شعار الموقع (Our Logo)

 

 

بعد أن كانت من أهم الدول في العالم في تصدير السجاد والفستق والكافيار والنفط، تحولت إيران إلى تصدير الفن السابع وقدمت فنا سينمائيا متميزا دون أن يؤثر ذلك على ثوابتها الدينية، وجمعت بين ما افترضه الكثيرون من المتناقضات وهما الفن والأخلاق، بل إنها سخرت الفن في خدمة منظومة القيم والأخلاق...

معارضة شديدة لدخول السينما

تحتفل إيران هذه الأيام بمرور مائة عام على دخول السينما إلى إيران؛ فالمعلومات تشير إلى أن مظفر الدين شاه الذي ينتمي إلى الغجر سافر إلى أوربا عام 1900، واشترى آلة تصوير ودرب عليها مصوره ميرزا إبراهيم خان باشي، وقاما معا بتصوير استعراض للزهور، وكان هذا هو أول عمل مصور.

وفُتحت أول صالة عرض في عام 1904م، وقوبلت برفض شديد من الشعب الإيراني بسبب الاختلاط بين الرجال والنساء، وظل هذا الوضع حتى عام 1928 عندما فتحت صالة عرض خصصت للنساء فقط، ومع هذا لم يُقبل عليها الشعب الإيراني كما كان متوقعا؛ لأن الأفلام كانت أمريكية تتصادم مع عقيدة الشعب الإيراني المسلم. حتى تمكن الفيلم الصامت "حجي أغا" (السيد الحاج) للمخرج أوهانيان من جذب الجماهير الإيرانية عام 1923، وهو الفيلم الوحيد الصامت الذي ظل باقيا من تلك الفترة حتى الآن.

وفي العام 1933 أخرج أردشير إيراني وعبد الحسين سربنتا أول فيلم ناطق "فتاة قبيلة لور"، ورغم جودة الفيلم فإن الرقابة طلبت أن تكون نهايته بأن تكون نجمة الشاه (رضا شاه) منقذ البلاد من الفوضى واللصوصية، وتعيد إليها مجدها الغابر؛ وهو ما أضعف الفيلم وأظهره أمام الجمهور باعتباره نوعا من الإعلان والدعاية للشاه، وليس فيلما يعالج قضية.

تجاوز الأزمة

ثم تعرضت السينما الإيرانية لأزمة استمرت 10 سنوات من عام 1938م حتى عام 1948 حيث توقفت الأفلام الإيرانية تقريبا، وبالكاد أصبح رصيد السينما الإيرانية 13 فيلما عام 1950؛ وهو ما فتح المجال أمام السينما الأمريكية والهندية والمصرية لتقتحم الشاشة الإيرانية. ثم تحركت السينما الإيرانية مرة أخرى شيئا فشيئا حتى عام 1965 وحققت فيه نجاحا باهرا بعدما طورت صناعة السينما، وأحرز فيلم "كنز غارون" لسياماك باسامي نجاحا واسعا. وزادت دور العرض إلى ثلاثمائة دار عرض، وسجلت مبيعات التذاكر 33 مليون تذكرة في طهران وحدها.

ومنذ عام 1969م وقبل سقوط الشاه عام 1979م أخذت السينما الإيرانية مسار الأفلام التي ظهرت في تلك المرحلة، وأبرزها فيلمان هما: فيلم البقرة لداريوش مهرجوي، وجيسار لمسعود كيمياي اللذان يظهران الواقعية الجديدة التي اقتبساها من السينما الإيرانية، وكذلك القدرية التي يعبر عنها المذهب الشيعي والتي عبر عنها جيل من الشباب الناشئ من المخرجين مثل كيادوستامي وبايزاي.

كما ظهرت مجموعة من الأفلام التي ترفض الواقع الطبقي وتنتقده بشكل غير مباشر خشية الإيذاء السياسي، من أمثال ذلك ما قدمه أمير نادري في فيلم "الهرمونيكا" 1973 والذي عبر فيه عن استغلال الملاك للفلاحين كإسقاط على استغلال الشاه للبلاد.

وانتشرت كثيرا أفلام الدمج بين الخيال والوقع للإسقاط على الوضع السياسي والوضع الاجتماعي الظالم، غير أن التعبير عن كثير من هذه الأوضاع الشائنة والظالمة السياسية والاجتماعية كان يفتقد كثيرا للبعد الأخلاقي والديني في المعالجة؛ وهو ما جعل الكثير من الأسر الإيرانية تحجم كثيرا عن الدخول إلى السينما حياء وخجلا من بعض الأحداث والمشاهد التي تخدش الحياء وأحيانا من بعض المعالجات السياسية التي تبرر الظلم والقمع.

الهروب الكبير

عندما اندلعت الثورة الإيرانية في 11 فبراير 1979 كانت السينما من الأشياء التي انقض عليها الثوار والمحتجون ودمروا وحرقوا الكثير من دور السينما، كما هوجمت المصارف والمقاهي ودور العرض والملاهي. وكانت تصريحات الثوار أن السينما هي الصالات التي تظهر فيها النساء العاريات؛ لذلك هرب كثير من الفنانين والممثلين إلى خارج البلاد ظنا منهم أن الثورة الإسلامية ستلاحقهم بسبب سجلهم الأخلاقي الفاضح؛ فأصيبت السينما بحالة ركود وجمود شديدين.

ثم أخذ المتعاطفون مع الثورة من الجيل القديم أو ممن تربوا على مائدة الثورة من الجيل الجديد.. في الاشتغال بالسينما، لكن كل اهتمامهم كان في اتجاه الأفلام الدعائية وعلى رأسها الأفلام الثورية وأفلام الحرب، وهذا النوع من الأفلام أشبه بالأفلام الدعائية التي عادة ما ينصرف عنها المواطن، ثم ظهر نوع آخر من الأفلام الاجتماعية وتدور حول الرجال تجنبا لإدخال المرأة حيث تثور العديد من المشكلات والأمور الشائكة.

الخميني يدهش الجميع

التصور العام عند اندلاع الثورة الإسلامية هو أن عصر السينما قد انتهى في إيران، ولكن الإمام الخميني فاجأ الجميع بتصريحات أدهشت أتباعه قبل معارضيه؛ فالرجل لم يقف ضد السينما وإنما دعا إلى تشجيعها؛ فقد رأى الإمام الخميني أن الفن وسيلة مهمة للغاية من أجل توصيل الأفكار والأهداف الثورية العليا، وأنه يعتبر السينما سلاحا ذا حدين أحدهما إيجابي والآخر سلبي، فيمكن الاستعانة بهذا الفن للتعريف بالأهداف الثورية، ويمكن استخدامه عكسيا، وفي هذه الحالة سيكون بمثابة سم قاتل وسلاح مميت.

ووضع الإمام الخميني عدة شروط للموافقة على الأفلام، وهي ألا يتعاطف المشاهد مع المجرم أو مرتكب المعصية، وعدم تصوير تهريب المخدرات مطلقا، واحترام الزواج والعائلة، وعدم التطرق إلى الخيانة الزوجية، ومنع التلامس بين الرجل والمرأة، وتوظيف مختصين للمكياج من الجنسين منعا لأي احتكاك غير شرعي، وتفادي المواضيع المبتذلة أو المزعجة، ومنع الشتائم مطلقا، وعدم تصوير علماء الدين لكل الأديان بصورة مبتذلة أو مضحكة. وهذه الشروط على الجميع: كاتب السيناريو، والمخرج والمصور وجميع العاملين بالسينما.

الانطلاق إلى العالمية

قدمت الحكومة الإيرانية في عهد رئيس الوزراء مير حسين موسوي الكثير من التسهيلات وخاصة الدعم المالي، وذلك لإدراك موسوي لأهمية السينما في ضبط إيقاع المجتمع، وعندما تولى رافسنجاني رئاسة الدولة عام 1989 أطلق صيحته الشهيرة عندما قال: أيها السينمائيون إذا طورتم أفلامكم وأنجزتم أفلاما جيدة فإننا لسنا بحاجة إلى المنابر.

وشهدت هذه المرحلة تقدما واضحا في السينما الإيرانية، بل إنها تعتبر بلا شك مرحلة الازدهار الحقيقي والانطلاق إلى العالمية وحصد الجوائز الكثيرة. وظهرت أفلام مثل "القبطان خورشيد"، و"شبح العقرب" و"المقاطعة"، و"المسـتأجرون والمسافرون"، و"المشاهد الأخيرة" و"المراقب والمهاجر" و"تحت أشجار الزيتون"، وعشرات الأفلام الأخرى التي لفتت أنظار العالم ونالت العديد من الجوائز في المهرجانات العلمية ولمع نجم المخرجين الإيرانيين ووضعوا في مصاف المخرجين الدوليين أمثال محسن مخملباف وعباس كياروستمي ومحيي مجيدي وإيرنادري وغيرهم.

وانطلق "فيلم العداء" لأمير نادري حول العالم فجال بلدان العالم حاصدا العديد من الجوائز في المهرجانات الدولية، ثم لحق به أكثر من 20 فيلما في خلال عامين على نفس الطريق، وكان حديث الصحف والمجلات العالمية حتى صارت السينما الإيرانية موضع اهتمام الغرب، واعترفت بها عاصمة السينما العالمية هوليود عندما رشح فيلم ماجد مجيدي "أطفال الجنة" عام 1999 لجائزة الأوسكار العالمية في مسابقة الأفلام الأجنبية، كما نجح آخرون مثل محسن مخملباف وابنته سميرة مخملباف وغيرهما للحصول على جوائز مختلفة، وفي هذا السياق نظمت العديد من مدن العالم فعاليات لعرض الأفلام الإيرانية، بل تم دعوة مخرجين إيرانيين للتحكيم في هيئات التحكيم في مهرجانات مختلفة.

أسباب نجاح السينما الإيرانية

لعبت استقلالية الإنتاج السينمائي دورا كبيرا في نجاح السينما الإيرانية حيث أنشأت وزارة الثقافة الإيرانية مدينة كبيرة للإنتاج تحتوي على مدن مستوحاة من التاريخ الإسلامي وشوارع وسكك حديدية. وتسمح الوزارة للمخرجين أن يتعاملوا بصفتهم مخرجين ومنتجين منفذين، وتمنحهم دعما لأول ثلاثة أفلام ويتم شراؤها بمبالغ طائلة وتقوم الدولة بتوزيع الأفلام خارجيا وداخليا؛ وهو ما شجع الكثير من المخرجين وأتاح لهم الفرصة للإبداع، وكل هذا أدى إلى أن تحصد السينما الإيرانية 300 جائزة في مهرجانات دولية خلال الأعوام العشرة الأخيرة فقط.

السينما رسالة الفنانين الإيرانيين

تحول فن السينما إلى رسالة عند كثير من الفنانين الإيرانيين؛ ففي لقاء مع "إسلام أون لاين.نت" قال الفنان الإيراني الشهير جهانكير ألماس الذي كان يعمل في الفن قبل الثورة: إن الثورة الإسلامية ساهمت إلى حد كبير في إخراج مواهبنا، حيث اهتمت سينما الثورة بالمضمون والمحتوى الفني، بينما كانت في عهد الشاه لا تملك رؤية وليس لديها هوية، والآن نحن لدينا هويتنا الإسلامية نتمسك بها ونتحرك في إطارها، وإذا كانت السينما في أغلب بلدان العالم مبنية على الجنس فإننا نجحنا في صنع سينما نظيفة من الجنس، بل نظيفة من كل اللاأخلاقيات، وصرنا ننافس بها الاستبداد والقمع السياسي، ونرى أن الإنسان ينبغي أن يعود لإنسانيته ويعود إلى قيمه الحضارية والثقافية، وعلى السينما أن تلعب هذا الدور التنويري.

كذلك فإن الفنانة الإيرانية الشهيرة بيجاه أهنجراني بطلة فيلم "فتاة تائهة" الحاصلة على جائزة أحسن ممثلة في مهرجان القاهرة السينمائي عندما سئلت من الصحفيين عن مشهد السير على حافة الرصيف لعدة مرات في الفيلم هل له معنى؟ أجابت نحن لا نقوم بعمل أي مشهد عشوائي، وإنما تحكمنا رؤية لكل شيء؛ فالسير على الرصيف عدة مرات كان يعبر عن حالة الحيرة والتردد التي تغلب على شباب مجتمعاتنا، ومنها المجتمع الإيراني من خلال الصراع بين القديم بتقاليده، والجديد بمتغيراته؛ وهو ما يؤدي إلى السير المضطرب في عالم التوتر. 

______________

** صحفي مصري

إسلام أنلاين في 15 مايو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

إيران.. 100 عام سينما

أحمد السيوفي