شعار الموقع (Our Logo)

 

 

هذه المرة غاب رشيد مشهراوي عن مهرجان "كان" وسيغيب عن مهرجان الفيلم العربي في باريس. والسبب بسيط: فيلمه "انتظار" الذي كان يفترض انجازه منذ زمن ليشارك, ربما, في المهرجانين أو أحدهما, لا يزال في مراحله الأولى... ولم يبدأ تصويره بعد. عقبات انتاجية؟ فنية؟ تقنية؟ ربما كل أنواع العقبات مجتمعة كما العادة بالنسبة الى أي فيلم فلسطيني.

المهم, بدلاً من "كان" و"باريس" قصد رشيد مشهراوي خلال الفترة الفائتة بيروت ودمشق, حيث يبحث صاحب "حيفا" و"حتى اشعار آخر" و"تذكرة الى القدس", في مخيمات لبنان وسورية عن وجوه تناسب شخصيات فيلمه الروائي الجديد الذي سيصور بين هذين البلدين وفلسطين. وكانت مناسبة لإجراء حوار معه, حول جديده وقديمه وحول السينما الفلسطينية في شكل عام.

·         لديك مركز إنتاج سينمائي في رام الله وأنت ممنوع من العودة إليها, ما الذي يمنعك؟

- ما يمنعني هو الاحتلال الإسرائيلي, فأنا بالأساس أحمل هوية غزة وأقيم فيها, وسكان غزة ممنوعون من التنقل خارجها إلا بإذن خاص من سلطات الاحتلال. وأنا حاولت أن أحصل على هذا التصريح, ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل, وسافرت أخيراً إلى الأردن ثلاث مرات وحاولت أن أدخل من طريق جسر اللنبي إلى بيتي ومكتبي في رام الله, ولكني لم أستطع الوصول إلى هناك. بعد شهرين سأكون في غزة, وسأعاود الكرّة للوصول إلى رام الله, ولكن الأمور كما ترى تسير من سيئ إلى أسوأ.

·         عندما تنشغل بتصوير فيلم من أفلامك في منطقة مشتعلة مثل فلسطين - هل تشعر بحيادية ما؟

- لا إطلاقاً, ولا مرة شعرت بحيادية في أي فيلم, فأنا دائماً أقف على أرض فلسطينية بالكامل, حتى في المناطق التي ممنوع عليّ أن أتواجد فيها, وأكون موجوداً فيها أساساً بغرض التصوير, أنظر الى الأشياء من وجهة نظر فلسطينية خالصة. حتى السيناريوات أكتبها من موقع فلسطيني. زوايا الكاميرا فلسطينية... فيلم "حتى إشعار آخر" صوّر من داخل بيت فلسطيني, ووجهة نظر الكاميرا من وجهة نظر البيت.

لا تعاطف

·         ولكنك قلت ذات مرة أنك عندما تكون خلف الكاميرا, وإذا ما أصيب مثلاً أحد المتظاهرين أمامك, فإن عملك يمنعك من التعاطف معه, أفليست هذه مهمتك في هذه اللحظة؟

- هذا موضوع مهم. أنا أرى أن السينما الفلسطينية محتلة من إسرائيل, وهي تصبح عبارة عن رد فعل على حدث إسرائيلي. وأنا أعتبر أن السينما يمكن لها أن تكون فعلاً قائماً بحد ذاته. أنت ترى أن الأحداث تكرر نفسها, والجديد هو الفيلم الذي أعمل عليه, ووجهة النظر التي يتناولها. المشاهد الساخنة لا تغري في حال إخراج فيلم روائي مبني على سيناريو مكتوب, وعليك أن تملك نضجاً كافياً حتى لا تعطيهم فرصة التغلب عليك وتحويلك إلى مجرد رد فعل على ممارساتهم. وما يحدث الآن في السينما الوثائقية الفلسطينية هو أن تسعين في المئة من أفلامها هي في واقع الأمر فيلم واحد. ما حدث في مخيم جنين, ونحن هنا الآن في دمشق نرى أن الشيء نفسه يحدث في مخيم رفح, وهو الشيء ذاته الذي حدث في نابلس وفي أماكن كثيرة أخرى. هل سأجيء بعد 56 سنة من الاحتلال على تبيان مساوئه من خلال فيلم وثائقي يرصد تدمير البيوت وقلع الأشجار؟ أعتقد أن السينما الفلسطينية مدعوة الآن لتجاوز كل هذا بلغة بعيدة عن المباشرة, وعلى ذلك دع الأخبار والصحافة تقوم بدورها, والسينما أيضاً تقوم بدورها. لو انجررت أثناء تصوير فيلم روائي طويل وراء أي حدث, فأنا أصبح صحافياً وهذه ليست وظيفتي كسينمائي, أنا أحاول أن أحرر السينما من الاحتلال.

·         المكان ضيق جداً في "حتى إشعار آخر" وهو أقرب في إخراجه إلى مسرح مستسلم لجمهوره؟!

- كانت لي محاولات عدة لأن أصور في غرفة واحدة, (الملجأ) كان كذلك, كانت هناك محاولة للخوض في التفاصيل الصغيرة, لحياة اللاجئين الفلسطينيين أثناء حظر التجول, كانت هناك محاولة للتعامل مع الزمن الفلسطيني من حيث الدقائق في "حتى إشعار آخر", المكان في معظم أفلامي هو شخصية, في فيلم (حيفا) مخيم عقبة جبر في أريحا هو شخصية, أنا لست مسرحياً, ولم أتعامل مع المسرح إخراجاً أو كتابة, ومع ذلك فأنا أحياناً أكّون خشبة مسرح في السينما وألعب عليها كما في "حتى إشعار آخر" فناء البيت هو خشبة المسرح, والغرف هي الكواليس, وأحياناً تتبدل الأدوار. أنا حولت (المكان الواحد) إلى أمكنة عدة, بالإضاءة وبالخصوصيات التي تعطيها للأفراد, فأنت تقرر لكل واحد منطقته التي يخرج منها ويعود إليها, تكون قد تجاوزت عقدة المكان الواحد. طرق هذا الموضوع من قبل نقاد السينما في السابق, وعلى أية حال هناك أشياء شخصية لها علاقة بالموضوع, فأنا كتبت السيناريو وأنا أعيش حظر التجول في غزة أثناء حرب الخليج الأولى... وكانت مادتي للكتابة, الأشياء التي رأيتها أمامي, وخلف الشبابيك والجدران.

·         في فيلم "تذكرة إلى القدس" ثمة الكثير مما هو مشغول عليه في فيلم "خلف الأسوار" ما سبب الإصرار في العودة إلى القدس القديمة؟

- "تذكرة إلى القدس" ولد من "خلف الأسوار" والفارق بينهما, هو أن الثاني فيلم وثائقي يتحدث عن حالة فلسطينية داخل السور, فالاستيطان يقضم البيوت متراً متراً. في "تذكرة إلى القدس" أنا موجود في نسيج القصة, وأعتقد أن السينما يجب أن تستمر على رغم ما يحدث, ولهذا أرى (ربما) أن "خلف الأسوار" لم يكفِ كفيلم, فسرعان ما وجدت نفسي تلقائياً أعود إلى القدس القديمة في فيلم "تذكرة إلى القدس", وربما كان "خلف الأسوار" هو بحث عن فيلم روائي طويل من دون قصد.

·         هل يمنحك ذلك امتحان الحنين فقط للعيش في هذه المدينة... عبر مغامرة بطلك في العبور نحوها لعرض الأفلام كما في "تذكرة إلى القدس"؟

- قد يبدو حديثي كما لو أنني أتلفظ بالشعارات, ولكن حياتنا أحياناً تبدو مثل هذه الشعارات... كيف؟ مشكلاتنا الكبرى: القدس - اللاجئون - الاحتلال - الاستيطان, وما يترتب على كل ذلك من قمع وتقتيل وتشريد. في "تذكرة إلى القدس" ثمة محاولة لعمل فيلم روائي وثائقي يتعامل مع كل هذه الأشياء السالفة الذكر من خلال قصة عارض أفلام عائد من أحد مخيمات اللجوء في الشتات, وهو يسعى لعمل تجربة على أرض الوطن.. هكذا هو "تذكرة إلى القدس" فيلم بسيط عن واقع معقد كثيراً.

·         هل يشبهك عارض الأفلام في شيء؟

- يشبهني في أشياء كثيرة, ليس في طريقته بعرض الأفلام, فهذه ربما تكون حكاية أحد العارضين في المركز. أنا مصرّ على إنجاز العروض دائماً, وبأي طريقة كانت بتهريب الأفلام, باختراق الحواجز, بالمشي سراً في شوارع القدس. تصميمه فقط يشبهني.

·         تمكن الفلسطيني الجديد من مغادرة نفق الضحية في أفلامه.. هل يتساوق هذا مع وضعه على أرض الواقع؟ وهل السبب كان يكمن أساساً في عدم تمكنه أصلاً من صناعة أفلامه؟

- دعنا نقول هكذا: السينما الفلسطينية التي عملت قبل ثمانينات القرن الماضي هي في جزء كبير منها شعارات وخطابات وتقارير, وكانت عملياً تخلو من السينما. عدم قدرة صانعيها في وقتها على معايشة الحياة اليومية لفلسطين جعلهم يخلقون الشعارات كبديل, وهي (السينما) كانت بخدمة أحزاب وتنظيمات, وكانت مثلها مثل هذه التنظيمات... يجب أن تقاتل وتقاوم رافعة شعار ثورة حتى النصر. جئنا نحن في التيار الجديد, لنبحث عن الأهداف نفسها, ولكن بلغة سينمائية أخرى, لا يكون الفلسطيني فيها ضحية... ونقطة. الفلسطيني صار يبكي كما في فيلمي "دار ودور" مثلاً, وهو فيلم كان بمثابة نقطة تحول بالفيلم الوثائقي الفلسطيني, فإذا ما قدر لك أن تترجم معاني الأفلام فستستوحي منها أن الفلسطيني بالطرح الجديد مثله مثل أي إنسان, ويمكن له أن يبكي بسهولة, وأن يكون سيئاً, أو أن يكون عميلاً ويضرب زوجته, وهو في الوقت نفسه المقاتل والمحامي وصاحب القضية. لا أريد أن أتحدث عن أشياء بديهية, أنا يمكن لي أن أشاهد ثلاث دقائق يعرف فيها الفلسطيني كضحية.. ومن ثم أتساءل فقد فهمت أنه ضحية, وما الذي يفعله حتى لا يظل ضحية, وحتى أتمكن من مساعدته, وأتعرف إليه, وأنت ستكتشف أنه جاء من مكان مهم جداً في هذا العالم اسمه فلسطين, ولديه فيها خصوصيات رائعة, ولديه لهجته ولون إيقاعه, ولك أن تتذوق فيه الفنان أو المخرج أو الراقص.

ندرة

·         ما هي أسباب ندرة الفيلم الفلسطيني الروائي الطويل, في مقابل كمٍّ كبير من الأفلام القصيرة؟

- أنا أعزو الأمر إلى شيئين: الامكانات وهي نوعان: إمكانات مادية, وإمكانات تقنية تنقصنا, من بينها الكادرات الفنية, المختبرات, الأجهزة, ولهذا بتنا نلاحظ أن عدداً كبيراً من الفلسطينيين بادروا إلى إخراج أفلام تسجيلية أو روائية قصيرة... وهم في غالبيتهم أسماء جديدة.

·         كما ذكرنا في البداية, أنت ممنوع من العودة إلى رام الله, هل تريد العودة إليها, ومن سيمنحك التذكرة للعبور؟!

- أنا أريد العودة طبعاً, فهناك مكان إقامتي ومكان عملي. أنا بطبعي أتعامل مع نفسي مثل أي مواطن فلسطيني يحمل هوية غزة, أقدم طلباً للحصول على تصريح وأنتظر, وفي حال حصولي عليه أكون فرحاً وسعيداً, وفي حال الرفض أكون مثل آلاف الفلسطينيين الذين يجدون صعوبة في التنقل. وضعي أحسن بكثير من فلسطينيين موجودين في غزة, فأنا لدي إمكان الخروج والتنقل في العالم كمخرج سينمائي يعمل على إكمال مشاريعه. هناك أناس ليس فقط لا يستطيعون الخروج, ولكنهم يصارعون أيضاً من أجل لقمة العيش.

جريدة الحياة في 4 يونيو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

رشيد مشهراوي في انتظار "الانتظار":

لنحاول تحرير السينما من الاحتلال

فجر يعقوب