شعار الموقع (Our Logo)

 

 

تؤكد كل الاستبيانات والدراسات التي اجريت ان أداة التوصيل الرئيسية في حقول الثقافة والمعرفة هي التلفزيون، وبأن اكثر الاوقات مشاهدة للبرامج التلفزيونية  تلك التي تعرض فيها مادة المسلسلات الدرامية.

قدرت بعض الاستبيانات الحديثة نسبة هذه المشاهدة بحوالي الـ 98%. ومن هنا نفهم سر التدفق الاعلاني الرهيب على فترات البث الدرامي، خصوصا خلال بث الاعمال التي تحظى بجماهيرية كبيرة، فقد بلغت حصيلة اعلانات مسلسل واحد فقط 45 مليون جنيه. هذا مع العلم ان تكاليف انتاج الـ 13 مسلسلا مصريا التي عرضت في رمضان الماضي لم تتجاوز الـ 60 مليون جنيه.

لم يعد الشعر اذن هو ديوان العرب، كما كان الحال قديما، ولا الرواية كما كان الحال على امتداد القرن العشرين، بل يمكن القول الآن ان شاعر القبيلة ومنشدها، وكذلك مغني ربابتها وحاكي سهراتها وراويها هو الدراما التلفزيونية.. بحيث بات يصح تماما ما قاله الكاتب والسيناريست أسامة أنور عكاشة عن فن الدراما بانه قد «اصبح في وقتنا الحاضر ديوان الحياة الماضية والحاضرة وبه ايضا نستشرف المستقبل، كما يعتبر وسيلة مهمة من وسائل التعبير المصحوبة بالمتعة والتسلية».

من هنا جاء اهتمامنا بمتابعة الدراما التلفزيونية بالنقد والتعليق.. لعلنا نضيء ولو نافذة صغيرة لما هو مفيد في هذا الحقل الذي يستحوذ على اهتمام الملايين.
مما لا شك فيه ان عناصر النجاح الفني في اي عمل درامي انما تكمن في توفير عناصر نجاحه الاساسية بدءاً بالنص المكتوب (القصة والسيناريو والحوار) مروراً بالمخرج والموسيقى التصويرية واغنية التتر وصولاً الى النجم او نجوم العمل.

في حقل الترويج الدعائي يحتل اسم النجم مكانة متميزة حتى، غير ان الجمهور لا يلبث ان يكتشف عبر التجربة ان اسم النجم وحده لا يكفي، (راجع السقوط الذريع للنجمتين نبيلة عبيد والهام شاهين في العمة نور ونجمة الجماهير)، وان شرط النجاح الفني يحتاج الى تضافر شروط اساسية اخرى مثل السيناريو والاخراج، وسيكتشف المتلقي ايضا ان الغالبية الساحقة من المسلسلات الناجحة ترتبط باسماء معينة غير اسماء النجوم، كما هو الحال مع اسم المؤلف وكاتب السيناريو أسامة أنور عكاشة.

قبل ايام بدأ على دبي الفضائية اعادة عرض مسلسل «امرأة من زمن الحب» الذي شاهدناه قبل سنوات قليلة، وهو من بطولة سميره احمد وعبلة كامل. وكان الثلاثة قد قدموا بنجاح كبير «اميرة في عابدين»، في رمضان العام الماضي. لقد صاغ هذا الثلاثي مع المخرج احمد صقر ومع ابطال العملين نجاحا فنيا مدهشا لسيرة ومواقف امرأة متعددة الادوار والشخصيات، ليس فيما تطرحه من قضايا فحسب، وانما في الرؤية الجماعية لدراما متميزة.

إن اسم أسامة أنور عكاشة علامة تعني النجاح والتفوق الفني. ويكفي فقط ان نذكّر باسماء عدد من اعماله لنكتشف عمق واتساع البصمة التي تركها على الدراما العربية:

«ارابسك»، «ابواب المدينة»، و«قال البحر»، «انا وبابا في المشمش»، «اوبرا عايدة»، «الراية البيضا»، «ضمير ابله حكمت»، «عصفور النار»، «لما الثعلب فات»، «ليالي الحلمية»، «الشهد والدموع»، «نصف الربيع الآخر»، و«ما زال النيل يجري»، «زيزينيا امرأة من زمن الحب»، الخ.. وكان آخر اعماله «كناريا وشركاه»، الذي لم يتمكن غالبية الناس من مشاهدته لعرضه مشفرا.

  • فمن اين يستمد اسامة عكاشة تميزه الدرامي؟

في تقديرنا ان امتياز عكاشة الدرامي ينهض على اربع دعامات اساسية:

اولا: قوة التخييل الدرامي:

يلاحظ كل من شاهد مسلسلا لعكاشة امتلاكه لقدرة تخييل درامي شديدة التوهج والتدفق، وهنا بالضبط تكمن موهبة مبدع الدراما.. بحيث يستطيع ان يحول الحلقة الواحدة، لو شاء الى مسلسل من نوع نجمة الجماهير المغرق بالمط والتطويل والتكرار حد الملل، وذلك لأن مؤلفه يفتقد الى اي خيال درامي، فكان ان قدم لنا عملا بـ 35 حلقة، وكان بالامكان تكثيفه بسهولة الى خمس حلقات.

وفي المقابل فإن المتلقي لأعمال عكاشة لا يشعر بلحظة ملل وهو يتابع مسلسلا مثل «ليالي الحلمية» الذي قدم في خمسة اجزاء استغرقت اكثر من سبعين حلقة.

ثانيا: التشويق:

يحافظ عكاشة في كل ما قدم من اعمال درامية، على استمرار عملية تشويق المتلقي لمعرفة ما يستجد من احداث، سواء داخل الحلقة نفسها ام باتجاه الحلقات القادمة. وهذا التشويق هو لعبة الراوي او الحكواتي منذ الف ليلة وليلة الى اليوم. وحول هذا المعنى اكد عكاشة على اهمية عنصر التسلية والترفيه في الاعمال الدرامية.

ثالثا: الالتزام والرسالة:

الدراما التلفزيونية بالنسبة لعكاشة ليست عملية لهو وتسلية، وان تضمنتهما، ان الفن بالنسبة له فعل التزام ورسالة واجب، ولهذا نجد اعماله مرافعة دفاع عن قيم الخير والحب والجمال في مجابهة زمن الزيف والنهب والانفتاح.

وفي كل اعماله نجده يسعى الى اعادة الاعتبار الى منظومة القيم التي تكاد تدوسها جنازير العولمة، فيعمل على ابراز  قيم الحارة الشعبية واخلاقها.. حيث التراحم وحماية الضعيف ومساعدة الفقير والدفاع الشرف .. الخ.. (اميرة من عابدين وليالي الحلمية) وكذك في ايلاء الاهتمام بسلوكيات تكاد تنقرض من حياتنا كالصداقة واخلاقيات الطبيب (اميرة من عابدين) والمعلم (ضمير ابله حكمت)  ورجل الدين المستنير (وما زال النيل يجري) والمهني والصانع الفنان، (أرابسك) وحيث التمسك بالتراث وحمايته وتجديده ..الخ.. ولكنك في كل الاحوال فإنك ستجد عكاشة دائما في خندق الوطن والمسحوقين والشرفاء في مواجهة جبهة الاعداء في الداخل والخارج لا فرق

رابعا: البعد عن التنميط

حين يقيم عكاشة مقارنة بين الريف والمدينة (ليالي الحلمية) او بين عالم البحر والبراءة وعالم المال والفساد (وقال البحر) او بين توحش النهابين وبين قيم الثقافة والعلم (الراية البيضا والنوة) فانه في كل هذه الثنائيات يبحث عن الجمال، ويبرز قيم النبل والخير الموجودة في كل مكان.. فليس هناك اسود وابيض وشر وخير بالمطلق، كما يذهب الرومانسيون مثلا حين يصورون طهارة الريف وبراءته، او حين يصور الاشتراكيون الطبقة العاملة ..الخ..

وحتى داخل الشخص الواحد فلا توجد شخصية نمطية تمثل نموذج الشر المطلق او الخير المطلق فالانسان بطبيعته يقوى ويضعف، يرتكب الاثم كما يفعل الخير. ولأن الانسان مركب على هذا النحو فإن الملتقي لا يستطيع ان يجزم بالحركة المقبلة التي سيقدم عليها هذا الشخص او ذاك. ومن هنا تحافظ اعمال عكاشة على حيويتها وتشويقها.

ولمجموع ما تقدم من اسباب صار اسامة انو عكاشة علامة تعني التفوق.

 

nazihabunidal@hotmail.com 

الرأي الأردنية في  24 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

دراميات "أسامة أنور عكاشة"

علامة تعني التفوق

نزيه أبو نضال