شعار الموقع (Our Logo)

 

 

عن عمر يناهز الثالثة والثمانين رحل عن عالمنا الممثل والمخرج والمنتج والكاتب بيتر اوستينوف الانكليزي المولد الروسي الاصل (كان يفاخر بأن ثمة دماء المانية اسبانية ايطالية فرنسية اثيوبية تجري في عروقه).

بسبب ضخامته لم يستطع اوستينوف من ان يكون الفتى الاول على الشاشة لكن ضخامته كانت عاملا مهما فى طبيعة الادوار التى اداها وفي تركيبة الشخصية السينمائية التي اشتهر بها فكانت معظم ادواره تجسد شخصيات قيادية فنراه مرة كنيرون في «كوفاديس» ومرة كسقراط في «عاري القدمين في اثينا» هذا اضافة الى تجسيده لشخصيات الملك وليام والملك ريتشارد والملك جون.

تنقل اوستينوف بين السينما والمسرح والاذاعة والتلفزيون وكتب العديد من المسرحيات والنصوص التى حولت الى افلام سينمائية وتلفزيونية. وكممثل قدم 87 فيلما بدأت عام 1942 بـ «فقد واحد من طيارينا» ويذكر من افلامة المهمة «سبارتاكوس» و«عيسى الناصري» و«لص بغداد» و«حول العالم فى 80 يوما» و«العازب». وبلغ عدد اعماله التي كتبها للسينما والتلفزيون 15 عملا كان منها «المجد الحقيقي» و«رومانوف وجوليت» و«بلي بد» وفي مجال الاخراج 8 أعمال كان منها «انجلو المميز». وتضم سيرته الذاتية ايضا العديد من الاعمال كمنتج وراو ومشارك فى افلام صنعت عنه.

في عام 1961 حصل اوستينوف على اول جائزة اوسكارية كأفضل ممثل مساعد عن فيلم «سبارتاكوس» وفي عام 1965 حصد جائزة اوسكارية كأفضل ممثل مساعد ايضا عن فيلم «توبكابي» وتوالت الجوائز بعد ذلك من العديد من المهرجانات والهيئات السينمائية العالمية.

عرف عن اوستينوف انه صاحب نوادر واقوال مأثورة ومن اقواله الشهيرة التى تذكر له دائما قوله: «اعتقد ان اليهود ساهموا في الوضع الانساني بنسبة تفوق نسبة عددهم لذلك ارى انهم شعب عظيم فهم لم يكتفوا بأن يزودوا العالم باثنين من اكبر قادته: السيد المسيح وكارل ماركس. بل كان لهم من الفطنة ما جعلهم يتراجعون عن اتباع اي من الاثنين»!

بذكر اوستينوف دائما يذكر معه جيل مهم من الأجيال التى اسسست للفن السابع ويذكر معه ايضا بعض الكلاسيكيات السينمائية التى ستبقى طويلا فى ذاكرة البشر.

######

مع تنامي الانتاج السينمائي الهوليودي ومع بداية انتقال السينما من مرحلة التسلية الى مرحلة التفكير ومع بداية ظهور النقد السينمائي المتخصص بدأ التفريق بين اجناس السينما وجرى الاتفاق على ان هناك ثلاثة اجناس هي الفيلم الروائي والفيلم التسجيلي وفيلم التحريك (الرسوم المتحركة). واذا كان قد جرى تقسيم الفيلم الروائي الى انواع طبقا لطبيعة موضوع الفيلم فقد جرى ذلك ايضا بالنسبة إلى الفيلم التسجيلي وكان لا بد من التفريق بين الروائي والتسجيلي.

في الفيلم الروائي يستطيع المخرج ان يتحكم الى حد كبير في مفردات لغته السينمائية فهو قادر مثلا على تحريك الممثل اي حركة تناسب متطلبات المشهد، كما يستطيع ان يتحكم في الاضاءة ودرجاتها واذ لم يعجبه موقع التصوير خارج الاستديو فمن الممكن ان يقيم ما يريد من مواقع داخل الاستديو، لكن يختلف الامر كثيرا بالنسبة إلى مخرج الافلام التسجيلية، فالأخير محكوم بعناصر فنية اغلبها ثابت من الصعب تحريكه او تعديله او متحرك من الصعب ايقافه ورسم حركته، فعبدالله المخيال وهو يصور فيلمه الأخير فى منغوليا لم يكن في استطاعته مثلا التحكم فى تغيير موقع الجبال او مكان السهول والوديان حتى يتلاءم ذلك مع طبيعة المشاهد التي يرغب في تنفيذها ولم يكن في استطاعته ان يتحكم في حركة الخيول او الجمال او الغزلان التي قام بتصويرها، بل كان عليه قضاء الساعات والايام والاسابيع في انتظار ان يتحرك الحيوان او الطير حركة واحدة يرى هو كمخرج ان هذة الحركة لها اهميتها في المشهد الفيلمي. ولنا ان نضع في اعتباراتنا وفي ظل تضاريس المكان كيف يمكن ضبط زاوية التصوير وكيف يمكن ضبط الاضاءة المناسبة في ظل تغيرات الفصول ويعني كل ذلك ان مهمة المخرج التسجيلي اصعب كثيرا احيانا من مهمة المخرج الروائي. واذا كان المخرج الروائي يعمل على سيناريو مكتوب يحدد له الزمان والمكان والاحداث والشخوص فان المخرج التسجيلي يعمل على مادة غير محددة قابلة دائما للتغير والتطوير والاضافة. وبالنسبة إلى زمن الفيلم سواء الروائي او التسجيلي فمن الصعب تحديد زمن معين للمخرج لكي يوصل لنا رسالته ويقول لنا مقولته. فهناك افلام روائية يصل زمن عرضها إلى اكثر من ثماني ساعات وهناك افلام اخرى يصل زمن عرضها الى ثلاث دقائق، ولا يعني ان زمن العرض مفتوح الى ما لا نهاية، ومن الافضل ان نلجأ فى هذه الحالة الى قاعدة ارسطو التي تقول ان الفن هو محاكاة للواقع فى حيز مقبول بلغة فيها متعة. واتصور اننا نقبل ان نشاهد فيلما مدته نصف ساعة أو ساعة أو ساعة ونصف الساعة أو حتى ثلاث ساعات لكنه من الصعب مشاهدة فيلم مدته ثلاث ثوان او ثلاثة ايام! ومن هنا يكون من الافضل ألا نطالب اي مخرج (ما دام يقدم لنا حيزا مقبولا) بأن يزيد من فيلمه او يحذف منه حتى يتلاءم مع ما نرغب فى مشاهدته. وهنا نضع في اعتبارنا ان مشكلة بطء الايقاع الخاصة ببعض المشاهد هي مشكلة نسبية ويجب مناقشتها فى اطار طبيعة الموضوع والمدرسة السينمائية التى ينتمي إليها المخرج، وهناك فرق بين ايقاع كونتين تارنتينو وايقاع تاركوفسكي وبين الايقاع في مدرسة ايزانشتين ومدرسة جريفث والايقاع بشكل عام في المدرسة الفرنسية والمدرسة الاميركية.

في فيلم «المغول رعاة السهول» قدم لنا المخيال نتاج رحلة شاقة من العمل الدؤوب في دروب وسهول آسيا الوسطى. وفي الجزء الاول من الفيلم تدفق الكثير من المعلومات عن منغوليا التي تحدها روسيا شمالا والصين جنوبا وتبلغ مساحتها ثلاث مرات مساحة فرنسا وفي لقطات مدروسة غير استعراضية وغير زاعقة استطاع المخيال ومعه فريق عمل متفهم ان يقتنص الصور التي تكثف وتعبر عن رؤاه لهذه الحضارة البدوية الرعوية التي لا تملك من التاريخ والعادات الاجتماعية الكثير حتى يحكي عنه فنحن لسنا بصدد الحضارة الفارسية او الحضارة اليونانية. وفي الجزء الثاني كانت هناك زيارة لقبائل «التساتان» وتقرير عن حياة الصقور والجمل ذي السنامين ومع كل مشهد جديد تشعر ان كل تفصيلة في الفيلم كانت تحتاج الى فيلم مستقل.

منذ سنوات وعبدالله المخيال يصر على اختياراته الصعبة ويواصل مسيرة مهمة كانت بدايتها «في اثر اخفاف الابل» عام 1997. وتواصلت المسيرة بعد ذلك من خلال افلام «ظلال الصحراء» و«بادية العرب» و«البادية السمراء» وحتى «المغول» وخلال هذه الرحلة القصيرة نسبيا حقق المخيال الكثير فقد عرضت افلامه في المهرجانات الدولية وحصد الاعجاب والتقدير كما عرضت افلامه في الفضائيات العالمية المتخصصة وحصدت ايضا التأمل والانتباه من مشاهد شغوف لمعرفة احوال وطبائع الشعوب والأقليات. وغير ذلك فقد حصل المخيال على جائزة الدولة التشجيعية فى الاخراج التلفزيونى والسينمائي.

في «المغول رعاة السهول» يتقدم المخيال خطوة مهمة كمخرج تسجيلي مبدع ومنفتح على حضارات الشعوب وعلى تماس بمتغيرات العصر ومحققا للكويت الكثير من النجاحات الاعلامية على المستوى العالمي. واذا كانت هناك بعض الانتقادات على الفيلم فالمخيال يدرك جيدا ان حرية الابداع عندما تتلاقى مع حرية النقد تصنع حرية ثالثة مطلوبة وهي حرية المشاهد.  

########

لم يحدث فى تاريخ السينما ان آثار فيلم حالة من الجدل والانتظار والترقب مثلما حدث مع فيلم «آلام المسيح». واذا كان الفيلم يتحدث ويصور فقط الاثنتي عشرة ساعة الاخيرة فى حياة السيد المسيح فان الفيلم قد وضع اصحاب الديانات السماوية الثلاث في مواجهة لم تحدث من قبل، بل وضع مذاهب الدين الواحد في دائرة المواجهة الصريحة للاجتهاد والتفسير بخصوص عرض الفيلم او منعه. وكان من المهم ان تبادر شركة السينما بعرض الفيلم على الرقابة منذ البداية وكان من المهم ان تبادر الرقابة بتشكيل لجنة خاصة من العلماء واساتذة الجامعة ورجال الدين لاتخاذ قرار بعرض فيلم يقيم الدنيا ولم يقعدها، وهنا لا نقلل من قدر اعضاء اللجنة الموجودة فعلا. فى قطر تزاوج القرار السياسي مع القرار الاعلامي وجرت الموافقة على عرض الفيلم باعتبار اننا منفتحون على ثقافة الآخر وفي مصر الدولة التي شرعت بعدم عرض صور الانبياء او تجسيدهم في الاعمال الفنية صرحت بعرض الفيلم من منطلق انه ليست هناك قوانين بشرية مقدسة وخالدة، وفى لبنان جرى عرض الفيلم باعتبار ان غيبسون قام بتصوير نصف يوم فقط من حياة المسيح ولو اتيح له الوقت الكافي لكان صور صعود المسيح الى السماء حتى يتوافق ذلك مع النص القرآني ويعني ذلك انه لم يخالف فى واقع الامر ما جاء به القرآن الكريم.

في الكويت لم ينتظر الناس مبادرة شركة السينما التي لم تتم ولا مبادرة الرقابة التي ألقت الكرة في ملعب شركة السينما وأدى المنع الى انتشار الفيلم كانتشار النار فى الهشيم والنتيجة ان نصف الكويت ربما شاهد الفيلم حتى الآن والنصف الآخر من المؤكد انه سيقوم بمشاهدته في لبنان ومصر وقطر.

في القريب العاجل ستنتهي الضجة حول «آلام المسيح» وفي المرات المقبلة نتمنى ان تتخذ بحق الافلام من هذة النوعية خطوات شجاعة من قبل من يملكون حق العرض ومن يملكون حق المنع.

القبس الكويتية في  4 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

نوادر استينوف

ومبادرة «آلام المسيح»

واختيارات المخيال الصعبة

عماد النويري