شعار الموقع (Our Logo)

 

 

ما يحدث الآن في مجالات العمل السينمائي المختلفة من إنتاج وتوزيع وممارسات نقابية يتخذ شكل أفلام الفانتازيا، والمنطق السائد هنا وهناك قد تجاوز الكوميديا السوداء أو ما يسمي بمسرح العبث، وأضرب مثلا بسيطا دعا السيد نقيب الأطباء الجمعية العمومية وفوجئ الحاضرون بوجود الممرضين والممرضات والتومرجية وحاملي النقالات ورجال الاسعاف وقد شكلوا نقابة واحدة ما هو رد الفعل لدي أي طبيب لو حدث ذلك؟

كلنا سنرد: غير معقول هذا بل لن يحدث أبدا لكنه في مجالات العمل السينمائي قد حدث في مرحلة ينقسم فيها الإنتاج السينمائي في شتي قارات العالم إلي قطبين متعارضين: قطب «السينما الكوسموبوليتية» وهي سينما لا  أرض لها في واقع إنسان اليوم ، لأنها ترتكز أساسا علي الآلة: برامج للتحريك فانتازيا خارقة موضوعات تدغدغ أحلام المشاهد وتنقله إلي عوالم أخري في الفضاء بين الكواكب أو ترده إلي ما هو مخزون في الذاكرة الجماعية من أساطير ومعتقدات، وأياً كانت موضوعاتها فالهدف هو«الإبهار» فأفلام مثل حرب الكواكب أو هجوم المريخ لا تقدم لنا معلومات عن المجموعة الشمسية مثلا وإنما تحول علماء الكواكب التي نجحت في الخروج من مدارها ووصلت إلي أعلي مستوي تكنولوچي تحولهم إلي أكلة لحوم البشر، إلي جيوش استعمارية تسعي إلي الاستيلاء علي الأرض وتحويلها إلي سلخانة»تمدها بالبروتينات وأقرب مثل هو مسلسل «V» أي «النصر» victory.

ولن أدخل في التفاصيل فكلنا يعرف هذه النوعية من الإنتاج لكن ما لا يعرفه كلنا هو الاستراتيچية الكاملة التي وضعتها قلاع الإنتاج الضخمة في هوليوود «باراماونت» و«سوني» و«يونيفرسال» إلخ ، لاحتواء أسواق العالم، وفرض هذه النوعية من الإنتاج «ولا بأس بفيلم إنساني - اجتماعي بين الحين والآخر» وذلك بإقامة دور العرض متعددة الصالات أي «المولتيبليكس» Multi plex خارج الولايات المتحدة الأمريكية في أوروبا وفي آسيا وفي أمريكا اللاتينية وفي الشرقين الأدني والأقصي ودور العرض، هذه هي عمائر شاهقة بها سوبر ماركت ومقاهٍ وكافيتريا ومحلات أزياء ومحلات لعب أطفال إلخ..إلخ، ومقاعد قاعة العرض متحركة لتسهل المشاهدة إزاء شاشة بلازما عرضها 16 وحدة وارتفاعها 9 وحدات بينما الشاشة العادية مجرد مربع شبه مستطيل ارتفاعه ثلاثة أرباع عرضه، ومع هذه الرؤية البانورامية الواسعة منظومة كاملة لانتشار الصوت كالدولبي مثلا ثم الديچي أوديو عما قريب.

في أي بلد أوروبي كان أم عالما ثالثا لا يستطيع أصحاب دور العرض التقليدية الدخول في منافسة مع المولتيبليكس، وحاليا في فرنسا لم تكتف قلاع هوليوود بشراء أراض وإقامة دور عرض متعددة الصالات فحسب بل اشترت 49% من أسهم أهم شركتي إنتاج «جوفون» وباتيه وكان البرلمان الأوروبي قد وضع قانونا لنسبة الفيلم الأجنبي التي تعرف في لغتنا باسم «الكوتا» كانت حتي عام 1997 بنسبة 20% من مجموع الأفلام الأوروبية التي تعرض في شتي بلاد الاتحاد الأوروبي، فإذا بنفس البرلمان يرفع الكوتا بحجة السماح بتدفق الدولارات في إطار خطط الشركات المتعددة الجنسية.

وهذا مجرد مثال إلا أنه يعكس الوضع الحالي للإنتاج السينمائي، فإذا كان المسيطر هو قطب الفيلم الهوليوودي الكوسموبوليتي فالقطب التالي هو قطب الإنتاج القومي.

وتتوقف حماية أي إنتاج سينمائي قومي علي عنصرين: أولهما قوة نقابة المهن السينمائية ثم قوة غرفة صناعة السينما، وثانيهما انبثاق أجيال جديدة من السينمائيين المبدعين تطالب بحقها في ممارسة مهنتها التي لا مهنة لهم سواها، وبالتالي تطالب نقابة المهن السينمائية بأاخاذ قرارات جديدة لحماية الإنتاج القومي ولصنع مناخ جديد يؤدي إلي تفاعل تيارات سينمائية جديدة بدورها.

هل لدينا بالفعل نقابة للمهن السينمائية ؟

في السنوات العشر الأخيرة تسلل إلي النقابة أعداد هائلة من موظفي التليفزيون منهم من يقبضون رواتبهم الأصلية من الإدارة المركزية للشئون المالية والإدارية ولدي احصاء كامل بعددهم وبخرق النقابة لمبدأ أساسي في الدستور ألا وهو :«توصيف الوظيفة» كذلك تسلل إلي شعبة التصوير مجموعة من مساعدي الكاميرات وحاملي الكابلات وفنيي الإضاءة بل ومن هم أساسا من فئة عمال استديو.

علي هذا النحو يصبح كبار مصورينا أمثال الدكتور رمسيس مرزوق ومحسن نصر ومحمود عبد السميع وسعيد الشيمي وغيرهم علي قدم المساواة مع عبد الصبور عبد الصمد عبد الحق العامل باستديو أو محمدين ابن محمدين مساعد الكاميرا باستديو 10 .

علي هذا النحو أيضاً تسلل إلي شعبة السيناريو العشرات ممن اخترع لهم التليفزيون مهنة لا وجود لها في قاموس المهن السينمائية ألا وهي «الإعداد» والإعداد في التليفزيون لا علاقة له بالسكريبت المهني الذي يكتب لأي برنامج ذلك الذي يحدد توزيع المعلومات مصورة علي الشاشة، وأين يجلس ومتي يبدأ في الحديث ... إلخ أي نص سمعي بصري محدد حركة البرنامج وفق ديكوباچ إيقاعي.

والإعداد في التليفزيون عبارة عن ورقة بها عدد من الأسئلة يعطيها المعد للمذيعة وهي في غرفة الماكياچ، وتظل تردد ما بها كالتلميذ وهو يتهيأ للامتحان وفي شعبة السيناريو يصبح «المعد» ندا لكبار سيناريست مصر  عبد الحي أديب ومصطفي محرم وبشير الديك وفاروق صبري وممدوح الليثي ووحيد حامد وأحمد صالح وأسامة أنور عكاشة ورؤوف توفيق وفاروق عبد الخالق وفيصل ندا وغيرهم وغيرهم... ثم نصل إلي الكارثة.

مخرجو «رول فيلم» التقليديون أي مخرج البرامج التي لا هي تليفزيون ولا هي سينما والتي كل ما فيها مقعد أو مقعدان أحدهما لمذيعة والآخر لضيف مثل نادي السينما وأوسكار وعالم االباليه وغيرها، إنهم في التوصيف المهني الذي اخترعته النقابة أعضاء عاملون في شعبة الإخراج لا فرق بين يوسف شاهين وبين علي بدرخان و محمد خان أو خيري بشارة أو سمير سيف أو علي الغزولي أو سمير عوف.

يحدث هذا ولدينا معهد للسينما تخرجت أول دفعة به عام 1963 ومنذ ذلك الوقت وكل عام يشهد ميلاد نحو 55 سينمائيا محترفا علي أعلي مستوي محلي في ممارسة المهنة.

يحدث هذا ولدينا نحو 60 كلية منها كليات إعلام ومنها شعب إعلام في اقسام الاجتماع بكليات الآداب، ومنها كليات تربية نوعية ولو أحصيت طلبتي وحدهم ، وقد درسوا الفيلم التسجيلي عمليا ومارسوا العمل التليفزيوني باستديوهات سوني - ديچيتال فعددهم يتجاوز الألفين في السنوات العشر الماضية.

ما هو الحل؟

كما يحدث في كل أنحاء العالم لابد من فصل مهنة التليفزيون عن مهنة السينما وفي عصر التليفزيون التفاعلي ومع ظهور فئة جديدة لهم مهنتهم المستقلة أي فئة المبرمجين يتحتم وجود نقابة للمهن السمعية البصرية إلي جانب نقابة المهن السينمائية وفي الوقت نفسه علينا أن نسرع بالانضمام إلي الاتحاد الدولي للمهن الفنية حتي يصبح قانون الملكية الفكرية ساري المفعول علي مستوي العالم، فلا يعقل أن تشتري قنوات الأفلام الفضائية إنتاجنا القومي بأسلوب اللوط تماما كما يشتري التجار فضلات المخازن بالكيلو، وأذكر في عام 1991 مهدت الطريق لتصبح نقابتنا عضوا في الاتحاد الدولي، وأسفر اجتماعنا بممثلي الاتحاد عن إعلان النوايا الحسنة ولا شيء غير ذلك.

جريدة القاهرة في  13 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

نقابة المهن السمعية ـ البصرية شيء ونقابة المهن السينمائية شيء آخر

د. صبحي شفيق