شعار الموقع (Our Logo)

 

 

ما هي مكانة النخبة المثقفة الفرنسية ذات التوجه اليساري في النسيج الثقافي والسياسي الجزائري؟ وما هو دورها في المراحل الدقيقة التي مرت عليها البلاد خاصة خلال حرب التحرير وما تلاها من تحولات وتقلبات كرست قراءة معينة للتاريخ دون سواها؟ ومع كل التعتيم الذي ساد حول هذا الدور خلال أكثر من أربعين عاما من الاستقلال فإن ثمة أصوات قيمت هذا الدور سواء في مجال التعبئة الشعبية للالتفاف حول الثورة أم بحمل السلاح مباشرة .

والمشاركة في المعارك ضد الجيش الفرنسي خاصة بعدما أنشأ الحزب الشيوعي الجزائري الذي كان خليطا من الجزائريين ذوي الأصول العربية والبربرية والأوروبية عام 1956 جناحا مسلحا باسم «مقاتلي الحرية» أو «دوريات الجيش الأحمر» كما يحلو للبعض تسميته «و كانت القوة المسلحة الرئيسية في غرب البلاد التي قاومت الاحتلال.

وسرعان ما انضوت تحت لواء جيش التحرير الوطني فساهمت في تحقيق استقلال الجزائر سنة 1962 ومن بين الأصوات التي تعالت في المدة الأخيرة لاعادة الاعتبار لدور اليسار في الثورة الجزائري المخرج السينمائي الجزائري جون بيار لييدو المقيم منذ عام 1993 بفرنسا.

فقد وضع جون بيار اجابات للتساؤل المطروح من خلال فيلم وثائقي جديد يعرض هذه الأيام في قاعات السينما الجزائرية بعنوان «حلم جزائري عودة هنري علاق الى الجزائر»، وكان الاقبال كبيرا كون الفكرة جديدة خاصة على جيل كامل من الجزائريين يجهلون جزءاً حيويا وحساسا من تاريخهم مليئا بالقيم الانسانية وروح التسامح والمحبة.

الفيلم كما يراه النقاد كسر الصمت الذي رافق مسيرة اليسار الفرنسي في الجزائر، قصد تجاوز لحظة الصدمة التي لحقت به بعد انتصار الاسلاميين الراديكاليين في الانتخابات التشريعية سنة 1991، والأحداث التي أعقبت وقف المسار الانتخابي، وانحراف الاسلاميين نحو العنف المسلح تجاه المجتمع وعدد من رموز الثقافة في الجزائر بما في ذلك اليساريون من ذوي الأصول الفرنسية الذين ولدوا في الجزائر وناضلوا في صفوف جبهة التحرير الوطني خلال حرب التحرير.

وفضلوا البقاء في البلاد بعد الاستقلال، وكان أتباع الجبهة الاسلامية للانقاذ الذين ينتهجون طريق العنف المسلح، قد طبقوا ايديولوجية حزبهم الداعية الى النقاء الفكري في الجزائر، وجددت فكرة الأحادية الثقافية التي انتهجتها جبهة التحرير الوطني عقب الاستقلال.

وقد تعرض هؤلاء اليساريون للتهميش بعد الانقلاب العسكري الذي قاده العقيد هواري بومدين ضد الرئيس أحمد بن بيلا في التاسع عشر من يونيو عام 1965 هذا التهميش ظل قائما في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد رغم سياسة الانفتاح التي شرع فيها، والتي شهدت اعادة الاعتبار لكثير من الرموز الثقافية والسياسية المعارضة للنظام، منها اطلاق سراح الرئيس بن بيلا بعد أربعة عشر عاما قضاها في الاقامة الجبرية.

وتجمع الكتابات الصحفية التي تناولت الفيلم سواء في الجزائر أو في فرنسا بأن «حلم جزائري ـ عودة هنري علاق» صرخة جديدة تبرز مدى تمسك النخبة المثقفة اليسارية بالأرض الجزائرية. أما جون بيار لييدو فيرى أن اختياره «عودة هنري علاق » للجزائر كفيلم أمر طبيعي ودوافع ذلك قائمة وراسخة في الذاكرة.

وقال «ترعرت في مدينة وهران، وكنت شاهدا على مجتمع استعماري خاضع للعنصرية الكولونيالية، حيث كانت الأحقاد الدينية والعنصرية هي السائدة. لكن هذا لم يمنع بعض الفئات الاجتماعية من تجاوز هذه الوضعية الاستعمارية المتردية لايجاد مجتمع انساني جديد».

وأضاف أن هذا المجتمع الجديد الذي ساهم في تحقيق الاستقلال سرعان ما اختفى بسبب ممارسات «الدولة الوطنية» التي ظهرت في الجزائر سنة 1962 وأعطت الأولوية لتوجه انساني أحادي قائم على الاقصاء، اذ نص أول قانون جنسية جزائري الى أنه «لا يتحصل على الجنسية الجزائرية سوى الجزائريين المسلمين.

أما باقي الأقليات فلا يحق لها الحصول على الجنسية الجزائرية الا بعد المرور على سلسلة من الاجراءات القانونية»، وفيما بعد نص أول دستور جزائري سنة 1963 أن الشخصية الجزائرية عربية ـ اسلامية، وهذا على خلاف كثير من الوثائق التي صدرت خلال حرب التحرير والتي نصت على ضمان الحقوق المدنية لجميع من ساندوا الثورة بصرف النظر عن أصلهم ودينهم ولغتهم.

فهم بفعل كفاحهم لتحرير الوطن جزائريون كاملو الحقوق، وتنص الوثائق بوضوح مثلا على ضمان حقوق اليهود الجزائريين والأوروبيين الذين ساندوا الثورة.

ويعتقد لييدو أن هذا الحلم الذي عرفه صغيرا، والذي حقق التقارب العربي ـ البربري ـ اليهودي في الجزائر، أصبح من الطابوهات «المحظورات» يصعب التطرق اليه الآن، ويضيف مخرج الفيلم «كان علي البحث عن الرجال والنساء الذين عايشوا هذا المجتمع القائم على التعايش والذي يذكرنا بأندلس جديدة في بلاد الجزائر ، هكذا عثرت على هنري علاق الذي ناضل منذ الخمسينيات من أجل هذا المجتمع، فرافقت رحلة عودته الى الجزائر بعد انقطاع دام سنوات طويلة».

والمثير في هذا الفيلم يكمن في ذلك التقارب والتشابه بين المصائر، اذ أن جون بيار لييدو المخرج غادر الجزائر سنة 1993 حينما انطلقت أحداث العنف المسلح في الجزائر، وظهر أن الاسلاميين الراديكاليين عازمون على نهج سياسة التطهير العرقي والثقافي، وقد سبق للصحفي هنري علاة أن غادر الجزائر بدوره سنة 1965 بعد رفضه الوقوف الى جانب العقيد هواري بومدين ومساندته في الانقلاب على الرئيس أحمد بن بيلا، وكان وقتها يدير أكبر صحف الجزائر وأكثرها انتشارا .

وهي « alger republicn» الجزائر الجمهورية «لذلك فان الرجلين عادا الى الجزائر بعد سنوات طويلة من الغياب، وكلاهما غادرها في ظروف استثنائية حين كان مهددا بالتصفية الجسدية وكلاهم من أصل يهودي».

وقد شرع لييدو في اخراج هذا الفيلم بعد أن طالب من هنري علاق أن يرافقه في زيارته الى الجزائر، لاعادة اكتشاف دروب نضاله في العهد الاستعماري، ولقاء أصدقائه الذين عملوا معه في صحيفة «الجزائر ـ الجمهورية».

ويعتبر علاق أحد الصحفيين اليساريين البارزين الذين ساندوا الثوريين الجزائريين، ويعرف في الأوساط المثقفة بكتابه الشهير «المساءلة» الذي نشر سنة 1958، وترجمه الى العربية سهيل ادريس. اعتقلته الشرطة الاستعمارية في يونيو 1957بتهمة التعاون مع الثوار الجزائريين وألقت به في سجن باربروس، بالعاصمة الجزائر .

وتعرض لشتى أنواع التعذيب، فجاء كتابه لفضح هذه الممارسات اللاانسانية، التي شكلت انحرافا فظيعا في الأخلاقيات الفرنسية التي انهارت بسبب ممارسات المظليين الفرنسيين بقيادة الجنرال ماسو والعقيد بيغار، في مواجهتهم للحرب الثورية في مدينة الجزائر، وقد ساهم كتاب هنري علاق في تنوير الرأي العام الفرنسي بحقيقة ما يجري في الجزائر آنذاك.

وقبل المساءلة وفضح ممارسات التعذيب، اشتغل هنري علاق في الصحافة، فور وصوله الى الجزائر سنة 1939 وكان يرأس تحرير جريدة «الجزائر الجمهورية» المقربة من الحزب الشيوعي الجزائري، والتي كتب فيها عدد من الأدباء الكبار أمثال ألبير كاموي ومحمد ديب وكاتب ياسين وآخرين .

ويعتبر فيلم «حلم جزائري» بمثابة خطوة نحو اعادة الاعتبار ليهود الجزائر والأقلية الأوروبية التي ساهمت في دعم حرب التحرير، وقد سبق للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وأن أظهر نية في انتهاج هذه السياسة، بدعوته المغني اليهودي من أصل جزائري أنريكو ماسياس لزيارة الجزائر، الا أن دعوته تحطمت أمام أسوار التيار المحافظ الرافض لأي تقارب من هذه الفئة.

البيان الإماراتية في  2 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

فيلم جديد للمخرج بيار:

"حلم جزائري"

مرافعة من أجل وطن متعدد الثقافات

مراد الطرابلسي