ينتمي الفيلم البريطاني «بقايا النهار» لمخرجه جيمس ايفوري الذي عرضته دارة خالد شومان للفنون بعمان مساء اول من امس الى تلك السينما التي ظلت أمينة لمبادئها الاولى وفق القواعد الكلاسيكية في التأليف وتكوين المشاهد البصرية انها سينما العمق والخيال والشاعرية والاحداث الكبيرة والتي لا تخلو من النبرة الانسانية. ومن الواضح ان منتج الفيلم اسماعيل ميرشنت والمخرجة ايفوري كثنائي في السينما الانجليزية ينتميان الى تقليد سينمائي اصيل في مراعاة الدقة والاصول بالعمل ويرفضان فذلكة الحداثة والتمرد التي بدأت تقتفي اثر السينما العالمية دون ان يتهم الفيلم انه تقليدي او كلاسيكي حسب المفاهيم الدارجة، لكن حيوية الفيلم وحراراته العصرية تأتي من فهم عميق للعناصر الثابتة والمكونة للشروط السينمائية سواء من الرواية الادبية اليابانية المستمدة منها احداث الفيلم، الى كتابة السيناريو ووضعها في اجواء الحقبة البريطانية مرورا باختيار الممثلين وخصوصا انتوني هوبكنز في دور رئيس الخدم بالقصر، وايما طومسون مدبرة المنزل، وسائر الشخصيات الآخرى التي بدت في قوة حضورها رغم قصر ادوارها، ولا ينتهي الأمر بالموسيقى والديكورات وعناصر التنفيذ الاخرى. تلك هي ميزة اعمال جيمس ايفوري وخياله المفتوح بكل دقة ومتانة ومهارة الصنعة. وظل سيناريو الفيلم للرواية اليابانية التي بنى عليها الفيلم الركيزة الاساسية لبنيته المكتملة وحواراته البديعة اضافة الى جاذبية شخصياته وهي تدخلنا ما بين الواقع والتذكر والتوق الدائم الى الالتصاق بالعمل داخل القصر الذي تجري اهم الاحداث المتعلقة بمصير بلدان عديدة شخصيات اوروبية واخرى اميركية يصطدمان تارة ويتفقان تارة اخرى، لكن في الخلفية هناك شخصيات رئيسية ربطت مصيرها بخدمة ضيوف وزوار صاحب القصر وما آل اليه لاحقا غياب لشخصية والد رئيس الخدم والذي يأتيه خبر وفاته وهو ساهر على خدمة سيده واصحابه، وسفر تلك الفتاة للالتحاق بخطيبها، وجميعها شخصيات لا ترى في الاحداث الجسيمة التي تشير الى الحرب العالمية الثانية والايام التي تسبق اندلاعها الا كأحداث هامشية، وعندما كان يسأل رئيس الخدم من الصحافي المندفع باتجاه اي معلومة تقوده الى السبق الصحفي لا يجد سوى الصد من الرجل الخادم الملتصق بهؤلاء صناع الاحداث، ويلمح للصحافي انه غير مكترث بما يقال في القصر سوى اطاعة سيده صاحب القصر وكان لفرط سهره على راحة القصر وسادته ان نسي علاقاته الانسانية، ومتعة في الحياة، واتصاله الخارجي مع محيطه الاجتماعي ودون اكتشاف ذاته رغم تقدمه بالعمر الا لحظة ملاقاته مدبرة المنزل التي غادرت القصر والتحقت بزوجها وكونت اسرة سعيدة رغم ضآلة حالتها المادية. يتميز فيلم «بقايا النهار» بفكرته الدرامية الآخاذة التي تدور حول التعبير الذاتي عن النفس والنظرة الى العالم، وهي فكرة ستزيد من الخصوصية قد يكون من الصعب التعبير عنها من خلال دراما بصرية وهذا هو التحدي الحقيقي الذي تصدى له جيمس ايفوري، وقدمه بشاعرية شفافية شديدة الثراء سينمائيا. فعلى الرغم ان جل الاحداث تدور داخل اروقة وغرف القصر المغلقة الا ان المخرج امتلك خصوصيته الابداعية في دفع الحركة والحيوية النضرة داخل تلك الاماكن الضيقة، وخرج بالكاميرا الى الريف الانجليزي وصور بطله الخادم وسط الطبيعة الخلابة وكأنه في توحد معها. في «بقايا النهار» نحن ازاء حالة سينمائية خالصة وابداعية لقراءة العمل الادبي او بالاحرى اعادة كتابته سينمائيا وفيه يثبت انه لا يزال للسينما سحرها الخاص وقدرتها على تقديم الاحداث الكبيرة عبر تصوير ملامح الشخصيات وتفسيراتها الفلسفية والذهنية التي يحفل عليها العمل الادبي. الرأي الأردنية في 11 مايو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
فيلم «بقايا النهار» في دارة الفنون رصد الاحداث الهامشية التي تسبق اندلاع الحرب العالمية الثانية ناجح حسن |
|