شعار الموقع (Our Logo)

 

 

يحاول مدراء الاستديوهات والمنتجون السينمائيون في هوليوود منذ قرابة 100 عام البحث عن الصيغة المثالية للقصة السينمائية التي تضمن نجاح الفيلم السينمائي على شباك التذاكر، ولكن تلك المحاولات لم تكلل بالنجاح التام، ورغم النجاح الكبير الذي حققه آلاف الافلام على الصعيد التجاري على مر عشرات السنين، فليست هناك «وصفة» او صيغة او قاعدة تضمن نجاح الفيلم في صالات العرض السينمائي.

ويشتمل انتاج كل فيلم سينمائي على شيء من المجازفة المالية، مهما سخر له من مواهب وموارد، ورغم قصص النجاح المذهلة في عالم السينما، فهناك في المقابل قصص فشل كثيرة، ولم ينج اكثر الممثلين والمخرجين نجاحا من فشل بعض افلامهم، وعلى رأسهم النجم السينمائي والمخرج اللذان يتصدران قائمتي اكثر الممثلين والمخرجين نجاحا على شباك التذاكر، وهما الممثل هاريسون فورد والمخرج ستيفين سبيلبيرج، اللذان حصدت افلامهما عدة بلايين من الدولارات. ومع ذلك فقد فشل لكل منهما فيلم او اكثر على شباك التذاكر.

ولكن رغم كل ذلك فان هناك العديد من المؤشرات التي قد تساعد مدير الاستديو او المنتج على اتخاذ قرار «سليم» يتوخى فيه الحذر فيما يتعلق بفيلمه القادم، على ان يدرك ان النجاح التجاوزي لفيلمه غير مضمون.

ومن هذه المؤشرات - على سبيل المثال - ان جمهور السينما اخذ في العزوف عن مشاهدة الافلام الغنائية الاستعراضية وافلام رعاة البقر منذ اواخر فترة الستينات من القرن الماضي. ونتيجة لذلك تكبدت عشرات الافلام من هذين النوعين السينمائيين خسائر مالية جسيمة، ادت في بعض الاحيان الى اشهار افلاس بعض الاستديوهات السينمائية.

الشيء المثير للاهتمام ان هذين النوعين السينمائيين كانا من العلامات المميزة لعصر هوليوود الذهبي في ثلاثينات واربعينات القرن الماضي، وبلغا ذروة نجاحهما في عقد الخمسينات. ورغم الفشل الذي تعرضت له هذه الافلام خلال الخمس والثلاثين سنة الماضية. فان القليل منها حقق نجاحا كبيرا، وخاصة افلام رعاة البقر التي قدمها الفنان كلينت ايستوود كممثل او مخرج او كليهما، كأفلام «الخارج على القانون ـ جوزي ويلز» (1976) و«برونكو بيلي» (1980) و«الراكب الشاحب» (1985) و«غير المسامح» (1992) وقد فاز الفيلم الاخير باربع جوائز الاوسكار، بينها جائزة افضل فيلم. كما ان افلاما غنائية استعراضية قليلة شذت عن القاعدة خلال السنوات الاخيرة وحققت نجاحا كبيرا، ومن احدثها فيلم «الطاحونة الحمراء» (2001)الذي رشح لثمان من جوائز الاوسكار بينها جائزة افضل فيلم وفاز باثنتين منها عن الاخراج الفني وتصميم الازياء. وفيلم «شيكاغو» (2002) الذي فاز بست من جوائز الاوسكار، بينها جائزة افضل فيلم، ليصبح بذلك اول فيلم غنائي استعراضي يفوز بجائزة الاوسكار منذ العام 1968.

كما اكتشفت هوليوود نتيجة تجربتها الطويلة ان افلام السيرة او ترجمات حياة الاشخاص ليست بالضرورة اكثر الافلام نجاحا على شباك التذاكر. كذلك هو الحال بالنسبة للافلام الرياضية التي لم يكلل معظمها بالنجاح. وهناك افلام عن حياة نجوم الرياضة تجمع بين الافلام الرياضية وافلام السيرة، مما يضعف احتمال نجاحها التجاري. ومما يسهم في ذلك عدم المام المشاهدين الاجانب ببعض الرياضات الاميركية كالبيسبول وكرة القدم الاميركية، وعدم المامهم بكبار نجوم تلك الرياضات الذين فشلت معظم الافلام المتعلقة بحياتهم رغم انهم ابطال قوميون في الولايات المتحدة، مثل بطل البيسبول بيب روث في فيلم «قصة بيب روث» (1948) والعداء جيم ثورب في فيلم «جيم ثورب ـ بطل اميركي» (1951) ومع ان هناك افلاما رياضية انتجتها هوليوود وكللت بالنجاح على شباك التذاكر، فان هذه الافلام قليلة، ومن اشهرها فيلم«فخر اليانكيز» (1942) الذي يتعلق بحياة بطل البيسبول لو جيريك.

الا ان المام الجمهور على نطاق عالمي ببطل الملاكمة محمد علي لم يضمن النجاح التجاري لفيلم «علي» (2001) وذلك رغم كل ما توفر لهذا الفيلم من مقومات النجاح، ومن ضمن ذلك مخرج متميز هو مايكل مان، واسناد دور البطولة لنجم سينمائي مرموق هو ويل سميث وتخصيص ميزانية ضخمة لانتاج الفيلم بلغت 105 ملايين دولار. وكرس بطل الفيلم ويل سميث اكثر من عامين بالتعاون مع المخرج مايكل مان للاعداد للفيلم، منها عشرة اشهر في رياضة العدو وعدة اشهر في التدرب على الملاكمة وعدة اشهر اخرى لتقليد الاسلوب المميز لمحمد علي في الملاكمة على ايدي ابطال ملاكمة حقيقيين، وعدة اشهر لتقمص شخصية محمد علي الانسان ومع ان الممثل ويل سميث رشح عن دوره في فيلم «علي» لجائزة الاوسكار، فان الفيلم مني بخسائر مالية ضخمة رغم انه يتعلق بحياة واحد من اكثر الشخصيات شهرة في العالم.

ومن هذه الافلام ايضا فيلم «فريدا» (2002) الذي يجسد شخصية الفنانة التشكيلية المكسيكية فريدا كاهلو التي توفيت في العام 1954 والذي رشحت الممثلة المكسيكية العربية الاصل سلمى الحايك عن دور البطولة فيه لجائزة الاوسكار، ورغم ما بذل في انتاج هذا الفيلم والاعداد له على مدى عشر سنوات وفوزه بعشرات الجوائز السينمائية وميزانيته الضخمة، فقد مني الفيلم بخسائر مالية كبيرة.

ومن احدث فلام السيرة التي منيت بالفشل على شباك التذاكر فيلم «سيلفيا» (2003) الذي يتعلق بحياة الشاعرة الاميركية سيلفيا بلاث التي انتهت حياتها بالانتحار في سن الثلاثين. وقد لقي هذا الفيلم نفس المصير الذي لقيه فيلما «علي» و«فريدا» رغم ما توفر له من امكانيات فنية ومادية، ومن المخرجة الناجحة كريستين جيفز الى الممثلة الفائزة بجائزة الاوسكار جوينيث بالترو في دور الشاعرة سيلفيا بلاث الى ميزانية الفيلم الضخمة.

وفي الحقيقة ان تجربة هوليوود مع افلام السيرة تشتمل على الكثير من التنوع، رغم انها في مجملها تجربة غير مجدية على الصعيد التجاري. فعلى سبيل المثال لا تحقق معظم الافلام التي تتعلق بحياة الشخصيات الثقافية المشهورة، في ميادين الفن والموسيقى والادب، النجاح الذي تحققه بعض الافلام المتعلقة بالشخصيات العسكرية والسياسية المشهورة التي تقترن بطبيعتها بشخصيات شهيرة اخرى وباحداث تاريخية مهمة. ومن اشهر الافلام التي قدمتها هوليوود من النوع الثاني فيلم «باتون» (1970) وفيلم «غاندي» (1982) اللذين حققا نجاحا فنيا وتجاريا كبيرا وفاز كل منهما بجائزة الاوسكار لافضل ممثل في دور رئيسي.

الا ان كل فيلم سيرة ناجح قدمته هوليوود يقابله عدة افلام غير ناجحة تجاريا، فحتى افلام السيرة المتعلقة بشخصيات عسكرية وسياسية شهيرة لا تضمن النجاح على شباك التذاكر.، فنجد مثلا ان الافلام المتعلقة بحياة نابليون بونابرت وابراهام لنكون والفيلمين المتعلقين بحياة الزعيم اليوغسلافي جوزيف تيتو والرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون منيت بالفشل.

كما نجد ان الافلام التي قدمتها هوليوود عن حياة نجومها لقيت مصيرا مماثلا لمعظم افلام السيرة، اي انها لم تحقق اي نجاح يذكر على شباك التذاكر. ومن الامثلة على ذلك فيلما «هارلو» اللذان يتعلقان بحياة نجمة الاغراء جين هارلو التي لمعت في عقد الثلاثينات من القرن الماضي وتوفيت في سن السادسة والعشرين، وقامت بدور جين هارلو في الفيلمين الذين صدرا في العام 1965 كل من الممثلتين كارول بيكر وكارول لينلي. ومنها ايضا فيلم «جيبل ولومبارد» (1976) الذي قام فيه الممثلان جيمس برولين وجيل كلييرج بدوري النجمين السينمائيين كلارك جيبل وكارول لومبارد اللذين ربطت بينهما علاقة غرامية ملتهبة قبل ان يتزوجا ثم ينتهي زواجهما بمأساة بعد مقتل الممثلة كارول لومبارد في حادث سقوط طائرة، وفيلم «دبليو. سي. فيلدز وانا» (1976) الذي تقمص فيه الممثل رود ستايجر شخصية النجم الكوميدي دبليو سي. فيلدز. وقد منيت جميع هذه الافلام بخسائر مالية، الا ان فيلم «امي الاعز» (1981) الذي جسدت فيه الممثلة فاي داناوي ببراعة شخصية الممثلة جون كروفورد وقسوتها مع اطفالها حقق نجاحا معتدلا على شباك التذاكر.

وادراكا من هوليوود لعدم نجاح معظم الافلام السينمائية المتعلقة بحياة نجومها. فقد اتجهت خلال السنوات الاخيرة نحو انتاج الافلام التلفزيونية التي تتعلق بحياة نجوم السينما، حيث تكون المجازفة المالية قليلة في الافلام التلفزيونية المحدودة التكاليف مقارنة بالافلام السينمائية الضخمة الانتاج. ومن الفنانين الذين قدمت افلام تلفزيونية عن حياتهم ملكة الاغراء مارلين مونرو والممثلة المغنية جودي جارلاند والنجمة السينمائية الشهيرة جرينا جاربو ورونالد ريغان كممثل ورئيس الولايات المتحدة.

ولكن يبدو ان هوليوود لم تتعلم درسها كاملا فيما يتعلق بافلام السيرة، اذ تقوم استديوهات هوليوود حاليا بانتاج افلام جديدة تتعلق بحياة اربعة شخصيات حديثة وتاريخية. والشيء المدهش ان كلا من هذه الشخصيات الاربعة سيقدم في فيلمين متنافسين. وهؤلاء الاشخاص هم المغنية الشهيرة الراحلة جانيس جوبلين والكاتب ترومان كابوتي والاسكندر الكبير ونابليون بونابرت. ويقدم فيلمان عن حياة المغنية جانيس جوبلين التي توفيت في العام 1970 في سن السابعة والعشرين متأثرة بالادمان على المخدرات. وتقوم المغنية يينك ببطولة الفيلم الاول، وهو فيلم «الانجيل طبقا لجانيس» فيما تقوم الممثلة رينيه زيلويجير ببطولة الفيلم الثاني «قطعة من قلب».

وهنك فيلمان جديدا عن حياة الروائي ترومان كابوتي، الاول هو فيلم «كابوتي» الذي يقوم ببطولته الممثلة فيليب سيمور هوفمان، والثاني هو فيلم «كل كلمة صحيحة» الذي لم يبدأ تصوير مشاهده او اختيار بطله.

وهناك فيلمان جديدان يتعلقان بكل من الاسكندر الكبير ونابليون بونابرت. ويحمل الفيلم الاول عن الاسكندر الكبير عنوان «الاسكندر» للمخرج المعروف اولير ستون والممثلين كولين فاريل وانجيلا جولي، وقد بلغت تكاليف هذا الفيلم 150 مليون  دولار، والثاني الذي لم يعط عنوانا حتى الان للمخرج النيوزيلندي باز ليرمان والنجمين السينمائيين ليوناردو ديكابريو ونيكول كيدمان.

اما الفيلمان الجديدان المتعلقان بنابليون بونابرت فهما كل من فيلم «وحش لونجوود» للمثل آل باتشينو، وفيلم «نابليون وبيتسي» الذي لم يتم اختيار بطله بعد، ولكن الممثل سكاليت جوهانسون ستقوم فيه بدور الفتاة المراهقة بيتسي مالكوهب التي ربطتها علاقة غرامية بنابليون.

وهكذا نرى ان مدراء استديوهات هوليوود ومنتجيها لم يفقدوا الامل في امكانية نجاح ما يقدمونه، من افلام جديدة تتعلق بسيرة الشخصيات الشهيرة وستكشف الاشهر القادمة عما اذا كان جمهور السينما سيتجاوب مع هذه الافلام الجديدة، ام ان هذه الافلام ستلقى نفس المصير الذي لقيته أغلبية افلام السيرة في الماضي، وهو الفشل الذريع على شباك التذاكر. 

_________________
*
ناقد سينمائي اردني

الرأي الأردنية في 15 مايو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

هوليوود والبحث عن الصيغة المثالية للفيلم الناجح

محمود الزواوي