شعار الموقع (Our Logo)

 

 

بعد ان انزاح الاهتمام الامريكي من افغانستان الى العراق واستمرت اوضاع عدم الاستقرار الى حد كبير ؛ فان افغانستان قد اصبحت مسألة شبه منسية من جانب الولايات المتحدة.

ولكن ما هو مصير الوعود التي تم تقديمها للمراة في افغانستان؛ ذلك البلد الذي  مزقته الحروب والمواجهات المسلحة التي لا تكاد تهدأ في مكان منه حتى تطل براسها في مكان بل امكنة اخرى .هل فعلا ادت الحرب الامريكية ضد الارهاب في افغانستان الى منح المراة الافغانية حقوقها او جزءا من تلك الحقوق المسلوبة ؟ هل حصلت المرأة الافغانية على الحرية التي وعدت بها.

المخرجة الايرانية سميرة مخمالباف تحاول البحث عن اجابة لهذه التساؤلات في فيلمها الاخير الذي منحته عنوان " الساعة الخامسة بعد الظهر " والذي يعرض للحياة في افغانستان بعد الحرب وتلقي من خلاله سؤالا له دلالاته حول ما اذا كان من الممكن فعلا ايجاد الديموقراطية من خلال الغزو و الحرب.

والفيلم ياتي بعد عامين من حرب امريكا على الارهاب في افغانستان والاطاحة بنظام حكومة طالبان التي لم تترك احدا الا واستعدته وواجهته بسبب قلة خبرة قياداتها وانعدام الحس الدبلوماسي لديهم .

وفي اجواء ما بعد طالبان الجديدة والتي بها بصيص حرية نسبية فان "نوجريه"  ابنة العشرين عاما تتجه الى مدرستها وهي ترعى بين جنبات نفسها حلما يروادها بان تصبح يوما ما رئيسة دولة افغانستان.

ورغما عن افتتاحية الفيلم المبهجة الا انه يدور وبشكل رمزي وايحائي حول عرض صورة قاتمة للاوضاع في هذا البلد الذي تتبعثر فيه الامال وتضيع الاحلام الى غير رجعة وتفقد الحياة اي طعم للمعاني او للاحاسيس بسبب المواجهات الدموية النكداء التي تدور غالبا بدون سبب وكأن من يرتبون لها ينفذونها اولا ويبحثون عن السبب لاحقا.

وتعلق سميرة مخمالباف على فحوى الرسالة التي ترغب بطرحها من خلال فيلمها فتقول ان الامريكان قد طرحوا فيلم رامبو -3- والذي كان بوسعهم ان يطلقوا عليه اسم رامبو افغانستان . وحاء رامبو وانقذ افغانستان . وهي الصورة التي تعمل وسائل الاعلام الامريكية و كذلك الدولية على نشرها للاوضاع في افغانستان والعراق والتي تختلف باكثر من زاوية عن الاوضاع الحقيقية القائمة فعلا.

والبلد الذي تحاول مخمالباف ان تبرزه في فيلمها هو بلد تدمرت فيه جميع مستويات وصنوف البنية التحتية بسببب الحرب؛ وهو مكان يكون فيه العيش في الاماكن المدمرة والمهجورة نوعا من الترف السامي . بلد يحاول اعادة احتواء الالاف من اللاجئين الذين يفرون باتجاه باكستان وايران في محاولة منهم لايجاد معنى واحد على الاقل من المعاني التي يجب ان يبقوا من اجلها فوق سطح الارض يشمون الهواء بعد المآسي التي لا حصر لها والتي تلاحقهم في كل زقاق من ازقة افغانستان وكل هذا بسبب نزوات امراء الحرب الذين يقتاتون ويأكلون من معاناة الاخرين .وهو بلد تتصارع فيها الاجيال فيما بينها حول دور الدين في حياتها وتتصارع كذلك حول التفسير الصحيح لهذا الدين بعد ضياع البوصلة التي كانت ترشدهم الى الطريق الصحيح وهذا ايضا بسبب الحرب.

في اطار هذا الوضع الغريب والمتقلب ابدا تحاول نجريه ان تنسج لها حياة جديدة لها معنى او هدف . فهي تمشي للمدرسة يوميا و تقوم خفية بلبس حذاء له كعب عال –  من محرمات حركة طالبان – وتزيح البرقع عن وجهها من حين لاخر لتبدى ميكياجها بينما يدور ابيها في ازقة المدينة وهو يعجب لما تبديه النساء من زينتهن على الملأ بدون خوف او وجل ولا يخفي خشيته من حقيقة ان بلده تنهار وتنزلق الى جهنم لا يمكن ان ترحمها.

وكلما شاهد امراة سافرة ولا تضع البرقع فانه يدير وجهه الى جهة اخرى ويرفع يده للسماء طالبا المغفرة من ربه لكي لا ينزل عقابا على الجميع بدون استثناء . وعلى النقيض من ذلك تتلقى ابنته تعليما راقيا في المدرسة يشحذ فيها الهمة ويربي في داخلها الطموح تلو الطموح لتعرف مصالحها وما يجب عليها تجاه بلدها.

ويدور حوار مفعم بالحيوية بين بنات المدرسة عندما تتجرأ نوجريه وتطرح حلمها بان تصبح اول امراة رئيسة لافغانستان على زميلاتها .وفي افضل مقطع من مقاطع الفيلم تقوم البنات ببحث امكانيات وصول امرأة لسدة الحكم في افغانستان لتغيير  صفحة ازدراء طالبان للمرأة وطيها طيا لا تفتح من بعده.

وبعض البنات يبدين حرجا من خلال قولهن بان الزعامة شيئ خارج نطاق القدرات التي لدى المرأة؛ الا ان فتاة عمرها 13 عاما ترد بجرأة بان الرجال هم الذين جاؤوا بطالبان وهم الذين الحقوا الدمار بافغانستان وهم الذين يشنون الحروب التي قتلت ابوها وعمها وبهذا فان الحكم لا يمكن ان يكون في نطاق قدراتهم بل انه يفوق هذه القدرات وربما كانت المرأة احق به منهم.

وتاتي النهاية المأساوية للفتاة الحالمة عندما تنفجر فيها قنبلة كان المقصود منها منع البنات من الذهاب للمدرسة ؛ لتموت ويموت معها حلمها بان تحكم افغانستان.

عنوان الفيلم " الخامسة بعد الظهر " مقتبس من كلمات لاحد الشعراء الاسبان الذي قتل في هذا الوقت والساعة . ومغزى العنوان هو انه في بلد تعتصر دمها وتنزفه بدون سبب مثل افغانستان فان هناك آمالا ضئيلة بان تتقدم او تزدهر .. ما لم تحصل معجزة.

موقع "إيلاف" في  24 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

فيلم لمخرجة إيرانية:

الساعة الخامسة بعد الظهر

علي مطر