شعار الموقع (Our Logo)

 

 

البخل يؤدي بصاحبه إلى مهاوي الجحيم. لكن المخرجة السينمائية المغربية نرجس النجار لن تذهب إلى الجحيم بالضبط, إنها مطالبة فقط بالوقوف أمام القاضي لتفسير كيف "احتالت" على العشرات من نساء قرية مغربية في جبال الأطلس وجعلتهن يقتنعن بالوقوف أمام الكاميرا لتصورير أنفسهن كداعرات في فيلم "لعيون الجافة", في الوقت الذي كن يعتقدن أن الأمر يتعلق بتصوير شريط وثائقي عن تقاليد المنطقة.

نرجس النجار مخرجة سينمائية شابة يبدو أنها اكتشفت روعة المال قبل أن تكتشف روعة السينما, لذلك استغنت عن الممثلات المحترفات ووظفت نساء من المنطقة وصورتهن كما تشاء وفي النهاية وجدت نفسها في قلب الإعصار.

من الصعب أن يبدأ شخص ما مسيرته المهنية بهذه الطريقة السيئة. ومن الصعب أن يتم تفضيل المال على الشرف, ومن الصعب أن يتم تصوير فيلم بثلاثة أو أربعة ممثلين ثم يحصد جوائز في المهرجانات ويذهب المال إلى جيب المخرجة وكاتبة السيناريو في الوقت نفسه, بينما تبقى وجوه الكومبارس تداري الفضيحة في قاعات المحاكم.

فيلم "العيون الجافة" فشل في القاعات السينمائية وأصاب المشاهدين الذي تجرؤوا على مشاهدته بالملل وعسر الهضم. فيلم شبيه بشريط وثائقي لا يكاد يقول شيئا. كاميرا تصور أي شيء, الجبال والسهول والزرع من دون أي هدف سينمائي. صور الفيلم أيضا عشرات النساء الساذجات والأميات في قرية نائية على اعتبار أنهن داعرات, أو داعرات سابقا, من دون أن يتم إخبارهن بأي شيء, وفي نهاية الشريط دست في جيوبهن حفنة من الدراهم وفضيحة كبيرة. المخرجة انصرفت لحصد جوائز المهرجانات الفرنسية التي تمنح المال لكل التفاهات ولكل من يشوه وجه المغرب, والنساء انصرفن إلى قاعات المحاكم.

قضية فيلم" العيون الجافة" وصلت إلى قاعة البرلمان المغربي. بعض النواب صاروا يطالبون بوقف عرضه في القاعات بعد مرور أزيد من شهرين على بداية عرضه. والحقيقة أنه لا داعي إلى ذلك لأنه لم يحظ باهتمام كبير لأنه فيلم من دون قصة. فيلم تائه ولا أحد يمسك ببدايته ولا بنهايته. موضوع الفيلم ليس سيئا لو عولج بطريقة جيدة ولا يجب أن يجعل الآخرين يحسون بالخجل. فالدعارة موجودة في أي مكان وفي أي زمان, لكن حين تستغل المخرجة براءة نساء في قرية نائية بين الجبال الوعرة وتصور أدق تفاصيل وجوههن على أنهن من محترفات الدعارة, فهذه فضيحة سينمائية لم يسبق لتاريخ السينما في المغرب, وربما في العالم, أن عرفها.

وزير الاتصال المغربي نبيل بن عبد لله دافع في البرلمان عن "حرية الإبداع". لكن لا أحد يستطيع أن يعرف العلاقة بين الإبداع وبين الاحتيال. الإبداع ليس هو البخل الذي يجعل مخرجة تعتمد على ثلاثة أصدقاء لتصوير فيلم رديء وممل, وتستغل عشرات الوجوه النسائية لتملأ بها فراغ السيناريو وتحول حياتهن إلى جحيم.

كثير من الأسر تفككت وتحولت سعادة القرية التي صور فيها الفيلم إلى شقاء أبدي, كل هذا لكي تنعم مخرجة متهورة بالمال والشهرة وبإطراء المهرجانات السينمائية الفرنسية المريضة.

هو إذن إبداع من نوع جديد يشبه إبداع القنابل. وربما ستجد الأسر المغربية نفسها في وقت لاحق مجبرة على فتح أبواب غرف نومها لمخرجين أغبياء يبحثون عن جوائز فرنسا بدعوى حرية الإبداع.

فيلم "العيون الجافة" لنرجس النجار فضيحة بكل المقاييس. فضيحة في الشكل والمضمون من أجل عيون المهرجانات الفرنسية. لكن الشيء الذي لا يفهمه أحد إلى حد الآن هو أن المخرجة حصلت على جائزة في مهرجان مراكش, في مكان غير بعيد كثيرا عن القرية التي جرت فيها أطوار الفضيحة, والسبب طبعا هو أن لا أحد من لجنة التحكيم رأى وجه أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته بين النساء اللواتي تم استغلالهن في الفيلم على أساس أنهن داعرات. 

موقع "إيلاف" في 13 مايو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

فيلم "العيون الجافة" في قلب الإعصار نساء ساذجات حولتهن المخرجة إلى داعرات

عبدالله الدامون

"العيون الجافة" أمام القضاء المغربي: مزيج من الجرأة... و"الاستغلال"

الحياة/ الرباط - محمد الأشهب: سيكون على القضاء المغربي ان يحسم في قضية ثقافية, لكنها اخلاقية بدرجة أكبر. إذ صوّرت مخرجة شابة اسمها نرجس النجار شريطاً سينمائياً في موضوع الدعارة, أقدم مهنة في التاريخ. ولم يكن في ذلك أي عيب أو فضح للمسكوت عنه. فمنذ فترة صور مخرج آخر وقائع شريط عن سنوات الاحتقان السياسي في معتقل مولاي الشريف في الدار البيضاء. ونزلت الى الاسواق مذكرات معتقلين سابقين. كما عرضت معتقلات سابقات أشكال التعذيب في السجون, وتحدثت كاتبات ناشئات عن تجارب قاسية في الجنس والحياة ودونية الانسان والأشياء.

لكن الجديد في شريط "العيون الجافة" للمخرجة نرجس النجار انها اختارت نساء يمتهن الدعارة في احدى مناطق الأطلس المتوسط ليصبحن بطلات الشريط. سبقها في ذلك المخرج نبيل عيوش الذي اختار أبطال شريطه من عالم تشرد الأطفال, فحصد جوائز في المغرب والمهرجانات السينمائية في الخارج. بيد ان حظ نرجس كان دعاوى قضائية بتهم التشهير واستغلال نساء ساذجات في عمل تجاري, خارج ارادة الإدراك. ويقول أحد محامي أولئك النساء انهن اعتقدن بأن الأمر يطاول ريبورتاجاً لإثارة الانتباه الى أوضاعهن, بينما ترد المخرجة بأنها تعرضت الى ضغوط وكانت تتلقى تهديدات خلال تصوير الشريط, ولم تفعل سوى تقديم واقع مهنة الدعارة في تلك المنطقة.

قبل سنوات كان بعض الأسر يكتب على جدران بيوته في تلك المنطقة وغيرها انها بيوت متزوجين كي لا يزعجهم طالبو اللذة في آخر الليل. وكانت الظاهرة المثيرة أقرب الى بيوت الدعارة المقننة في الغرب. لكن تلك الصورة اختفت الى حد ما, وبقيت تداعياتها المرتبطة بتنظيم "ليالي الطرب والمجون والغناء التقليدي" قائمة وعالقة في الذاكرة, ما شجع المخرجة الشابة على التعاطي معها. لكن السؤال هل رصد الواقع عبر تقديم شخصيات واقعية شيء من عالم السينما؟

والى أي حد يمكن للواقع ان يتجاوز الإبداع؟ والاشكالية هنا ليست ثقافية محضة, بل مزيج من التعرية والجرأة والاستغلال أيضاً. واذا كان صحيحاً ان تلك المنطقة المنزوية تحت جبال الأطلس تستطيع ان تمنح نفسها للآتي الغريب مقابل ثمن المتعة, فهل صحيح ايضاً ان ذلك الواقع تمكن قراءته كما هو سينمائياً من دون "رتوش"؟

ثمة ابداعات مغربية تجاوزت المحظور, كما في رواية الكاتب الراحل محمد شكري "الخبز الحافي", لكنها لم تترجم سينمائياً. وقد يكون عذر المخرجة نرجس النجار انها انتقلت من الروائي الى الواقعي, ما أثار سكان المنطقة.

وبعيداً عن الحس النقدي أو الطموح التجاري, يظل السؤال عالقاً, وان حسم فيه القضاء. فبعض الممارسات يرضاه الانسان قهراً ومذلة, لكنه اذ يتعايش معها يرفض ان تصبح سلعة في أيدي آخرين.

     الحياة في 17 مايو 2004