شعار الموقع (Our Logo)

 

 

في هذه الحلقة من كتاب تاريخ السينما العالمية للمؤلف ديفيد روبنسون نصل الى نقطة التغلب على التكلفة الانتاجية العالية وارتفاع أجور العاملين في الحقل السينمائي وكيف أن هوليوود تخلت نسبياً عن التصوير داخل الاستوديو واتجهت الى التصوير الخارجي لتقلل تكلفة الانتاج، يقول روبنسون: كانت 1946 هي أكثر السنوات ربحاً في تاريخ هوليوود كما كانت آخر أيامها العظيمة في الوقت نفسه، حيث بدأت صناعة السينما من 1945 تعاني متاعب عمالية خطيرة ومتزايدة.

فقد شهدت تلك السنة اضراباً لمدة ثمانية أشهر، وفي 1946 اضطرت الاستوديوهات لزيادة أجور موظفيها بواقع 25% مما رفع من تكلفة الانتاج التي كانت مرتفعة بدون هذا بالفعل. وفي 1947 فرضت بريطانيا، وهي أكبر أسواق هوليوود الخارجية ضريبة على الافلام المستوردة بواقع 75% من ايراداتها، فردت أميركا بمقاطعة شاملة للسوق البريطانية استمرت ثمانية أشهر. ومع نهاية 1948 أغلقت استوديوهات وارنر وايجل بشكل مؤقت. لم يكن ثمة مفر من اقتصاديات جديدة صارمة. برز تأكيد جديد على مواصفات السينما والتخطيط المسبق، وصارت مضامين الافلام تميل الى الموضوعات التي يمكن تصويرها بتكلفة بسيطة وديكورات وتجهيزات بسيطة أو في أماكن خارجية، على عكس تقاليد هوليوود التي لم تكن تفارق داخل الاستوديو. وكان فيلم داسين «مدينة عارية» (1948)، كما قد رأينا النموذج الاولي لهذا الاتجاه. أصبح قسم كبير من انتاج هوليوود الآن مكرساً للدراما الاجتماعية والنفسية وموضوعات الجريمة الواقعية. أما الافلام التاريخية والضخمة فأصبحت موضة قديمة الى حد ما.

وقد كان لهذه الفترة، على المدى البعيد، آثار طيبة على المستوى الفني للأفلام ـ انتقال سمات الاقتصاد الجديد الى طريقة السرد والرجوع عن موضوعات الهروب من الواقع. كما ساعد على تأكيد هذه الآثار التقدم الملحوظ في النواحي الفنية، في المعدات وشريط التصوير وتقنيات التسجيل وخامات الاستوديو الذي تزامن حدوثه مع فترة ما بعد الحرب مباشرة.

ثمة مسحة من قتامة بادية في كثير من أفلام الفترة، قتامة يمكن اعتبارها، ولو بشكل جزئي، انعكاساً للكارثة التي أصابت صناعة السينما الاميركية في هذه الأثناء نفسها تقريباً. فالشهرة الهائلة التي تتمتع بها هوليوود وأهلها جعلتهما هدفاً طبيعياً لعمليات «مطاردات الحمر» التي جرت على نطاق واسع في نهاية الاربعينيات.

وفي اكتوبر 1947 بدأت اللجنة التشريعية لدراسة النشاط المعادي لأميركا «تحقيقاً عن الشيوعية في الأفلام السينمائية». وأسفرت التحقيقات والاستجوابات عن سجن عشرة شهود ممن دافعوا عن أنفسهم استناداً الى «التعديل الخامس» بتهمة ازدراء الكونغرس، وأعلنت رابطة المنتجين السينمائيين أنه طالما أن تصرفات هؤلاء «تعوق انتفاع صناعة السينما بهم» فلا يجب اعطاؤهم فرصة العمل ثانية حتى يطهروا أنفسهم من العار ويقسموا علناً انهم لم يكونوا شيوعيين.

لم يكن هذا سوى مفتتح لقائمة سوداء ستظل تكبر وتكبر، حيث جرت تحقيقات جديدة استمرت حتى 1951، واستُدعي الفنانون واحداً بعد الآخر للتطهر وابراء الذمة عن طريق التطوع بشهادات زور ضد زملاء لهم آخرين. ومع نهاية عملية «مطاردة الساحرات» هذه، على غرار ما جرى في العصور الوسطى، تم نفي أكثر من ثلاثمئة شخص أرشد عنهم «الشهود المتعاونون» خارج الاستوديوهات.

هكذا جُففت موهبة هوليوود الحيوية في لحظة حرجة وعلى نحو مفجع. فنانون مثل جوزيف لوزي وجول داسين وكارل فورفمان رحلوا الى أوروبا، أدباء مثل آرثر ميللر وليليان هيلمن وكتاب سيناريو مثل دالتون ترامبو ومايكل ويلسون منعوا من الكتابة للسينما، وآخرون اشتروا حقهم في العمل باتهام غيرهم زوراً، في تضحية باحترام الذات لابد وأنها كانت مأساوية لمن قاموا بها كما كان المنفى لمن تم نفيهم. وكان حتمياً أن يعم الفزع ما تبقى من صناعة السينما بعد أن اعتبر التوصل الضعيف بالمثل الديمقراطية عملاً تخريبياً خطيراً. ولم تعرف هوليوود الى الشفاء التام من حالة تقطيع الذات التي عاشتها تلك اللحظة سبيلاً.

على جبهة اخرى كان نظام الاستوديو يتعرض لهجوم عنيف آخر. فمنذ 1945 كانت هناك دعاوى قضائية مرفوعة بموجب قوانين منع الاحتكار ضد ام.جي.ام وضد باراماونت، وقبيل نهاية الاربعينيات اضطرت الاستوديوهات الكبيرة لفصل نشاطها الانتاجي عن عمليات التوزيع. وجاءت النتيجة إعادة هيكلة كاملة لطرق الانتاج وظهور المنتجين المستقلين الذين يمكنهم عرض أفلامهم عن طريق القدامى الكبار الذي يمولونهم مقدماً بضمان ايرادات شباك التذاكر.

إن علاقة التوازي بين ظاهرتي سقوط نظام الاستوديو وارتفاع نظام المنتجين المستقلين ـ ممن كانوا من نجوم التمثيل والاخراج في أغلب الاحوال ـ يمكن أن تبينها بوضوح المقارنة بين أعداد الممثلين والكتاب والمخرجين المرتبطين بتعاقدات مع الاستوديوهات الكبيرة: ففي 1940 كانت هذه الأعداد 458 ممثلاً، و375 كاتباً و117 مخرجاً، بينما انخفضت في 1960 الى 139 و48 و24. و«استقلال» الانتاج ليس بالطبع سوى مصطلح نسبي، فالافلام كانت لاتزال، لا مفر، تباع لنفس الموزعين ونفس المشاهدين، ولذا لم يكن لهذه النقلة تأثير عميق على مضمون الفيلم على المدى القريب.

ثم أتت الضربة التالية من التلفزيون. فقد قلصت منافسة التلفزيون جمهور السينما في الولايات المتحدة الأميركية من 90 مليون مشاهد في 1948 الى 70 مليوناً في 1949 ثم 60 مليوناً في 1950، وبشكل عام انخفض عدد المشاهدين من 1946 الى 1956 الى النصف. ولم يكن ظهور سينما السيارات في أواخر الاربعينيات سبباً في إغلاق آلاف دور العرض العادية إلا بشكل هامشي، فالواقع أن الانتاج ذاته انخفض بأكثر من الثلث.

وكان أول حل لهوليوود هو محاربة شاشة التلفزيون المسطحة الأبيض والاسود بشاشات كبيرة عميقة ملونة.

البيان الإماراتية في 22 مايو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

تاريخ السينما العالمية

هوليوود تخفض تكلفة الانتاج وبريطانيا تفرض الضرائب