شعار الموقع (Our Logo)

 

 

يبدو ان بين أسامة بن لادن والمخرج والمنتج والمؤلف الألماني رولاند ايميريخ قاسمين مشتركين وإن اختلفت أسبابهما. الأول هو الاصرار على تهديم نيويورك، ولكن هدف ايميريخ ليس تخريبياً وارهابياً كهدف بن لادن. فقد اعتمد نيويورك في أفلامه الكارثية الثلاث: "غودزيلا" وIndependence Day وأخيراً في فيلمه The Day After Tomorrow، لأن هذه المدينة بتمثال الحرية الشهيرة الموجود فيها، هي رمز للولايات المتحدة، تماماً كما يرمز برج إيفيل لفرنسا وساعة بيغ بن لانكلترا والاهرامات لمصر والأرز وصخرة الروشة للبنان. أما القاسم الثاني فهو عدم الموافقة على سياسة الرئيس جورج  بوش. لكن سبب رولاند ايميريخ مختلف تماماً عن بن لادن، فهو يرفض السياسة البيئية المتبعة والتي تهدد بنظره بكوارث طبيعية ومناخية خطيرة. والدليل على صحة مخاوف ايميريخ التغيير الحاصل في المناخ العالمي ووفرة الأعاصير في العامين الماضيين وازدياد موجة الحر بشكل غير طبيعي والتي ستؤدي حتماً الى عودة العصر الجليدي! الحرارة ستؤدي الى الجليد؟ كيف هذا؟ هذا ما حاول عالم المناخ جاك هال (دينيس كوايد) شرحه في المؤتمر العالمي البيئوي متخوفاً من عودة العصر الجليدي في المئة سنة المقبلة. لكن الكارثة لم تنتظر كل هذه السنوات بل يومين فحسب حتى بدأت العواصف والانخفاضات في درجات الحرارة تجتاح العالم. في طوكيو المطر تحوّل حبات برد بحجم الكرة، والاعصار في هاواي دمّر الجزيرة، والثلج بدأ يتساقط في نيودلهي، والعواصف اجتاحت لوس انجلس وأوروبا بدأت تغرق في زوابع ثلجية رهيبة. وتأكدت مخاوف جاك بأن الحرارة على الأرض أدخلت كوكبنا عصراً جليدياً جديداً وان الكارثة ستتم من خلال عاصفة شاملة بدأت تضرب العالم كله ولن تهدأ إلا بعد أن يتجلد القسم الشمالي كله.

ورغم ان جاك أشار على الحكومة الأميركية بإجلاء السكان باتجاه المكسيك والدول الجنوبية اللاتينية، الا انه اضطر للانطلاق من واشنطن باتجاه نيويورك التي بدأت تغرق في ماء المحيط العاصف، وتتجلّد، لأن إبنه سام (جاك جيلنهال) موجود هناك مع زملائه في المدرسة. أمل سام الوحيد في النجاح هو اتباع نصائح والده بالبقاء داخل المكتبة العامة وإشعال النار والتدفؤ وعدم الخروج مهما كانت الأسباب.

بعدما كانت المخلوقات الخارجة عن الطبيعة (الفضائية) هي المسؤولة عن تدمير كوكبنا في فيلمه الشهير Independence Day، حوّل ايميريخ الطبيعة بحد ذاتها العدو الذي لا يمكن ردعه او صدّه متى انفجر في شريطه الجديد The Day After Tomorrow. وبعد العلم الخيالي في "يوم الاستقلال" يتحوّل ايميريخ الى العلم البعيد تماماً عن الخيال لأنه واقعي وقد يحصل كما سنشاهد في واحد من أجمل الأفلام الكارثية التي سبق وشاهدناها مثل "أرماغادون" وDeep Impact. شريط مبهر بمؤثراته البصرية الاستعراضية، لكن ما يلفت فيه أنه مؤثّر جداً وموتّر جداً فالتشنج والضغط سيستمران في التصاعد تماماً مثل العاصفة طوال مدة الفيلم،

ولن ينحسرا الا في الدقائق الأخيرة عندما تبزغ الشمس وإن في عصر جليدي. ورغم انه فيلم حركة لا تتوقف، ومؤثرات لا تكف عن ادهاشنا، فهو وفي المقام الأول شريط لا يغيّب العنصر الإنساني لأن محور القصة وقلبها النابض هو الدراما الانسانية والشخصيات الضعيفة والمحبة والتي تقاوم الكارثة بالأمل والحب. انها قصة أشخاص عاديين وجدوا أنفسهم في ظروف غير عادية بل غريبة وعجيبة. انها قصة رجل سيتحدى العاصفة ويخرج لموافاة ابنه، وأم طبيبة ستختار أن تخاطر بحياتها وتظل في منطقة الخطر من أجل ولد مريض، وفتى سيتحوّل قائداً ومنقذاً. لكن الفيلم ليس مجرّد قصة لن نشاهدها الا في السينما، فالرسالة التي ينقلها رولاند ايميريخ عبر فيلمه حقيقية وتنبيه صادر لما قد يصيبنا إن تابعنا استفزاز أمّنا الطبيعة والتلاعب بالبيئة. في أدوار البطولة، قدم دينيس كوايد شخصية عالم المناخ الذي فهم مع  اندلاع الكارثة ان الدفء العائلي هو الذي يحمي ويبقى فانطلق متحدياً الطبيعة لانقاذ ابنه. دينيس كوايد يحمل في قسماته الحزم والحنان المطلوبين للشخصية وقد شاهدناه أخيراً مع شارون ستون في فيلمه Cold Greek Manor. وفي دور ابنه، الممثل الشاب جاك جيلنهال المؤثّر برومانسيته وذكائه، وقد شارك كلاً من داستن هوفمان وسوزان ساراندون وهولي هنتر بطولة فيلم Moon Light Mile. في الفيلم ايضاً مشاركة للممثل البريطاني الكبير أيان هولم وقد سبق وشارك في ثلاثية "سيد الخواتم"، والممثلة إيمي روسم في دور لورا صديقة سام التي سبق وشاركت في فيلم Mystic River حيث قدّمت أداء لافتاً.

دليل النهار في 28 مايو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

The Day After Tomorrow

عصر جليدي جديد يضرب الأرض

جوزفين حبشي

مثيراً ضجة في الأوساط الغربية 

ويتنبأ بالمستقبل الجليدي

كما كان متوقعا استطاع فيلم «يوم بعد غد» ان يسحب البساط من جميع الافلام التي شاركته صالات العرض واستأثر بعروض اضافية بعد ان اكتظت القاعة الكبرى بالجمهور ولم تعد تحتمل تدفق الاعداد المتزايدة على حساب افلام اخرى حسبناها ستصمد قليلا مثل فيلم «طروادة» غير ان الحقيقة ذهبت الى ابعد من تصوراتنا اذ سجل فيلم «يوم بعد غد» حضورا متميزا يذكرنا بجماهيريته افلام قوية مثل «ملك الخواتم» و «الام المسيح» وغيرها.

وبالفعل استطاع هذا الفيلم ان يترك اثرا طيبا في نفوس المشاهدين لقوة قصته التي تربط المتفرج بواقعه واحتمالات التغير، وايضا لقوة انتاجه التي بلغت 125 مليون دولار، ويدق الفيلم اوتاره في الواقع بافتراض نظرية او شبه نظرية مناخية ستؤثر على سكان نصف الكرة الارضية الشمالي بعدان يؤدي احترار الارض الى ذوبان الجليد في المحيط المتجمد الجنوبي، ويعترف منتجو الفيلم ان التفاصيل فيها بعض المبالغة ويقصدون من ورائها التأكيد على ان النشاط البشري يمكن ان يؤدي الى ظهور حقبة جليدية جديدة على غرار العصر الجليدي قبل 13 الف عام.ويبدو ان الفيلم علاوة على انه أثار كوامن النفوس عند المشاهدين الا انه احدث ضجة عالمية على المستوى السياسي والعلمي لدرجة دفعت احد السياسيين الاميركيين الى تزعم حملة بيئية مناهضة للانشطة البشرية التي يمكن ان تؤدي الى خلل في المناخ، كذلك خرجت ردة فعل في بريطانيا وصلت الى البرلمان لمناقشة قصة الفيلم .

والابعاد التي يرمي اليها، ونستطيع الجزم بأن فيلم «يوم بعد غد» يعتبر من الافلام القليلة التي خلقت نوعا من التفاعل المباشر بين الجمهور والمؤسسات ليدحض مقولة ان الفن يطرح القضايا فقط وليس من شأنه ان يضع الحلول او يعطي الحوافز العملية، ولان قصة الفيلم علمية بحتة سوف نركز على الاسقاطات الاجتماعية والسياسية التي ارادها الفيلم واولها انقاذ الجنس البشري «السامي» الذي ركز عليه الحدث، «سام» هو شاب يعمل مع والده «جاك» في مكتب الارصاد الجوية .

ويتمتع بشخصية قوية اضافة الى تجاربه وعلمه، وفي محاضرة يلقيها «جاك» في مؤتمر علمي دولي يطرح نظريته التي تؤكد على ان العالم على موعد مع عصر جليدي جديد ولكن بعد فترة طويلة، غير ان موضوع محاضرته يأخذ طريقه الى الواقع بتغيرات مناخية تجتاح بريطانيا .

وطوكيو وعواصم اخرى، في الوقت الذي يسافر فيه ابنه الى نيويورك لحضور مسابقة هناك، وبتطور الاحداث يعمل «جاك» على انقاذ ابنه «سام» في المكتبة العامة ينتظر «سام» مع مجموعة من رفاقه ويقومون باشعال المدفئة بالكتب والمجلدات الى ان يحتفظ احدهم بكتاب «العهد القديم» محافظا عليه ليس بدافع الايمان ولكن بدافع الحفاظ على ضوء عن الحضارة الغربية، ان انقاذ «سام» يحمل دلالات مقصودة حتى وان كانت الاحداث تدور في الشق الشمالي من اميركا وتعرضه للهلاك، الاسقاط الثاني كان على خلفية شخصية الرئيس الاميركي الذي بقي الى النهاية، اي بعد ان أمن الطريق لمعظم المواطنين، ويتعرض موكبه لع��صفة ثلجية يروح ضحيتها، مع ان اول شيء يعمل به هو حماية الرئيس.

اما الحدود المكسيكية فقد اغلقت امام المهاجرين الاميركان ولم تفتح الا بعد تدخل الخارجية الاميركية واسقاط الديون عن المكسيك، دول العالم الثالث كان لها نصيبها من الشكر اذ انها احتضنت الفارين من الجحيم، اما في بريطانيا فهناك من شرب نخب نجاة بريطانيا فيرد عليه من بشرب نخب انقاذ البشرية.

انها اللعبة السياسية تنحز هنا وهناك، الا ان الشيء الوحيد الذي نتفق عليه هو هذه الصور الرائعة واستخدام التغطية الحديثة للخروج بخدع جذابة ومقنعة، ومع طول مدة عرض الفيلم فقد استطاع السيناريو ان يبقي المشاهد في حالة ترقب مع صوت متصاعد، ووتيرة متناغمة مع الصورة المقدمة، الفيلم جيد المستوى وتستطيع العائلة مجتمعة ان تستمتع باحداثه المشوقة.

عز الدين الأسواني

البيان 31 مايو 2004