شعار الموقع (Our Logo)

 

 

لا أستطيع أن أخفي حرجا شديدا يتملكني، ومنعني من الكتابة في هذا الموضوع الحساس طيلة أسبوعين فائتين.. لسببين:

أولهما: هو الخشية أن يفسر علي أنه كرسي في كلوب ذلك الالتفاف والاحتفاء الشعبي والرسمي الهائل واللافت حول نجمنا الأسمر أحمد زكي، مؤازرة له في محنة مرضه، وهي المحنة التي دلته علي مقدار شعبيته ومكانته، ورصيد المحبة الذي يملكه في قلوبنا.

ثانيهما: أن أطرافه تربطني بهم علاقة مودة، ولهم عندي منزلة ومكانة، تضعني في مقام الحيرة.. ولكن ما نشر خلال الأسبوعين الماضيين جعل الحديث ملحا، بعد أن تشوشت الصورة، واختلطت الأوراق.

باختصار أتحدث عن أزمة فيلم «رسائل بحر» الأزمة التي ثارت علي هامش محنة المرض التي يمر بها أحمد زكي، وخرج منها مخرج الفيلم داود عبدالسيد متهما بالغدر والخيانة وعدم الإنسانية، وافتقاد الوفاء والأخلاق، لأنه لم يراع مشاعر وظروف بطل الفيلم الصحية والإنسانية، وراح يبحث عن بديل له بمجرد علمه بتفاصيل مرضه، وكأنه يحكم عليه بالإعدام دون شفقة أو رحمة..!

اتهامات قاسية لو صحت، وتهز صورة مخرج كبير نعتز به وبأفلامه، ولابد أن تثير الدهشة والعجب، كما أثارتها عند كاتبنا الكبير عادل حمودة، الذي كتب مستغربا أن تأتي أفلام داود عبدالسيد مليئة بالإنسانية والعذوبة، في حين أنه نفسه يفتقدها..!

وكان زميلنا اللامع محمود سعد أكثر وضوحا وقسوة وغضبا عندما وصف داود بأنه «خائن للعهد والود.. بل وللإنسانية»، وكانت الصورة المرفقة مع مقاله الساخن، وهي عبارة عن تشكيلة من السيوف والخناجر، أكثر قسوة من عنوانه «الغدر».

ولأنني أيضا من عشاق أحمد زكي، فقد شعرت باستفزاز شديد، وغضب ساطع من مخرجنا الكبير، وتساءلت مع محمود سعد: هل هذه إنسانية؟!.. هل هذه أخلاق؟!.

وتساءلت أيضا: ولماذا لا نسمع المتهم قبل أن نحكم عليه بتهمة الخيانة العظمي، ونعدمه ـ ولو معنويا ـ أمام الناس؟!

ولماذا ذهب الغضب، وباتت خيوط الحقيقة، والأجزاء الغائمة والغائبة من الصورة، كان لابد من الكتابة، لرد اعتبار وشرف وإنسانية داود عبدالسيد.

الحقيقة الغائبة تقول إن داود هو الذي رشح أحمد زكي لبطولة «رسائل بحر»، وتحمس له النجم الأسمر جدا، ورأي في السيناريو الذي كتبه داود ما يستفز قدراته التمثيلية، ويتحدي موهبته الهائلة، ويستعيد به أدواره الصعبة.. الفذة. وكان طعم النجاح الذي ذاقه في «أرض الخوف» لايزال عالقا في فمه، رغم خلافاته ومشاحناته مع داود أثناء وعقب الفيلم، الذي يعده النقاد الآن من أجمل ما أنتجت السينما المصرية في الخمسة عشر عاما الأخيرة.

عاد الوئام، وبدأ التحضير، والاستعداد للتصوير، حتي كانت صدمة المرض. وسافر أحمد زكي للعلاج. ولما عاد متفائلا متحديا المحنة، تجدد الأمل في بدء التصوير، خاصة أن طبيبه المعالج أبدي موافقة، علي اعتبار أن العمل في حالة مريض عنيد مثل أحمد زكي أكثر فائدة وتأثيرا من الأدوية والمحاليل.. «ده واحد عايش علشان يشتغل» هكذا قال د. ياسر ساخرا.

ولأن داود يعرف مقدار الجهد المطلوب من بطله، بل إنه كان مشفقا علي أحمد زكي حتي قبل أن تتضح حقيقة مرضه، همس في أذن الطبيب يستوضحه: "أنت عارف جهد التمثيل المطلوب من أحمد؟"

وجاءت إجابة الطبيب دالة علي أنه لا يعرف، ويتصور الأمر علي أنه رحلة لطيفة للقناطر الخيرية. وشرح له داود الموقف بصراحة، وأخبره أن أغلب المشاهد سيتم تصويرها في البحر، وبعضها وسط نوة عنيفة، تتطلب من بطل الفيلم أن يبقي لساعات علي صخرة وسط البحر والأمواج، مرتديا ملابس داخلية خاصة، سيتم استيرادها من باريس، لأنه نوع لا يسمح للماء بالتسرب..!

ولما بانت الأمور، جاء قرار الطبيب حاسما: لا يمكن ده يحصل.. إن في ذلك خطورة بالغة علي حياته!

وفوجئ داود بالشركة المنتجة تطالبه برد العربون، وأخبره أحد كبار مسئوليها ـ حسين القلا ـ إن الفيلم قد تم تأجيله، وإن لديهم مشروعا أهم مع أحمد زكي أيضا له الأولوية، سيسجلون من خلاله مشوار حياته في حلقات.

وكان يمكن أن تنتهي الأمور عند هذا الحد بهدوء وسلام، إلا أن الدعاية السيئة التي طالت داود واتهمته بالغدر والخيانة، جعلته يطلب من الشركة أن تقوم أولا بالتعاقد معه علي إخراج الفيلم، ثم فسخ العقد، حتي يتضح من المسئول والمتسبب، وعندها يمكن أن يعيد العربون وفوقه «بوسة»!

مازال داود عبدالسيد مقتنعا أن أحمد زكي هو الأفضل والأنسب لبطولة الفيلم، رغم المرارة التي يشعر بها، ورغم الاتهامات التي طالته، وجردته من إنسانيته، وحولته إلي رجل عديم الأخلاق.

ثمة تواطؤ ما يستشعره، وقلب للحقائق مقصود، فضل إزاءه أن يغلق عليه بابه، ولا يحرك لسانه، انتظارا لمرور العاصفة، خاصة أن عليه أن ينتظر قدوم شتاء جديد، قبل أن تخرج «رسائل بحر» من أدراجه، وتدور الكاميرا.

توضيح رأيته لازما وواجبا، دفاعا عن الحقيقة لا عن داود عبدالسيد.

جريدة القاهرة في  23 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

الحقيقة الغائبة في أزمة فيلم "رسائل بحر"

هل ارتكب داود عبد السيد جريمة الخيانة العظمى في حق أحمد زكي؟!

أيمن الحكيم