أمين صالح

 
جديد أمينكتب في السينماجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة
 

جريدة الأيام البحرينية

أفلام ونج كار ـ واي

أصدقاء لدقيقة واحدة

بقلم: لاري جروس

ترجمة: أمين صالح

عند المشاهدة الأولى لأحد أفلام المخرج وونج كار - واي، الذي يمثل الموجة الجديدة في سينما هونج كونج، فإنك تشعر بأنك تشاهد عملاً لشكلاني بصري تتسم صوره بالفتنة، ولا يكترث بالبناء السردي. الاستغراق الصرف في الاسطح المعمارية، في مصادر الضوء، في الديكور من أي نسيج ومادة ممكنة، وغياب الرزانة الأدبية الصريحة في الحبكات.. كل هذا يجعلك تشعر بأنك واقع في شرك عالم يصوغه الفنان الموهوب جداً.

ثم تعود وتشاهد الفيلم مرة أخرى لتكتشف بأن الفيلم يتغير كثيراً عن ذاك الذي شاهدته سابقاً، فهو يبدو أغنى وأعمق، ومنظماً على نحو أكثر تعقيداً، وأكثر جدية.

في الواقع، إن اهتمام وونج كار - واي الأعمق، والذي هو ليس أقل من اهتمام أنتونيوني أو أورسون ويلز، هو في خلق صيغة أصلية ومبتكرة للسرد السينمائي. الصورة، حركة الممثل، واللغة.. كلها محررة ومطلق العنان لها لأن تغتصب سلطة السرد الطولي المستقيم، لكن يثبت في النهاية أن هذا لديه قابلية للتطبيق العملي، والتضمينات المحددة جداً من ناحية الموضوع والشكل.

أفلام وونج كلها تنزع إلى الانقلاب على أوضاع وحالات من الخيبة الرومانسية: في عبارة واحدة، حب لا ينسى ولا يكافأ. انه وصف لعوالم فيه الأفعال الأكثر أهمية قد حدثت سابقاً أو سوف لن تحدث أبداً. هذه الحالة من الألم الرومانتيكي تتعرض للمقاطعة بين فترة وأخرى من قبل تفجرات عاطفية لفعل عنيف، لكن هذه تكون غير متوقفة على سياق أو بيّنة، بحيث أنها تبدو أشبه بتعويضات عن الخيبة أكثر منها فصول سردية ذات دلالة أو مغزى بذاتها، تفكر وتخمن، وجوهرياً، هي تسرد قصصاً. أحياناً هي تسرد القصص لبعضها البعض. أحياناً تسردها لنفسها في صيغة ذكريات. وأحياناً هي ببساطة تخاطب الجمهور على نحو مباشر.

وونج كار - واي يميع أي فارق ثابت ونهائي بين أي من هذه الصيغ الموجهة. جزء من الإصالة والجدة الفاتنة التي يتصف بها عالم وونج هي أن تخوم الحالة السردية سائلة ومرنة وشبيهة بالحلم.

أيضاً هو (المخرج) لديه ولع لافت للنظر بالتزامن التصادفي، بالتطفل بالتطفل المفاجئ لأحداث اعتباطية، لما هو نقيض السرد الواقعي. من الصعب معرفة ما إذا يجعله هذا حديثاً جداً أو محافظاً جداً. ميلان كونديرا يميل على الدوام إلى الاشارة إلى أن تقنياته الممزقة لها مصادرها في البدايات الفعلية للقصة السردية.. وأظن أن »خفة الكائن التي لا تحتمل« سيكون عنواناً ممتازاً لكل فيلم من أفلام وونج.

جزء من الخفة له علاقة بالطريقة التي يستخدم فيها تقنية سرد الراوي الذي هو خارج الكادر. عادة نجد شخصاً واحداً يسرد الفيلم، ووجهة نظره لها سلطة في إرشادنا إلى معنى الفيلم. كذلك هذه التقنية عادة بإحكام الاجزاء الفالتة، غير المحكمة، في الحبكة مقدمة لنا معلومات سردية أساسية. إن استخدام وونج لهذه التقنية هو جديد ومبتكر تماماً. إن أياً من شخصياته الرئيسية في أفلامه تستطيع أن تسرد عند موضع أو آخر، وكل منظور يميل إلى تأكيد عزلة ونأي تجربة شخصية ما عن تجربة الآخرين.

صوت الراوي خارج الكادر لا يوجد هذا العالم، إنه على نحو نهائي ومتعذر تغييره يعلن تشظي هذا العالم، التشظي الذي يمكنه أن يميز الراوي: كما هو بطل إحدى قصص فيلمه Chungking Erpress حيث يصحب الراوي الذي يفسح المجال لشخصية أخرى لم يلتق بها أبداً، أو يصبح مرتبطاً بها.

الشخصيات في كل أفلامه تظهر على نحو استحواذي موقعها في الزمن كوسيلة لابداء صلتها بتلك التي هي ترغب فيها وتتوق إليها. إنها توجه الأشياء دائماً في علاقة واعية لذاتها بالماضي والمستقبل، آملة أن تكتسب سلطة على أشياء لا تحرزها تماماً أبداً. على سبيل المثال، البطل في فيلم Days of beng wild يبدأ بسؤال إحداهن عن الوقت. وبعد أن تخبره بذلك، يقول لها: »إنها دقيقة واحدة قبل الساعة الثالثة في السادس عشر من ابريل ٤٩٩١. أنت معي. وبسببك سوف أتذكر هذه الدقيقة. من الآن فصاعداً كنا أصدقاء لدقيقة واحدة«.

بعدئذ ننتقل على نحو فوري وفجائي إلى صوت المرأة وهي تسرد على شريط الصوت: »سوف لن أعرف أبداً ما إذا هو يتذكرني بسبب تلك الدقيقة، لكنني كنت أتذكره دائماً. فيما بعد، كان هو يأتي كل يوم. كنا أصدقاء لدقيقة واحدة، ثم دقيقتين، وسرعان ما صرنا نلتقي ساعة في اليوم على الأقل«.

الشخصيات كلها تحاول أن تسيطر على الخفة التي لا تحتمل للحظة الحاضرة، وأن تمتلك ما لا يمكن امتلاكه، تداول الجمال والتعبير العاطفي الناجح. عندما تشاهد أفلام وونج فإنك تحصل على الإحساس بأنك تختبر عواطف جديدة، أو ربما سيكون أكثر حكمة القول، الإحساس بمنظورات جديدة. في النهاية، إنها القصة القديمة ذاتها. لا عراك بعد الآن من أجل الحب والمجد. إن ما يريد التحدث عنه هو أحد أقدم الموضوعات في تاريخ القصة: الصعوبات والعقبات بين الرجال والنساء.

عندما تتعقب الخروج عن القياس، الانتقالات المفاجئة من موضوع إلى آخر، التكرارات والتضاربات، فإن التأثير سيكون آسراً، مرضياً جداً، إلى حد أنك تجد نفسك عند مدخل الأحلام. في الأحلام »أي شيء يمكن أن يحدث«!. وكذلك تبدو هذه الأفلام. التحديق في فضاء داخلي أكثر مما هو واقعي، هو الوضع الرئيسي الذي يتخذه أغلب أبطال وبطلات وونج التعساء رومانسياً: يبدو أنهم يعيشون في حلم، متأملين كوناً موازياً حيث يمكن امتلاك الأحياء، حيث الذكريات يمكن أن تحيا ثانية، حيث المتعة أقل تعرضاً للزوال السريع. في نهاية العديد من هذه الأفلام، تكون الشخصيات متروكة في حالة من الحرمان بلا شيء يؤازرهم غير حلم لم يتحقق.. كما لو أن الفيلم ينفتح على واقع جديد هو خارج الشاشة.

الأيام البحرينية في

09.11.2003

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004