شعار الموقع (Our Logo)

 

 

بدأت في صالات العاصمة عمان، عرض الفيلم الملحمي «طروادة»  بتزامن مع عروضه الاولى في اكثر من عاصمة عربية وعالمية، وينتظر ان يعرض ايضا خلال اليومين القادمين على هامش فعاليات مهرجان (كان) السينمائي الدولي.

يحيلنا فيلم «طروادة» لمخرجه الالماني وولفانغ بيترسون (حضر منذ سنوات قليلة الى الولايات المتحدة قادما من بلاده المانيا التي حقق فيها اكثر من عمل سينمائي لافت) الى تلك الحقبة في تاريخ السينما العالمية التي تناولت ملاحم الامبراطورية الرومانية المستمدة وقائعها من سفر الالياذة لهوميروس، فقبل نصف قرن من الزمان قدمت السينما الاميركية فيلم «هيلين طروادة» 1955 الذي ظل عالقاً بأحداثه الكبيرة في اذهان الملايين من المشاهدين، ووقعه المخرج روبرت وايز وفيه ادت النجمة الفرنسية بريجيت باردو الدور الرئيسي.

لكن هوليوود في حمى اهتماماتها بالاعمال التي شكلت قامات السينما الرفيعة في حقب ماضية من تاريخها، بدأت حديثا في اعادة احياء انتاجها وتصويرها بتقنيات كومبيوترية وتكنولوجية متقدمة، كما حدث في افلام «تايتانيك» و«غلاديتور»، «هرقل»، «آلام المسيح» وغيرها كثير وها هي اليوم تجد الفرصة امامها بنبش التاريخ القديم والبحث عن واحدة من اشهر الحروب الطاحنة التي جرت على ابواب جزيرة طروادة وتطعيمها بخيط رومانسي بين علاقات شخوصه الرئيسية، وذلك عندما يقوم امير طروادة الشاب بخطف امرأة حاكم يوناني بعد ان عم السلام بين الممالك والاقاليم، ولكن بدافع انتقام الزوج يتم تجييش الجيوش واستقطاب الحلفاء وارسالهم في سفن وكأنها تملأ البحر الى شواطىء طروادة التي تكون قد اعدت نفسها الى تلك الموقعة، التي كان يمكن تفاديها بعد ان قدم ملك طروادة الكثير من التنازلات لحكام وقادة جيوش الجزر اليونانية المتحالفة، بيد ان مساهمة الكثير من اولئك القادة والحكام لم تكن مجرد لرد الاعتبار والشرف وانما لاطماع التوسع والهيمنة واخضاع الاقاليم الاخرى.

وكان الحكام قد منحوا قيادة جيوشهم للقائد (أخيل) الذي يتمتع بقوى خارقة لا يستطيع اي مقاتل ان يتصدى له في اي نزال، وكانت قوته كثيرا ما تختصر الحرب في نزاله التنافسي الاول عندما يصطف فريقا القتال قبيل الحرب حسب قواعد الحرب المتبعة انذاك.

وضعت ميزانية ضخمة في سبيل انجاز هذا الفيلم الملحمي الذي سيكرس في المستقبل كواحد من ابرز الافلام الكلاسيكية التي يحتفل بها المتفرجون على مدار الاجيال وفيه استفاد المخرج بيترسون صانع العديد من الافلام الاميركية العادية «على خط النار» مثلا كثيرا من تشابه الاحداث التي تسري في الواقع مع ما تتضمنه ملحمة هوميروس «الالياذة» واشتغل كثيرا على الاماكن التي صور فيها فيلمه بدءا من شواطئ جزيرة مالطا، الى سهول المكسيك.

واختار نجوما وممثلين جددا في الادوار الرئيسية واسند لنجوم مكرسين في الأدوار الثانوية، ففي الفيلم يؤدي «براد بيت» دور «أخيل» وهو بطل مقاتل أظهره الفيلم كأنه نصف انسان ونصفه الآخر كواحد من آلهة اليونان حسب الميثولوجيا الاغريقية، كما يظهر في العمل الممثل الاسترالي «ايريك بابنا» بطل فيلم «هالك» في دور «هكتور» أمير طروادة الشجاع، وتظهر الممثلة الألمانية «ديان كروجر» في دور «هيلين»، و«ارنالدو بلوم» في دور الامير «باريس»، ويشارك كل من «بيتر اوتول» و«جولي كريستي» و«شين بين» و«بريان كوكس» في ادوار قصيرة.

اضفى بيترسون بصماته الخاصة على احداث الملحمة الاغريقية وشكلها لتتلاءم مع السينما بالوان من العواطف والتشويق الكامن في تصوير سقوط جزيرة طروادة عبر خديعة الحصان الخشبي المعروف بحصان طروادة، وبرز في الفيلم كواحد من الاحداث الملحمية وما اعقبه من تشويق تقلب للعواطف وتبدل في المواقف، وحول الالياذة من عمل ادبي كلاسيكي الى تنويع بصري وفكري في توظيفه لمشاهد المعارك، التي جاء بعضها دمويا في لحظات الطعن بالسهام والرماح والسيوف ولحظات القضاء على الخصوم، ومشاهد تدفق الدم واكوام الجثث عقب الموقعة، انه باختصار يترجم جملة من المواقف في الياذة هوميروس ويختصرها بلغة السينما في استيعاب واستمتاع خاص التي قد تختلف عن النص الادبي الكلاسيكي الاصلي.

وقد جر المخرج بيترسون عليه الكثير من الصخب والجدل عندما تحدث للصحافة قبيل توجهه الى «كان» لعرض الفيلم هناك بقوله ان الحروب في فيلمي العائدة الى حقبة لتاريخ من الاف من السنين الماضية هي الحرب ذاتها التي يشنها بوش وجماعته على العراق والقائمة على الهيمنة والاحتلال بعيدا عما اعلن عنه من حرب من اجل الديمقراطية او نتيجة للبحث عن اسلحة الدمار الشامل، ويضيف ايضا ان هناك فترة في التاريخ تبدو وكأنها تلد اختها في الوقت الراهن ورؤيتي تعتمد على كل ما هو واقعي وحقيقي، وفي محطة اخرى يعترف المخرج بيترسون بانه لم يكن هناك الكثير من المصادر التي يمكن الرجوع اليها للمساعدة في تصوير فيلمه باستثناء بعض تلك الرسومات والمعلومات حول الاسلحة التي كانت مستخدمة.

ركز البناء الدرامي لفيلم «طراودة» على تناول التناقضات والصراعات داخل الاقاليم وعلاقات حكام المقاطعات المتحالفة المتجهة الى الحرب على سواحل طراودة ويسيطر المخرج بشكل متمكن على كافة تفاصيل فيلمه الضخم والمبهر بآن، ويبرع في تصوير مشاهد المجاميع وحشود البشر والمقاتلين ولحظات صدامهم التي تعد من اكثر معارك الافلام ضراوة ووحشية في تاريخ السينما ولكن كان يلزمها قدر من الاثارة على صعيد المتعة البصرية، التي كانت تقدمها افلام عالمية مشابهة في احداثها مثل «ران»، «رجل شجاع»، «هنري الخامس»، «غلاديتار»، وظلت كاميرا بيترسون تحوم في مواضع كثيرة في الفيلم حول ساحل طراودة ببساطة وسطحية لا تتناسب مع عمر واصالة العناصر الملحمية المتعارف عليها وابتعدت عن الاسلوبية الرصينة الذي يدعو المشاهد الى التأمل العقلاني فيما يحدث امامه على الشاشة، ففي مشاهد سقوط طروادة يقبض فيها المخرج على تلك الفكرة عندما يقوم بخلق حاجز بين الصورة وانفعالات المشاهدين، فالمتفرج لا يعد يسمع اصوات العراك والقتال والموسيقى الصاخبة الملازمة ويسمع بدلا من ذلك موسيقى تعبيرية هادئة تعتمد على فقرات الايقاع الهادئ والمتلازمة مع سقوط المدينة ومشاهد المدافعين والاهالي وهم يتساقطون صرعى بين نيران المعركة الفاصلة، مما يضع الفيلم في خانة واحدة من بين الافلام الملحمية القليلة التي ابرزت وحشية الحرب وهمجيتها وكأنه وثيقة ادانة لكل دعاتها.

الرأي الأردنية في 15 مايو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

فيلم «طروادة»

ادانة للحرب ودوافعها التوسعية

ناجح حسن