شعار الموقع (Our Logo)

 

 

شمس فلسطين حاضرة لا تغيب في الإمارات العربية المتحدة, وبالتحديد في مبنى "المجمع الثقافي" في أبو ظبي. فما بين الثالث والثامن من آذار (مارس) المنصرم انتهت أعمال الدورة الثالثة لمسابقة أفلام من الإمارات "وهي التظاهرة السينمائية الثقافية التي ساهمت مساهمة حقيقية وفعلية في نمو الانتاج وتطوره السينمائي في هذا البلد", كما ورد في البيان الختامي للجنة التحكيم. وكانت أعمال المسابقة افتتحت بفيلمي "اجتياح" للمخرج الفلسطيني نزار حسن و"كأننا عشرون مستحيل" للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر, وفي حضور وزير الثقافة والإعلام الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان. والملاحظ ان الدورة - يُفترض انها مسابقة تحلم بالمهرجان - تدعو المشرف عليها المخرج الإماراتي مسعود أمر الله آل علي, الى ان يصر على أنها مسابقة, ومن المبكر لأوانه الحديث عن مهرجان, فهي (مغايرة في هذا الاتجاه). ويرى آل علي ان الدورة الثالثة "هي دورة مكاشفة بالدرجة الأولى".

حجم الجماعات الفنية

وما يلفت في هذا المهرجان المؤجل, هو حجم الجماعات الفنية التي تقف وراء انتاج أعمال الشباب المشاركين, وهذا ما هو منقوص في تجارب الكثير من الدول العربية, التي لا تقيم وزناً لمثل هذه التجارب الجماعية. فثمة جماعة انعكاس وصقر الصحراء والعين للهواة الخ...

وهذه الجماعات أصبحت تؤمّن القاعدة الصحيحة لاستمرار مثل هذه التجارب الوليدة وتجمعها في مهرجان أكيد "بعد أن ساهمت في انتاج هذه الأفلام".

والحق, وبنظرة مدققة على سجايا هذه الجماعات, فإن أعضاءها, هم كل أولئك "السعداء", الذين سيتذكرون أفلامهم الفائزة وغير الفائزة, والتي ان جاء بعضها على طيش في الألوان والأصوات وبلاغة السرد, فإن هذا لا يعيبها, وأصحابها يركزون وهم في طريقهم على ما هو مؤجل في رحلة الشريط الرقمي الذي سيضيف اليهم زاوية جديدة ومبتكرة في النظر الى العالم.

على أن "التأسيس انتهى, وبدأت رحلة البحث عن الأفضل" كما جاء في كلمة الأمين العام للمجمع الثقافي محمد أحمد السويدي, ذلك ان درجة توسع المخيلة الشبابية وانفراجها على هذا الأفضل, جاءت لإكمال ما هو مؤسس, فأقبلت بعض الأفلام على الجمهور بقوة, وان أرهقتها الحوارات الشعرية المكثفة, كما في فيلم "ما تبقى" للمخرج صالح كرامة, أو كما حدث مع فيلم "على رصيف الروح" للمخرج أمجد أبو العلاء. ومع ذلك فقد احتل التجريب عندهما مساحة واسعة وواثقة, وفرض نفسه على أفلام أخرى نحت في هذا الاتجاه المقلق مثل "الأرص المبتلة" للمياء قرقاش و"تناقض" لعروة حلاق و"أرواح" - نواف الجناحي و"طريقتي" لسالم القاسمي وممثلته ندى عبدالله, وهناك "فضول" لهاني الشيباني الذي يعتبر اقتباساً رائعاً عن قصة ابراهيم فرغلي و"عالمي ملعبي" لتريم الصبيحي, ذلك ان الشعر في هذه الأفلام - باعتباره مقصداً في شعرية الفيلم - لم يكن يقيم هنا جسراً هادياً بين الكلمات نفسها, وانما كان يضمرها في رفع الجسور, وتكوير نفسه على بيان الصورة نفسها. وبدا واضحاً أمام هؤلاء الإماراتيين الشباب ان خيار اللجوء الى التجريب, في حقل قاسٍ ومنكمش يجعل السينما في عروضها, وكأنها تعيد "التنكيل" بصور مرت من هنا قبلاً, أو هي لم تمر أصلاً في زمن غير سينمائي بامتياز ذلك ان العثور على (نيغاتيف) ليس مجرد كلمة عذبة - دع التقنيات المستخدمة في أفلام المسابقة - فهي توجه وقطيعة من كل ما سبق وتواصل في آن معاً, ولم يكن على المخرجين السعداء إلا أن ينسوا كل ما صوره الآخرون, فالنزول في الأعماق مسألة وقت فقط.

وقد غدا التجريب, في هذه الدورة كما شهدناه في عروض 77 فيلماً, يمثل بهجة الاكتشاف الأول, وهو الطريق الوحيد أمام شباب يجربون ويملكون شجاعة التوغل في درب شائك ومنقوص ومجهول, وكأن ثمة استحالة في صناعة أفلام لها خصوصية ولغة وهوية, في مجتمع بدت ملاذات هؤلاء الشبان والشابات وكأنها تمسح تجاربهم في قلاعها, وما من داعٍ للتمرد على مثل هذه الأحوال, فهي من تعرض الحظوظ على أصحاب هذه التجارب وتديرها وتدير بها الرؤوس.

لكن استحالة التجريب كانت بلا معنى. فأصحاب هذه الأفلام, أو بعضها, كان يعمل على فرضية تمرد جديد من داخل القلعة نفسها. فلحظة اكتشاف العالم, كانت هي الخصوصية والاحتفاء بما هو محجوب في النفس ويحمل وجداناً, والسؤال الذي يفرض نفسه, عما إذا كانت هذه التجارب ستقيم في الذاكرة, فهذا ما سيحكم به الزمان, ولكن ما هو مؤكد - في يوميات هؤلاء الشباب - انها لا تترك مجالاً للتقويم على انفراد, فهناك ملامح تفسح للتعرف على تجربة كاملة, إذا ما قُيض لها أن تكتمل, فشروط دورانها مؤلمة لمن يريد أن يدور معها حيث تدور.

والواقع الاماراتي الشديد الخصوصية, كما بدا في بعض الأفلام التي آثرت النزول في الأعماق, والابتعاد من "ريادة" السطح ("طوي عشبة" لوليد الشحي و"الببغاء" لسعيد الظاهري و"الرعبوب" لفاضل المهيري و"البطل" ليوسف ابراهيم) ما أمكنها ذلك, هو المعنى في تأصيل التجريب, فالحادثة الفيلمية لا تقع هنا إلا في منتصف الطريق, كما هو جري العادة في هذا النوع من المسابقات, وهذا لافت بقوة في بعض الأفلام التي جاءت حارة وشجاعة في الكشف في مجتمع متنوع في محافظته, وأمام مشهدين متنوعين في أحكامهم, فالقطار الإماراتي الوليد يترك أمام هؤلاء المشاهدين آثاراً لا تختفي, أو لا ُتمسح بسهولة, أو هي لن تمسح, فقوة الدفع هي الطريق نفسه أمام هؤلاء الشباب, وهم يودعون ما هو مكرور وسائد وسطحي من خلف زجاج النوافذ الغبشة, فبعض أفلام الدورة الثالثة أصاب بضربته, وبعضها أخطأ, من دون أن يعرج على المنتصف, وهذا شأن التجريب, فهو مثل الذكريات, تجريب من الماضي لا يحمل على الأخطاء, بل يعمل على التقبل والتحليل كما رأت لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج السينمائي السوري محمد ملص وبعضوية حازم بياعة من فلسطين, ومحمد سلطان ثاني, وأحمد الجسمي من الإمارات العربية المتحدة.

جريدة الحياة في  9 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

التجريب في هذه السينما كما لو أنه ذكريات

فجر يعقوب