أمين صالح

 
جديد أمينكتب في السينماجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة
 

جريدة الأيام البحرينية

بيرجمان

أن أخرج فيلماً هو الجنون المطلق

بقلم: ستيج بيوركمان  

ترجمة: أمين صالح

في اواخر العام الماضي، فاجأ المخرج السويدي الشهير انجمار بيرجمان، البالغ من العمر 48 عاما، الوسط السينمائي العالمي باعلانه عن مشروع فيلم جديد كتب له السيناريو، وبهذا يعود بيرجمان الي السينما بعد انقطاع دام عشرين عاما امضي اغلبها معتزلا في جزيرة فارو، وامضي بعضا منها في تحقيق بضعة افلام تلفزيونية واعمال مسرحية.

الفيلم يحمل عنوان (السربند Sarabandوهو عبارة عن تكملة لقصة الزوجين يوهان وماريان، بطلي فيلمه کمشاهد من الزواج  (1973)، بعد ثلاثين سنة من انفصالهما، حيث تبدأ ماريان في البحث عن يوهان الذي انتقل الي الريف.

لكن بيرجمان لا يحبذ ان ينظر الي فيلمه الجديد باعتباره استمرارا مباشرا للفيلم السابق.. کفقط لأنني اعرف الشخصيتين جيدا، فان بوسعي ان اتخيل مصيرهما. الفيلم هو دراما عائلية، اشبه بموسيقي الحجرة، وبشخصيات محدودة.

يقول بيرجمان : کعنوان الفيلم يستحضر موسيقي باخ.. لحن اوركستري علي الفيولونسيل (السربند Saraband) في الواقع، هي رقصة قديمة كان يؤديها كل زوجين.. رجل وامرأة. وقد انتشرت في القرنين السابع عشر والثامن عشر وهي كانت ممنوعة في اسبانيا التي كانت تنظر الي الرقصة بوصفها مثيرة للشهوة الجنسية وهي (الرقصة) اصبحت في آخر الامر واحدة من اربع رقصات توضع لها ألحان اوركسترية من النوع الباروكي. وفيلمنا يتبع البناء السربندي: ثمة دائما شخصان يلتقيان.. في عشرة مشاهد وخاتمة.

ومع ان بيرجمان قد صرح بأن کفاني والكسندر(1982)  سيكون آخر افلامه السينمائية الا انه قد حقق بعض الافلام للتلفزيون.. وبيرجمان يعلق علي هذا بقوله: کهذا الفيلم Saraband  كان مخططا له ان يكون فيلما تلفزيونيا، لكن عندما انتهيت من كتابة السيناريو لم اكن واثقا مما سنفعله بهذا السيناريو، لذلك تحدثت مع الممثل ايرلاند جوزيفسون وتناقشنا في الامر.. العمل يمكن ان ينجح في الواقع سواء جاء في شكل مسرحية او فيلم سينمائي او عمل اذاعي، لكننا رأينا ان التلفزيون سيكون الوسط الافضل، فالميزة الرئيسية للفيلم التلفزيوني هو انه يعرض لليلة واحدة ثم يختفي. انه لا يقوم بجولة في انحاء العالم ثم يوضع علي رف النسيان كما هو الحال مع الفيلم. العروض السينمائية غالبا ما تحاط بمظاهر الاستعراض والابهة، وهناك المهرجانات والترشيحات لجوائز عديدة. ربما هذا هو الذي يجذب المخرجين الشباب الي السينما، اما بالنسبة لي فذلك ليس مهما تماما.

لقد كانت علاقة بيرجمان بالصورة واعية جدا علي الدوام، مع ذلك فهو لا يحب المنحي الاستعراضي للكاميرا.

عندما يتاح للكاميرا ان تلعب دورا رئيسيا، وتصبح هدفا بذاتها، فانني اشعر بالقلق. هذا الشيء (التحريك المفرط للكاميرا) كان مشوقا ومثيرا للاهتمام قرب نهاية مرحلة السينما الصامتة، حين كان المخرجون تحت ضغط التهديد الذي فرضته الافلام الناطقة، يسمحون للكاميرا بأن تصبح مهيمنة اكثر. مخرجون مثل مورنو، فون شتيرنبرغ، كينج فيدور حاولوا في تلك الدقيقة العصيبة والاخيرة ان يمنحوا الفيلم لغته الخاصة. خذ الالماني مورنو في فيلمه (الضحكة الاخيرة) او (الشروق)، حين قام بتجارب مع الكاميرا لخلق تعبير اكثر شعرية وايحائية. تلك كانت افلاماً رائعة حيث التصوير هو البؤرة الرئيسية.

والحديث عن التقنية السينمائية تفضي بطبيعة الحال الي الحديث عن الحركة الجديدة في الدول الاسكندنافية، وهي الحركة التي اخذت لها تسمية افلام (الدوغما Dogma) اي العقيدة او المبدأ. منذ العام 1995. وعلي هذه الحركة يعلق بيرجمان قائلا: اجد صعوبة في الانسجام مع تقنية افلام الدوغما. بالنسبة لي انها مجرد حيلة او خداع بصري، وهي ليست ناجحة في ذلك خصوصا. مع انني اعتقد ان توماس فينتربرغ هو مخرج موهوب علي نحو مدهش، وان فيلمه (الاحتفال Festen) هو احد افضل الافلام التي شاهدتها في السنوات الاخيرة. وبالنسبة للمخرج لارس فون ترير فأظن انه نابغة لكنه الشخص الذي لا يؤمن دوما بنبوغه. انه علي الدوام في حالة هروب، في الوقت الذي هو، عوضا عن ذلك، يحتاج الي ان يهدأ ويبحث في الداخل، داخل نفسه. البعض يقول، علي سبيل التهكم، بأن مفهوم الدوغما الآن يحتاج الي خمسة اشخاص لتشغيل الكاميرا.. واحد لكي يمسك الكاميرا والاربعة الآخرون من اجل ان يهزوا الذي يصور والآن البعض يريد منا ان نستخدم كاميرات DV، لكنني اشك كثيرا في هذا. كاميرات التلفزيون التي نستخدمها في هذه الايام هي اكثر حساسية من العين البشرية. اعتقد ان ذلك محزن بعض الشيء.. الاضاءة السينمائية القديمة، التي بطل استعمالها، كانت رائعة حقا.. كان شيئا شهوانيا بعض الشيء ان تكون لديك تلك الهالة من الضوء. ثمة سحر يتصل بذلك. الممثلة هارييت اندرسون كانت تقول بأن الكاميرات الجديدة ليست ممتعة لأنك لا تستطيع ان تسمعها وهي تدور.. لقد اعتادت ان تحصل علي الحيوية او هزة الابتهاج عندما تسمع الكاميرا وهي تبدأ في الدوران.

في هذا الفيلم الذي يضم ممثلين مألوفين ضمن فريق بيرجمان مثل ليف اولمان (بطلة اغلب افلامه وزوجته السابقة) وايرلاند جوزيفسون، هناك ممثلة جديدة (جوليا دوفيتيوس) تؤدي دورا رئيسيا لأول مرة.

يقول عنها بيرجمان: کقدمت جوليا في مسرحية (ماري ستيوارت).. كانت هناك اربع فتيات يؤدين ادوار اربع سيدات. هؤلاء تخرجن للتو من معهد المسرح. كن يتمتعن بالعذوبة واللطف والدفء، وكن موهوبات جدا. اثناء البروفات كن يستمتعن بالمشاركة في هذا العمل ويتابعن البروفات حتي في المشاهد التي لا يشاركن فيها. كنت اسميهن زهراتي، وادرس بدقة واهتمام كل ما يفعلن ويقلن. كن يتركن انطباعا حسنا ومثيراً للاعجاب.. لكن جوليا كانت استثنائية، يشع منها ضوء فريد حتي عندما تفعل الشيء ذاته الذي تفعله الاخريات. كنت واثقا من انها ستصبح ذات شأن عاجلا ام آجلا، ولقد كانت في ذهني حين بدأت في كتابة المسودة الاولي من السيناريو.

وما الذي يراه بيرجمان في الافلام السويدية الراهنة؟

اني اشاهد كل فيلم سويدي جديد.. يمكن ان يكون ذلك اختبارا، لكنني افعل ذلك. خلال السنتين الاخيرتين ظهر جيل جديد تماما من المخرجين الذين هم - من الناحية التقنية - يمتلكون مهارة عالية وجميعهم يعرفون مهنتهم جيدا، لكن الوحيد الذي يبرز من بين الحشد، كصوت متميز واستثنائي، هو ريزا بارسا، مخرج فيلم کقبل العاصفة.

انه المخرج الذي يبدو - علي نحو عميق - ملتزما بالقصة التي يسردها، وفيلمه هو تحول عن كل حالة الغموض التي تتفشي الآن في السينما السويدية. ولدينا ايضا لوكاس موديسون، وهو مخرج عبقري.. فيلمه (اظهر لي الحب) هو تحفة فنية.. لقد شاهدته عدة مرات، واظن انه يخلو من الشوائب وبلا عيوب. فيلمه (معا) هو ايضا جيد لكن ليس استثنائيا كما فيلمه الاول. موديسون موهبة نستطيع ان نعلق الآمال عليها.. هو يحتاج فحسب الي ان يستمر في العمل.

مثل بيرجمان؟.. سألت بيرجمان فرد ضاحكا:

آه يا إلهي، العمل السينمائي الذي اورط نفسي فيه الآن يعتبر بالنسبة لي جنونا مطلقا. انا الآن في الرابعة والثمانين من العمر، وصنع فيلم في حالة شخص مثلي يعد انتحارا محضا. الممثل ايرلاند جوزيفسون مصاب بالشلل الرعاشي منذ ثلاث سنوات بالاضافة الي جلطة دموية في دماغه. ليف اولمان مصابة بمرض القلب. بورج اهلستد مصاب بتمزق في وتر العرقوب. انا وجوليا الوحيدان اللذان يتمتعان بصحة جيدة.. الأكثر شبابا والاكثر شيخوخة بين افراد المجموعة. العديد من المخرجين اتصلوا بي طالبين الاذن بتصوير فيلم وثائقي عن عملنا. كل شخص يظن انني سوف اموت في اية لحظة اثناء العمل وان تصوير تلك اللحظة سيكون رائعا. هناك مخرج امريكي عنيد ولحوح جدا، في النهاية وافقت مقابل مبلغ كبير من المال معتقدا بأنه سوف يرفض لكنه وافق دونما تردد.. لكن علي كل حال، انا مضطر لأن اخذله.. من جهة اخري، سوف اتخلي عن منصبي كمدير للمسرح الدرامي الملكي، هذا المنصب الذي شغلته منذ 1963. بعد ان انهي فيلمي Saraband سوف اقول وداعا واستقر في بيتي في جزيرة فارو حيث اتفرغ للكتابة ولمشاهدة الافلام فقط.. واظن ان لي الحق في فعل ذلك الآن.

 مجلة لَس لَف وهيس - سبتمبر 2002

الأيام البحرينية في

14.09.2003

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004