شعار الموقع (Our Logo)

 

 

بعد ابتعاد عمره 21 عاماً يعود المخرج برهان علوية الى عالم السينما الروائية في فيلمه الروائي الثالث بعنوان «مبدئي» هو «من هنا مر الحب».

قريباً ينطلق في انجاز استكمال هذا الفيلم رغم ان التصوير فيه كان قد انجز منذ حوالي العامين، وهو يأمل ان يترك من خلاله بصمة مؤثرة في العالم السينمائي العربي، خاصة في ظل نظرته الناقدة لواقعه حيث يعتبر، مثلاً، انه بالرغم من وجود وزارة ثقافة ومركز للسينما في لبنان، إلا انه لم يعرف حتى الآن ما هي السينما!

واستكماله لتلك النظرة يجدد اعتقاده بأنه: لا انتاج سينمائياً عربياً مميزاً وعالمياً خارج المؤسسات المشتركة العلاقة بين الدول العربية، معتبراً ان تونس تأتي في المقام الاول في هذا المجال ثم المغرب، فمصر.

بني برهان علوية والوقت الذي يحتاج اليه انتاجه الفني علاقة مركبة ومعقدة قد تكون سبباً رئيسياً في تأخير ولادة فيلمه الجديد «من هنا مر الحب» الذي انهاه قبل حوالي عامين، وينجز الميكساج عليه الآن وربما هي السبب ايضاً في امتناعه عن تقديم عمل سينمائي روائي على مدى 21 عاما!

·         ما سر تلك العلاقة؟ لماذا البطء الانتاجي؟ هل هي الرؤية السلحفاتية ام القيود المالية المكبلة للانتاج واندفاعه؟

يرى علوية ان أي مخرج محلي او اقليمي يلجأ الى نظام الانتاج المشترك يعاني المشكلة نفسها، وان ما قدمه خلال كل تلك السنوات الطويلة هو: سينما الواقع سينما الحقيقة، هذه كانت البديل عن عدم قدرتي على تطوير مشروعين سينمائيين روائيين طوال 21 عاماً.

صحيح ان ديكورها هو الحقيقة لكنها تسمى في نهاية الامر: سينما وهي مطلوبة وعروضها مطلوبة، هكذا كان فيلمي الوثائقي الذي توليت اخراجه عن المهندس حسن فتحي بعنوان: «لا يكفي ان يكون الله مع الفقراء»، لم يبق مكان إلا وعرض فيه تقريباً، ولا طالب في كليات الهندسة العربية إلا وشاهده، ولا مشاهد إلا وتابعه بشغف وهذا فيلم وثائقي، تقديمه كان احد خياراتي، لكن هذا لا يعني ان الوجه الآخر لهذا الخيار هو مقاطعتي الطويلة للافلام الروائية، بل كانت لي محاولات متكررة على هذا الصعيد.

·         هل المناخ العربي غير مشجع لانتاج الافلام الروائية؟ وإلا ما يفسر القلة في أعماله التي نراها على الساحة العربية؟

يقر المخرج ان في الامر مناخاً، لكن فيه ما هو اهم، واكثر واقعية، وأوضح من النواحي العملية على كافة المستويات الخاصة والرسمية، أو المالية والتقنيات الفنية الاخرى، وهو يختصره بما يسميه: «تنامي ظاهرة الانتاج المشترك وقيام مؤسساته المساعدة والممكنة للمخرج من العمل والمغامرة والمجازفة والابداع في السينما كونها فناً يجسد ذاكره البشر، واحدى قنوات التواصل مع الآخر والتعرف اليه، ومخاطبته.

وبالتالي، لا انتاج سينمائياً عربياً مميزاً وعالمياً خارج اطار تلك المؤسسات المشتركة العلاقة بين الدول، وكلما كان الانتاج صادراً عنها، كلما اقترب من العالمية، وتحتل تونس برأي المخرج علوية، المرتبة الاولى على هذا الصعيد تليها المغرب ثم مصر، فكون ذلك النظام المؤسساتي المشترك هو السائد تماماً في تونس اكثر من سواها، نرى انها اكثر الدول انتاجاً للافلام الروائية والوثائقية.

·     لكن تبعا للسؤال السابق عما اذا كان المناخ العربي مشجعاً ام لا على ولادة المؤسسات العملاقة المشتركة للانتاج، نلاحظ ان ثمة مناخاً لبنانياً يسير في هذا الاتجاه ففيه وزارة للثقافة ومركز للسينما، وارضية فنية ثمينة، وما شابه، لكن رغم ذلك يعاني لبنان من فقر في الدم الانتاجي السينمائي لماذا؟

في رده على ذلك، يعتبر علوية ان المطلوب «حلحلة» العقلية السائدة في الوزارة: بحيث تصبح تعرف ما هي السينما وما هي صناديق الدعم، وما هو الانتاج المشترك، فعلى الرغم من وجود مركز للسينما، إلا انهم في لبنان لا يعرفون حتى الآن ما هي السينما.

وهو يرى انه في ظل غياب انظمة الانتاج المتطورة لا يستطيع مخرج لبناني شاب ان يجد الفرص لان لا احد يعرفه، لاسيما انه لا يأتي من «نظام مقابل» يبدو ضرورياً لتغيير نظرة الجهة المنتجة للمشروع، وهذا ما تحاول وزارة الثقافة النظر اليه بجدية، لكن لا شيء لا ثابتاً ولا اكيداً في المشروع حتى الآن، فهو مازال في حالة استثنائية، ولم يصبح قانوناً.

وعلى ضوء ذلك يفتقر لبنان برأي علوية الى ما يسميه ب«البيئة الموازية» كيف؟ يجيب: لان هذا يؤدي الى ان يضع المخرج نفسه في الميزان، فاذا كنت قد زاولت مهنة الاخراج خلال 30 سنة وعملت في الاماكن التي تجد فيها صناديق الدعم، فإنهم لا يعرفون ماضيك السينمائي، ويتذكرون الجوائز التي حصدتها وبالتالي فإنك تستطيع الحصول على انتاج.

ثم يردف مستطرداً: في لبنان لا تتوافر حالياً شروط الانتاج المشترك التي تتطلب امكانات غير موجودة لدينا، وهذا يفرض على المخرج اعباء اضافية ما كانت لتطلب منه، او تلقى عليه في الظروف العادية، وفي مقدمتها التوصل الى تفاهم مع منتجين آتين من جهات مختلفة ومتضاربة يصعب التفاهم معها، وتزداد الصعوبة على الاخص من المنحدرين من انظمة انتاج مغايرة عما هي عليه لدينا.

وهذا ما واجهناه في تصوير الفيلم الجديد «من هنا مر الحب» حيث التصوير المرهق الذي باشرناه قبل ان ننهي التحضيرات والتجهيزات التي تسبق عادة عملية التقاط المشاهد لان هناك اتفاقات وعقوداً تسقط اذا لم تنفذ ضمن مهلة معينة، الواقع اننا كنا على مسافة قريبة من موعد الاستحقاق.

اذن حصل تسرع في العمل، ولاشك انه انعكس على التصوير شئنا أم ابينا. لكن هذا لا يعني ان النتائج سيئة بالضرورة، مثلاً حرصت ان اراجع بعض المشاهد التي التقطتها وانا في حالة ارهاق واعياء، فوجئت انها جيدة وافضل بكثير مما كانت عليه حالتي عند تصويرها. فعند التصوير قد تشعر بتعب لا يوصف لكنك تشعر بمتعة لا توصف هي الاخرى، وادركت انه عندما يمزج التعب بالصورة تصبح هذه الاخيرة اجمل، فالصورة لقطة والالتقاط لحظة انجذاب لا تعود انت انت، ولا تبقى نفسك نفسك، فلا تفاجأ ان استولدت صورة اروع بكثير مما كنت تتوقع، بل حتى اكثر مما انت تريد.

·     ورداً على سؤال حول ما اذا كان طابع التشاؤم الغالب عليه هو الذي يجعله يرى «روعة صورته وعمله في اللحظة الاخيرة وبعد انجازها» وحول السر الكامن وراء السوداوية التي تلف نظرته الى الأمور؟ يجيب برهان علوية قائلاً: «انا انسان متشائم ـ الآخرون يسمونه تشاؤماً، لكنني أصفه بأنه الحقيقة، فهل من التشاؤم القول بأن الدولة تعترف بأن عليها ديوناً. وهي تعترف بسوء الحال، ام ان هذه هي حقيقة أليس حقيقياً لا مجرد تشاؤم الحديث عن الجوع والهجرة والبطالة والتسكع في الشوارع مثلاً؟ ما ذنبي اذا كانت الالوان من حولي قاتمة.

وفي راي علوية ان السلطة ليست الوحيدة المسئولة عن ذلك: الناس هم المسئولون هم الذين يجب تأهيلهم، نحن مجتمع مريض، خرجنا من الحرب مرضى، وما زلنا على حالنا، بل بالعكس للاسف فقد ازددنا سوءاً.

مرض الكثير من المجتمعات العربية انها لا تقبل ان ترى نفسها والتكلم عن عيوبها. الرقيب ليس فقط بدعة من السلطة بل بدعة مجتمع، وإلا لكان تعرض للالغاء منذ زمن بعيد.. انا لست الوحيد المهمش في مجتمعنا، فمثلي كثيرون، أليس من الأفضل ان اكون مهمشاً في مجتمع الاكثرية فيه مريضة؟ الحقيقة انني لا أنتمي إليه، والاسباب كفيلة، بالجواب وهي لانني ديمقراطي حقيقي ومدافع عن حرية المرأة وضنين بالعلاقات المدنية بين الافراد، ومدافع عن كيان الانسان وحريته، ولانني هكذا فالافضل ان اكون مهمشاً في مجتمع ليس كذلك.

هل كل تلك الدلالات والمعاني يتضمنها فيلم برهان علوية الوثائقي الاخير عن الحرب وتأثيراتها وامتداداتها وهو بعنوان «اليك اينما تكون»؟ يجيب بما معناه: في هذا الفيلم حكيت عن المستقبل بصيغة الماضي، واخترت بشراً ارى من خلالهم مستقبلا لا ماضياً لعلهم ليسوا اكثر من بقايا في مجتمعنا، لكنهم نماذج حاضرة وجاهزة وناظرة بقوة حولنا، كانت الحرب مغروسة في شخصيات الفيلم.

هذا بديهي، ليس هناك لبناني إلا والحرب خلفيته، تصوروا ان اللبنانيين مازالوا يفضلون عدم الاقامة في الطوابق السكنية العليا، لان الرصاص والقذائف ومختلف ادوات القتل في الحروب تطالها اكثر من الطوابق السفلى، بهذا المعنى وبما شابه نقول: غريبة هي بيروت، انها اشبه ما تكون بفندق، يستحيل ان يكون فيها اثنان إلا وخلافهما ثالثهما، لا احد فيها إلا على خلاف حتى مع ظله، اذا غاب الآخر، يكمن رهاننا الحقيقي في ان تحول العقلية في بيروت من عقلية ناس مقيمين على هذا الطريق، الى عقلية ناس مقيمين نهائياً في هذا المكان.

البيان الإماراتية في  25 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

برهان علوية:

غياب الإنتاج المشترك وراء إنحدار السينما

وليد زهر الدين