أمين صالح

 
جديد أمينكتب في السينماجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة
 

جريدة الأيام البحرينية

يد إلهية

وراء الصورة وراء الصالة

(3-3)

ترجمة: أمين صالح

فيما يلي نص الحوار مع مخرج الفيلم ايليا سليمان..

 كيف يبدو تحقيق کيد الهية فيما النزاع السياسي يندلع مرة اخري في الواقع؟

     مر علينا وقت غير مستقر وغير آمن تماماً. لم نستطع الشروع في التصوير لان الاسرائيليين كانوا يطلقون النار. لقد احتلوا موقعنا ووضعوا فيه اجهزتهم الخاصة. امر عجيب ومضحك كيف ان السينما والحرب يمكن ان تتنافسا علي نفس الموقع. وعندما هدأت الامور قليلاً تمكنا من مباشرة التصوير في الناصرية. لكن في كل مرة كنا ننتقل الي موقع آخر. وكان الامر صعباً. كان من المفترض ان يكون حاجز التفتيش في بيت لحم، لكن بسبب البنادق واطلاق النار والغازات المسيلة للدموع، كان علينا ان نجد مكاناً آخر. الشرطة الاسرائيلية جاءت وحطمت الديكور اكثر من مرة. الفكاهة ازعجتهم.. شاهدوا حاجز التفتيش واستاءوا من التهكم..

هل كان صعباً الحصول علي التراخيص الضرورية لتحقيق الفيلم؟

     شخصيا لم احصل علي اي رخصة، ان مدير الانتاج صديق - اسرائيلي - يدعي آفي كلينبرغ - هو الذي اسس شركة اسرائيلية تعمل كواجهة للقيام بكل الاجراءات المتعلقة بالامور الانتاجية.

من اين تكونت مادة الفيلم؟

     اني احمل دفتر ملاحظات في كل مكان اذهب اليه، وفي هذا الدفتر ادون كل شيء كل الوقائع التي تحدث امامي والتجارب التي امر بها والمواقف التي تصادفني او اتخيلها. وعندما يكون الدفتر مثقلاً بكل هذا، ويصبح عبئا، فانني اشرع في الكتابة.

كيف تباشر ببناء السيناريو؟

     عادة تكون لديك عناصر مختلفة: الصوت، الصورة، الحركة، الكلمات.. وانت تبدأ في بناء - طبقة فوق طبقة - كل مشهد تظن انه يملك الامكانية لان يكون مشوقاً او مثيراً للاهتمام او مضحكاً او شعرياً، بعدئذ يبدأ المونتاج، والذي هو بالضبط ما تشاهده في الفيلم. اني اضع المشاهد علي الحائط، الصقها، ثم اشرع في نقلها، تغيير اتجاهها، لاري كيف يمكن للسرد ان يتنامي ويتطور. انا لا اتصور القصة سلفاً، لا تتوفر لدي اية فكرة عما يكونه او يتحدث عنه الفيلم.

مع ذلك فان ما نراه وما نسمعه يبدو محدداً ودقيقاً جداً..

     انا دقيق جداً وشديد العناية بالتفاصيل، ومصوري يعرف هذا جيداً. احياناً يصبح الشيء، الذي قد يبدو بسيطاً، موضع خلاف ونقاش لثلاث ساعات. هذا مهم جداً في تكوين الصورة. كل شيء ينبغي ان يكون مدروسا ودقيقاً في صياغة الكادر وفي تحريك الكاميرا. انا لا اريد ان اقلد آخرين، بل اريد من المتفرج ان يستمتع بما اعرضه، بهندسة الصورة، بتكوين الكادر، بالايقاع. الصوت هام جداً بالنسبة لي لانه يمنح المتفرج احساسا بما يمتد وينتشر وراء الكادر، وراء الصورة ان ذلك وسيلة لاغراء المتفرجين بالمشاركة واطلاق سراح المخيلة.

انت في اغلب الاحوال لا تستخدم اللقطات القريبة بل تفضل..

     اللقطة ذات الزاوية المنفرجة (Wide-angle). ذلك ناشئ عن رغبتي الاساسية في اشراك المتفرج من خلق الكادر. ذلك هو نوع الاتصال الذي استمد منه المتعة والرضا، كنقيض للاخراج السينمائي او ذلك الاتصال المونولجي، الذي فيه يحتكر شخص واحد الكلام بينما المتفرج مجرد مستقبل. الاستغراق الكلي في حقيقة مفترضة ليس هو ما انشده او اسعي اليه. اريد من السؤال ان يمتد وينتشر خارج الكادر، خارج الصالة. لكن هذا ليس موقفاً ايديولوجيا. اني ببساطة احاول ان اكون صادقا قدر الامكان مع نفسي والطريقة التي أري بها.

هل هناك مخرجون تأثرت باسلوبهم؟

     لم ادرس السينما. المرة الاولي التي اكتشفت فيها السينما كانت عبر قراءة جان لوك جودار. ذهبت الي نيويورك، ولمدة سنة واحدة لم افعل شيئاً غير قراءة الكتب ومشاهدة الافلام.. احياناً ثلاثة افلام في اليوم الواحد. عشقت انتونيوني في الحال، كذلك المتايواني هو هسياو - هسيين، وتساي مينج - ليالغ. في الحقيقة لم اشاهد افلام جاك تاتي الا بعد ان حققت فليمي الاول سجل اختفاء، مهندس الصوت الذي عمل معي في ذلك الفيلم اصر علي ان اشاهد افلام تاتي وبستركيتون، وقد فعلت.

من أين حصلت علي التمويل لتحقيق فيلم کيد ألهية؟

     من فرنسا بالدرجة الاولي، اضافة الي تحويل بعض المؤسسات، لكن لم يساهم اي ممول من اسرائيل المرة الوحيدة التي تلقيت فيها اموالاً من اسرائيل كان من اجل فليمي الاول کسجل اختفاء، وكاد الامر يصل الي المحكمة العليا، فقد جمدوا المال وأرادوا اخذي الي السجن. وعندما عرض الفيلم في مهرجان فينيسيا، وقفت امام الجمهور وقلت: هذا ما حدث، وهذا ما اردت ان تعرفوه.. وعندما حاز الفيلم علي جائزة المهرجان كأفضل عمل اول، صار الامر محرجاً جداً لهم فأعطوني المال.

الم تحصل علي تمويل من اي جهة عربية؟

     لا.. انهم لا يؤمنون بهذه السينما.

هل كان هناك ضغوط عليك لتقديم قصة فلسطينية وطنية؟

     هناك علي الارجح ضغوط لكنني لا اصغي ولا امتثل لها، مع انني احياناً اشعر بالحزن عندما يسيئون فهم او تفسير افلامي. فلمي سجل اختفاء اثار الكثير من الاهتياج والصخب بسبب الصورة الاخيرة في الفيلم والتي تظهر العلم الاسرائيلي بينما الأب والام نائمان. لقد اردت ان اقول باننا نتعرض للاغتصاب، والعلم وصل الي غرفنا فيما نحن لا نوجه اي اهتمام الي ذلك. لكن من فهم هذا المغزي؟ الاسرائيليون وليس العرب احد كتابهم قال انها من اكثر الصور التي آرها ازعاجاً وايلاما لدولة اسرائيل. غير ان الصحافة العربية هاجمت الفيلم وتساءلت: لماذا رفع المخرج العلم الاسرائيلي؟ انه شكل من اشكال الاستسلام.. وعندئذ صار الفيلم محظوراً في العالم العربي.

كيف استقبلوا فيلم يد الهية في اسرائيل؟

     کاللوموند سألت اثنين من الصحفيين الاسرائيليين عن رأيهما، والاثنان منحا الفيلم أعلي العلامات وقالا: کاردنا - اثناء العرض - ان نختبئ تحت الكراسي من شدة الخجل والألم.

هل شاهد الجمهور الفلسطيني الفيلم؟

     كان من المفترض ان نعرض الفيلم للمرة الاولي في رام الله وبعد مهرجان كان، لكن بدأ الاجتياح الاسرائيلي آنذاك، ولم يتسن لنا عرضه. الجنود الاسرائيليون دمروا كل الاماكن التي تقدم فيها اشكال الثقافة، حتي انهم اطلقوا النار علي لوحة تشكيلية. اظن ان ذلك كان من اكثر الامور التي سمعتها سخفاً وغرابة. وسوف احاول في عملي القادم ان استغل هذه الصورة: اعدام لوحة. علي كل حال، فقد ذهبوا الي صالة السينما، المجهزة بنظام صوت دولبي، رشوا بعض الرصاص هنا وهناك وسرقوا اجهزة الدولبي.

الأيام البحرينية في

11.05.2003

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004