إذا كان الممثل كمال الشناوي نجما في الأربعينيات فلاتزال صناعة السينما في مصر تقدره كنجم اليوم فنحن ننتمي إلي شعوب عاطفية تؤمن بالولاء وهذه صفة ميدة لا تعرفها هوليوود في تعاملاتها مع فنانيها. الممثلة الأمريكية «روزانا آركيت» تألقت في الثمانينيات بعد دورها المميز كربة بيت تهرب إلي عالم الهيبيز بمشاركة مادونا في أول أدوارها السينمائية في فيلم «البحث عن اليائس عن سوزان». (DESPERATELY SEEKING SUSAN-1985) مما شجع المخرج مارتن سكورسيزي أن يسند إليها بطولة فيلمه (بعد ساعات العمل AFTER HOURS) في السنة نفسها فأصبح لـ «سوزانا» عقب نجاح الفيلمين رصيد في بورصة إيرادات شباك التذاكر وحسابات في تقييم هوليوود لها كنجمة إلا أن هذا النجاح لم يمنع روزانا آركيت من انتقاد هوليوود كمؤسسة ونظامها الذي يضع عبئا كبيرا علي الفنان بضرورة وجود وكيل أعمال وسكرتير أعمال ومحام، لكل نسبة أو أجر يخصم من دخلها، وقد غفل عن سوزانا أن هوليوود لا تنسي منتقديها بسهولة. في حديث مع سوزانا بعد ذلك حكت قصة عندما طلب منها المثول لقراءة دور أمام لجنة اختيار وهو شيء معتاد في هوليوود لاحد الأدوار التي عرضت عليها فحين وصلت بسيارتها إلي باب الاستوديو اكتشفت أنه لم يعد لها تصريح خاص بدخول السيارة مما اضطرها أن تتركها خارج الاستوديو وتسير علي أقدامها مسافة لا تقل عن عشرين دقيقة إلي أن وصلت إلي المكتب المتفق عليه وهذا في منتصف النهار وفي شدة حرارة الصيف وأنها لم تجد مخرج العمل في انتظارها وقرأت الدور أمام مندوبة وكاميرا فيديو وشيعت دون حتي قرار حاسم لتعود علي أقدامها إلي سيارتها. جسد هذه القسوة المخرج اليا كازان في (الطاغية الأخير THE LAST TYCOON) وفي مشهد لمدير استوديو «روبرت دي نيرو» يسحب مخرج الفيلم خارج البلاتوه من منتصف التصوير ليعاتبه عن علاقته المتوترة مع نجمة الفيلم ثم يفاجئه بأنه مطرود من العمل وقبل أن يتساءل المخرج عن مصير الفيلم لا يتردد مدير الاستوديو في إخباره أن مخرجا بديلا قد استأنف العمل فعلا داخل البلاتوه وفي مرارة يذكر المخرج أنه ترك معطفه في البلاتوه يلتفت مدير الاستوديو مشيرا بإصبعه إلي مساعد قادم يحمل علي يديه معطف المخرج. قسوة ومهانة هذا التعامل يبررها المنطق الهوليوودي بضرورة التعامل مع مشاكلها فورا واتخاذ القرار الفوري في الموقع يوفر الكثير من الدولارات فالنجاح في هوليوود يقاس بالدولار وليس بالموهبة. وبالتالي تقدر قيمة الفنان حسب إيرادات آخر أعماله وليس حسب تاريخه الفني وبناء علي ذلك نجد أسماء نجوم كبار علي ملصقات الأفلام أو عناوين الفيلم تنتقل من فوق اسم الفيلم إلي تحته، ومن بنط كبير إلي صغير ومن الأسماء الأولي إلي الأخيرة مهما كان حجم النجم أو النجمة وفي هوليوود العقد هو شريعة المتعاقدين حرفيا فالوكلاء والمحامون لكل طرف يتحاورون ويشترطون ويدققون قبل كل تعاقد الذي يغطي كل صغيرة وكبيرة في عدد مهول من الصفحات حتي يبدوا العقد وكأنه كتيب. أما في مصر فالعقد في أغلب الحالات عبارة عن ورقة واحدة «وش وظهر» في صالح طرف واحد وهو المنتج. ثم هناك دور السياسة وهو دور لا يستهان به في هوليوود يتسلل في أفلامها... خذ مثلا العلم الأمريكي لا يمكن إلا ويظهر بطريقة ما سواء في مشهد أو لقطة في جميع الأفلام الأمريكية، وإذا كانت الإدارات الأمريكية واحدة تلو الأخري لم تغير موقفها من القضية الفلسطينية فهوليوود أيضا لم تجرؤ أن تخالفهم الرأي. مثلا حين أخرج كوستا جفراس (هناكي HANNAK-1983) بطولة الأمريكية جيل كليبورج مجسدا فاشية السلطة الإسرائيلية في قصة تدور حول محاميه تدافع عن ملكية فلسطيني لبيته ثارت هوليوود عليه وعلي نجمة الفيلم التي علي الرغم من حصولها من قبل علي أوسكار أحسن ممثلة فقد عاقبتها بتهميشها كاملا في أدوار أصغر وأقل أهمية أما كوستا جافراس فتراضي مع هوليوود بأن أخرج في عام 1989 «العلبة الموسيقية»، MUSIC BOX عن محامية مرة أخري تدافع في بادئ الأمر عن أبيها المتهم بالنازية لتتحول ضده حين تكتشف أنه بالفعل مدان في اضطهاده للسامية. في النهاية تقدير الفنان الحقيقي ينبع دائما من فنان آخر. حفلات التكريم سواء في المناسبات أو المهرجانات في أي مكان في العالم حتي هوليوود يثبت ذلك، ودليل وفاء وتقدير الفنان لزميله الاستقبال الهائل مثلا حين كرم فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي وأحمد مظهر وفاتن حمامة وصلاح أبوسيف وآخرون وكيف وقف حشد الفنانين والفنيين يصفقون يحيون من قلوبهم وهو أجمل مثال. جريدة القاهرة في 18 مايو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
مخرج علي الطريق أنياب هوليوود: المعاملة محمد خان |
|