هذا السؤال حاول أن يجيب عليه "محمد وليد جداع" في كتابه القديم الفريد "الموقف من سينما إسلامية" والصادر في طبعته الثانية عام 1989 عن دار الوفاء بمصر. والكتاب على قدم تاريخ صدوره، فريد في بابه، فلم يسبقه إلى إفراد الرؤية الإسلامية للسينما بكتاب مستقل ولم يليه أحد -فيما أعلم-، ومن ثم فالكتاب على صغر حجمه (135 صفحة من القطع المتوسط) لا غنى عنه كمرجع في بابه. وبالرغم من كل ذلك فإن الكتاب ليس إلا مقدمة في الموضوع، حيث يثير من الأسئلة أكثر مما يقدم من إجابات، ولعل السبب في ذلك هو ريادة صاحبه لحقل من حقول الألغام، ومن ثم فربما فضل ألا يقدم حلولا لما تثيره مناقشة الموضوع من إشكالات خوفا من عواقب ذلك. ويتناول الكتاب الموضوع في 7 فصول: مواقف الإسلاميين من السينما الفصل الأول المعنون بـ "الإسلام والسينما" يتناول أولا ضرورة تناول السينما وتحديد موقف منها بشكل واضح؛ باعتبار ما للسينما من وجود وتأثير في الواقع، "وما يتحلى به المسلم من منهج عملي في مواجهة الحقائق والأوضاع القائمة". وإن كان يثنّي بأن هذا الموقف آخذ في التبلور بشكل عملي، مبرهنا على كلامه بما حدث من تطور موقف الإسلاميين من التليفزيون، وبأن بعض الإسلاميين اعتمدوا أفلاما مثل عمر المختار والرسالة كإحدى وسائل إعلامهم الداخلية. أما على المستوى النظري فيرصد الكاتب 4 مواقف نظرية من السينما: * أولها موقف الأستاذ محمد قطب الذي يرى فيه أن السينما هي آخر مجال يمكن أن يدخل في نطاق الفن الإسلامي، مبررا ذلك بأنها بصورتها الحالية بعيدة جدا عن الجو الإسلامي. * ثانيها موقف مجلة الدعوة الصادرة من النمسا والذي ورد في أكثر من مقال لها ينحو باللائمة على المواقف السلبية للإسلاميين من السينما، ويعتبر ذلك الموقف أحد أسباب تخلف السينما العربية عن الاهتمام بالقضايا الإسلامية، كما يدعو الإسلاميين إلى الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة لإيصال دعوتهم إلى الناس. * ثالثها موقف الناقد السينمائي الأردني حسان أبو غنيمة ويرى فيه أن السينما كفن من الفنون لا بد أن تأخذ دورها في خدمة المفاهيم والحضارة الإسلامية. * أما رابعها فعبر عنه الفنان والمخرج جلال الشرقاوي حيث يرى أن الفنون يمكنها أن تفعل ما لا تفعله المدارس ولا الجوامع في أن تكون وسيلة لحب الإسلام، وأن السينما هي لغة الفن الأسهل إدراكا والأقوى حجة للإقناع؛ ومن ثم فإنها يمكن أن تكون مساعدة للإسلام في متابعة رسالته. السينما الإسلامية.. ما هي؟ الفصل الثاني للكتاب يعود بالموضوع خطوة للخلف ليرسم إطارا نظريا له من خارجه.. إطارا من مفهوم الفن الإسلامي، مستعرضا رأي محمد قطب الذي يؤكد على أن "الفن الإسلامي ليس بالضرورة هو الفن الذي يتحدث عن الإسلام.. إنما هو الفن الذي يرسم صورة الوجود من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود... هو التعبير الجميل عن الكون والحياة والإنسان". أما الناقد حسان أبو غنيمة فيرى "أن الفن الإسلامي ليس من الفنون التي يسهل استيعابها وفهم مدلولاتها؛ لأن ذلك يستدعي الفهم الشامل للفلسفة الإسلامية".. أما صلاح ستيتة فيرى أنه "ما دام الله سبحانه وتعالى هو الدائم الوحيد فليكن الفن الإسلامي فنا يشهد بالتبدل ويسجله". ومن تلك المساجلات حول مفهوم الفن الإسلامي يستخلص الكاتب أن السينما الإسلامية هي تلك التي تلتقي بتصورات الإسلام عن الله والكون والحياة والإنسان التقاء جزئيا أو كليا، وهو ما يجعل المجال فسيحا متسعا أمام السينما الإسلامية، ويجعلها موجودة فعلا منذ الآن وإن لم يصنعها إسلاميون. السينما العربية.. التاريخ والواقع ويتناول الفصل الثالث تاريخ السينما العربية وواقعها كنموذج عملي لواقع السينما في بقعة من بقاع العالم الإسلامي. تاريخيا كما يقول الباحث بدأت السينما في البلدان العربية بعيد بدئها في فرنسا عام 1895، معللا ذلك باستعمار تلك البلدان من قبل بريطانيا وفرنسا، وأن السينما حينما جاءت حملت معها معالم الثقافة الغربية وتأثيراتها إلى العالم العربي، بل حملت أيضا تأثيرات اليهود الذين وعوا لأهمية السينما منذ المؤتمر الصهيوني الأول في بال. ويسرد الباحث نقولا للناقدين سمير فريد وحسان أبو غنيمة عن الأخطار التي يراها لتلك التأثيرات الاستعمارية، تشير إلى أن دخول السينما كان لإلهاء الشعوب عن واقعها المرير ولدفعها لليأس والإحباط وكذلك تشويه حضارة الشعوب المستعمرة، وبث الإيمان بحضارة الغرب وضرورة سيادتها على غيرها من الحضارات، وفي سبيل ذلك يتم تشويه تاريخ الحضارة الإسلامية. ويؤكد الباحث أن تلك الأخطار تسربت إلى السينما العربية التي ظلت حبيسة الاستعمار، فظل النموذج الهوليودي في السينما من أجل التسلية والحيلولة دون التفكير في تغيير الواقع ومن ثم التسليم بما هو كائن. والأخطر من ذلك أن السينما العربية والغربية على السواء لعبت دورا كبيرا في هدم وتخريب القيم وتشويه العقل، ودفع المشاهد للبحث عن قيم غريبة بعيدة عن تقاليده وقيمه. بعد ذلك يستعرض سريعا نماذج من تلك السينما العربية المشوهة والتي جعلت أماكن التصوير محدودة بالملاهي وأندية القمار وسباق الخيل، وحبيسة قصص الحب المكررة. بعد ذلك يستعرض بالأرقام وضع السينما العربية في مقابل الغربية، فيبين ضعف الإنتاج السينمائي العربي ورداءته، في مقابل غزو الأسواق العربية بالأفلام الغربية، والأمريكية منها بصفة خاصة، حيث لم تتعد نسبة الإنتاج العربي ما نسبته 10% من حجم استهلاك الأفلام سنويا في المتوسط. ثم يستعرض إحصاءات عن عدد دور العرض ومقاعدها ونسب حضور العروض السينمائية، يتبين منها أن دور العرض قد تصل إلى 1500 في العالم العربي، ونسبة من يشاهدون العروض إلى إجمالي السكان قد تصل إلى 30%، وهذا لا يعني أن الـ 70% الباقية بمعزل عن تأثيرات السينما، خاصة مع نقل التليفزيون (والفيديو والدش والسي دي والإنترنت) للسينما إلى المنازل، ومن ثم يصل إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن أن نترك تلك الجماهير نهبا للتأثيرات السلبية للسينما الأجنبية والعربية التابعة، وبالتالي فلا بد من وجود سينما إسلامية أصيلة لتحجيم تلك التأثيرات على الأقل، وأن تلك السينما لا بد لها أن تتجه للجماهير العامة وليس لجماهير السينما الخاصة التي فقدت الكثير من مستوى ذوقها ووعيها. السلطة السياسية والسينما أما الفصل الرابع فيعرض لعدد من أهم الإشكالات التي تواجه السينما عموما والإسلامية منها بوجه خاص: * السينما والسلطة السياسية: حيث إن للدولة في العالم العربي خاصة تأثيرا على السينما متمثلا في (http://www.islamonline.net/arabic/arts/2003/05/article01.shtml" \t "_blank) وتوجيه صناعتها، بل قيام الدولة بالصناعة في إطار توجهاتها. ففي موضوع الرقابة يؤكد على أن حاجة السينما لدور عرض جعل للدولة سلطة استثنائية عليها، وإن كان الفيديو قد حل جزءا من ذلك الإشكال إلا أنه ما زالت السينما تعني دورا للعرض. * ثم يستعرض طرفا من تاريخ الرقابة على السينما، ففي مصر نشأت الرقابة كأحد أدوار وزارة الداخلية أثناء الحرب العالمية الأولى باعتبارها من إجراءات الأمن العام، وفي عام 1938 أصبحت الرقابة من مهام وزارة الشئون الاجتماعية، وقد صدر أول قانون للرقابة على الأفلام عام 1947، وتم تغييره في عام 1955، ثم أعيد استخدام القانون الأول مع تعديله في عام 1976. أما في سوريا فقد كانت الرقابة يقوم بها رجال تعينهم الحكومة من أي وزارة كانت، وفي عام 1958 صارت تلك مهمة وزارة الثقافة، أما في البلدان العربية الأخرى فساد أسلوب المنع الشفوي. * أما بالنسبة لقوانين الرقابة فقد اختلفت من بلد لآخر، وإن ظلت الدول دائما تطبق في رقابتها دستورا غير مكتوب، بما يتلاءم مع الزمان والمكان وطبيعة النظام السياسي. * وبعدما يستعرض نماذج من حالات الرقابة والمنع يصل إلى خلاصة مفادها أنه "إذا قدر لأناس أن يفكروا بصناعة سينما إسلامية فسيجدون أمامهم مجالات واسعة جدا لهذه الصناعة، ولكنهم كلما اقتربوا من الواقعية فسيجدون مشكلة السلطة السياسية في مواجهتهم باستمرار"، ويحذر من أن يؤدي ذلك إلى شكل من أشكال الرقابة الذاتية التي تضع حدودا للتعبير. ويتحدث بعد ذلك عن أنماط من الرقابة الشعبية يتم تنفيذها في عدد من البلدان الأوروبية بديلا عن رقابة السلطة السياسية، وأنه يحبذ هذا النمط من الرقابة. * ويختم الحديث في تلك النقطة بأن الرقابة على الأفلام تعني توجيها لمضمون السينما له آثاره الضارة، فإذا أضيف إلى الرقابة أن تمارس السلطة السياسية توجيه السينما لتتوافق مع توجهاتها، بل وممارسة صناعة السينما بنفسها فإن كل ذلك يؤكد أهمية دور الدولة في صناعة السينما. مبررات الحاجة إلى سينما إسلامية وفي ختام الفصل الرابع يعالج مبررات رؤيته حول ضرورة أن يكون هناك "سينما إسلامية"، ويقسم تلك المبررات إلى مبررات وقائية وأخرى إيجابية، أما الوقائية فهي: * أننا نوقف بها مظهرا من مظاهر الغزو الثقافي لأمتنا. * وطريقة لمواجهة حملات التشكيك والعداء الموجودة في جزء من السينما الأجنبية. * ووسيلة للحد من التأثيرات السلبية للسينما الغربية. * ومواجهة عملية تخريب وقتل المشاهد العربي.
* اتخاذ الموقف اللازم إزاء كل الأدوات والوسائل والتقنيات والمجالات الجديدة، وهو موقف الاستيعاب والامتلاك والاستحواذ، ومن ثم توظيفها في خدمة قضايا الأمة ومشكلاتها. * سعة التصور الإسلامي تجعل من السهل أن تتطرق السينما الإسلامية إلى جوانب ومجالات متعددة لا حصر لها في الماضي والحاضر والمستقبل، في الكون والحياة والإنسان. * إمكانية توظيف السينما لصالح العمل الإسلامي السياسي بوجه خاص. * تحقيق التواصل السينمائي والإعلامي بين مختلف دول العالم. إلا أنه بعد تلك المبررات يجب وضع ضابط أن الضرورة تقدر بقدرها، وأن السينما الإسلامية ليست متقدمة في سلم الأولويات فهناك أولويات أخرى تسبقها. وفي نهاية الفصل يطرق نقطة السينما والحلال والحرام، فيقرر أنه لم يعد صعبا اليوم أن نقول: إن السينما مجرد أداة توظف لصالح الإسلام فتكون إسلامية، وتوظف لغير صالحه فتكون غير إسلامية، ومن ثم فإنها شأنها شأن غيرها من الفنون مرهونة بالوظيفة التي تؤديها. الطريق إلى سينما إسلامية في هذا الطريق يتناول الباحث في الفصل الخامس 3 مواضيع: * الأول: من يصنع السينما الإسلامية؟ حيث يرى أنه من اليسير الإجابة بأن الأجدر بصناعة السينما الإسلامية هو الإنسان المسلم الفنان؛ لأنه الأقدر على تقديم الإسلام في السينما أو أي فن آخر، حيث تكيفت نفسه وصار لها حساسية شعورية تجاه الكون والحياة والإنسان، حيث إن النظريات السينمائية الحديثة تؤكد على المعايشة وأهميتها، ومن ثم فإنه لا يكفي لإقامة السينما الإسلامية النوايا الطيبة، ومن ثم فلا بد من التخطيط للتعامل مع السينما بكافة عناصرها، ليس فقط نظريا، بل تطبيقيا. غير أن النظر للواقع ييسر علينا الأمر بعض الشيء، حيث إن التحولات التي تحدث تجاه الإسلام في المجتمعات الإسلامية تختصر المسافات. ويرى الباحث أن سعة التصور الإسلامي ورحابته لا تجعل التعبير الفني الذي يلتقي ولو جزئيا بالفن الإسلامي حكرا على المسلمين فقط، ومن ثم فهو متاح للبشرية كلها لأنه يخاطب الإنسان من حيث هو إنسان. * الثاني: مواضيع السينما الإسلامية: ويؤكد أن التاريخ الإسلامي ليس هو المجال الوحيد للسينما الإسلامية - على عكس ما يتصور الكثيرون- وأن مجالات السينما الإسلامية لا حصر لها، تتنوع وتتوسع طالما بقيت متوافقة مع التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان. * الثالث: عقبات في طريق سينما إسلامية: ويتناول فيه 6 عقبات: - معضلة المرأة: حيث يراها المعضلة الرئيسية في سبيل ظهور سينما إسلامية، حيث إن الإنسان هو محور العمل السينمائي، والمرأة نصف الإنسان، فهي نصف محور العمل السينمائي، وحين يؤخذ الإسلام بجد فينبغي ألا تظهر المرأة أمام الآخرين إلا مغطاة الرأس، محتشمة اللباس، والممثلة المسلمة مهمة لهذا العمل، لكن: أي مسلمة ملتزمة تتقدم لهذا العمل؟، خاصة في ظل أجواء العمل السينمائي وما فيه من اختلاط. غير أنه رغم ذلك يرى أن تلك المعضلة لا تستعصي على الحل. - التنظير: حيث إن التنظير خطوة أولى في أي نشاط إنساني، يتطور مع الولوج والمباشرة، والسينما الإسلامية ليست استثناء، وما كتب فيها حتى الآن لا يتعدى تعرضا في كتاب محمد قطب، وبحثا لحسان أبو غنيمة، وهذا لا يكفي للتنظير لهذا المجال. - صناعة السينما: إن السينما صناعة كبيرة تحتاج للمتخصصين المحترفين، وإن بعد أجواء الأستديوهات والمعاهد والصالات عن الجو الإسلامي يجعل إعداد كوادر مدربة في هذا المجال صعبا، بسبب ما يثيره هذا الجو من حرج، وربما يكون اتجاه بعض العاملين في الحقل السينمائي للإسلام هو السند الأول في إعداد تلك الكوادر. - التمويل: ولكون السينما صناعة فإنها تحتاج لاستثمار برؤوس لأموال كبيرة، ومن ثم فإنها تحتاج للمنتج الذي يوظف ماله في صناعة أفلام إسلامية تحقق ربحا، وتلك الأموال المطلوبة تصل إلى الملايين الآن، ومن ثم فإنها معادلة صعبة لا بد لها من حل. - الحرية السياسية: إن السينما الإسلامية حين تكون جادة في تناول مشكلات العالم الإسلامي ستصطدم حتما بمسألة الرقابة، ومن ثم ستكون أدعى لمنع العرض والتوزيع، ومن ثم فإن تلك القضية ل ابد من التعامل معها بحذر ودقة. - سلم الأولويات: حيث إن السينما تظل متأخرة في سلم أولويات الإسلاميين، وهذا يقلل من فرص دعمها والنهوض بها. وهذا لن يحل إلا بأن يتفرغ بعض من الإسلاميين لهذا العمل ممن لديهم الاهتمام والموهبة في إطار عمل مؤسسي، حيث إن هذا يحقق صالحهم وصالح العمل في هذا المجال.
* أن تنظم إحدى المؤسسات ندوة خاصة عن السينما الإسلامية يجتمع فيها المهتمون مع الممارسين المهتمين. * أن يقوم الإسلاميون بإعداد فيلم إسلامي عن إحدى الشخصيات الإسلامية المعاصرة. وفي النهاية يختتم الباحث كتابه في فصلين يعرض نماذج سيئة ومسيئة للإسلام من الأفلام السينمائية، ثم يعرض لنموذج فيلم أردني قصير، هو فيلم "الحذاء" كنموذج لفيلم يراه إسلاميا من ناحية الشكل والمضمون، وإن لم يقصد مخرجه ذلك. وعلى الرغم مما يمكن أن يوجه للكتاب من نقد في تكرار أفكاره (داخل الكتاب ذاته)، بل حتى استشهاداته المتكررة من مصادر محدودة، فإن عذره هو ريادته في بحر ضحل المياه، فلا كتابات كثيرة تغني، ولا تجربة عميقة تثري، ورغم ذلك فإنه قلّب الأمر على جميع وجوهه، وطرق جميع أبوابه المغلقة. موقع "إسلام أنلاين" في 4 يوليو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
قراءة في كتاب قديم وفريد
د.مجدي سعيد |
|