شعار الموقع (Our Logo)

 

 

عن عمر يقارب الثلاثة والثمانين عاما رحل الممثل البريطاني الشهير «بيتر اوستينوف» (المولود في 21 نيسان 1921» بعد حياة اتسمت بتعدد حقول الابداع التي اخذها على عاتقه منذ ان كان طفلا كان انحدر من عائلة ارستقراطية عاشت سابقا في روسيا القيصرية قبل ان يقرر جده التوجه الى انجلترا والاستقرار فيها نظرا لارتباطه الشديد بديانته البروتستانتية ورفضه الخضوع لليمين الروسي بالايمان بالمذهب الارثوذكسي.

ادى اوستينوف الكثير من الادوار الفنية والعملية في مشوار حياته الطويل واتخذ من التمثيل هدفا له منذ الصغر، وشارك في الكثير من الاعمال المدرسية قبل ان يقرر كتابة مواضيع القصة القصيرة، والعديد من الاعمال المسرحية ويقوم باخراجها لاحقا، ويؤدي الأدوار الرئيسية فيها، وعدا عن ذلك فقد أخذ منذ بداياته الأولى في حقبة الخمسينات بالظهور على الشاشة التلفزيونية ونالت اعماله الكثير من الصدى الايجابي وكان ان منحته الولايات المتحدة الاميركية مرتين جائزة (ايمي) التلفزيونية الشهيرة.

قادت تلك الاعمال اوستينوف لأن يكون احد ابرز ممثلي بريطانيا ونال لقب (سير) الذي لا يحظى به سوى المشاهير هناك وقاربت قامته الابداعية من سبقه في هذا المجال لورنس اوليفيه، اورسن ويلز وآخرين، ووصلت شهرته الى الوطن العربي، وحظي بالكثير من العلاقات التي احاطته بالعناية والاهتمام، والصداقة المتينة.

ويحسب له تلك الثقافة الشخصية التي حملته بعيدا عن الاستقطاب الذي وقع به كثير من النجوم وظل ممسكا بتوجهاته الفكرية الجريئة ورؤاه المختلفة عن مجايليه تجاه اكثر المسائل حساسية ومن بينها القضية الفلسطينية التي كان يتفهم الكثير من المحطات فيها متعاطفا مع وجهات النظر العربية، ولكن كان في مشواره السينمائي ادى ادوارا لشخصيات عربية في افلام عالمية ظلت بعيدة عن اعتقاده الشخصي، ليس هذا فحسب بل انه يشير في مذكراته التي نشرها للمرة الاولى العام 1977، ان كثير من اجداده واقاربه يعيشون الى اليوم في اكثر من بلد عربي، وتحديدا في فلسطين وهناك تزوجت عمته من احد ابنائها يدعى انيس جمال.

وابدى استينوف تحفظات كثيرة على الممارسات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة، واوضح بشكل صريح انه ضد وعد بلفور الذي برر اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ولئن كانت رؤيته تشيد باليهود كجنس بشري ودين يحظى باحترامه، ولمكانته العالمية وافكاره الانسانية اختارته هيئة الامم المتحدة لان يكون سفيرا لليونسيف لحياده التام تجاه اكثر القضايا تعقيدا. وظل خلال الفترة ما بين حقبتي السبعينات والثمانينات مندفعا باتجاه التمثيل في ادوار عديدة غلب على الجزء الاكبر منها تصديها للشخصية العربية من بينها افلام مثل: «لص بغداد» 1978، «اشانتي» 1979، «موعد مع الشمس» 1983، وهي في الحقيقة افلام تحاول ان تناقش ما اطلق عليه بسحر الشرق وتصور العرب حسب وجهة النظر الهوليوودية السائدة وتستغل الطبيعة الصحراوية التي يعيش فيها الكثير من العرب كنوع من التحدي الخاص لشركات الانتاج السينمائي الكبرى، ولكنها للاسف اعمال ظلت مستسلمة للصورة النمطية اياها وحالت كثير من الدول العربية من عرض تلك الافلام فيها، ولم يكن هذا خطأ اوستينوف وحده بل شاركه فيه الممثل العربي العالمي عمر الشريف وعندما تم سؤال اوستينوف عن السبب الذي دفعه الى اداء تلك الادوار برر ذلك بانه جاء يحسن فيه وكان يعتقد انه يقدم صورة العرب الى الغرب ولم يكن يدور بخلده انه يسيء الى اي طرف من الاطراف والمسؤولية تعود الى من كان يرسم تلك الشخصيات على الورق والتي اغلبها مأخوذ عن وقائع شهيرة في الادب والرواية والموروث العربي.

وكان قبل ذلك قد تعرض فيلمه «جولد فارب عد لوطنك» الى رد فعل قاس من احدى الجامعات الاميركية بدعوى الاساءة اليها والى خريجيها، ولكن من الخطأ ان يعتقد المرء ان اوستينوف قدم ملامح شخصياته في كثير من الموضوعات بغية النيل من اوجه المجتمع الانساني المتعددة.

لقد توجت السينما اوستينوف بترشيحه لجائزة اوسكار افضل ممثل في دور ثانوي لتقمصه الفن لشخصية نيرون في فيلم «كوفاديس» 1951، ثم قطف الجائزة مرتين تاليتين كأفضل ممثل ثانوي عن فيلميه «سبارتاكوس» 1961، و«توبكابي» 1964.

طوال مسيرته الابداعية الشاملة ظل بيتر اوستينوف حائرا امام مبادئه الاساسية في التعرف على ثقافات الشعوب وعاملا على التقرب منها رغم عوامل الشد والجذب التي قامت به تيارات فكرية وسياسية واجتماعية في هذا العالم المتعدد الثقافات.

الرأي الأردنية في  5 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

غياب بيتر أوستينوف:

علاقة الحيرة التي ربطته بالثقافة العربية

ناجح حسن