انقطعت علاقة الأدب بالسينما أو كادت ومنذ تحويل رواية ''مالك الحزين'' لإبراهيم أصلان إلى فيلم ''الكيت كات'' بطولة محمود عبدالعزيز وإخراج داود عبدالسيد لم يلتق الأدب مع السينما الا لقاءات نادرة للغاية، وازدادت الجفوة بين الجانبين عندما غرقت السينما في بحر الكوميديا والأفلام المسلوقة التي يتم اعدادها في جلسات سريعة في المقاهي ويتبادل الفريقان من صناع الأدب والسينما الاتهامات: يتهم الأدباء السينمائيين بانهم بلا فكر ولا رؤية ويبحثون عن الربح بينما يتهم السينمائيون الأدباء بانهم افلسوا ولم يعد بينهم من يبدع عملا يصلح للسينما بعد ان غرقوا في التهويمات الرمزية التي لا تحمل أي مضمون كما ان أدباء الماضي أمثال نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم واحسان عبدالقدوس كانوا يجيدون لغة السينما وكان بينهم عدد كبير من برعوا في كتابة السيناريو والحوار لأعمالهم ولأعمال غيرهم أما أبناء الجيل الحالي فهم في رأي صناع السينما اشباه أدباء·يقول الأديب احمد الشيخ إن السينما المصرية تتراجع كما وكيفا وافتقدت التنوع في موضوعاتها وتعتمد بشكل مطلق على الكوميديا والافلام الموجهة للشباب لكن القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الاساسية لم تعد تعنيها كما ان تراجع الانتاج السينمائي على مستوى الكم ابعد السينما عن التنوع المنشود· ويضيف: في الماضي عندما كانت الدولة ترعى السينما من خلال مؤسسات حكومية قوية كان الانتاج السينمائي قويا وجادا ومتنوعا وتحولت روايات كبار الكتاب امثال توفيق الحكيم وطه حسين ونجيب محفوظ واحسان عبدالقدوس ومحمدعبدالحليم عبدالله ويوسف السباعي ويوسف ادريس وغيرهم الى اعمال سينمائية مؤثرة· وبعد خمود النشاط السينمائي وتقلص دور مؤسسات الدولة اصبح الانتاج منحصرا في مجموعة شركات خاصة لا هدف لها سوى الربح المادي بغض النظر عن المستوى الفني والفكري للافلام رغم ان الانتاج الادبي المتمثل في روايات وقصص لادباء الجيل الحالي جيد ومبشر ويهتم بالقضايا الاجتماعية لكن السينما لم تعد تهتم بمناقشة مثل هذه القضايا ودخلت نفق الاستسهال والسعي وراء موجه معينة من الموضوعات وهذه ينفي عن الادب والحركة الادبية تهمه التراجع على المستوى الكمي أو الكيفي· أدب الحداثة يرى الاديب محمد مستجاب أن التجريب والحداثة في الادب ليس تقليعة جديدة وعورة يجب اخفاؤها فهما شيء جيد فالحداثة والتجريب مطلوبان وأدباء كل جيل لابد أن يكونوا مجددين وإلا سنكرر انفسنا· ويضيف: إذا كان هناك تجريب وحداثة في الأدب فهناك تجريب في السينما ايضا وكان يجب ان يلتقي طرفا الابداع ليشكلا نقطة تلاق بحيث يستمر التعاون السينمائي الادبي ويأخذ اشكالا جديدة قائمة على التجريد والتجديد والابتكار واذا كان التجريب والحداثة في الأدب يلغيان الى حد ما الحدوته التقليدية فإن السينما ايضا على مستوى العالم اصبحت بعيدة عن الحدوته التقليدية· ودعا مستجاب إلى نقطة تلاق ادبية سينمائية اذا كان أهل السينما راغبين بشكل حقيقي في تقديم موضوعات جادة ومعبرة عن المجتمع فإذا كانت السينما حاليا قد غلب عليها الطابع الاستهلاكي واصبحت تتعامل اكثر بلغة ''السوق'' من ناحية موضوعاتها ومضامين افلامها فإن الأدب مازال محافظا على استقلاله الابداعي بعيدا عن لغة السوق والاستهلاك لذلك يمكن ان يرفع الأدب مستوى السينما لو أن السينما الحالية كانت جادة في عودة علاقتها بالأدب كمصدر لابداعها فالحركة الادبية والروائية لم تتراجع بل هي مستمرة وهناك العديد من الأعمال الادبية تصلح تماما للسينما والكرة في ملعب السينمائيين وعليهم ان يقرأوا ويتابعوا ويختاروا وتكون لديهم رغبة جادة في تقديم نوعية محترمة من الافلام· ويقول الاديب يوسف القعيد إن حالة الخصام بين السينما والادب ليس سببها تراجع النص الأدبي لكن سببها كسل السينمائيين في البحث عن الجديد في الادب وتقديمه فقد اصبحوا يريدون السيناريو السينمائي الجاهز الموائم للموجة السينمائية الحالية· واذا كان بعضهم يرغب في تقديم أفلام جادة فإن هؤلاء يريدون ان يسعى الاديب والروائي اليهم ليعرض عليهم انتاجه وهذا صعب والمفروض ان يحدث تلاق بين الجانبين في منتصف الطريق فالأصل في القضية ان يقرأ السينمائيون الادب ولدينا كنوز ادبية تصلح للسينما· وتؤكد الاديبة فوزية مهران ان الرواية تقدمت جدا كنص ادبي خلال العقدين الأخيرين واصبحت ديوان العرب بدلا من الشعر كما أن حركة ترجمة الأدب العربي -على مستوى الرواية تحديدا- لم تتراجع وهناك العديد من الروايات لاجيال حالية تمت ترجمة اعمالها مثل ابراهيم اصلان وابراهيم عبدالمجيد وصنع الله ابراهيم وجمال الغيطاني ويوسف القعيد وغيرهم ولكن السينما باتجاهها للكوميديا وللموضوعات الخفيفة ابتعدت بشكل متعمد عن النص الادبي وحتى اذا اصرت السينما على التشبث بالكوميديا كنوع وحيد لافلامها فهذا ليس مبررا لابتعادها عن الادب ويرى الناقد الأدبي د· علاء عبدالهادي ان شروط الانتاج وشروط الاستهلاك لكل من الرواية والفيلم السينمائي مختلفة فالسينما قطعة من الحياة اختارها مجموعة صغيرة من المبدعين للعرض على جمهور كبير أما الرواية فهي مهما تطورت تظل في اطار الخطاب البلاغي ورغم ذلك تظل اقرب الانواع الادبية الى السينما والدراما بشكل عام وحين تعلو السينما في خطابها ومضامينها تقترب اكثر من الأدب أو الرواية·ويضيف: العلاقة الان مقطوعة بين السينما والرواية والمشكلة ليست في مضمون الحكاية ولا في ارتباط الرؤية السينمائية بما تقدمه الرواية لكن في كيفية ايجاد تلاق بين السينما كصورة للحياة والرواية كتصور فكري وفلسفي لهذه الحياة·ومشكلة الانتاج السينمائي وشروطه ومفهومه عقبة في طريق تلاقي السينما بالرواية في الوقت الحالي فالسؤال عند المنتج هو ما الذي اريده من الفيلم؟ وما الذي اريد ان اوصله للجمهور؟ وقد اختلفت الإجابة عند منتجي اليوم عن منتجي الأمس· خصام ويرى المخرج علاء كريم أن الذين يكتبون للسينما حاليا لا يقرأون الادب ولا يتابعون الحركة الادبية فهم مشغولون فقط بقراءة الصحف وانتقاء بعض موضوعاتهم من صفحات الحوادث وليست لديهم القدرة على التجاوب مع نصوص سينمائية جادة وهذا ساهم في خلق حالة من الخصام بين السينما والرواية· ويؤكد ان موجة الافلام الحالية في السينما المصرية لا يمكن ان نسميها كوميديا ولا ان نضعها في هذا التصنيف لان الكوميديا الحقيقية يمكن ان نجدها في افلام مهمة مثل ''مراتي مدير عام'' و''الزوجة ''13 و''اشاعة حب'' وافلام اسماعيل ياسين وهذه هي الكوميديا الحقيقية الهادفة ذات المضمون· ونفى تراجع مستوى النص الادبي وقال: ليس لدينا حاليا اديب وروائي نجم مثل نجيب محفوظ واحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي وغيرهم ولكن هذا لا يعني ان الرواية تراجعت بل هناك ارتفاع ملحوظ وتجديد ملموس في حركة الرواية لكن الإعلام لا يواكب ذلك وثقافة الجيل الحالي من الممثلين وكتاب السينما بل وبعض مخرجيها تجعلهم ايضا غير مواكبين لهذه الحركة المزدهرة للرواية ويقول السيناريست بشير الديك: مؤخرا فقط حدث الانفصال بين السينما والرواية وهو انفصال متعمد من جانب الجيل الحالي من السينمائيين من كتاب ومخرجين وجهات انتاجية، وهذا ليس تقصيرا من جانب كتاب السينما الجادين الذين لا يزالون يقرأون الادب ويتأثرون به لكن المناخ السينمائي الحالي لا يساعدهم في كتابة سيناريوهات عن نصوص ادبية عكس جيل الثمانينات من المؤلفين السينمائيين والمخرجين الذين كان للأدب نصيب هائل في افلامهم امثال الراحل عاطف الطيب ومحمد خان وخيري بشارة وداود عبدالسيد ورأفت الميهي فكثير من افلام هؤلاء مأخوذة عن نصوص ادبية· ويضيف: هناك العديد من الأعمال الأدبية التي قرأتها واعجبت بها وتمنيت كتابتها سينمائيا لكن الظروف السينمائية الحالية تجعل هذا مستحيلا وعلى سبيل المثال عندما اعجبت برواية ''الناس في كفر عسكر'' للأديب احمد الشيخ تمنيت ان يرى الجمهور هذه الرواية في اطار مرئي ولم يكن امامي سوى التليفزيون لأقدمها من خلاله ولابد أن اشيد بالتليفزيون وبالدراما التليفزيونية التي عوضت حالة الخصام هذه بين السينما والرواية فلجأت الى روايات كبار الكتاب وقدمت اعمالهم من خلال مسلسلات درامية· ويرى الناقد السينمائي محمود قاسم ان السينما عندما تعاملت مع الأدب كان هناك من يؤمن بهذه العلاقة وهذه الرسالة من مخرجي السينما امثال صلاح ابو سيف وبركات وعزالدين ذو الفقار وحسن الامام وحسين كمال واشرف فهمي وعاطف الطيب وهؤلاء كانوا على علاقة قوية بحركة الادب وعندما اختفوا بدأت العلاقة تضمر حتى وصلت مؤخرا الى حد الخصام لان الحاليين لا يقرأون الادب ولا يحبونه والادباء من جانبهم لا يسعون الى السينما لكن لا يرفضونها كنوع من الذيوع والانتشار لابداعهم واعتبر المخرج سمير سيف آخر المخرجين الذين اهتموا بوجود علاقة بين الادب والسينما في افلامه·وقال: هناك مشكلة اخرى وهي أن معظم ادباء الجيل الحالي لا يشاهدون السينما ولا يذهبون اليها لذلك يخرج انتاجهم بعيدا عن الفكر والشكل السينمائي ومطلوب من هؤلاء الادباء متابعة السينما حتى يكون ابداعهم متأثرا بما بلغته السينما وحتى يحدث نوع من التقارب بين السينما والادب· كوادر إحسان في المقدمة يعد الكاتب والاديب احسان عبد القدوس من اكثر الادباء المصريين الذين تحولت اعمالهم الادبية الى افلام سينمائية اذ قدمت السينما 43 فيلما عن رواياته وقصصه، ويأتي نجيب محفوظ في المرتبة الثانية بواحد وأربعين فيلما عن رواياته· وتوفيق الحكيم 22 فيلما، واسماعيل ولي الدين 15 فيلما في حين لم تتجاوز الاعمال المأخوذة عن ادب يوسف ادريس اكثر من 22 فيلما ويوسف السباعي 15 فيلما وثروت اباظة 6 افلام· دعاء الكروان من جيل الرواد من الادباء الذين اخذت السينما بعض أعمالهم نلاحظ اسماء مثل د· طه حسين وفيلمه الشهير ''دعاء الكروان''وكذلك يحيي حقي والمنفلوطي ومحمد حسين هيكل ويوسف جوهر وعبدالرحمن الشرقاوي وعبدالحميد جودة السحار· رجال ونساء هناك عدد كبير من الأدباء كان لهم تواجد سينمائي من خلال اعمالهم التي حولتها السينما الى افلام لكن العدد لم يكن كبيرا ولم يتعد 15 فيلما مثل ابراهيم اصلان ويوسف القعيد وجمال الغيطاني وابراهيم مسعود ونعمان عاشور ومصطفى محمود ومحمد عبدالحليم عبدالله ومجيد طوبيا وابراهيم الورداني وخيري شلبي وسعد مكاوي وفتحي ابو الفضل وحسن محسب، وكان ايضا للادب النسائي نصيب في السينما حيث تحولت بعض اعمال اقبال بركة وسلوى بكر وسكينة فؤاد وزينب صادق الى افلام سينمائية· الإتحاد الإماراتية في 4 يوليو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
القاهرة/ أحمد الجندي |
|