شعار الموقع (Our Logo)

 

 

من خلال مشاهداتي لمسابقة (أفلام من الامارات« التي اختتمت فعالياتها يوم الثامن من الشهر الحالي، يمكنني القول إن أهم الأفلام التي أتيحت لها فرصة أن تعلق بذاكرتي، كمشاهد، من تجربة السينما الإماراتية هي تلك التي تماسّت مع أو تحركت نحو الكتابة: الشعر، القصة القصيرة، الرواية، وحتى النصوص المفتوحة الأخرى. إنها تلك التجارب التي تشعرك بأن صاحبها شاعر أو قاص أو روائي، أو عاشق في المقام الأول قبل أن يُقدم على خطوة خلق فيلم سينمائي.أ مام هكذا »حالات مصورة« كالتي شكّلها فنانون خارجون من معاطف الكتابة تتراجع إلى حد كبير اهتماماتك كمشاهد بأمور تقنية كثيرة، رغم أنها داخلة في صلب شروط تحقق عمل سينمائي، إلا أنها أمور تأتي بالتدرب وبالوقت. فهي مسألة معالجات حرفية ربما يكتسبها العاملون في الفيلم بعد فيلمهم الأول أو معه أو ربما لا يتقنونها على الإطلاق، إلا أن الفيلم يبقى قادراً على الوصول إليك لأنه عمل إبداعي مخلص.

وليس من الغريب والحال هكذا أن تكون مجموعة كبيرة من الأسماء التي أخرجت أو كتبت أو شاركت في تحقيق تلك التجارب خرجت بالأساس من معاطف الكتابة: مسعود أمر الله الخارج من معطف الشعر، الشاعرة المتدفقة نجوم الغانم، الكاتب والمخرج صالح كرامة، الشاعر إبراهيم الملا، المبدعة ابتسام الشايب، الشاعر خالد بدر، القاص ماجد بوشليبي، محمد نجيب وآخرون تحفل بهم تجربة »الحالات المصورة«، كما أحب أن اسميها، أو الأعمال »السمع بصرية« الإماراتية كما أطلق عليها النقاد خلال دورات مسابقة »أفلام من الإمارات«٫

قبل الخوض في أهم أسباب صعوبة الكتابة حول تجربة »السينما« في الإمارات لابد من الإشارة إلى أن كل الأفلام التي أنتجت في الإمارات باستثناءات بسيطة، قد استخدمت فيها كاميرات الفيديو وأن استخدام اصطلاح سينما ربما قائم على أساس أنها تعرض في قاعات العرض السينمائي، أو تسعى إلى أن تصبح أفلاماً سينمائية، والصعوبة هنا تنبع من أمور عدة أولها عدم توافر كتابات سابقة في هذا الصدد، وعدم توافر أي جهد بحثي في هذا المجال اللهم إلا ما يقوم به السينمائي مسعود أمر الله من جهد بحثي وميداني لم يلق حظه في النشر بعد، وثانيها أنها تجربة حديثة جداً بالمفهوم الزمني وكذلك لأنها، حتى لحظتنا الراهنة »سينما أفراد«: وأرى هنا جواز إطلاق صفة الفردية على تجربة الفيلم باعتبار أن فريق العمل هو شخص واحد يعمل بعيداً عن أي جهد تراكمي داخل في صلب تجربة محلية تنهل من الثقافة الوطنية في الوقت نفسه، وبعيداً عن أي شكل من أشكال العون المؤسساتي اللهم إلا بعض العون الذي لا يدخل في إطار توجه عام أو مخطط متكامل.ثالث الأسباب التي تجعل الحديث عن تجربة السينما المحلية صعبا هو الخوف من الوقوع في غبن كبير لهذه التجربة الوليدة، إذا ما تم تناولها بالمنطق ذاته الذي يتم به تناول التجارب السينمائية الأخرى التي ربما توفر لها ما لم يتوافر لهذه التجربة من إمكانات، ومن فرص للاستفادة من تاريخ وذاكرة السينما العالمية أو المحلية، يكفي أن نعرف أنه لا يوجد ناد واحد للسينما في دولة الإمارات لندرك أن فرصة الاطلاع على تجارب السينما العالمية متروكة لسعي المهتمين ومحاولاتهم، ولمشاركة بعض المؤسسات الكريمة، ومنها المجمع الثقافي في أبوظبي عبر قاعة السينما فيه، في توفير بعض النماذج المهمة.

وكذلك حرمان هذه التجربة من الكوادر الفنية المدربة في مجالات كثيرة تلزم تحقق فيلم سينمائي محترف في مجالات التصوير والإضاءة والديكور والماكياج، وكل الجوانب التقنية الأخرى التي لا يمكن التغاضي عن أثرها في أية قراءة جمالية في منتج سينمائي، فلا يوجد معهد واحد لتدريس هذه الفنون السينمائية في الإمارات، وجل الجهود التي تمت في هذا الإطار إنما جاءت عن طريق عصف ذهني خاص مصدره العشق الملهم لهذه الفاتنة المسماة بالسينما.سينما محلية تجاوزاًإلى جانب أسماء الجيل الأول الذي اهتم بتقديم باكورة إنتاج تلك »الحالات المصورة«أو »السينما المحلية« تجاوزاً، والذين أنجزوا محاولات ستحتفظ بها ولا شك ذاكرة الإبداع، كشفتْ مسابقة »أفلام من الإمارات« التي ينظمها سنوياً المجمع الثقافي في أبوظبي منذ ثلاث سنوات النقاب عن محاولات كثيرة في هذا المجال يقوم بها شباب إماراتيون متيمون بعشق السينما، وعن جهود جادة تتم على مستوى أكاديمي بهدف تعليمي وتدريبي للطلاب باعتبار الفيلم وسيطاً إعلامياً وإعلانياً وتعبيرياً، وهي تلك الجهود التي تقوم بها كليات التقنية العليا وبعض الجامعات في الدولة في إطار تدريسها لتقنيات و لفنون الإعلام، وليس بهدف دراسة فنون السينما.

وكان لنشوء المسابقة أثر السحر في نفوس محبي السينما، فأتاحت لهم للمرة الأولى فرصة أن يُعرض عملهم أمام عدد أكبر من الجمهور جاء خصيصاً لمشاهدة عروض سينما، كما أتيحت لهم الفرصة لمشاهدة أعمال آخرين بما تحمله من رؤى ومشاهدات وخبرات خارجة من ثقافات أخرى. وباستمرار المسابقة على مدار ٣ سنوات »دورة تجريبية ودورتان رئيسيتان، بخلاف الدورة الثالثة التي اختتمت فعالياتها. عُرض ما يزيد على المائتي تجربة محلية من أصل ١٩٢ فيلما أنتجت في الإمارات حتى تاريخ الدورة الثانية من المسابقة في العام ،٣٠٠٢ وحدث ما يشبه الفرز المبدئي الذي يمكن من خلاله أن نسقط ما لا ينتمي بأية حال إلى هذا الفن، ونستبعد تلك الأعمال التي لم تنجح أو تسعى بجدية في تعويض النقص التقني الواضح والذي لا حيلة لأحد فيه خلال الفترة الحالية على الأقل، بقدح فني إنساني، وأن نحصر تركيزنا في من حاول واجتهد في تقديم رؤية خاصة به، داخل إطار هذا الفن الصعب شديد الحساسية، ترفد محاولات جديرة بالاحترام نحو توطيد خطى الثقافة الوطنية في زمن التهديد الكوني. ورغم أن التجارب التي فرضت نفسها وفق هذه الشروط قليلة تكاد تعد على الأصابع إلا أن مشاهدتها في حد ذاته وسط هذه الظروف الصعبة جدير بخلق الانتباه والفرح، لأن جيلاً جديداً ما زال هاجس السينما يسكنه بعدما بردت نار جيل الرواد بحكم انشغالهم بالحياة أو لأسباب أخرى، وهي ظاهرة قد تستحق التسجيل في الوسط الثقافي الإماراتي.على جسر المسابقة إذن عبرت أسماء لمبدعين شباب جدد يُشكلون امتدادا للجيل السابق يعملون بروح الهواة وعيونهم على الاحتراف، بعضهم درس السينما في أرقى الجامعات والمعاهد في أمريكا وأوروبا، وبعضهم درس، أو ما زال، بعض أشياء عنها من خلال تدربه على تقنيات التصوير في كليات التقنية، والبعض الآخر لم يدرس بل تتبع نبض قلبه العاشق.

من الأسماء التي برزت بتميز تجاربها نواف الجناحي، عبد الله مؤمن الجنيبي، هاني الشيباني، خالد المحمود، سعود الملا، يوسف إبراهيم، حسين بن حيدر، وليد الشحي، عبدالله حسن أحمد، ياسر القرقاوي، خالد الرايحي، علي العبدول، خالد سالم، سعيد الظاهري، ومن النساء رحاب عمر عتيق، خديجة الحمادي، عائشة الهاملي، شما الرميثي، مريم فهد، مريم المنصوري، آمنة المهيري، ثريا الخوري، وحليمة سيمبا، وآخرون جديرون بالذكر هنا لولا ضيق المساحة وعدم تيسر المرجعية، كلهم مازالوا يقبضون على جمرة عشقهم للسينما.

امتازت تجارب هؤلاء واشتركت مع الجيل السابق لهم بأنها حقيقية، لم تكن المشكلة أبداً فيهم من حيث الموهبة والإبداع، بل في غياب التقنيات والتمويل، ولذلك رغم التشويش التقني البصري أو الصوتي لا يمكنك إلا أن تلمح شرارة إبداع ذاتية حميمة وخاصة داخل كل تجربة.

تجربة نواف الجناحي

في تجربة نواف الجناحي يمسّك فورا ذلك الدفء الإنساني الشفيف وتأخذك تلك الجرأة والجدة في التناول والطرح بطريقة غير متوقعة ومن دون استرسال، هو يريد أن يقحمك معه في لحظة شعورية صغيرة للغاية إلا أنها كفيلة بأن تسع كل من يدركها معه، ويلفك هذا الشعور العميق بالقرب من أعماله.

في فيلمه الصامت »على طريق« لا نعرف أبدا من هذا الشاب الذي يرتدي بنطالاً اسود وقميصاً ابيض الذي يمشي على طريق إسفلتي طويل ممتد في العمق كأنه خارج من ذاكرة إنسان، الإسفلت الأسود يسيطر على الحالة بينما الشاب يسير فوق الخط الأبيض المحدد على الطريق، يقطع مسافة ما دون أن نعرف من أين وإلى أين ولماذا؟ ثم فجأة يستلقي على الإسفلت ولا يكمل. إلا أن الدفق الشعوري الناتج عن فرحة الاكتشاف التي تنتابك وأنت ترى الفيلم وقد انتهى فجأة، كفيلة بأن تعلقه في ذاكرتك ليعيد طرح نفسه عليك فكرةً وصوراً جيدة عندما تجد نفسك ذات مرة وقد فقدت الدافع في استكمال عمل ما تؤديه من دون أسباب مقنعة، أو حينما ترى ذلك يحدث لآخرين. اللافت في فيلم »الجناحي« هو تعبيره الجيد عن فكرة جيدة، واختياره للقطات موجزة تفي بالغرض دونما استرسال قد يطعن ظهر الحدس في ذهن المتفرج. فالجناحي مهتم بالبحث داخل لحظات إنسانية عامة، ولكن بشكل خصوصي حميمي يُعلي من قيمة المشاهد بإشراكه معه في قراءة ما يريد أن يقوله وهو بشكل عام بالمقارنة بين فيلميه »هاجس« ثم »على طريق« نراه يتجه نحو تخليص منتجه الفيلمي من كل ما يراه زائداً على الحاجة سعيا وراء تكثيف اللحظة.

تجربة خالد المحمود

تجربة خالد المحمود تذكرني بمحترفي القصص القصيرة المكثفة والغنية التي تشتغل على النفس البشرية وتحاول مشاركتها هواجسها وأحلامها، هو قاص سينمائي بارع، يكتب تلك الأقصوصات التي تخلف داخلك علامة استفهام كبيرة لا توازيها في الحجم سوى مساحة الاندهاش والفهم المشوب بالألم أو بالحسرة أو بالفرح، لا يهم، المهم أنه نجح في أن يجعلك تفهم شيئاً ما ولّد في داخلك شعوراً ما.

يهتم المحمود كثيراً بتأليف فكرة ليعالجها وليس اقتناص لحظة، لذا يحضر في أعماله التناص والاستدعاء والإسقاط، ومثلما يختار القاص للقطته الكلمات التي تخدم حالتها، يختار المحمود العناصر التي يرى أنها سوف تعكس رؤيته بشكل جيد وتساعد في منحها العمق المطلوب من دون استسهال.في فيلمه »شارع الأحلام المحطمة« قدم عبر الأسود والأبيض الذي عزز الشعور بالألفة رؤية عن شخص منبوذ ووحيد نتيجة مغامرة عاطفية فاشلة، يلعب البلياردو وهو ثمل فاقد للثقة، كلما فاز في اللعب استعاد قليلاً من ثقته المفقودة، وهكذا إلى أن يأتي شخص أكثر احترافاً منه ليهزمه مرات تتراجع خلالها ثقته إلى أن تأتي اللحظة الحاسمة ببقاء الكرة السوداء على الطاولة ..يسارع الرجل في الهرب تاركاً الأمر معلقاً: لو أنه أكمل اللعب هل يخسر أم يفوز؟.. دفء شديد وحنان في المعالجة زاد من عمقيهما الأبيض والأسود، ولا أعرف إن كان ممكناً اللجوء إلى تلك المفردات في الحكم على تجربة فيلم إلا إنها أحاسيس مشاهد.

حالة خالد المحمود الذي درس السينما في روما بالتوازي مع دراسته للهندسة في أمريكا تؤكد تصوري لأسباب تميز تلك التجارب أو قدرتها على أن تعلق في الذاكرة، فالمحمود شاعر وسيناريست له إبداعات في المجالين ولكن باللغة الانجليزية بحكم دراسته منذ الصغر. ويتجلى ذلك البعد أكثر في فيلمه الروائي القصير »أحلام في صندوق«: يرن المنبه ليوقظ رجلاً من نومه في السابعة صباحاً ليتناول إفطاره ويخرج فيتعرض لحادثة ويموت »أو هكذا يوحي لنا المخرج«، ثم تعود الساعة لترن في الموعد ذاته لتوقظ الرجل ذاته الذي يقوم ليتناول إفطاره ويخرج ليتكرر موته الإيحائي، عندما ترن الساعة في المرة الثالثة يستيقظ الرجل ذاته ويخرج ويصل إلى مكتبه، يتحدث في الهاتف، يطول به الأمد حتى المساء ليمشي مع فتاة يوحي لنا المخرج هذه المرة بأنها ماتت عندما تختفي فجأة، لتهوي صخرة ضخمة فوق الساعة في توقيت السابعة وينتهي الفيلم.

موت الحبيب لا يقل في قسوته عن الموت الشخصي، ربما.. لم تعد هناك قيمة للوقت بعد رحيلها فلتتحطم الساعة إذن.. أيضا ربما..ويتركنا المحمود محملين بالعديد من »ربما« لينشغل بعمل آخر.

تجربة هاني الشيباني

المخرج المميز هاني الشيباني ينطلق في تجربته الخاصة بحساسية عالية للغاية بفنون المعالجة السينمائية جعلت النقاد يعتبرونه مع نواف الجناحي وخالد المحمود أعمدة صالحة لبناء سينما إماراتية قادرة على الظهور في المشهد السينمائي إذا ما توافرت الإمكانات المطلوبة.

قدم هاني الشيباني تجربة شاعرية دافئة في فيلمه »ليلة شتاء دافئة« القصة والسيناريو ليوسف إبراهيم مهدت للنضج الكبير الذي أطلقه في فيلمه »جوهرة«، وكان ذلك النضج هو السبب في حصد عدد كبير من الجوائز وشهادات التقدير في مسابقة أفلام من الإمارات ثم جائزة في مهرجان بيروت.قدم الشيباني في فيلمه محاولة روائية متميزة، دراما اجتماعية تحكي قصة بنت صغيرة: »جوهرة« منقسمة بين عالمين، ولّفت التجربة العلائق بين شخصيات عدة بنجاح لافت، وفي إيقاع منضبط إلى حد كبير.

والشيباني هنا أيضاً غازل روح المشاهدين واشتغل على هاجس البراءة التي تطحنها الحياة بتناقضاتها المرة، واستدعى مخزون الحنين والحزن في قلوب وأرواح المتفرجين، إلا أن نجاح تجربته كان الأكثر اعتماداً على المعالجات التقنية والفنية من بين التجارب المحلية الأخرى، فبالإضافة إلى الروح المبدعة التي ميزته وتوفرت للبعض الآخر، هو امتاز بمعالجة بصرية موفقة، وسيناريو وحوار متماسكين ودافئين، وبأداء عفوي من الممثلين وبتصوير أقرب إلى الاحتراف وإضاءة مناسبة، فقدم تجربة متماسكة مؤثرة ذات بعد إنساني شفيف استغل خلالها الكثير من العناصر المحلية ببراعة، الأمر الذي يشي بقدرة كامنة فيه على تطوير أدواته وقيادة فريق عمل سينمائي.

تجربة صالح كرامة

في الوقت الذي تنطوي فيه تجربة صالح كرامة على العديد من عناصر التميز نابعة جلها من جمع هذا المبدع وتجريبه في أكثر من مجال بدءا من الكتابة للمسرح وإخراجه، مروراً بالقصة والرواية إلى الإخراج السينمائي، إلا إنها أيضاً تصلح هنا مدخلا لطرح واحد من أهم التساؤلات التي أثيرت من قبل النقاد في قراءتهم للتجارب التي عرضتها مسابقة »أفلام من الإمارات« في دورتيها السابقتين، والتي كانت منصبة على استخدام اللغة الإنجليزية في معظم التجارب المشاركة بخاصة من طلاب كليات التقنية، وصالح كرامة يقدم على هامش الدورة الثالثة من المسابقة هذا العام ثماني تجارب فيلمية قصيرة كلها ناطقة باللغة الإنجليزية جمعت بين التجريبي والروائي هي: »المرآة، أين قميصي، ضوء يتنفس، احسب الفقاعات، دمية لاصقة، فالنتاين، الكرة الثلجية القصيرة، الباب المتحرك«، وهو في الأفلام كلها استعان بممثلين محترفين من بريطانيا حيث يقوم بتدريس مادة إعداد الممثل في أحد المعاهد هناك.

ورغم اختلاف القياس بين الحالتين إلا أنه مجرد تذكير بواحدة من النقاط التي أثيرت بشدة، وسبب الاختلاف أن كرامة محترف يعمل في مجال المسرح وصاحب رؤية متشكلة بالأساس وأن تجربته جاءت في اللغة الإنجليزية بحكم عمله في بريطانيا واستعانته بمحترفي تمثيل منها، كما أنه يعالج موضوعات ذات بعد إنساني وجودي لا يعوقه كثيراً حاجز اللغة، والإيجابي في تجربته أنه عندما ينتقل للعمل مع مبدعين من أهل الإمارات سوف يكون مفيداً في نقل ما اختبره خلال العمل مع أبعاد ثقافية وحضارية وخبراتية أخرى.

في فيلمه الطويل »ما تبقى« الذي يشارك به في المسابقة هذا العام يضيف كرامة بعداً جديداً لحقل التجربة الإماراتية من خلال تقديمه معالجة جمالية لروح نص »جدارية« للشاعر العربي الكبير محمود درويش، مشاهد محفوفة بالقلق تقدم قراءة بصرية سينمائية في لحظة عدم التحقق، حيث لا موت ولا حياة، إنه بحث سينمائي في التساؤل الفلسفي الذي يطلقه درويش: هل نحن موجودون بالأساس على وجه هذه الحياة؟ بلغة سينمائية، ولغة حوار عالية الشعرية.

تجربة عبدالله الجنيبي

عبد الله مؤمن الجنيبي تجربة أخرى تحمل تميزها في تلك القدرة على توليد الدهشة والبحث عن الجديد، هو في فيلمه »متى؟« قدم وعياً عالياً بالبيئة المحيطة، وهو أمر يغفله الكثيرون أو يسيئون استخدامه، وهو هنا يشترك مع الشيباني في حمل ملامح الوطن بثقافته، قدم في فيلمه تساؤلاً عميقاً يتعلق بالحياة اليومية للشباب، عالجه فلسفياً في شكل أقرب إلى العبث المنظم، وأطلق خلال مشاهده شحنة عالية من الفضول والانفعال النفساني والشعوري نجحت في اجتذاب المتفرج وتعليق السؤال في ذهنه قبل أن يغادر.

بشكل عام يمكن القول إن المنحى الذي تنحوه تجارب المبدعين الشباب في مجال الإبداع »السمع بصري« (السينما) بخاصة التجارب المتميزة منها، هو منحى إنساني راق وجدير بالاهتمام، قد يؤخذ عليه أحياناً إغفاله بشكل أو بآخر حضور آخرين بقرب الذات المبدعة يمكن لها أن ترى ذاتها عبر مراياهم، فتكون الصورة أكثر اتساعاً وعمقاً وأقرب إلى التعبير عن خصوصية عامة الى جوار الخصوصية المنغلقة للمبدع.

إلا أن تحقق ذلك الأمر ربما يحتاج إلى مزيد من الاحتكاك والاطلاع على تجارب الآخرين ومعايشة أكثر رحابة مع المجتمع بخصوصياته، وليس معنى هذا دعوة إلى توجه ساذج نحو النبش في خصوصية المكان والثقافة والتحمس نحو تقديمها ولو على حساب الجودة، وإنما دعوة إلى وعي أعمق بالمكان وثقافته وبكل مفردة تنتمي إليه، لأن الوعي بها يعني أنها سوف تصبح ظلاً عميقاً ذا دلالة في كل رؤية للمخرج بعد ذلك تمنحه مهابة الانتماء إلى ثقافة ما.

كم من المواهب المتحمسة والقادرة كشفت عنه مسابقة أفلام من الإمارات يمتلك كل منها لهبه شديد الخصوصية الجاهز لإشعال الفتيل وتفجير حالة الركود التي تخيم على المناخ السينمائي في منطقة لها من البعد التاريخي والتراكم الثقافي والتراثي ما يصلح ذخيرة مائة عام من التقليب الفني على كافة الوجوه والجوانب شريطة توفر الرؤية المبدعة، فما الذي ينقص هذا المشهد لكي يقدم تجربة سينمائية متكاملة تثرى المسيرة الجادة التي اشتهرت بها الإمارات نحو تفعيل دور الثقافة الوطنية وتعزيز المنتج الثقافي المحلي في الساحة الثقافية العربية والعالمية؟

ربما تكمن الإجابة عن هذا التساؤل في ما قاله السينمائي مسعود أمر الله في حواري الأخير معه عندما أشار إلى ثقته الكبيرة بوجود »أب« للسينما الإماراتية يتابع ما يتحقق من نجاحات وينتظر من سينمائيي الإمارات أن يثبتوا المزيد من التحقق قبل أن يبادر بإعلان تبنيه لهذه الحركة الطموحة التي عرفت طريقها نحو النجاح.في النهاية لا أعرف لماذا يحلو لي الظن أن فيلم »الرمرام« تلك النبتة الصحراوية التي تحتفظ بخضرتها مهما اختلفت حولها الظروف، هو معالجة من مسعود أمر الله وإبراهيم الملا تشير إلى حال السينما في الإمارات.

الأيام البحرينية في  23 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

قامت على كاميرات الفيديو بجهود فردية طموحة

قراءة في تجربة "أفلام من الإمارات" من خلال خمة مخرجين

ولاء علاء الدين