شعار الموقع (Our Logo)

 

 

الحبّ سمة مشتركة لبعض الأفلام الأميركية المعروضة حاليا في عدد من الصالات اللبنانية، منها اثنان هما: "21 غراما" لأليخاندرو غونزاليس إيناريتو، و"شيء ما أعطيك إياه"  لنانسي مايرز. رغم أنه متنوّع ومفتوح على احتمالات إنسانية ورومنسية مختلفة، يبقى الحبّ نموذجا سينمائيا معبّرا عن حال نفسية داخلية، اتّخذت أشكالا بصرية عدّة للتعبير. إلى جانب الحب الإلهيّ الممزوج بالدم والعنف والتعذيب، في "آلام المسيح" لميل غيبسون، هناك، إذا، نوعان من التصوير السينمائي للحب: ففي فيلم المخرج المكسيكي إيناريتو (تمثيل شون بن وبينيتشيو دل تورو وناعومي واتس)، يُصنع الحبّ على حافة الموت والجريمة والتوبة المتطرّفة إلى إله الكتاب المقدّس، من خلال ثلاثة أشخاص يجمعهم القدر في لحظة تحوّلات خطرة يعيشها كل منهم عند الحدّ الفاصل بين الحياة والموت. وفي فيلم مايرز، يمتلك الحبّ قوة التجربة الحياتية في اكتشاف المدى الأقصى للعلاقة الرومنسية الشفّافة.

مع هذا، فإن الحبّ لا يلغي اختلافا واضحا في المعالجة السينمائية. فالفرق شاسع للغاية بين "21 غراما"، المشغول بتوليف قاس في خلطه الماضي بالحاضر، وفي مزجه أقدار هذه الشخصيات والتداخل الدرامي والوجودي والنفسي بينها، و"شيء ما أعطيك إياه"، المنغمس في معنى علاقات الحب والغرام الناشئة بين أناس من أعمار مختلفة، وأناس باتوا في خريف العمر، ولديهم طاقة جميلة على العيش والحب.

لا شكّ في أن "21 غراما" يبقى الأفضل والأجمل، دراميا وشكليا وتمثيلا، خصوصا بالنسبة إلى شون بن وبينيتشيو دل تورو. إنه حال متفرّدة في حدّ ذاتها، في المشهد السينمائي اللبناني، حيث الغلبة للتبسيط والسرد العاديّ والأداء المكرّر. فالمكسيكي إيناريتو ينتمي إلى مخرجين كسروا تقنية السرد الدرامي الكلاسيكي، مستخدمين التوليف أداة تعبير وسرد. لا أحد من الأشخاص الثلاثة يعرف الآخر، لكن القدر يجمعهم، حين يوشك أحدهم (شون بن) على الموت بسبب ضعف خطر في قلبه، فإذا بموت زوج الشخصية الثانية يتيح له العيش، بعدما وافقت أرملته (ناعومي واتس) على منح قلبه لمريض بحاجة إليه لم يكن إلا بن نفسه، علما أن مقتل الزوج جاء نتيجة حادث سير تسبّب به الشخص الثالث (بينيتشيو دل تورو). الحب، هنا، يتخذ أبعادا عدّة: الحب الروحي والجسدي بين الأرملة وحامل قلب زوجها، حبّ الانتقام (الأرملة تسعى إلى قتل قاتل زوجها)، حبّ الحياة بالنسبة إلى رجل مريض على حافة الموت، حبّ متطرّف للتوبة والخلاص الروحي والنفسي والتطهّر من فساد الأرض والجسد.

في مقابل هذا السرد القاتم والمثقل بألف همّ وحكاية، يبرز الثنائي جاك نيكلسون ودايان كيتون في واحد من أدوارهما الجميلة، وهما يواجهان، في خريف العمر (في الفيلم كما في الحياة)، تجربة جديدة في الحب والعلاقة الرومنسية. فالفيلم الذي يجمعهما معا، يأخذهما في رحلة مليئة بالمشاهد الضاحكة على خلفية البحث عن معنى الحياة في الحب والغيرة بما يشبه المراهقين في مطالع حياتهم. والحكاية عادية، مع أنها تتحرر من بساطتها (رجل في الستينات من عمره يرتبط بعلاقة حب بصبية في مقتبل العمر، قبل أن يلتقي والدتها التي لا تصغره كثيرا، وهي على علاقة رومنسية بطبيب أصغر منها بأعوام عدّة) بفضل الأداء الجميل، والمفارقات الإنسانية البديعة. لا ادّعاء أو تصنّع في ابتكار الأحداث والسياق الدرامي، ولا غرق في تفاصيل جانبية وهامشية، فالفيلم بُني على فكرة إنسانية عامة، قبل أن يمنحها جاك نيكلسون ودايان كيتون حضورا بصريا جاذبا بأدائهما الاحترافي الساحر، وبالمناخ الإنساني العابق بالعفوية والعشق والفرح.

النهار اللبنانية في  4 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

غرام في السينما

سامي كريم