شعار الموقع (Our Logo)

 

 

كان نيتشه يبحث عن التفوق، فانتهى إلى العدم لافتقاده اليقين، وكانت راتشيل تبحث عن العدالة، فلاقت الموت لتخاذل القادرين، وكان كاتسوموتو يبحث عن الشرف، فقهقه تجار الوطن وحصدته أسلحة المنتفعين.

في كتابه الأشهر »هكذا تحدث زرادشت« يحكي نيتشه قصة العدم وموت الإله في شكل درامي على لسان بطله زارا بعد أن غادر لتوه عزلته الاختيارية متأملا باحثا عن »الإنسان المتفوق«، ويخرج من كهفه ناظرا لشعاع الشمس، قائلا: »لو لم يكن لشعاعك ما ينير فهل كان له غبطة؟«. ولم يكن لزارا غبطة مثل شعاع الشمس؛ لأنه لم يجد حوله كثيرا يؤمنون »بالإنسان المتفوق« الذي آمن به وحده بعد أن أمات الإله ليحكم الإنسان مملكته بنفسه.

بين راتشيل والساموراي

»راتشيل كوري« بدورها كانت تبحث عن قيمة الإنسان، وتؤمن بالعدالة قيمة حاكمة بين البشر على اختلافهم، ذهبت لفلسطين تدافع عن الإنسان المظلوم تحت قهر الغاصبين الإسرائيليين، فتحولت حكاية الدروع البشرية والضحية لملحمة درامية كان نتيجتها سقوط الضحية راتشيل الأمريكية يوم ٦١ من مارس ٣٠٠٢، دهستها عمدا جرافة إسرائيلية وهي تحاول بجسدها النحيل منع الغاصبين من هدم بيت آمنين فلسطينيين.

ومثل الدراما الإغريقية التي ينقلها البث الحي لطوفان الفضائيات المعاصرة، يأتي فيلم المخرج الأمريكي إدوارد تزك Zwick Edward »الساموراي الأخير« samurai last The الذي يبدو كهدية للقيمة التي ماتت من أجلها راتشيل »الشرف والعدالة«، وما عليك سوى أن تغير بعض التواريخ، بدلا من ٦٧٨١م حيث تجري أحداث الفيلم، يمكنك أن تكتب تاريخ اليوم وساعة النهار؛ لترى الخيال الدرامي هو مرآة الواقع الحي، وبدلا من أرض الجزر اليابانية يمكنك أن تقرب الجغرافيا لعنوان بيتك أو بيت أخيك العربي، لن تتغير الأحداث عندئذ بل تصبح أكثر واقعية.

»ناثان الجرن« النجم توم كروز Cruise Tom ضابط في الجيش الأمريكي الذي كان يسعى لتثبيت ملامح »الوطن« الأمريكي بقتل كل »مواطن« أصلي يسمونه »هندي أحمر«، يعاني الجرن من وخز الضمير -حيث لكل حي ضمير -ما- حتى لو كان »ضابطا أمريكيا«- للوحشية التي قتل بها أهل قرية آمنة تنفيذا لأوامر قائده وإخلاصا للجندية التي ظلت معانيها تراوح أفكاره متأملا مثل زارا /نيتشه في عزلته بعد انتهاء الحرب، و»استقرار« الوطن.

سمسار للوطن

سماسرة الوطن الجديد يبحثون عن سوق للموت والسلاح، وليس أفضل من الشرق كالعادة، هناك/هنا إمبراطور شاب.. الممثل الياباني الواعد »شيكينوسوكي ناكامورا« في جزر يابانية ناهضة بنت أسطورة تقول: إنها تكونت من أربع قطرات سقطت من سيف الرب، يسهل هناك وجود سماسرة آخرين يقودهم مستشار الإمبراطور »آمورا« الممثل الياباني »ماساتو هارادا« بدعوى التحديث ومواكبة العصر وشراء أسلحة حديثة، حتى لو كان الثمن هو الاستغناء عن خدمات الساموراي، أصحاب التقاليد والثقافة والسيوف بل قتلهم وإبادتهم بمدافع الأمريكان الحديثة.

يتم عقد الصفقة الأولى بالاتفاق مع ناثان الجرن على تدريب الجيش الإمبراطوري الجديد، الذي جمعوه من فلاحي الحقول اليابانية للدفاع عن الوطن ضد عدو لم يتحدد بعد، ولحين تحديده لا بأس أن يكون العدو الآن هو رجال »كاتسوموتو« (النجم الياباني Ken Watanabe ) الذين كانوا بالأمس هم حماة الإمبراطور ورجاله، لكن يجب إزاحتهم الآن لتتم الصفقة الثانية بشراء الأسلحة الأمريكية الحديثة التي يقوم على ترتيبها مستشار الإمبراطور مع السفير الأمريكي باليابان.

الجرن يجد الجيش الجديد مهلهلا، وجنوده ليس لهم أي خبرة بالأسلحة النارية، يبدأ في تدريبهم، لكن يتعجل مستشار الإمبراطور مواجهة الساموراي قبل اكتمال التدريب، والنتيجة هزيمة واضحة وأَسر للكابتن الأمريكي.

اكتشاف الآخر

في الأَسر تتغير حياة الكابتن الأمريكي، يقف مشدوها أمام ثقافة ونسق قيم جديد وحياة لا يستطيع فهمها؛ فالتي تمرضه من جراح المعركة هي نفسها التي قتل بيديه زوجها، وهي تعرف ذلك لكنها تقوم بواجبها في الحفاظ على حياة الأسير، والذين أسروه لم يقتلوه ولا يكرهونه لأنه في نظرهم يقوم بواجبه، وهم كذلك.

اكتشاف الآخر، وفهم الثقافة المتعددة من الجانبين يكون بالتعايش والتقارب وليس بالسلاح، تلك الرسالة الواضحة التي تكاد تكون مباشرة، ويقدمها الفيلم، تظهر في جملة يقولها كاتسوموتو لبعض من سألوه لماذا لا يقتل الأمريكي نفسه؟ ألا يقتضي شرف المعركة ذلك على المهزوم؟ فيقول لهم إنها ثقافة مختلفة ليست ثقافتنا، يجب أن نفهمها.

صورة الساموراي في الفيلم دائما إيجابية، كما قدمها المخرج تزك؛ فهو يحب عائلته، بسيط في حياته، مرح وجاد في نفس الوقت، يقتل نفسه طواعية في سبيل الشرف والوطن، ويقاتل الأعداء بكل قوة لكنه لا يكرههم، هو فقط يكره الياباني المنتمي لنفس الثقافة التي يبيعها رخيصة للأمريكان والسماسرة، ويعتبرهم خطرا على الوطن ومستقبل البناء والقيم.

لهذا يكثر المخرج في هذه المشاهد من اللقطات الطويلة shot long التي تظهر جمال الطبيعة وبراعم الأزهار الجميلة التي ما فتئ كاتسوموتو يحلم بها تداعب خياله في »جنة الخلد« مع الآباء الذين يحافظ على قيمهم ويقاتل من أجلها.

وباستثناء هذه المشاهد اعتمد المخرج دائما على اللقطات المتوسطة shot medium ليعطي إحساسا بحياده في رواية القصة، ويساعد المتلقي على أن يستخلص هو القيمة بنفسه، خصوصا مع وجود راو في كثير من المشاهد يكمل حكاية الجرن وكأنها قصة حدثت منذ مئات الأعوام، مع أن فصولها حاضرة أمام أعيننا والدم فيها ساخن يطال ذقوننا.

يتسلل هذا اليقين بالعدالة وقيم الشرف والنبل إلى الأمريكي معذب الضمير الأسير، فينقلب إلى شخص متسامح يفهم قيم الآخر ويتفاعل معها، وتصل المبالغة الدرامية إلى درجة أنه يرتدي زي الساموراي ويقاتل معهم، مكفرا عن خطاياه في قتل الأبرياء ممن يسمونهم هنودا حمرا، ويعرف لأول مره معنى التمدن والحضارة على غير الطريقة الأمريكية.

المعركة الأخيرة للساموراي

ويصبح الكابتن ناثان الجرن هو الساموراي الجرن الذي يشترك مع القائد كاتسوموتو في المعركة الأخيرة ضد جيش الإمبراطور النظامي الجديد المسلح بالأسلحة الأمريكية الجديدة، ويقف الجميع بسيوفهم ويقينهم أمام الجيش المستحدث، تماما كما وقفت راتشيل بجسدها أمام الجرافات الإسرائيلية، ويموت الجميع لينجو الجرن، ويذهب إلى الإمبراطور ليكشف له الحقيقة؛ فيأمر بعزل مستشاره ومصادرة أملاكه التي كونها من سمسرة السلاح ويعيد الشرف إلى شهداء الساموراي.

الفيلم يأتي أقل فنيا من أفلام مثل »القلب الشجاع«، و»المحارب ٣١«، و»المصارع« و»الرقص مع الذئاب«، وكلها تلعب على قصص مشابهة ومعان متقاربة مع الساموراي الأخير، لكن مجموعة مصادفات توافقت مع عرض الفيلم أعطت له قيمه إضافية؛ فهو تم إطلاقه للعرض الأول في ديسمبر ٣٠٠٢ متزامنا تقريبا مع مرور عام على وصول الأمريكية راتشيل كوري للدفاع عن أرض الفلسطينيين، وتم عرضه عربيا في مارس ٤٠٠٢ وهو تاريخ استشهاد راتشيل في فلسطين، وتزامن عرضه مع مرور عام تقريبا على احتلال العراق، ومع عرض فيلمين آخرين ينتقدان أمريكا والحرب وقيم العدوان بقوة، مؤكدين على القيم الإنسانية المشتركة؛ وهو ما يجعل »التعسف« في تأويل الفيلم أقل ما يكون، نعني هنا فيلم »الجبل البارد« mountain cold للمخرج المعروف أنتوني مانجيللا، والذي يتناول الحرب الأهلية الأمريكية، والفيلم الثاني هو »النهر الغامض« river mystic للمخرج والممثل المشهور كلينت أستوود وبطولة اثنين من أشهر نجوم هوليود وأكثرهم هجوما على السياسة الأمريكية العدوانية، هما: »شين بنس وستيم روبينز«؛ وهو ما جعل هوليود هذه الأيام تبدو كما لو كانت صوت الحرية في مواجهة »إنسان نيتشه المتفوق« الذي أمات الرب عمدا ليبقى فقط صراع القوة.

الأيام البحرينية في 1 يونيو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

راتشيل كوري» في »الساموراي الأخير«

حسام الدين السيد

»الساموراي الأخير«

الصراع بين الشرق وغربه..

أم بين الغرب وشرقه؟

عبدالمنعم سعيد

أثار فيلم »الساموراي الأخير« لدى المهتمين عموماً أسئلة عدة على مستويات مختلفة، فمنها من ينظر إلى الفيلم باعتباره صراعاً خفياً بين التخلف والتقدم كما في مقالة عبدالمنعم سعيد، وأطراف أخرى ترى بأن الخطوة التي أقدم عليها توم كروز ما هي إلا بحث عن نماذج مختلفة للتمثيل وقد اثبت حضورها فيها، في حيث ذهب البعض الآخر إلى اسقاط مثل هذه الاساطير أو حكاية الفيلم على واقع ما.

يبقى هنا أن نشير إلى أن الفيلم أفرز عددا من وجهات النظر وهي بالتأكيد حالة جديرة بالرصد والقراءة في آن، ويعني هذا أيضا أن الفيلم استطاع أن يستفز الكثيرين.

أرجو المعذرة من الكثيرين فلم يعجبني فيلم إدوارد زويك »الساموراي الأخير«، فعندما تكون القضية بين التقدم والتخلف فإن انحيازي الفكري والمعنوي يقع دوما حيث يوجد التقدم، فقد كان الفيلم انحيازا واضحا وصارخا للتخلف. صحيح أن تقييم أي من الأعمال الفنية له أبعاد كثيرة، ومن المؤكد أن أهل الفن أدرى بالحكم على الفن والصنعة، ومن المؤكد أيضا أن الفيلم فيه من الأحكام ما يكفي النقاد والجمهور. لكن ما يهم من هم مثلي من مدرسة التحليل السياسي هو الأفكار السياسية والاجتماعية وراء العمل، خاصة عندما يكون الفيلم صارخا بها. أحداث القصة بدأت في سبعينيات القرن التاسع عشر عندما بدأت اليابان تحت أسرة الميجي في تحديث الدولة، من خلال حكم مركزي، سياسيا واستجلاب النظم الإدارية والتكنولوجية الغربية إلى ساحة بلاد الشمس المشرقة. كان ما يجري في اليابان مشابهًا لما جرى في مصر قبل ذلك بستة عقود على يد محمد علي، عندما استعان بالغربيين لتحديث الجيش والدولة. وكما كان سليمان باشا الفرنساوي في مصر هو الذي ينقل العسكرية المصرية من العصور العثمانية المتخلفة إلى العصر الحديث؛ فقد وقع على عاتق مجموعة من العسكريين الأمريكيين الخارجين لتوهم من الحرب الأهلية الأمريكية (٠٦٨١ ٥٦٨١) ومن الحروب ضد السكان الأمريكيين الأصليين المعروفين بالهنود الحمر تحديث الجيش الياباني. وكما أنه كان على محمد علي الكبير أن يتخلص من طبقة العسكريين القدامى بأساليبهم العتيقة ممثلة في جماعة المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة، فقد كان مستحيلا أن تتم نهضة اليابان دون التخلص من طبقة الساموراي التقليدية المتخلفة.

موضوع فيلم الساموراي الأخير هو هذه القضية تحديدا فالفيلم يبدأ بمواجهة عسكرية بين فكرين: فكر النهضة والتحديث وبناء السكك الحديدية ووسائل البرق والتلغراف والصحافة وحتى التصوير الفوتوغرافي والدولة المركزية والجيش الذي يستخدم البارود والمدفعية والمناورات المشتركة للفصائل والكتائب والفرق. والفكر التقليدي لطبقة الساموراي التي ترى أن كل ذلك يخل بالتقاليد الاجتماعية، ولا يوجد شرف هناك في حرب لا يحدث فيها التحام مباشر، وببساطة فإنها تحل الغرب مكان الشرق. ولأن الفكر الأول كان لا يزال في أوله، ولأن أنصار التحديث كانوا في عجلة، فقد دخلوا في مواجهة دون تدريب كافٍ فهزموا، وأسر القائد العسكري الأمريكي الذي لم يكن مقتنعا بتوقيت المعركة من الأصل. وهنا تحديدا تبدأ وقائع المواجهة الثقافية والفكرية في العمل الفني، فالقائد الأمريكي القادم من قلب الحداثة الدامية التي كان عليها مواجهة المتخلفين الأمريكيين في الجنوب والمصممين على مؤسسة العبودية، والمتخلفين من الأمريكيين الأصليين، وجد نفسه وسط طبقة الساموراي وقد التفت خلف كبيرهم فوق الجبال النائية والشاهقة. وتدريجيا تبدأ المواجهة الثقافية ولكنها لا تستمر طويلا فالانحياز الفني، والتاريخي أيضا للمخرج، يجعله يرى نبلا وشرفا شديدا في طبقة اجتماعية مزقت اليابان على مدى ألف عام ومنعت عنها وحدتها وفرطت في النهاية في قدراتها بحيث باتت غير قادرة على مواجهة الغرب. وهي طبقة تميزت تاريخيا بالوحشية الشديدة مع نفسها ومع أتباعها وكان حصادها التنموي صفرا حيث حافظت بالقوة على أساليب عتيقة للإنتاج وحاربت بقسوة كل صور التقدم. ومع ذلك فإن إدوارد زويك ـ المخرج ـ أعطاها أبعادا وطنية تدافع عن ثقافة عريقة، بينما كانت النخبة الحديثة من الأفندية حول الإمبراطور لا يزيدون على كونهم مجموعة من العملاء الذين يتلاعب بهم ممثلو الدول الأجنبية وبالذات السفير الأمريكي!!.
وتاريخيا فإن هذه النخبة من الأفندية كانت هي التي انتصرت على الصين ومن بعدها روسيا وخاضت حروبا مختلفة ضد أوربا والولايات المتحدة خلال الحربين العالمية الأولى والثانية، وكانت هي في النهاية التي أنقذت اليابان بعد أن كانت تغرقها التقاليد الباقية من عسكرية الساموراي. وربما كان مفهوما ضمن إطار تاريخي معين أن يكون ظهور طبقة الساموراي جزءا من التقدم العام لليابان. كما كان حال ظهور طبقة المماليك التي حملت معها في البداية لمصر تقاليد عسكرية وحضارية كانت غائبة، ولكنها في النهاية تدهورت لكي تكون مجموعة من اللصوص المتحاربة فيما بينها، وجعلت مصر في النهاية لقمة سائغة للغزو العثماني، ثم الغزو الأوربي. فالساموراي هو خادم عام للآخرين، وبهذه الصفة فإنه هو مصدر الحماية والنظام اللازمين لقيام مجتمع سليم، وهو مصدر للقيم القائمة على التضحية بالذات والطاعة المطلقة للمراتب العليا، والفناء في السيد من أول الساموراي التالي في المرتبة حتى تصل إلى الإمبراطور الذي له صفات إلهية لا شك فيها.

ولكن ما جرى في عهد ليس بالضرورة صالحا لكل العهود، وبعد ألف عام من التاريخ فإن الساموراي كانوا مجموعة من الأوغاد التي استعبدت الشعب الياباني بالعنف والضرائب تماما كما فعل المماليك في مصر. ولكن هذا التاريخ يختفي تماما من الفيلم الذي لا يجعل من الساموراي أسطورة وطنية فقط، وإنما له من التقاليد ما يعطيه نبلا وشرفا خاصين. وبشكل ما فإن طلب الساموراي الأخير أن يدخل مجلس الوزراء حاملا سلاحه ـ سيفين أحدهما طويل للمبارزة وآخر قصير للطعنة القاتلة ـ قد بدا كأنه حفاظ على تقاليد نبيلة حاول بعض المتغربين التخلص منها. وليس مفهوما كيف يمكن لبلد ما أن تتقدم، بينما يحمل أعضاء مجلس وزرائه الأسلحة أثناء المداولات التي تتضمن خلافات حادة في الرأي. ومع ذلك فإن الأمر يبدو مستنكرا للغاية، ومواجهة مستهجنة بين الغرب وعملائه والشرق بوطنيته وأصالته العنيفة!!

القصة بعد ذلك معروفة، ففي المواجهة النهائية ينتصر التحديث والتقدم انتصارا ساحقا، ولكنه لا يكون ذلك لأن التقدم هو الذي ينقذ البشرية، وإنما لأن التخلف أكثر نبلا ورغبة في التضحية. وبهذه الطريقة يستعيد الفكر، والفن، الغربي مقولة ذائعة حول البدائي النبيل والوحش الجميل، وهي مقولات مؤداها من ناحية أن التقدم يجعل الشعوب الشرقية أتعس حالا، ويفقدها نوعا من تقاليدها التي ربما لا تجعلها قادرة على منافسة الغرب، ولكنها في النهاية هي التقاليد القادرة عليها، هذه المقولات نجدها ذائعة عن الحضارات الشرقية اليابانية والهندية والعربية الإسلامية، ويظهر فيها أن سحر الشرق هو أن يبقى على تخلفه. هذا التخلف تحديدا هو الذي أدى إلى هزيمة الشرق هزيمة ساحقة، ولو لم تأخذ اليابان بأسباب العصر، وتستخدمها في تجديد الحضارة اليابانية واستنهاض أهم ما فيها من قدرة على الإتقان والتفاني في العمل لربما ضاعت كلية وعجزت عن النهوض بعد ضربها بالقنابل الذرية.

الأيام البحرينية في 1 يونيو 2004