أمين صالح

 
جديد أمينكتب في السينماجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة
 

جريدة الأيام البحرينية

بين الرواية والفيلم

(2)

بقلم: أمين صالح

يقول تاركوفسكي : »الاختلاف الاساسي ان الادب يستخدم الكلمات لوصف العالم، بينما في السينما، العالم يظهر نفسه بشكل مباشر«.

فالأدب فن يعبر عن الواقع يعدد من الاشارات أو الرموز أو المواد ذات الطبيعة الرمزية، بينما السينما فن يعبر عن الواقع بالواقع نفسه.. إذ حتى الرمز هو كيان مادي واقعي في السينما.

ويقول الناقد بول واردن : »ان عملية تحويل شكل فني إلى شكل فني آخر تؤدي بالضرورة إلى خلق عمل جديد تماما، فعملية التحويل تولد شعوراً جماليا يختلف تماما عن ذلك الشعور الذي تولده قراءة الرواية نظرا لاختلاف اللغة واختلاف الامكانيات التعبيرية لكلا الوسطين«.

ان كل شكل فني يولد ويعيش وفقا لقوانينه الخاصة والمستقلة. بالتالي فان اختلاف الوسطين يستدعي تغييرات جذرية في حالة التحويل، إذ كيف تجعل الشخصية التي قد تكون رمزية وتجريدية تبدو مادية ومحسوسة في الفيلم؟ وكيف تنقل البناء الزمني كما هو من الرواية إلى الفيلم؟ وكيف تخضع المنطق اللغوي إلى المنطق البصري؟ وكيف تستوعب في مدة زمنية محددة - هي مدة الفيلم - أحداثا قد تسغرق ساعات؟ إذن لا يمكن نقل وحدة وبنية متكاملة (في الرواية) إلى وسط آخر دون تفكيك تلك الوحدة وهدم - أوعلى الأقل - تغيير تلك البنية.

الإعداد بطبيعته هو تكثيف، يستلزم الاختصار والحذف وتركيز البؤرة على مظاهر معينة واغفال مظاهر أخرى، واعادة ترتيب أو تنظيم عناصر السرد القابلة للتحويل أو خلق عناصر جديدة. الفيلم هو قراءة أخرى للنص الأدبي، تأويل أكثر منه ترجمة سينمائية. الفيلم يستخدم عناصر يقترحها النص ويبدأ في تنميتها وبلورتها عبر لغة أخرى.. أو كما يقول هارولد بنتر : »مسئولية كاتب السيناريو في اعداد الرواية هي ان يجد البؤرة البصرية ويكثفها«.

·         الاعداد فعل ابداعي. انه قراءة، حوار، تفكيك، تغيير، تحويل.

لكن المشكلة انه عند تحويل رواية ما إلى فيلم، تظهر كل ضروب المطالب بشأن الموثوقية والمصداقية والصحة والاخلاص والامانة. مسألة الامانة - الخيانة هي الأكثر اثارة للجدل، وهي المسألة الأكثر بروزا في البحث النقدي أو عند المتفرج، وقد يحكم على الفيلم بالنجاح او الاخفاق بناء على مدى اقترابه او مدى ابتعاده عن النص الاصلي.

عندما نرى فيلما معدا عن رواية قرأناها فإننا نقارن الشخصية التي نشاهدها بتلك التي قرأناها، ونفتقد احداثا عشناها عبر المخيلة. فالقارئ يتقمص دور المخرج والمصور وربما الممثل ايضا. وعبر شاشة ذهنية يعرض الرواية متحكما في الايقاع وفي كل العناصر المرافقة. بالتالي، لا يستطيع القارئ المشاهد ان يتجنب المقارنة بين الفيلم والرواية. كما انه يبحث عن التطابق بين الصور البصرية السمعية (على الشاشة) وصوره الذهنية التي خلقها اثناء القراءة، لذلك هو يهتم بعقد المقارنة.. لكن، كما يقول كريستيان ميتز: »القارئ سوف لن يجد دائما فيلمه بما ان ما يراه في الفيلم المعروض هو الآن من نتاج خيلة شخص آخر«.

لابد هنا من ملاحظة ان الصورة الذهنية التي تتشكل في المخيلة تختلف باختلاف نفسية كل قارئ ومستواه الثقافي وحساسيته وتجاربه. وان تأويل قارئ ما لا يتوافق بالضرورة مع تأويل قارئ آخر.

·         هل يتعين على السينمائي ان يكون امينا للنص الادبي؟

قبل كل شيء ان يكون امينا لاي شيء بالضبط: للفكرة، للمضمون، للشخوص، للاصلاح، للحوار، للامكنة، للازمنة؟ كيف يمكن تحقيق المصداقية او الموثوقية بشأن التفاصيل الدقيقة في عمل تاريخي مثلا؟

الامانة الحرفية غير ممكنة لاستحالة ان يكون الفيلم ترجمة بصرية دقيقة، وبسبب صعوبة إيجاد مرادفات بصرية لكل ما هو لفظي في النص الادبي. وحتى الزعم بأن الفيلم امين لروح او جوهر النص هو امر مشكوك فيه لانها عملية ترتبط بقراءة النص وتأويله الذي يختلف من شخص الى آخر.

هناك افلام التزمت بالنص الادبي الى حد كبير، وكمثال: فإن المخرج جون هيوستون في تحويله لرواية داشيل هاميت »الصقر المالطي« قد التزم بالحبكة والحوار سطرا سطرا تقريبا. ومايك نيكولز مع مسرحية إدوارد ألبي »من يخاف فرجينيا وولف« اضاف تسع كلمات الى النص الاصلي. والمخرج البرتغالي مانويل دي اوليفيرا اخرج »الحب الملعون« عن رواية شهيرة كتبها كاميلوا كاستيللو برانكو في القرن التاسع عشر.. وعلى مدى اربع ساعات ونصف الساعة نقل اوليفيرا كل صفحة من الكتاب الى الشاشة ولم يسبق في تاريخ السينما ان صور عمل ادبي بمثل هذه الامانة والدقة.. لكن وفقا لرأي النقاد فإن هذا الفيلم الذي يبدأ كعمل ادبي ينتهي بأن يكون سينما نقية خالصة. اذ هو ليس توضيحا للرواية بل بحثا في طبيعة السرد، في التوتر المستمر بين الصوت والصورة، بين السرد خارج الشاشة والاحداث التي تدور على الشاشة.

إذن ليس ثمة مبادئ او قواعد ترشيد السينمائي عند اعداده لنص ادبي، وليست هناك شروط محددة تحكم علاقة السينمائي بالمصدر الاصلي.

لكن يجب التوكيد على ان فكرة الاعداد نموذج مثالي للتقارب او التفاعل بين الفنون وفق مفهوم النقد الحديث بشأن التناص.

ثمة تصنيفات عديدة لعملية الاعداد، فهناك النقل او الالتزام بالنص الاصلي مع حد ادنى من التدخل، وهناك الاقتباس (او الاستعارة اي توظيف المادة او الفكرة) والتقاطع (وهو نقيض الاقتباس، اي المحافظة على فرادة النص الاصلي الذي هو متروك عمدا بلا تمثل في الاعداد) والتحويل (وهو تحويل الاصل دون الاعتراف بالامانة والدقة) والتعليق (اورسون ويلز في فيلمه »اجراس في منتصف الليل« يقدم تعليقا على ثلاث مسرحيات لشكسبير) وهناك المصدر الادبي بوصفه مادة اولية يخلق منها السينمائي عالمه الخاص واضعا بصمته الخاصة عليه.

وهناك الاستلهام كما فعل المخرج فرانسس كوبولا عندما استلهم رواية جوزيف كونراد »قلب الظلام« التي تدور في افريقيا ليتحدث عن حرب فيتنام في فيلمه »الرؤيا الآن«، بمعنى انه يتبنى مادة او بينة كاتب آخر، يمتصها ويمددها بجعلها تتماثل مع تجربته الخاصة، وبهذه الوسيلة يحولها الى رؤيته الخاصة الفعالة على نحو فريد، وقد فعل هذا من قبل في فيلمه »الاب الروحي«.

الأيام البحرينية في

23.03.2004

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004