أمضى الناقد السينمائي اللبناني محمد رضا أعواما طويلة في بلاد الاغتراب العربي، بين لندن ولوس أنجلوس تحديدا، متابعا الحركة السينمائية في دول مختلفة، ومعاينا إنتاجها وقضاياها وتفاصيلها المتنوّعة. كتب النقد الصحافي في صحف ومجلات عربية عدّة، وأصدر خمسة أجزاء من كتاب <<دليل السينما>>، الذي يُفترض به أن يصدر سنويا، لكن ظروفا مالية بحتة لا تزال تحول دون تحقيق هذا الأمر. يتضمّن الكتاب، عادة، تفاصيل فنية وتقنية ونقدية خاصة بالأفلام المنتجة قبل صدور الكتاب بعام أو اثنين، إلى جانب مقالات تناقش قضايا سينمائية وتواكب مهرجانات وتظاهرات، وتطرح أسئلة نقدية مختلفة. في شهر آذار الفائت، وبعد انقطاع دام نحو ثمانية أعوام، أصدر رضا الجزء الخامس منه عن <<المجمّع الثقافي>> في أبو ظبي، مع إحياء الدورة الثالثة ل<<مسابقة أفلام من الإمارات>>، وذلك بعد تدخّل مؤسّس المسابقة ومديرها الناقد والمخرج السينمائي الإماراتي مسعود أمر الله آل علي، وتبنيه الكتاب. هنا نصّ الحوار الذي أجرته <<السفير>> مع محمد رضا، بمناسبة صدور الكتاب. · لماذا تأخّر صدور الجزء الخامس من كتاب <<دليل السينما>>؟ - أسباب عدّة أدّت إلى هذا التأخير. أولا: اضطررت إلى الانتقال، أكثر من مرّة، بين لندن ولوس أنجلوس، قبل أن أعمل في محطة <<تلفزيون الشرق الأوسط>> (MBC) في العاصمة البريطانية، فانشغلت كثيرا. بسبب هذا الانتقال، فترت همّتي. ثانيا: تعوّدت أن أنشر الكتاب بنفسي، غير أن توقّفي عن إعداده/كتابته لسنوات عدّة، جعل أمر إنتاجه صعبا، إذ شعرت مرارا كأنني أقوم بهذه المهمّة للمرّة الأولى. في العام 1996، أنجزت جزءا خامسا، لكني لم أستطع نشره بسبب التكاليف التي ارتفعت كثيرا حينها، ووصلت إلى مستوى أعلى بكثير عما كانت عليه سابقا. في هذه الفترة نفسها، كنتُ كلما أبتعد عنه، أشعر برغبة حادّة في العودة إليه. وبقيت على هذه الحال (الإقبال عليه والامتناع عنه) طويلا، إلى أن عرض عليّ الزميل مسعود أمر الله طبع الكتاب وإصداره عن <<المجمّع الثقافي>> في أبو ظبي. هذا حلّ إنتاجي/مالي، إذا شئت، لكنه لم يكن مُرضيا لي، لأني كنتُ ولا أزال أتمنّى لو أستطيع أن أنشره بنفسي. · لماذا الإصرار على أن تنشره بنفسك؟ - كي أستكمل شروط الحرية والاستقلالية كلّها. ليست لديّ شكاوى تُذكر بالنسبة إلى قيام <<المجمّع الثقافي>> بنشره. بل على العكس من ذلك تماما، فلولا تدخّل <<المجمّع>>، لتأخّر صدور الكتاب مُجدّدا. مع هذا، فإني، كمؤلّف ورئيس تحرير هذا الكتاب وكناقد سينمائي أيضا، أتمنّى أن تُتاح لي إمكانية إنتاج الكتاب تبعا للرؤية التي تسوده. إن الكتب السينمائية في العالم العربي، الجديرة بالصدور، قليلة عادة. لذلك، يحقّ للناقد الطموح أن يستولي على مقدّرات الكتاب الذي يؤلّفه استيلاء كاملا، إذا تسنّى له ذلك. وإذا لم يستطع، فيجدر به، على الأقلّ، أن يتعامل مع دار نشر تحترم جهوده، كما <<المجمّع الثقافي>>. · هل سيستمر <<المجمّع>> في إصداره؟ - الكلام الذي سمعته بعد صدور الجزء الخامس، جعلني أشعر بأن هناك إمكانية ما لهذا. لم ندخل في تفاصيل محدّدة، لكني تبادلت الكلام مرارا مع مسعود، بشأن مستقبل الكتاب، ويُمكنني القول إن نتيجة ذلك كلّه <<إيجابيّة>>. · ينقسم الكتاب إلى قسمين: مراجعات نقدية ومعلومات تقنية وفنية خاصة بالأفلام المُنتجة حديثا، ومقالات تحليلية. ألا تعتقد أن تأخير إصداره يضرّ بالسياق التاريخي للفكرة الأولى؟ - المفهوم الأساس للكتاب هو أن يكون مرجعا لكل نشاط سينمائي صدر أو أُنتج أو حدث في خلال عام واحد. حقيقة أن الكتاب يجيء بعد غياب طويل وضعني أمام معضلة لم يكن من السهل حلّها: كيف يُمكنني أن أوفّق بين هذا الغياب وضرورة أن يواكب الكتاب آخر الإنتاجات؟ منذ فترة، شرعت في وضع كتاب يغطّي الفترة الممتدة بين العامين 1995 و2003، ويقدّم صورة كافية عن الأفلام المنتجة فيها، إذ رغبتُ في ألاّ يكون هناك انقطاع عن الكتب السابقة، وفي أن أحترم الفكرة الأساسية. لم يكن الأمر سهلا، فتوقّفت عن تحقيقه بعد فترة وجيزة، واكتفيتُ (في كتابي الجديد) بأفلام وأحداث استطعت توفيرها. يجب أن أضيف أن مجهودا كهذا يتجاوز قدرة فرد واحد وطاقته. كنتُ الفرد الواحد، بنسبة 97 بالمئة على الأقلّ، على مستوى ما كُتب فيه. خصوصا أني باشرته وأنجزته في لوس أنجلوس بعيدا عن زملائي النقّاد الذين شاركوا فيه أو لم يشاركوا. تحدّي <<إنترنت>> · ألا تعتقد أن وجود <<إنترنت>> كفيل بغضّ نظر القارىء عن الجانب المعلوماتي؟ - هناك ردّان على هذا السؤال: أولا، إن الوسط المُسمّى بوسط النشر أو الكتاب يفرض إطاره وتكوينه الخاص. أعني أن وجود أو عدم وجود الكمبيوتر، برأيي المتواضع، يجب ألا يكون سببا في اختصار كتاب معلوماتي، أو اختزاله، بحجّة أن القارىء يستطيع إيجاد المعلومات التي يريدها على شبكات <<إنترنت>>. إذا لم تُذكر هذه المعلومات في الكتاب، يحدث نقص. أضف إلى هذا أن في المعلومات التي يجدها القارىء في <<إنترنت>> هناك رأي خاص بكاتبها، تماما كما أن لصاحب الكتاب رأيا، لا يُلغي (هذا الرأي) حقّ الكاتب من تقديم المعلومات إلى القارىء. أعطيك مثلا: أفلام كثيرة مذكورة في الكتاب لها ملاحق عدّة، منها فيلموغرافيا المخرجين. تجد في <<إنترنت>> الفيلموغرافيا نفسها، مع فرق أن هناك رأي الكاتب أيضا. ثانيا: إن الفصل بين وسيط إعلامي مُصوّر، كوسائل <<إنترنت>> وغيرها، والكتاب كوجهة نظر نقدية، أصبح ضروريا أكثر مما سبق، ولا يجوز أن يتراجع الكتاب عن دوره بسبب <<إنترنت>>. هناك مجلات سينمائية تصدر في العالم كلّه، تتعامل مع القارىء الحديث كما يتعامل <<إنترنت>> مع المُشاهد الحديث. شخصيا، أميل أكثر إلى كتاب سنوي يطرح قضايا، ويقدّم تحاليل، ويتناول معطيات. إذا كان الرأي الذي تُعبّر عنه يتعامل مع أحداث يجب أن يُبحث في أمرها وأن تخضع للتحليل فتصدر بشأنها وجهة نظر نقدية، فهذا، بالطبع، أمر مهم. لكن، يجب فصله عن مسار كتاب يريد أن يكون كل شيء. لنقل إن أزمة السينما العربية، وهي دائما مطروحة، يجب أن تُطرح في كتاب من أي نوع كان، خصوصا إذا كان كتابا سنويا يهدف إلى معاينة الحالة العربية، حتى خارج إطار السينما أيضا. أبتعد شخصيا عن طرح هذه المسائل من دون غطاء فيلمي. أريد الفيلم، كي أتناول هذه الأزمة أو تلك. أعاين قضايا الفكر والتعبير والحريات العامة وغيرها، وأبحث فيها وأقدّم رأيا نقديا بصددها، انطلاقا من الفيلم نفسه: إذا حاربها هذا الفيلم أو ذاك، أردّ عليه، وإذا عالجها بإيجابية ودافع عنها، أؤيده. في اعتقادي أيضا أنه إذا كان هناك فجوة ما، وهناك فجوات، في الثقافة السينمائية العربية، فالأَولى اختيار ما يُرمّمها قدر الإمكان، قبل الإنصراف إلى التفاصيل الأخرى المُهمّة، التي تساعد على هذا الترميم. السفير اللبنانية في 13 مايو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
تأخّر الجزء الخامس من "دليل السينما" عن الصدور لكن الزمن لم يفته محمد رضا: لنُرمّم الفجوات في ثقافتنا السينمائية نديم جرجورة |
|