شعار الموقع (Our Logo)

 

 

لم تكن تجربة العندليب الاسمر عبدالحليم حافظ في التمثيل مجرد رحلة سينمائية عابرة لمطرب شهير، بل طاقة ضوء فتحت الطريق امام نوع جديد من الأفلام يطلق عليها الآن 'السينما الشبابية'.. هذا ما أكده النقاد وصناع السينما الذين اعتبروا افلامه فاتحة خير علي الاجيال التالية.. والغريب ان 'الخلطة' الفنية التي وضعها حليم في اعماله الدرامية لأول مرة في الستينات، أصبحت الآن هي السمة المميزة لمعظم الأفلام السينمائية وسر نجاحها!

'أخبار النجوم' تابعت من خلال هذا التحقيق مسيرة العندليب الناجحة ومدي تأثر السينما الحالية به..

في البداية يقول الناقد أحمد رأفت بهجت: ان عبدالحليم كان منحازا للشباب في افلامه وانه كان يميل إلي البطولة الجماعية امام أكثر من نجم كبير فقد شاهدنا معه عمر الشريف وأحمد رمزي وحسن يوسف وأعتقد انه كان ديموقراطيا رغم انه بالمفاهيم المتداولة في السوق نجم شباك لما له من جماهيرية عريضة، كما يلاحظ ان عبدالحليم كان يهتم بقضايا الشباب ويحاول طرحها في افلامه، وانه لم يسجن نفسه في إطار المطرب كما فعل مطربون آخرون فقد رأيناه في صور عديدة.

ويضيف : التيمة الدائمة التي يستخدمها العندليب في افلامه والتي يستعين فيها بأحد نجوم الكوميديا الي جانبه هي نفسها التي تستخدم في افلام نجوم الغناء الجدد، فهذه التركيبة الشكلية في أفلام عبدالحليم كان يستعين بها لانها الأقرب إلي نمط المطرب في السينما فوجود السنيد الكوميدي كان له ضرورة فنية لأنه أحيانا كان يتحمل مسئولية احتمال الجماهير في المواقف المأساوية التي غالبا ماكان عبدالحليم يضع نفسه فيها .

تراث معاد

المؤلف بشير الديك يؤكد ان السينما تتأثر دائما بتراثها ويقول ان أفلام العندليب والأفلام التي قبلها بنفس التركيبات الفنية نراها في افلامنا الآن، كما ان أغلب المؤلفين الحاليين بضعون نماذج النجاح في عقولهم، ويعملون بها، وصيغة افلام العندليب كانت نموذجا للنجاح بها تركيبة مضمونة من مطرب وكوميديان وفتاة جميلة، وهي نفس التركيبة الموجودة حاليا في مثل هذه الافلام، والسر وراء نجاح فيلم مثل اسماعيلية رايح جاي هو أن الناس تعودت علي تقبل الجديد بعدما كانت السينما اسيرة لعدد من الاسماء لاتتغير ولكن للأسف الشديد صناع السينما لم يستغلوا شغف الجماهير بكل ماهو جديد، وتحول النجوم الجدد إلي اسماء لاتتغير في عدد من الادوار النمطية والطريف ان ازمة السينما في الستينات عادت هذه الايام فلم يكتف صناع السينما بنقل التركيبات الشكلية في عصر عبدالحليم ولكن استحضروا أزماتها ايضا.

أما الدكتور احمد شوقي عبدالفتاح فيرسم في كتابه 'نجوم الرومانسية' صورة للعندليب من السينما مؤكدا تفوقه التمثيلي فيقول: تخصص عبدالحليم حافظ في الحب والرومانسية وقدم للسينما المصرية فرصة اقتنصتها وهي تعلم ان هذا الفتي الضعيف البنية، صاحب الحنجرة الذهبية لن يتكرر كثيرا، فقد كان ومازال ظاهرة فريد ةفي الغناء والتمثيل ولديه القدرة علي التأثير التي يمتلكها الزعماء والرموز الروحية ولكن طاقته التعبيرية تركزت في حنجرته واستطاع بعد ذلك ان يفرض اسلوبه الخاص في التمثيل . وكان العندليب رمزا للشناب الرومانسي الذي أعتمد بشكل اساسي علي مظاهر الضعف والرقة والشاعرية التي يتحلي بها لنتصوره علي أنه الحبيب المظلوم أو الفقير أو المريض وبذلك يكتسب عطف الجماهير فقد كان هذا نابعا ايضا من طبيعته الرومانسية السينمائية التي اضفت عليه روح التمرد التقليدية للرومانسي التي تجعل من البطل شبيها بالجمهور لايتمتع سوي بقدراته التعبيرية عن مشاعره ولكنه ليس بطلا خارقا يمتلك عضلات مفتولة أو ثريا فوق العادة ، يأسر الفتيات بالمال.. وهي النقطة التي انطلقت منها السينما الغنائية الحالية.

ففي ايامنا الحلوة يقدم دور الحبيب الذي يضحي بحبه لصديقه عمر الشريف بعد ان يكتشف ان حبيبته تبادله الحب ويتزوج من بخاطرها للحصول علي المال واجراء عملية جراحية لحبيبته وخطيبة صديقه في نفس الوقت، وفي 'ايام واليالي' يلعب دور الأبن الذي يتسم بالامانة والصدق ويقدم نفسه للشرطة بديلا عن ابن زوج أمه حفاظا علي العائلة والمباديء معا.. لتشك فيه حبيبته وليكون المظلوم خيرا من ان يكون الظالم، وفي موعد غرام يلعب دور الفتي المستهتر الجريء الذي يطارد صحفية شابة حتي تقع في غرامه ويحبها بصدق ويتغير ولكن مرضها بالشلل يجعلها تخفي عنه مشاعرها وتوهمه بحب آخر ويرضي بدور الحب الضائع، وفي 'بنات اليوم' يقدم دور الفتي الذي يخطيء في اختيار حبيبته ويكتشف بعد مرور الوقت انه يحب شقيقتها ويتعرض للشك في سلوكها وصدقها حتي تظهر الحقيقة، في كل هذه الأفلام وغيرها من الأفلامه الستة عشر التي قدمها علي مدار رحلته السينمائية التي استمرت أربعة عشر عاما كان العندليب هو الشاب البسيط الرومانسي الذي انطلقت منه كل الأفلام الحديثة.

مواقف شبابية

وفي نفس الكتاب يؤكد الناقد حليم ذكري مليكة ان الأدوار التي أداها العندليب في افلامه كانت تجسيدا لكثير من المواقف الشبابية التي استمدت منها السينما الحالية افلامها خاصة التي يقدمها مطربون فيقول : استطاع عبدالحليم في فيلمه 'الوسادة الخالية' ان يجسد دور الطالب الجامعي المكافح الذي فشل في حبه الأول فصنع من فشله مجدا او نجاحا وجعلنا نهيم لمدة ساعتين كاملتين في اجواء الحلم العذب الجميل الذي عايشه كل منا، حلم الحب الأول النقي الطاهر البريء، 'اما في 'حكاية حب' وفي دقة متناهية أدي العندليب دور الشاب الخجول الذي يجاهد من أجل أسرته فهو يعول امه الضريرة وشقيقه الأصغر في صمت وحنان، انه المدرس الفقير المتواضع الذي يتعرف علي الفتاة الثرية ويقع في حبها من أول نظرة ولكنه لايملك ان يصرح بحبه لضيق ذات اليد وهي القيمة التي خرجت منها أفلام كثيرة حديثة وآخرها رحلة حب لمحمد فؤاد وبعد اكثر من ربع قرن علي البداية الحليمية.

اما في فيلم 'ابي فوق الشجرة' فقد نجح عبدالحليم حافظ في تجسيد دور عادل الطالب الجامعي المتفتح للحياة في صورتين الأولي صاحب الأفكار المتحررة والشاب الساذج محدود التجارب وقدم مشاكل الجيل الجديد وتدخل الاجيال السابقة في شئونهم.. وكلها اعمال ذات صيغة شبابية أصيلة كانت نواة للأفلام الحالية.

مسك الختام

اما الناقد محمد صلاح الدين فقد رصد في كتابه كلاسيكيات رومانسية الفيلم الظاهرة 'ابي فوي الشجرة' فيقول: لم يكن الفيلم الذي اخرجه حسين كمال عام 1969 فيلما رومانسيا بالدرجة الاولي وانما ينتمي الي السينما الغنائية الاجتماعية وكان حدثا طوال عرضه الذي استمر لشهور طويلة محققا أعلي الايرادات في تاريخ السينما المصرية وصلت ايراداته في دار عرض واحدة 'ديانا' الي مائة الف جنيه في الوقت الذي كان افضل الافلام لايتعدي صافي ايراداته من العرض الاول اربعة او خمسة آلاف جنيه فقط!

وكان الفيلم هو آخر وانضج افلام العندليب وكان تصويره طفرة في عالم السينما من حيث الأسلوب والتقنية واجتهد الكثيرون في تبرير هذا النجاح فقيل الكثير عن تمثيل عبدالحليم حافظ وأدائه الطبيعي السلس خاصة بعد غيابه عن الشاشة منذ فيلم 'معبودة الجماهير' وبعد رحلة مع المرض والمعاناة، وقيل ان الفيلم كان مهتما به انتاجيا حيث تمت عمليات الطبع والتحميض بأفضل معامل السينما في لندن وكان من اسباب نجاح هذا الفيلم ايضا موضوعه الممتع والشيق حيث يتناول حياة الشباب العصري التي كانت نادرة علي الشاشة والتي اصبحت اليوم موضوع كل الافلام الجديدة حتي انهم اطلقوا علي هذه النوعية 'السينما الشبابية'!

بالصوت والصورة

وفي كتابه 'أعز الناس' وصف مجدي العمروسي مشوار العندليب مع السينما فقال ان عبدالحليم كان يمثل بتلقائية شديدة فرفض سينما الوجاهة مثل وضع اليد في جيب البنطلون ونطقه الكلمات بطريقة سينمائية والضحك بطريقة مفتعلة حتي انه اختلف مع المخرج الكبير والاستاذ محمد كريم في فيلم 'دليلة' عندما اراد أن يجعل منه صورة مكررة من محمد عبدالوهاب في لبسه ومشيه وكلامه وكان لكريم رؤية خاصة وأسلوب خاص اتبعه في افلام محمد عبدالوهاب العظيمة.. والغريب أن فيلم 'دليلة' كان أقل افلام عبدالحليم نجاحا رغم أنه أول فيلم في السينما المصرية يصور بالألوان وبالسينما سكوب.

وفي أول افلامه 'لحن الوفاء' طلب المخرج ابراهيم عمارة من عبدالحليم ان يلعب بطولة الفيلم وكان للعندليب شرط واحد هو أن يعمل له اختبار بالصوت والصورة وأن يشاهده حليم بنفسه وبمفرده في صالة العرض وبالفعل صور ابراهيم عمارة مشهدا كاملا من مشاهد الفيلم للعندليب الذي شاهده بعد ذلك وشعر بالرضي عن نفسه كممثل فقرر خوض التجربة وقرر ان تناقش أفلامه كلها مشاكل الشباب وان يقدم فيها اداءا عصريا بعيدا عن التكلف والمبالغة وحرص دائما علي وجود أحد عمالقة الكوميديا في افلامه الي جانب نجمات السينما نادية لطفي وفاتن حمامة وشادية ولبني عبدالعزيز وغيرهم.

منكسر وضعيف

أما الباحث والناقد محمود قاسم فيؤكد في كتابه نجوم المشهد الثنائي في السينما ان صورة العندليب في افلامه كانت دائما شبابية مثالية وهي نفسها الشخصيات التي تظهر الآن علي الشاشة فيقول: صورة عبدالحليم حافظ في السينما كانت هي في الغالب شاب منكسر ضعيف ومع هذا فإن الشخصيات التي جسدها لم تتوقف عن الغناء ابتهاجا بالحياة ولم تضع رأسها تحت متراس اليأس بل اجتازت الصعاب وعبرت الأزمات وصعدت إلي قمة أهدافها.

وقد ساعدت هذه الشخصيات في صناعة الاعجاب بهذا الشاب الأسمر الذي لايعرف من لغات الحياة سوي الحب والرومانسية والتضحية والفداء.. ولذلك كانت هذه الشخصيات تدخل قلوب الجماهير في أسرع وقت.

والادوار التي لعبها عبدالحليم لم تعرف الرذيلة ولا الوقوع في الخطيئة وهي في أغلب الاحيان لاشخاص عاديين تقاوم الحياة بالغناء وعليها ان تغني في أي وضع تعيش فيه ولذا فإن هذه الشخصيات لم تضطر الي العمل في الملاهي الليلية وكان لهذه الشخصيات المثالية اكبر الأثر في نجاح العندليب رغم قلة افلامه مقارنة بالأفلام الآخري لكبار المطربين التي لم تحقق نفس الصدي.

كما قدمت أفلام العندليب الصيغة الجماعية التي تعيش عليها السينما حاليا فقدم في 'شارع الحب' توليفة فنية يعمل بها حتي الآن من عدد من الكوميديانات الي جانبه والفتاة الساحرة صباح التي يقع في حبها.. نفس الأمر يتكرر في معبودة الجماهير امام شادية ومع فؤاد المهندس ومحمد رضا.

أخبار النجوم في  27 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

عادت بعد أكثر من ربع قرن:

السينما الشبابية في أحضان العندليب

تحقيق: محمد عدوي