شعار الموقع (Our Logo)

 

 

يوم كانت المرأة العربية في أقسى أوضاعها سوءاً, ترزح تحت وطأة التقاليد وتعاني الجهل والتهميش, خرجت الى الضوء نساء كنّ "الرائدات" فتجاوزن الحواجز والخطوط الحمر المفتعلة وشاركن في الحياة العامة مساهمات على طريقتهن في رقي المجتمع...

شخصيات نسائية عربية برزت في مطلع القرن العشرين في مناطق جغرافية عربية مختلفة بعد أن شغلن مواقع ابداعية في مجالات متنوعة كالأدب والسياسة والسينما والفن, مساهمات في اغناء الثقافة العربية المعاصرة ومتحديات كل ما من شأنه الوقوف في وجه طموحاتهن...

نساء سطع نجمهن في الشرق فصارت أسماء بعضهن أشبه بالأسطورة في حين كانت هناك أسماء أخرى طواها الزمن قبل أن يعاد احياؤها من جديد في "نساء رائدات", وهو مشروع سينمائي يضم اثني عشر فيلماً وثائقياً تسجيلياً, كان للجمهور اللبناني فرصة مشاهدة اثنين منها الأسبوع الفائت في قصر اليونيسكو في بيروت: "سيدة القصر" لسمير حبشي و"أرض النساء" لجان شمعون.

"نساء رائدات" رحلة عبر التاريخ تسلط الضوء على دور نساء عربيات عبر الأزمنة... المخاوف, الريادة, الجرأة, الأماني والأحلام من خلال مجموعة أفلام تطاول بلداناً عربية عدة.

في البدء كان العشق

المشروع بأسره ولد بعد ولادة فكرة فيلم "عاشقات السينما" للمخرجة والمنتجة ماريان خوري, بعد سنوات من التأجيل والمماطلة. إذ يمكن القول انه ومنذ أواسط سنوات التسعين بدأ الحديث عنه ضمن مشروع فرنسي للتلفزة الرسمية في فرنسا وكان جوهره فكرة فيلم عن عزيزة أمير, الرائدة العربية التي أقدمت باكراً على ولوج عالم السينما, إلا أن المشروع راح يتعثر بانتقاله من يد الى يدٍ الى حين وقوعه بين يديّ ماريان خوري التي سرعان ما افتتنت به وأخذته على عاتقها فأبصر النور فيلم "عاشقات السينما" الذي يتناول حياة ست من رائدات السينما في مصـر ومغامراتهن من عزيزة أمير الى فاطمة رشدي ومن بهيجة حافظ الى أمينة محمد, ومن آسيا داغر الى ماري كويني.

"عاشقات السينما" عمل فني يربط الماضي بالحاضر, ويبدو في نهاية الأمر صرخة لمصلحة السينما والمرأة في آن معاً, كما رأى عدد من النقاد السينمائيين. ذلك أن الفيلم كله حكاية "الرحلة" التي تقوم بها ناديا وهي سينمائية شابة تكلف من ندوة عقدت عن "رائدات السينما في مصر" بالتحري عن حياة تلك الرائدات. وتقوم ناديا برحلتها بصحبة كاميرا تنقل عبرها كل ما يتوافر لها من معلومات, بحثاً عن جذور الرائدات والأسباب التي أوصلتهن الى هذه الريادة. ولا تخلو هذه الرحلة من تقاطع الماضي والحاضر, شهادات أهل المهنة وأسئلة شابات سينمائيات.

وانطلاقاً من نجاح الفكرة الأولى إذاً, بدأت الأفكار تتلاحق وتحول الفيلم الى أفلام وتحول اكتشاف نساء السينما الى اكتشاف نوعيات متميزة من النساء العربيات... إذ لم يعد المشروع مقتصراً على المصريات أو اللواتي اشتغلن في مصر, إنما تعداهن ليطاول فئات أوسع تشمل نساء من لبنان والمغرب والجزائر وتونس...

ومع هذا لمصر في المشروع الذي انتجته أفلام مصر العالمية (يوسف شاهين وشركاه) بمساهمة المجموعة الأوروبية في اطار برنامج يوروميد للمرئيات, حصة كبيرة تصل الى ثلاثة أفلام: "عاشقات السينما" لماريان خوري (السالف الذكر) "أسطورة روز اليوسف" لمحمد كامل القليوبي و"عن النساء" لهالة جلال.

ومثله مثل "عاشقات السينما" يصوّر فيلم محمد كامل القليوبي قصة رائدة من الشرق هي روز اليوسف, الآتية من لبنان وهي فتاة صغيرة في الثانية عشرة من عمرها متسللة من إحدى السفن العابرة الى ميناء الاسكندرية وهاربة من مصيرها لتحتل في مصر مكانة متميزة في تاريخ الفن والثقافة والصحافة والسياسة. وبذلك يقدم محمد كامل القليوبي قصة روز اليوسف كما يرويها عدد من الشخصيات التي عاصرتها كاشفة أوراقاً وفاتحة ملفاً ظل غامضاً عن تلك الشخصية التي حضرت الى مصر في نهاية القرن التاسع عشر وباتت أشبه بالأسطورة. مسرحية وصحافية (إذ أسست مجلة "روز اليوسف") وسياسية وشخصية عامة, وجدت امتدادها في ابنها الكاتب الراحل احسان عبدالقدوس.

وبدورها تحاول هالة جلال استكشاف أهم الأفكار والاتجاهات والقضايا داخل الحركة النسائية المصرية خلال القرن العشرين, هذه الحركة التي كانت هدى شعراوي من أبرز اللواتي أسسنها, اضافة الى نبوية موسى, إذ بدأت هدى شعراوي باكراً, كما هو معروف ومنذ اندلاع ثورة العام 1919 ضد الاحتلال الانكليزي تحركها وسط نساء مصر اللواتي رحن يتظاهرن بعنف وقوة ضد الانكليز, وأتى السفور يومها تالياً لذلك التحرك السياسي, ما رسخ وعياً مصرياً نسائياً جديداً سرعان ما انعكس على الكثير من المدن والدول العربية.

يمكن القول انه إذا كان ثمة من وعي نسائي ساد العالم العربي في القرن العشرين, ويتضاءل اليوم, للأسف, تحت ضغط شتى أنواع التطرف, فإنه حتماً انبعث من تحرك هدى شعراوي ورفيقاتها.

الأغنية والتاريخ

وتأتينا من المغرب ثلاثة أفلام أيضاً, أولها "ثلاث مطربات رائدات" لمصطفى حسناوي الذي يحاول ربط الماضي بالحاضر ومقارنتهما من خلال بعض الأغاني واللمحات التاريخية من حياة بعض المطربات أمثال أم كلثوم ومنيرة المهدية, متطرقاً الى موضوع المرأة والحداثة, المرأة والجسد, المرأة والسلطة...

وفي الإطار نفسه يقدم علي الصافي فيلمه "الشيخات... نساء من المغرب" الذي يتناول فيه "الشيخات" وهن مغنيات شعبيات من المغرب يتمتعن بحرية كبيرة تمكنهن من الغناء والتعبير عن الظلم الذي يطاول المرأة في مجتمعاتنا الشرقية.

وعلى طريقتها تتحدث دليلا إنادر في فيلمها "ميّ فاما" عن هذه الرائدة التي, ومنذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها, قررت أن تكرس حياتها للكفاح من أجل تحرير المغرب وإرساء دعائم الديموقراطية فيه, فنذهب معها في رحلة شيقة بين الأماكن التي شهدت نضالها الى اكتشاف جانب من تاريخ المغرب.

ومن تاريخ المغرب الى جذور الراي مع "الشيخة ريميتي... في جذور الراي" للجزائري أحمد راشدي. في هذا الشريط, نتعرف الى جذور الراي من خلال قصة حياة امرأة ارتبط اسمها بتلك الموسيقى ارتباطاً وثيقاً الى درجة تبقى معها "ريميتي" عبر الأجيال المغنية الجزائرية الأبرز انتاجاً والأكثر ابداعاً على مدى نصف قرن من العطاء الفني.

ومن الجزائر أيضاً نرصد الحياة العاصفة لشاهدة على القرن العشرين لويز اغيل احريز. في "المرأة شَجاعة" لأمين راشدي نتعرف الى مناضلة ورمز من رموز استقلال الجزائر, أضحت قصتها شاهداً على التاريخ الفرنسي - الجزائري المؤلم بقالب إنساني بحت... يقترب راشدي في بنائه من مسرحية برتولد بريخت المعروفة بالإسم نفسه.

ومن تونس يتناول رجاء عماري احدى الشخصيات المبهمة في التاريخ العربي: شخصية ايزابيل ابرهارت. ايزابيل ابرهارت, قد لا تكون عربية أو حتى تتقن اللغة العربية كما ينبغي, وربما كان من الصعب تصور انه كان لها أي تأثير في وضعية المرأة العربية والمسلمة. ومع هذا, فإن هذه المغامرة ذات الأصل الروسي, والتي زعم البعض, مرة, انها ابنة أبولينير غير الشرعية, أمضت حياتها كلها تكتب عن الإسلام وتتغنى به الى حدّ التصوف. وهي ماتت مسلمة في الجزائر, إذ دهتمتها في الصحراء الجزائرية التي عاشت فيها آخر سني حياتها وأحلاها, عاصفة وطوفان وسيول أغرقتها وهي بعد في عز الصبا. والحال أن هذا في حدّ ذاته قد يشكل المبرر المنطقي لوضع فيلم عنها ضمن اطار هذه السلسلة. ويقيناً أن ايزابيل نفسها كان من شأنها أن تحبذ مثل هذا الاختيار, حتى ولو قال عنها الفرنسيون انها كانت عميلة للألمان, وهؤلاء اتهموها بالعمالة لليوتي, القائد الفرنسي في شمال أفريقيا, خلال الصراع بين الأمتين.

وهكذا تأتي رجاء عماري, السينمائية التونسية, في محاولة لتقديم أكثر من وجه من وجوه ايزابيل ابرهارت...

جريدة الحياة في  9 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

عن سيدات شجاعات تحركن يوم كان التحرك صنواً للنبذ والحرمان

فيكي حبيب