أمين صالح

 
جديد أمينكتب في السينماجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة
 

جريدة الأيام البحرينية

بين الرواية والفيلم

(3)

بقلم: أمين صالح

  • هل كل رواية تصلح لأن تتحول إلى فيلم؟

يقول أندريه تاركوفسكي: »ليس كل عمل نثري قابلا للتحويل إلى الشاشة. بعض الأعمال الأدبية ذات وحدة كاملة، تحتوي على صور أدبية أصيلة ودقيقة، والشخصيات مرسومة بحيث تحمل أعماقاً لا يُسبر غورها، وللتكوين قدرة استثنائية على الإفتان. الكتاب - في النهاية - هو كل لا يتجزأ، وعبر الصفحات توجد الذاتية الفذة والمدهشة للمؤلف.

الكثيرون يرون بأن قصص الجريمة العادية وكتب المغامرات، أو الأعمال الأدبية المتواضعة أو المتوسطة الجودة هي الأنسب للتحويل إلى الشاشة. أورسون ويلز أخذ قصة بوليسية عادية وحقق منها تحفة فنية باسم »لمسة شر«.. كذلك فعل جودار مع بعض أفلامه الأولى.

مثل هذه القصص تحتوي على فكرة فعالة للسينما وهي قابلة للنمو وتعتبر أشبه بتربة ملائمة للإخصاب، ويمكن بسهولة تحويلها لأنها تتجانس مع مقتضيات السينما، كما أنها تجبر كاتب السيناريو أو المخرج على الابتكار والتخيّل والإبداع.

يقول المخرج الفرنسي باتريس شيرو: »الرواية الممتازة صعب جداً تحويلها إلى فيلم.. الرواية العادية، المتوسطة الجودة، تمنحك بعض التلميحات، بعض الإشارات الخفية، منها تنطلق وعليها تؤسس عملك«.

ويقول جون هيوستون: »حين يحول المخرج رواية إلى فيلم فينبغي عليه أن يتجنب النصوص العظيمة، لأن ما يعتبر تحفة فنية في وسط ما يمكن أن ينحدر إلى الحضيض في وسط آخر«.

ينقسم الكتاب في مواقفهم إزاء تحويل الأعمال الأدبية إلى الشاشة: إرنست همنجواي اتخذ موقفاً عدائياً من هوليوود لأنه كان يكره تغيير الحبكة ويمقت الرقابة ويستاء من النهايات السعيدة غير المناسبة وعقود المنتجين. وهمنجواي يمثل نسبة لا يستهان بها من الكتاب الذين لا يرغبون في تحويل رواياتهم إلى الشاشة، والذين يرون في السينما وسطاً محرفاً أو مشوهاً لأعمالهم.

بينما يقف في الجهة المعاكسة كتاب يعون الفوارق بين الوسطين، ويبدون مرونة عالية في تعاملهم مع السينما.. فالإيطالي ألبرتو مورافيا يقول:

»أشياء كثيرة في الرواية تتعرض للحذف والإقصاء عندما تتحول إلى الشاشة لان للسينما حدوداً السينما تستطيع أيضاً أن تنجز أشياء رائعة ومدهشة لا يستطيعها الأدب في السينما، المخرج يستخدم الكاميرا من أجل خلق واقع جديد تماماً«.

ويقول أمبرتو إيكو: »ليس سهلاً دائماً التعبير في الفيلم عن أشياء موصوفة على الورق، أشياء سوف يفهمها القارئ آلياً«.

ويقول مؤلف رواية »الساعات« مايكل كنجهام: »عليك أن تعطيهم النص وتقول لهم: هيا، أدهشوني«.

ويقول آلان روب جرييه: »بالنسبة لي، السينما والأدب عالمان مختلفان، ليس بينهما أي رابط«.

أما ميلان كونديرا، فيقول عن المخرج فيليب كوفمان الذي حقق »خفة الكائن التي لا تحتمل«: كونديرا قال لي - في المقابلة الأولى معه - كلمة لم أسمع روائياً يقولها من قبل إلى كاتب سيناريو، إذ مال إلى الأمام وقال: احذف«.

ويشير الناقد هاشم النحاس في كتابه »نجيب محفوظ على الشاشة« إلى أن محفوظ لم يعد أياً من رواياته إلى السينما بل اشتغل على قصص وسيناريوهات مكتوبة خصيصاً للسينما مستمداً موضوعاته من أحداث واقعية.

لقد مارس الأدب تأثيراً كبيراً على السينمائيين، فمن إشارات شارلز ديكنز وجد المخرج جريفيث - أيام السينما الصامتة - مبتكرات سينمائية مثل: المزج واللقطة الكبيرة والحركة الاستعراضية للكاميرا.

وتأثر آيزنشتاين بقصائد الهايكو في ابتكار منهجه في المونتاج، حيث تركيب ثلاثة عناصر منفصلة يولد صورة مختلفة، كما يشير إلى كتاب ميلتون »الفردوس المفقود« بوصفه مدرسة يمكن فيها دراسة المونتاج والعلاقات السمعية - البصرية.

وارس بريخت، خصوصاً في نظريته عن التغريب (الاحتفاظ بمسافة بين المتفرج والشاشة لمنع حدوث التطابق) تأثيره على عدد من المخرجين مثل جودار وفاسبندر وأنجيلوبولوس.

كذلك نجد تأثير التراجيديا الإغريقية في أفلام أنجيلوبولوس.

والسينما البرازيلية، بالذات الموجة الجديدة في الستينيات، تأثرت بقوة بأعمال جيل من المبدعين في الرواية (جراسيليانو راموس، خرخي أمادو، دي ريجو) الذين رأوا في استعادة واستنطاق الثقافة الشعبية رسالة سياسية وجمالية.

في المقابل، ساهمت الأفلام، إلى حد كبير، في رواج الأعمال الأدبية الكلاسيكية والمعاصرة عند جمهور من المشاهدين لم يقرأوا الرواية أو لم تكن لديهم فكرة عنها، وبذلك توسع من نطاق جمهور الأدب.

أما من الناحية التقنية فقد تأثرت الرواية الجديدة بتقنيات المونتاج. ويقول بيير باولو بازوليني: »لو أخذت صفحات معينة من روايتي الأولى (أبناء الحياة) فسوف ترى كم هي بصرية بمعنى أن أعمالي الأدبية تحتوي على جرعة قوية من العناصر السينمائية«.

إن السينما تمارس تأثيرها على الأدب من خلال الإيقاع السريع، الانتقالات المفاجئة، الاعتماد على الأحداث لا الأفكار، الحبكة الواضحة المباشرة بل أن بعض كتاب القصص البوليسية يكتبون ببناء وبأسلوب السيناريو.

وتجدر الإشارة إلى أن عدداً غير قليل من الروائيين والشعراء اتجهوا إلى كتابة السيناريو مثل فولكنر، ريموند شاندلر، جيمس كين، الان روب جرييه، مرجريت دورا، بازوليني، ميلان كونديرا، ماركيز.

بل إن بعضهم تحول إلى الإخراج مثل: جان كوكتو، بازوليني، مرجريت دورا، روب جرييه، يوكيو ميشيما، نورمان ميلر.

الأيام البحرينية في

30.03.2004

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004