظم الممثلين في تاريخ السينما.''

لكن ما الذي نعنيه عندما نتحدث عن ''الأداء العظيم'' في الفيلم؟ هل هي الشهادة البسيطة للتأثير الذي تخلق عندنا:'' نعم، إنه أداء قريب من الحياة. يشبه تماما الشخص الذي يجسده، بمظهره الخارجي المقنع وكثافته، وقد حرّك مشاعري بذلك الأداء.'' ربما يكون الأمر كذلك، لكن -علاوة على ذلك- للدراما ميثولوجياتها وطقوسها الخاصة: بإمكان الأقنعة الجامدة أن تحرّك مشاعرنا أيضا. وشخصية الممثل الهادئة، الرابطة الجأش، يمكن أن تكون مؤثرة بلا حدود.

أداء شون بن لشخصية السجين السابق، الذي يفقد ابنته، والذي ينشد الثأر، في «mystic river»، تعرّض إلى الانتقاد من قبل البعض الذي رأى فيه طقماً متكلفاً من المشاهد المدروسة سعيا وراء الأوسكار.. وبهذا الصدد وجهت ملاحظات ساخرة من نوع: الوجع المنهجي، التلاعب الميلودرامي.. إلخ.

الممثلون يعوّلون قبل كل شيء على النص الذي يؤدونه. إنهم يجلبون معهم الانضباط والتدريب، التحكم في الحركة والصوت، المدّخرات العاطفية، البحث والتقييم الفكري. لكن كل ما بوسعهم فعله هو تأدية مشاهدهم المحددة. كيف إذن من المفترض أن يشعر الممثل بشأن جريمة قتل ابنته؟

''الألم القاطع الذي لا يمكن دحضه'' سيكون التعبير الذي يقفز إلى الذهن: هذه هي الكلمات التي اعتاد شون بن أن يصف بها ثيمة فيلمه "the crossing guard" 1995، الفيلم الرائع الذي كتبه وأخرجه عن نفس الموضوع. لا شك أن للحزن مظاهر عامة عديدة، لكن نص «mystic river» يقترح ترجمة صارخة واحدة فقط، وشون أدرك ذلك على الشاشة بكثافة قصوى.

الناقد أ.سكوت كتب في نيويورك تايمز: ''في تأديته لشخصية جيمي ماركوم في «mystic river» لم يقدّم شون بن أحد أفضل أداء في ذلك العام فحسب، بل أيضا أحد النماذج النهائية، المكتملة، للتمثيل السينمائي في النصف الأخير من القرن العشرين.. لقد بلغ ذروة التقليد الواقعي الذي بدأ في ستوديو الممثلين ومنه انطلق براندو، جيمس دين، آل باشينو، روبرت دي نيرو.''

تقييم الناقد يثير إشكالية أخرى بشأن المصطلح. بالطبع الناقد هنا يتحدث عن التقنية شبه الأسطورية المعروفة باسم ''المنهج'' method acting، هنا نحن أمام التباس شائع بشأن المصطلح الذي يستلزم ممثلا ''يقطن'' شخصيته طوال مرحلة الإنتاج، مهما بدا الأمر مربكا أو غير مريح بالنسبة لنفسه أو الآخرين، حيث أثبتت التجربة ذلك. لذا لابد من تصحيح سوء الفهم وتوضيح الالتباس.

لقد نشأ '' المنهج'' في روسيا عن طريق المخرج والمنظـّر المسرحي كونستانتين ستانيسلافسكي، ثم انتقل المنهج إلى أمريكا بواسطة أساتذة وباحثين بارزين مثل: ريتشارد بولسلافسكي وماريا أوسبنسكايا. مسرح الجماعة Group Theater في نيويورك، أصبح آنذاك، في الثلاثينيات من القرن الفائت، البوتقة التي احتوت المنهج: لي ستراسبرغ، سانفورد ميسنر، هارولد كلورمان، ستيلا أدلر.. وكل هذه الشخصيات الكبيرة وقعت تحت تأثير ستانيسلافسكي. لكن ستراسبرغ كان أكثرهم حماسة في تبني وتكييف الحجة الروسية القائلة بأن ثمة تقنيات وتمارين تساعد الممثل على إحراز مشاعر صادقة وطبيعية والتي بخلاف ذلك، يمكن اعتبارها الإقليم المناسب لـ ''الإلهام''.

من بولسلافسكي أخذ ستراسبرغ مفهوم ''الذاكرة العاطفية'' وأعاد تصنيفها كـ '' ذاكرة الحواس'' أو الذاكرة الحسية ( اقتفاء أثر تجربة ماضية) والذاكرة الانفعالية ( التي تدوّي من الداخل). هو كان ينصح الممثلين بإمكانية استدعاء الدموع والاضطراب أو الاهتياج حتى وسط السكون بواسطة وسائل آلية، عن طريق الاستدعاء الموجّه: إذا اقتضت الضرورة، إحلال ذكرياتهم المشابهة محل ذكريات شخصياتهم.

رغم أن شون بن لا يحبذ قيام الممثلين بإفشاء مصادر اختياراتهم في أحاديثهم إلى الصحافيين أو في تعليقاتهم على أشرطة DVD، إلا أنه أشار ذات مرة بأنه عندما يتعين عليه أن يستحضر خيبة الأمل أمام الكاميرا فإنه يستحضر طعم الكوكا كولا عندما يكون عديم النكهة.

المخرج جيمس فولي يتذكر قيامه بدور صغير، كمدّع عام، في فيلمه مع شون بن at close range (1985) وكيف أنه عمل تحت إدارة شون..'' قال لي شون:(حاول أن تخلق الإيهام بأنك تتحدث إلى طفل.. قل حوارك بتلك الطريقة.) قلت لنفسي: خلق الإيهام؟!..لكن هذا ليس أسلوب المنهج.''..بلى، هو كذلك.

ستيلا أدلر لم تتفق مع ستراسبرغ في قراءاته للمنظرين الروس، بل مضت بعيدا لتبحث عن ستانيسلافسكي نفسه في باريس، وهناك تحدثت معه طويلا لتعود إلى نيويورك متباهية بذلك الحدث ولتصبح الخصم الرهيب لستراسبرغ. كانت أدلر ترى بأن من الأساسي للممثل أن يعوّد نفسه على أن يكون راصدا جيدا للعالم من خلال نافذته. كما أن عليه أن يحترم إبداع الكاتب..'' لا تجر النص نحو ذاتك الصغيرة المحدودة''.. هكذا اعتادت أن توبخ الممثل كلما لاحظت استهانته بالنص. و إذا كان اسم ستراسبرغ أكثر شهرة وأوسع انتشارا، إلا أن أدلر كانت عنصرا مؤثرا وفعالا بدرجة كبيرة، ويشهد لها على ذلك مارلون براندو الذي درس عند الاثنين وكتب في سيرته الذاتية يقول:'' عمليا، كل أداء في الأفلام السينمائية اليوم ينبع من ستيلا أدلر''.

لكن آرثر بن (المخرج المسرحي والسينمائي)، والذي ترأس ستوديو الممثلين لفترة بعد وفاة ستراسبرغ، لاحظ بأن المنهج هو مجرد ترجمة لما يفعله أغلب الممثلين الجيدين. 

الوطن البحرينية في

24.05.2006

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004