نجح المخرج المغربي عمر كاملي بن حمو من خلال
شريطه التلفزيوني التخيلي لن ننساك في كسب عطف الجماهير المتتبعة للشريط الذي
عرض مساء السبت في الدار البيضاء، لأن المخرج وقع علي قيثارة حزينة ومؤلمة
تتجلي أولا في اشتغاله علي الأحداث الإرهابية الأخيرة التي ضربت مدينة الدار
البيضاء والتي أودت بالعديد من الأبرياء، وثانيا لأنه فنان سينمائي عرف كيف
يوظف طاقاته الإبداعية ويقدم منتوجا يستحق كل التشجيع والاحترام. هكذا اعتمد
المخرج المنتج علي مجموعة من الطلبة الشباب والطالبات من أجل إبداع فيلمه
الجديد، ومدته عشرون دقيقة باللغة الدارجة، وهو إنتاج مشترك بين القناة
الثانية وشركة الإنتاج
GFCP أما الفكرة فهي من إبداع ورشة كتابة ثانوية محمد الخامس بالدار
البيضاء، فيما كتب السيناريو الفنان سعد الله عبد المجيد. هكذا استطاع المخرج بالاعتماد علي الفنانة سعاد أزكون أم الطيب وعبد الواحد الذي شخصه مصطفي السلاوي، ثم شخصية الطيب التي جسدها طريق علمي الغماري، وأخته مريم هاشمي وآخرون، أن يقدم للجمهور والمتفرجين الذين كان من بينهم وزير التربية والشباب السيد الحبيب المالكي، وزوجة المرحومين رئيسة جمعية ضحايا 16 ايار (مايو) الأسود، والتي طالبت بتحويل لن ننساك إلي شريط طويل، استطاع أن يقدم فرجة تلفزيونية/ سينمائية قصيرة لكنها تفيض مهنية واحترافية من ناحية الإخراج والتصوير، والتقنيات الحديثة في التعامل مع الصورة والصوت، وهو ما أعطي فيلما بكل المواصفات الحديثة استنادا الي موضوع الاجتماعي والكوني، جسده بكل تفان طلبة أذرفوا دمعا دافئا لفراق صديق عزيز. بالإضافة إلي المكونات التي اعتمدها المخرج في إيجاد مشاهد حية وجميلة، لا نغفل في هذا الباب الموسيقي التصويرية التي أبدعها الفنان نوري، هذا الأخير الذي عاد من فرنسا، كان مثل المغرب والقارة الإفريقية في مهرجان عالمي للموسيقي الفرنكوفونية، وهو ما يعطي للفنان صورة المبدع الذي جعل من الموسيقي التصويرية لفيلم لن ننساك موسيقي حزينة لها إيقاع المراثي والشعر، والحلم المنكسر علي المرايا الألم، تلك الموسيقي الساحرة جعلت المشاهد يبكي من تلقاء نفسه، وهو ما يمنح الشريط الجميل أبعادا جمالية وشاعرية حزينة وظفها المخرج من اجل متعة بصرية يبحث عنها الجمهور هنا وهناك. في الشريط أيضا هناك العديد من المؤثرات التقنية أهمها جودة الصوت وبهاء الصورة، ونقاوتها، هكذا كان الشريط قصيرا وكانت المشاعر والأحاسيس فائضة إلي أبعد الحدود، حيث أثناء العرض وفي صمت الظلام كان يصل إلي مسامع المتفرجين صوت ببكاء خفيف ودموع حزن وألم دفين علي الأرواح البريئة من مثل روح الطيب الذي حل في عمر الزهور، أحب حمام السلام، ورحل وفي قلبه غصة حلم لم يكتمل بعد فما أقسي الحياة. هو ذا الشريط الذي وظف العديد من الرموز كالحمامة واللون الأبيض والعلم الوطني، فكانت بعض المشاهد تحبل بثنائية ضدية لها الكثير من المعني، كسقوط مزهرية ورود الحب وحمامة السلام الجريحة والموسيقي الحزينة، كان موفقا وناجحا بكل ما تحمله الكلمة من معني لأنه عالج موضوعا وطنيا وكونيا. وبالمناسبة، وعد مخرج الشريط في حالة عرضه بالخارج سوف تمنح نسبة 40 في المئة لجمعية ضحايا العمليات الإرهابية، مما يؤكد سخاء الفن وتضحيته من اجل قضايا كونية عادلة. ثمة إذن كان الشريط وكانت الدلالة واضحة علي المستوي التربوي والتعليمي، وترسيخ قيم السلام والتسامح ونبذ خيار العنف... لن ننساك في هذا الإطار مسحة حالمة بايقاع حزين جدا، عرف المخرج عمر من خلاله كيف يبني للجمهور أعشاشا من الحلم عبر السينما والتلفزيون، بحثا عن الفرجة وعن حلول لمشاكل ومعضلات تؤرق بال الفنان والمجتمع، ولعل مثل هذه الأعمال الفنية تستحق الكثير من الدعم والمساندة القوية، والتكريم لما للخطاب الفني والسينمائي والتلفزيوني فيها من تأثير عميق، في السلوك والوعي الجماعي والحضاري، وتوعية المجتمع توعية حقيقية. القدس العربي في 3 يونيو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
فيلم "لن ننساك" مرثية سينمائية بايقاعات شاعرة المخرج بن حمو يكرم ضحايا أحداث 16 ايار |
|