شعار الموقع (Our Logo)

 

 

لم أتلقّ يوماً إصداراً عربياً مُرضياً عن السينما، سواء كان مجلة او  كتاباً نقدياً او مؤلّفاً بحثياً. غير اني لم أعجب لهذا الأمر. فالكتابة السينمائية نقداً وبحثاً ليست في تقاليدنا. لم تنتج مجتمعاتنا العربية مدارس نقدية على نحو ما أنتجـته فرنــسا، مثلاً، في هذا الفرع الثقافي، عبر مجلات متخصصة وعريقة مثل "دفاتر السينما" او "بوزيتيف" المستمرتين الى اليوم منذ عقود طويلة، أو ما سبقهما ولم يستمرّ. فالسينما هي في صلب التقليد الثقافي بخاصة والغربي بعامة، ويمكن إرجاع وفرة المنشورات السينمائية المتخصصة هــناك الى الحــالة الثقافية العامة، الغنــية والمتنوعة، بحيث يترافق اهتمام القارئ بالنصوص المكتوبة مع اهتمامه بالانتاج السينمائي المحلي والاجنبي. السينما هناك بخير. اذن النص النقدي والبحثي بخير أيضاً. تكملة طبيعية وضرورية لواقع ثقافي سليم.

أضِف أن الكاتب الغربي، ناقداً او باحثاً، ينشأ على جدّية البحث والمتابعة والاسلوب التحليلي المنهجي. هذا في جوهر الثقافة هناك وامتلاك الشعور بالمسؤولية حيال ما يكتب وينشر. ثمة قارئ عارف يحاسب، ودور نشر "تنخل" القمح من الزؤان ولا تتبنّى عامة إلا الجيد واللامع، أو المقبول في الحدّ الأدنى. لكن الجدية تلبث القانون الأول للناقد والباحث اللذين ينبغي أن يكونا ملمّين إلماماً شديداً بمادة تأليفهما وبحثهما، لا أن يأتيا من "هواية" أو معرفة سطحية لم ترافقها المشاهدات الكثيفة والقراءات المعمّقة والمراس المديد بين مجلة او صحيفة او كتاب. الكاتب في مادة السينما هناك جدّي ومتعمق ومسؤول، لا يقدم على النشر إن لم تكن فيه اضافة الى ما سبق. حتى في إطار الترجمة، لا نعثر في الكتاب الغربي على ترجمات سيئة او سريعة او مغلوطة، ولا على مترجمين من خارج الإلمام الجمّ بالموضوع او الاختصاص، فيسعنا بالتالي الركون الى ترجمات أمينة، خالية من الأخطاء ومفارقات المعاني، أنيقة العرض والطباعة.

في المقابل، ماذا نرى في المنشورات السينمائية العربية التي تلقّيت عدداً من نماذجها في الفترة الأخيرة ولم يحفّزني أي منها الى تناولها حتى بالنقد الموضوعي؟ نرى "كشاكيل" (من كشكول) فيها من كل وادٍ عصا، بين محاولات نقدية هزيلة لا تعدو غالباً رواية قصص الأفلام وسرد "جينيريك" صانعيها، ضمن مجلة ضخمة تأخذ حجم كتاب سنوي، او كتيّبات صغيرة حول موضوعات محددة يزعم مؤلفوها انها دراسات بحثية وليس فيها من منهجية الدراسة والبحث الا الإسم والتعريف، بينما يدور المضمون على فراغ وحشو وثرثرة كلامية فارغة لا تعني القارئ ولا تضيء على موضوع إلا من زاوية ادعائها ذلك. عناوين كبرى لمضامين هزيلة، وغالباً لـ"نقّاد" ليسوا نقاداً، أو لـ"كتبة" و"مستكتبين" من خارج الاختصاص (قد يكونون أحياناً شعراء أو صحافيين عاديين لا ينعمون باختصاص محدد او مجرّد مترجمين لا يتقنون تماماً اللغات الأجنبية ويشتغلون على أي موضوع توكل اليهم ترجمته لقاء أتعاب محددة). والنتيجة، لا مؤلّف عربياً يركن الى صدقيته إن كان تأليفاً، أو الى أمانته إن كان ترجمة.

هذا عامةً، بيد أن هذا الواقع المزري في مجال النشر السينمائي - حيث لا مجلّة سينمائية متخصصة في الـعالم العربي كــلّه ولا كتب عن السينما ذات قيمة رفيـعة ولا موسوعات سينمائية تؤلف مرجـعاً للناقد والباحث - لا يمنع الاقرار بجهد بعض أصحاب تلك المحاولات التأليفية جمعاً (عشوائياً) للمعلومات والمقــالات، وتوثيقاً (ناقصاً!) لبعض الانتاجات السينمائية العربية، في مجلّد ضخم حائر التصنيف، بين المجلة السنوية الضخمة والكتاب المتخصص. أو أن يختار البعض الآخر، من غير المحترفين، عناوين كبرى فضفاضة لكتيّبات بحثية صغيرة، هزيلة المضامين، تتبرّع بنشرها مؤسسات عربية، خليجية نفطية غالباً من غير النظر في قيمتها وما إذا كانت تستحق النشر فعلاً!

ليس المقصود في هذه الاشـارة المُـعْجلة تخصيص منشورات محددة بالهجاء والنقد (أنشر غُلُف بعضها هنا مما وردني حديثاً ولست أقصده تحديداً)، بل تأكيد انطباع ذاتيّ بأننا ما برحنا على مسافة ضوئية من الإصدارات الجدية والغنية في مجال السينما ومما يمكن الركون اليه مرجعاً دائماً وثابتاً فنضعه في افتخار فوق رفوف مكتـباتنا ونفرح باقـتنائه!

النهار اللبنانية في  5 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

كتاب ومجلّة سينمائيان ليسا في تقاليدنا

جورج كعدي